التخطي إلى المحتوى الرئيسي

بندر الجلعود.. مبتكر الزوايا


جدة - عمر البدوي 

أصبحت عدسة المصور الخاص بخادم الحرمين الشريفين بندر الجلعود ذات طابع خاص ومنفرد، فالتقاطاته لم تعد وجبة استهلاكية وتقليدية للصحف المحلية والمواقع الإلكترونية، بل تجد انتشاراً واسعاً وشعبية كبيرة في حجم تداولها بين المستخدمين وتوظيفها باستمرار. ليس الأمر متوقفاً على قوة مضمونها فقط، ولكن الإبداع والابتكار الذي يتمتع به الجلعود في تقديم مادته وممارسة عمله، يجعل اللقطات قابلة للانتشار ومغرية للاستعمال.
الجلعود كسر الجمود الذي يكسو المواقف الرسمية عند تغطيتها، فسرعة بديهته وعينه اللمّاحة، كما يظهر عبر الصور، تساعده في خلق مواضيع هامشية تحتل ناصية المتن بما يطغى على الموضوع الرئيس للحدث أحياناً، وهي مهارة مخصوصة لمن رزقت عدسته جسارة لا متناهية.
أصبحت عدسة الجلعود تقليداً مستقراً في المناسبات الملكية، إذ يخرج في كل مرة بلقطة أو أكثر تحوز تقدير الجمهور وإعجابه، وتأخذ حظها في تصدر العملية التداولية لأيام، قبل أن تنضم إلى جدارية إنجازاته التي أخذت في الاتساع، حبلى بلقطات لا تغادر الأذهان ولا تمل منها الأبصار.
أضاف الجلعود سحره الخاص، وعبقريته الجريئة، وأضفى دوراً منسجماً مع روح المرحلة التي تعتني بالتفاصيل الدقيقة، لأنها تنطوي على رسائل غاصة بالحمولات السياسية الشجاعة، ولأنه زمن «الصورة»، فإن الجلعود أبرع من يتولى المهمة ويأخذ بزمامها.
الجلعود أداة ثمينة من أدوات هذا الزمن الاستثناء، وهو مصور غير عادي لمنعطف تاريخي تعيشه البلاد، ليس فقط لحساسية مواضيعه، ولكن لمهارته العالية وإلهامه الفريد في التعامل مع الكاميرا ومحيط اقتناصاته. الجلعود في مهمته شريك في صناعة الحدث وليس مجرد ناقل بارد بلا معنى أو دور، إذ يعطي عبر ابتكار الزوايا للالتقاطة الموفقة دفعة فلاشية مؤثرة، تبث انطباعات مقصودة ومرصودة في ثنايا الصورة. يلعب في زوايا المعاني ويُسكن شيطان ذكائه «العدساتي» في تفاصيل اللقطات، بين الحزن والفرح والأمل والألم يحضر الجلعود دائماً، وكأنه المؤتمن على تلك اللحظات قبل أن يزفها بشكل لائق إلى الفضاء. في الوقت الذي تشرع القيادة السعودية في إنجاز مهماتها الضخمة، ينشغل الجلعود في ورشة متزامنة في طبخ منتجاته، يُعمل أدواته النابهة وينجز مهمته.
الجلعود عندما يضغط زر الكاميرا ويطلق وميض فلاشها، لا يحتبس جزيئات مشهد تقليدي، ولكنه عبر اختياره الزاوية الفائقة التعبير، يشحن المعاني في لقطة واحدة تختصر الطريق وتحتضن كامل المشهد في بانورامية لا يجيد حبكها سواه.
ولذا تجد لقطاته الموغلة تأثيراً، إشادة واسعة عبر شبكات التواصل الجديد، وربما شقت طريقها نحو كبريات الوكالات والصحف العالمية، مزاحمة في ذلك كل المنافسين، وتحتل صوره المشهد، مكتنزة المعاني المرجوة في بطن شاعره السياسي، وتبقى تاج صوره فاعلة في متناول الناس وتداولهم وكأنها مشهد حي.

الرابط :


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

تمجيد صدام حسين المجيد

كان يمكن للقصة الشهيرة التي تداولها عامة العرب عن صورة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين مطبوعة في كبد القمر أن تكون مجرد مزحة عابرة تذوب مثل قطعة ثلج أو تتبخر مثل بؤرة ماء، ولكن القصة المختلقة التي شاعت عشية تنفيذ حكم الإعدام في حقه من قبل الحكومة العراقية بعد إسقاط نظامه وتفكيك الدولة العراقية نتيجة حرب خاضها حلف دولي تقوده الولايات المتحدة، تمكنت في أذهان جيل بأكمله وتطورت إلى أشكال متجذرة لترميز الرئيس العراقي المخلوع. أصبح صدام ذا شعبية أكبر لدى قطاعات واسعة من الشباب العربي، فبإمكانك أن تلاحظ حجم الصور التي تنتشر له والأقوال المختلقة في محاولة لاستنطاقه بما يتمناه الشاب العربي من خطاب مشبع بالأنفة والاعتزاز ضد غطرسة الجانب الغربي من العالم أو الطائفة الشقيقة للغالبية السنية في الشرق الأوسط. لا تبدو سيرة صدام حسين مثيرة للإعجاب في التاريخ، فهو مجرد حاكم عربي عسكري يشبه أترابه ممن يقبض على سدة حكم الجمهوريات العربية المرتبكة في تقديم هوية سياسية ونظام حكم متماسك، يضاف إليه بطش أهوج وديكتاتورية مطبوعة بنزقه الشخصي وجنون العظمة الذي أودى بمستقبل العراق وشعبه في جملة من المغا...

«بيت الرشايدة».. «وقف» تحول «أكاديمية» تحتفظ بأسرار جدة

جدة – عمر البدوي   تسجل حارات وأزقة جدة القديمة، التي لا تزال تحتفظ بروحها وعبق تاريخها في الأبنية الشاهقة، وهي تقف في قلب المنطقة التاريخية، شهادة على النواة الأولى التي انبثقت منها واحدة من أهم المدن التجارية في تاريخ المملكة والشرق الأوسط. في حارة الشام، وتحديداً في شارع أبو عنبة، يقف معمار أخضر شامخاً بين أبنية المنطقة، على باب المبنى لوحة نُحتت عليها آية قرآنية، وأرّخت اللوحة في العام 1301 للهجرة. ويُسمى هذا المعمار «بيت الرشايدة»، نسبة إلى بانيه محمد عبدالرشيد، ويتكوّن من أدوار عدة، وأوقفه الرشيد علي العثماني في العام 1333هـ، بيت الرشايدة أو البيت الأخضر من أجمل البيوت التراثية وسط جدة القديمة، ويعود عمره إلى أكثر من 150 سنة. وتعود تسمية البيت إلى قبيلة الرشايدة التي ينتمي إليها بانيه وموقفه، وهي من القبائل المهاجرة من الحجاز وإليه. إلا أن ملكية البيت الآن تعود إلى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية. ولأن البيت خلال الستينات الميلادية من القرن الماضي، احتضن نشاطاً أكاديمياً، تحول الآن وبفضل أحد فنّاني جدة إلى «أكاديمية حديثة»، بعدما استأجر...