التخطي إلى المحتوى الرئيسي

شباب سعودي يداوي «مآسي السوريين» بمبادرة تعليمية

جدة - عمر البدوي 

قدم الطفل السوري عمرو حسنو من بلاده، التي ابتليت بنظام غاشم أعمل القتل في شعبه جراء ثورة الحق، التي صاحت طلباً للعدالة والكرامة، توقفت هناك حياته وانتزع منها ومن حارته الشامية وكأنه طلوع الروح من حلقومه، ارتحل إلى السعودية واستقر به المقام الصعب في مدينة جدة الساحلية، كثير من الوقت مضى على عمرو وسواد الليالي يحيط به وبعائلته المسكينة، وهو يتذكر في كل مرة شريط حياته في مسقط رأسه، يحفه زملاء الدراسة وأبناء الحي وأحفاد العائلة، ليس الأمر سهلاً على قلبه الصغير، الذي لا يطيق الموقف ولا يقوى على الصبر.
يحن الصغير عمرو إلى حلقة التحفيظ هناك، حيث برع في حفظ خمسة أجزاء من القرآن على رغم صغر سنه، ولكنه توقف عن الاستمرار مع ظروف الحرب، وتوقف عن ممارسة حلمه وأمنيات والديه في أن يصبح قارئاً مجيداً، وغادر سورية وقلبه متعلق، وحلمه متوقف حتى إشعار آخر.
هول الموقف والرحيل لا تعالجه كلمات المواساة، ولكن وضعاً جديداً أخذ يتشكل في حي العزيزية، حيث يسكن عمرو وعائلته، تتكاثر في محيطهم العائلات السورية المهاجرة من ويل النظام إلى برد الاستقرار، ويبدو وكأن الحي بدأ يألفهم مع الوقت ويحنو على ظروفهم الكالحة.
في بلد مثل السعودية يعتبر المسجد أفضل موقع للاجتماع، ولاستنبات المبادرات ومعالجة الأوضاع، إذ ما زال المسجد في السعودية يتمتع بدوره الاجتماعي والديني الأثير. فرص اللقاء التي تتكرر بين السوريين الوافدين حديثاً إلى «جامع الفوز» وأشقائهم من السعوديين دمجت الهموم ببعضها وأنتجت رغبة في المساعدة في وقف هدر جيل سوري انتقل نتيجة ظروف صعبة للعيش داخل السعودية.
ولم تتأخر مجموعة من الشباب السعودي في المبادرة، وبمجموعة من الفرص والإمكانات المتواضعة حمل شباب جامع الفوز على عاتقهم مسؤولية القيام بتوعية وتعليم الأطفال السوريين، فتم عقد دورات لفريق العمل للتعرف على الطرق المنهجية في التعليم والتربية وإعداد مناهج تعليمية، ثم بدأ الاستقطاب، فبلغ عدد الطلاب أكثر من 200 طالب سوريين، و150 من جنسيات أخرى، يقوم بتعليمهم ١٧ متطوعاً، كما يقول إمام المسجد أحمد آدم.
المشرف على المشروع شاب هادئ، صمته الطويل وإخباته الملحوظ لا ينبئان بأية إشارة إلى حجم الهم الذي يحمله على عاتقه، الطالب الجامعي عمر بامردوف تحدث عن المشروع فقال: «كان في طليعة الأنشطة المقدمة: البرنامج الصيفي لعام ١٤٣٦ هـ، بشعاره: «تقديراً لذاتي أعلنت احترامي» الذي اعتنى بتعزيز الأخلاق الإسلامية وحسن الجوار وإضفاء قيم المحبة والأخوة التي حققت أهدافها
وكما هو أساس الحلقات القرآنية التابعة لجمعية «خيركم» لتحفيظ القرآن الكريم بجدة الاهتمام بالقرآن الكريم، تم تقسيم الطلاب في مجموعتين؛ مجموعة يهتم بتعليمها القراءة والكتابة، من خلال منهج خاص مصمم ليتلاءم والمستويات الستة الموجودة في الجامع، ثم ينتقل الطالب المتقن للقراءة إلى الحلقات القرآنية التي أعدت لها جداول قرآنية أتم من خلالها الطلاب السوريون حفظ أكثر من ١٠٠٠٠ صفحة خلال عام واحد فقط من قدومهم وانضمامهم إلى المبادرة. ويضيف «يشمل البرنامج الموجه إلى الطلاب في الحلقات القرآنية مجموعة من الدروس العلمية والتربوية المهمة، منها الدروس العلمية في مبادئ العقيدة، وكتاب الأصول الثلاثة، للمجدد محمد بن عبدالوهاب، وفي الفقه أحكام الطهارة والصلاة، وفي التجويد شرح تحفة الأطفال للجمزوري، إضافة إلى تفسير قصار سور القرآن الكريم والقصص والآداب العامة.
لا تمر الأيام وردية دائماً على طلاب المبادرة، فعلى رغم الأجواء الحميمة التي خلقها الشباب وجماعة المسجد وأفراد الحي، فإن الواقع الذي رحلوا عنه في أراضيهم السورية المغدورة يحاصرهم ويتكرر في شكل ذكريات حانقة تزورهم عند كل لحظة، فذات يوم لم يتمالك عبدالعزيز (أحد معلمي المبادرة) حبس دمعته حين سأل أحد طلابه عن أبيه، فأجابه بقوله: «ماما تقول أبي راح عندالله، بتعرف يا أستاذ الطريق بدي أشوفه»! بينما واجه أعضاء المشروع اختباراً صعباً من أحد طلاب المجموعة في الـ14 من عمره؛ إذ بدا مضطرباً متقلب الشخصية، ولا يمكن التعامل معه بسهولة! وتم استدعاء والده لمناقشة الموضوع ومساعدة ابنهم في تخطي المشكلة، فأخبرهم الوالد بأن ابنه الطفل رأى مقتل أخيه أمامه! وساد صمت معجون بالأسى على واقع الحال.
لا يملك المبادرون أية جهة داعمة، والمشروع مهدد بالتوقف لولا تدخل المحسنين المستمر، إذ تحتاج برامج الحلقات إلى مصاريف كبيرة لتؤدي رسالتها بكفاءة، ويشارك الآن المتطوعون في دعم البرامج، كل بحسب استطاعته، وبمشاركة بعض الفرق التطوعية من جامعة الملك عبدالعزيز. يشعر شباب المبادرة بأن عليهم مسؤولية معالجة ضياع جيل سوري فرضت الحرب عليه واقعاً غير طبيعي ولا أخلاقي، ولكن قلة ذات اليد قد تمنعهم وتحول دون طموحهم.
الطموح الذي يخطط له منذ الآن بتقديم برنامج نوعي خلال الإجازة الصيفية ينمي المهارات لدى الطلاب، ويتم الآن العمل على رسم خطته، ليكون استمراراً لرؤية الحلقات «بيئة قرآنية معتدلة مثقفة آمنة».
بعد عام واحد من انضمام الطالب عمرو حسنو إلى المبادرة استطاع تحقيق حلمه ببلوغه ١٥عاماً وتتويجه بصفته أول حافظ من الطلاب السوريين للقرآن الكريم كاملاً ضمن مباردة جامع الفوز، وأمام جمع من المصلين جلس عمرو على كرسي التلاوة يرتدي بردة الوقار، وقرأ على مسامع الناس، الذين أثارهم الموقف وقرروا دعم المشروع بعد ذلك، بينما يجلس والده على يمينه يجهش بالبكاء على الواقع الصعب الذي انتقل منه، والواقع المبشر الذي أصبح عليه، فعلى الأقل تحقق حلم ابنه حتى الآن.


الرابط :


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

السعوديون يحتفون بالذكرى السابعة لبيعة الملك سلمان

خادم الحرمين رافق مراحل التنمية على مدى 60 عاماً   الاثنين - 3 شهر ربيع الثاني 1443 هـ - 08 نوفمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15686] الرياض: عمر البدوي وبندر مسلم يحتفي السعوديون اليوم بالذكرى السابعة لتولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في 23 يناير (كانون الثاني) الموافق (3 ربيع الثاني 1436هــ) ومبايعته ملكاً للبلاد، ورائداً لمرحلة جديدة تخوضها السعودية منذ وصوله قبل ٧ سنوات، كسابع ملوك المملكة بعد إعلان توحيدها عام 1932. الملك سلمان بن عبد العزيز الذي رافق مراحل مفصلية من عمر البلاد، اختبر خلالها المفاصل التاريخية التي آلت بالسعودية إلى ما هي عليه اليوم من تنمية وازدهار، ومن موقعه سابقاً، حيث كان أميراً لمنطقة الرياض لأكثر من خمسة عقود وتسميته أميراً لها عام 1955 وهو في عقده الثاني من العمر، راقب البلاد وهي تنمو. حتى أصبح قائداً للبلاد، وشاهداً على نهضتها الجديدة، في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية والتنظيمية، والأعمال والمشاريع والمبادرات السريعة والمتلاحقة على المستويين التنموي والاجتماعي، والتي أضحت بفضلها السعودية منافساً تلقائياً ع

«تتبع الحجارة» عنوان 100 يوم من الفن المعاصر في بينالي الدرعية

السعودية تشهد اليوم واحدة من أكبر المناسبات الفنية العالمية   السبت - 7 جمادى الأولى 1443 هـ - 11 ديسمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15719] الرياض: عمر البدوي أصبح حي جاكس جاهزاً لانطلاق الدورة الأولى من بينالي الدرعية للفن المعاصر، واستقبال المتطلعين لزيارة واحدة من أكبر المناسبات الفنّية العالمية، ابتداءً من اليوم (السبت)، حتى 11 مارس (آذار) المقبل، وهو أول بينالي دولي يتطرق لموضوعات وأشكال الفن المعاصر في السعودية، ويعرض أعمالاً لفنانين عالميين ومحليين، مع مجموعة من الورش الثقافية والتجارب الممتعة. يأتي بينالي الدرعية، كتجربة استثنائية، ومنصة إبداعية تمتد لمائة يوم، تكشف جوهر الفنون السعودية بمختلف أنماطها، وتُفسح للفنانين مساحات للحوار وإثراء تجاربهم، لتعزيز المشهد الثقافي والفني، وتمكين المواهب المحلية، واستقطاب مجموعات الفنانين الدوليين لإغناء الحدث الفني المهم. وقال راكان الطوق، المشرف على الشـــؤون الثقافية والعلاقات الدولية في وزارة الثقافــــة الســـــعودية، إن استضافة المملكة لأول بينالي للفن المعاصر، يعدّ إنجازاً استثنائياً، وإن أهميته تأتي من كونــــه نقطة التقــــــاء للعالم، ومن

ماذا يخطر في بالك ( 5 ) ؟

هنا أنقل بعضاً من منشوراتي على صفحتي في ( الفيس بوك ) . راجياً لكم النفع والفائدة  . ضعف التقدير يقود إلى سوء التقرير . .................. كلما كان واقعك ثرياً وغنياً ، بارت بضاعة خيالك الواهم . …………… إذا أحببت شيئاً ثم التقيت به بعد غياب فكأن الروح ردت إليك بعد غيبة الموت ، أو العقل عاد بعد جنون ، أو الذاكرة استفاقت بعد غيبة . كل الأشياء الرمادية تسترجع ألوانها الزاهية ، والروائح الزاكية تستجرّ عنفوانها ، والمشاعر اللذيذة تستعيد عافيتها . ما يفعله الشوق بك من ذهاب العقل وغيبة الذاكرة وموات الروح ، يفعل بك الوصل أضعافه من الفرح والطرب والنشوة . لقد جُبل هذا القلب على الإلف بما يحبه والتعلق به حتى يكون بمثابة الطاقة الموصولة بألياف الكهرباء ، أو الزيت الذي يقدح النور ، والجمر الذي يستفز أعواد البخور . وإذا غاب المحبوب واستبد بك الشوق انطفأ نور الوجه وضاقت النفس وذهب الفرح حتى يعرف ذلك في حدة طبعك وانغلاق عقلك وعبوس وجهك ، فإذا التقى المحبوبان والتأم القلب عادت المياه لمجاريها وشعشع الوجه واتسع الثغر وانفرجت الأسارير . سبحان من خلق . ……………… إذا كنت تسم