التخطي إلى المحتوى الرئيسي

سوق عكاظ ما زالت تتجدد وتعرض مسرحية «تماضر»


آخر تحديث: الإثنين، ٢٤ يوليو/ تموز ٢٠١٧ (٠١:٠٠ - بتوقيت غرينتش)الطائف - عمر البدوي 

مثل ضوء ينبجس من أعماق التاريخ العربي، تجدد سوق عكاظ بعد عقد من إحيائها، صلة العرب بأيامهم القديمة، حين كانت ملتقاهم في شهر ذي القعدة من كل عام، يتناشدون الشعر ويتبادلون السلع (واحتفالات إحياء السوق تقام سنوياً خلال الصيف). وكانت عكاظ، التي اختتمت فعالياتها أمس، السوق الأبرز بين الثلاث الكبرى قبل الإسلام، وهي الأولى، تليها «مجنة» ثم «ذي المجاز»، قبل أن تصل الجموع والقوافل إلى الحج.
بعد ١٣ قرناً من التوقف والتحولات، لم يعد العرب كما كانوا، تغيرت ظروفهم، وأصبحت قصائد الفخر نواحاً، ونقائض الشعر التحاماً أهلياً يورد المهالك.
وتعتقد شرائح من رواد السوق، أن في عكاظ بصيصَ أمل يذكّر العرب بالليالي الخوالي التي كانت تلم شتاتهم، لربما كان الماضي دواء أو نداء يدخرونه لمثل هذه الأيام. عادت السوق بفنونها وآدابها إلى الواجهة، يتوَّج شاعرُها بالبردة، ويعود مزهوّاً بلقب «شاعر عكاظ»، على نحو آبائه الأولين.
في نسخة هذا العام، حضرت «تماضر» على خشبة عكاظ، في مسرحية وجدانية تحكي امتداد العلاقة بين الإنسان والأرض، أعدها الأمير بدر بن عبد المحسن.
ويعتمد العمل في حال من الترميز على قصة شخصيتين، أب وابنته. يحتل «الحوار» مساحة واسعة، فيمثل الأب التاريخ والأصالة والتراث والكلمة، فيما تمثل الابنة التطور والابتكار والإبداع، ويمتزجان في روح سوق عكاظ الجديدة لتبث في جسد العروبة الهامد بعض حياة وأمل.
وفي الحوار إشارات إلى التقاء الحضارات حول المشترك الواحد، وهو السير باتجاه الضوء الذي ينتظر في آخر النفق.
قبل 30 عاماً، ذات غفوة قديمة، وئدت فكرة إحياء سوق عكاظ في مهدها، حينذاك قررت مؤسسة رعاية الشباب إحياءها، ودعت أدباء كباراً إلى مؤتمر الرياض، فقرروا تنظيم مؤتمر يشترك فيه أهل الأدب والفن والتجارة، يقام كل صيف، إلا أن الآراء المحافظة تمكنت من إجهاض المشروع. لكن سوق عكاظ ما لبثت أن استيقظت من سباتها الطويل، وهي- كما يرى عضو مجلس الشورى السعودي الشاعر عبدالله السفياني- هوية لغوية ثقافية عربية وقد حان الوقت لتكون مهرجاناً دولياً.
يقول لـ «الحياة»: «الأحرف الأربعة في (عكاظ) تبعث في نفس كل عربي حالاً من الحنين، وهو أمر طبيعي، إذ تحمل الذاكرة في طياتها ملامح الهوية، فمنذ أن زرع العربي الأول لسانه في الفصاحة والبيان وغرق في عالم اللغة وتشكلات المجاز، كانت الأسواق الأدبية مجال العربي يكتب فيه ويقرأ. وبتأمل بسيط يلفت النظر اختيارهم لفظ «السوق» من دون غيرها من الألفاظ المعهودة، كالمنتدى أو الملتقى أو النادي». دلالة ضمنية إلى هدفهم من اللقاءات المحددة زمنياً، وهو تسويق أفكارهم وإبداعهم ولغتهم وعاداتهم وتقاليدهم ومفاخرهم في أجواء تجمع أنحاء الجزيرة، و «عكاظ» هي أبرز هذه الأسواق وأشهرها.

الإشراف على تنظيم السوق هذا العام تولته الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني.



الرابط :


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

تمجيد صدام حسين المجيد

كان يمكن للقصة الشهيرة التي تداولها عامة العرب عن صورة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين مطبوعة في كبد القمر أن تكون مجرد مزحة عابرة تذوب مثل قطعة ثلج أو تتبخر مثل بؤرة ماء، ولكن القصة المختلقة التي شاعت عشية تنفيذ حكم الإعدام في حقه من قبل الحكومة العراقية بعد إسقاط نظامه وتفكيك الدولة العراقية نتيجة حرب خاضها حلف دولي تقوده الولايات المتحدة، تمكنت في أذهان جيل بأكمله وتطورت إلى أشكال متجذرة لترميز الرئيس العراقي المخلوع. أصبح صدام ذا شعبية أكبر لدى قطاعات واسعة من الشباب العربي، فبإمكانك أن تلاحظ حجم الصور التي تنتشر له والأقوال المختلقة في محاولة لاستنطاقه بما يتمناه الشاب العربي من خطاب مشبع بالأنفة والاعتزاز ضد غطرسة الجانب الغربي من العالم أو الطائفة الشقيقة للغالبية السنية في الشرق الأوسط. لا تبدو سيرة صدام حسين مثيرة للإعجاب في التاريخ، فهو مجرد حاكم عربي عسكري يشبه أترابه ممن يقبض على سدة حكم الجمهوريات العربية المرتبكة في تقديم هوية سياسية ونظام حكم متماسك، يضاف إليه بطش أهوج وديكتاتورية مطبوعة بنزقه الشخصي وجنون العظمة الذي أودى بمستقبل العراق وشعبه في جملة من المغا...

«بيت الرشايدة».. «وقف» تحول «أكاديمية» تحتفظ بأسرار جدة

جدة – عمر البدوي   تسجل حارات وأزقة جدة القديمة، التي لا تزال تحتفظ بروحها وعبق تاريخها في الأبنية الشاهقة، وهي تقف في قلب المنطقة التاريخية، شهادة على النواة الأولى التي انبثقت منها واحدة من أهم المدن التجارية في تاريخ المملكة والشرق الأوسط. في حارة الشام، وتحديداً في شارع أبو عنبة، يقف معمار أخضر شامخاً بين أبنية المنطقة، على باب المبنى لوحة نُحتت عليها آية قرآنية، وأرّخت اللوحة في العام 1301 للهجرة. ويُسمى هذا المعمار «بيت الرشايدة»، نسبة إلى بانيه محمد عبدالرشيد، ويتكوّن من أدوار عدة، وأوقفه الرشيد علي العثماني في العام 1333هـ، بيت الرشايدة أو البيت الأخضر من أجمل البيوت التراثية وسط جدة القديمة، ويعود عمره إلى أكثر من 150 سنة. وتعود تسمية البيت إلى قبيلة الرشايدة التي ينتمي إليها بانيه وموقفه، وهي من القبائل المهاجرة من الحجاز وإليه. إلا أن ملكية البيت الآن تعود إلى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية. ولأن البيت خلال الستينات الميلادية من القرن الماضي، احتضن نشاطاً أكاديمياً، تحول الآن وبفضل أحد فنّاني جدة إلى «أكاديمية حديثة»، بعدما استأجر...