التخطي إلى المحتوى الرئيسي

مبادرة لـ«إعادة تدوير» «المستعمل» و«الجديد».. تتبنى «الأيتام والأرامل»

جدة - عمر البدوي 

< لو حدث وتجولت في مكتبة الملك فهد العامة بجدة ليلة اليوم العالمي للكتاب، سيصادفك ركن للكتب المستعملة وبأسعار مخفضة، ولقارئ نهم ستكون تلك خدمة رائعة، وأكثر من ذلك إذا اكتشف أنه سيجد كتباً مميزة أو مشهورة وأخرى نادرة وبسعر زهيد، وربما غادر ذلك الركن وهو محمل بأطنان الكتب وقد وقع على صدفة ثرية لا تعوض.
غير أن وراء ذلك الركن قصة، وقصة عجيبة، يمكن أن تكتشفها عبر المطبوعات التعريفية بالمشروع الذي يقف خلف هذا العمل، المطبوعات أنيقة ومكتوبة بشكل احترافي وتنبئ عن تفاصيل المشروع الذي يتبنى استقبال الكتب المستعملة وإعادة ترتيبها وبيعها من جديد للجمهور.
بالحديث إلى البائع الذي يقف خلف طاولة الكتب، يمكن أن تتعمق في أغوار المشروع الملهم، يتحدث البائع وهو مفعم بالتفاصيل، ويناولك القصة الكاملة لما يسمى «مواكب الأجر» الذي يستفيد من عائد هذه الكتب وبيعها بأسعار معقولة لمساعدة الأرامل وكفالة الأيتام ورعاية المرضى ونشر ثقافة من نوع جديد للعمل التطوعي بالمجتمع.
المشروع لا يتوقف عند استقبال الكتب المستعملة، في حي الخالدية بمدينة جدة السعودية وخلف أبراج البدرية يمكن أن تصادف مستودعاً ضخماً، تفد إليه الشاحنات المحملة بالبضائع أو تغادره، للوهلة الأولى تعتقد أن معملاً تجارياً يختبئ خلف تلك الجدران، وحركة العمال تضيف إلى إحساسك يقيناً، لكنه ليس أكثر من مستودع لاستقبال التبرعات العينية في حالها الجديدة أو المستعملة من الأسر والشركات والتجار وجميع القطاعات، مثل الأثاث المنزلي والأجهزة الكهربائية والإلكترونية وأجهزة التكييف وأدوات المطبخ والتحف والسجاد والأدوات المكتبية والمدرسية والملابس الرجالية والنسائية والأطفال والأحذية والحقائب والنظارات والهواتف، وكل ما له مردود إيجابي على المجتمع ويمكن استثماره.
كما يتم تجميع المواد القابلة لإعادة التدوير هناك، كالمنتجات الورقية: الصحف والمجلات والكتب المدرسية، والمنتجات البلاستيكية والكرتونية، مثل علب الحليب والألبان والعصائر، وعلب مواد النظافة، والمنتجات المعدنية، مثل علب المرطبات الغازية والمعلبات والقصدير.
وتقوم المبادرة بإعادة تصنيع تلك المواد المستهلكة لإنتاج منتجات جديدة، وذلك بغرض حماية البيئة وخدمة المجتمع والتقليل من ظاهرة التلوث بسبب النفايات.
تعمل المبادرة بشكل يومي على استقبال التبرعات ضمن جدول دوام يومي من الصباح إلى المساء طوال أيام الأسبوع، ويمكنك زيارة الموقع بقصد التسوق لا التبرع، والحصول على أشياء غير متوقعة وبأسعار مغرية، ذلك لأنها نتاج تجميع فائض حاجة الناس التي اقتنوها خلال سنوات طويلة، وهو ما لا توفره الأسواق الاستهلاكية اليوم.
ستجد لوحات وفضيات وأدوات منزلية وأثاث وكتباً مستعملة، وألعاب، وإلكترونيات، وكل ما يمكنك تخيله، فيما تجد أقسام الملابس متوافرة، كفساتين الزفاف المتاحة للإيجار، والحقائب فاخرة المستعملة وشبه الجديدة، وهو ما يتيح فرصة لذوي الدخل المحدود لاقتنائها، غير أن ذلك يحدث هذه المرة والمتسوق يشعر بقيمة أن المال الذي يدفعه سيذهب إلى جهة خيرية أو محتاج.
وأنت تطالع حجم الكميات المكومة بانتظار إعادة ترتيبها ضمن معرض المبادرة، ستلاحظ وجود الفتاة «سارة صالح الفضل» وهي تقف في وسط الباحة، توجه العاملين في المبادرة إلى الاهتمام بالقطع وحسن فرزها.
تقف سارة على رأس طاقم العمل الذي يغلب عليهم الانتماء بقصد التطوع وبدون مقابل، في هذه المبادرة التي قدمت للمجتمع باباً للخير والبر بضعفائهم، إذ تستفيد قطاعات مختلفة من عائد هذه المبادرة لسد فاقتها بفائض ما توفره هذه الخطوة للمحتاجين.
المبادرة تتبنى بعض بيوت اليتامى والأرامل وتقدم لهم المعونات باستمرار، وتدعم طلبة الانتساب بجامعة الملك عبدالعزيز في إطار خدمة المجتمع، وتساهم في علاج الكثير من المرضى، وإعانة الشباب المقبلين على الزواج، ومساعدة الحجاج غير المقتدرين، وترميم منازل المعوزين وسداد إيجاراتهم وفواتيرهم الخدمية، وقائمة طويلة من الجوانب الخيرية والإنسانية التي لا يمكن حصرها، فضلاً عن فرص الدعم غير المنتظم التي تأتي نتيجة حاجات غير متوقعة تعترض طريق المبادرة وتلبيها بإحسان وإيجابية.
تبحث المبادرة عن محل أكبر مساحة مما عليه الآن، ولا سيما أن المشروع يتوسع استجابة لحاجة المجتمع سواء في استقبال الفائض أو بذله في قطاعات الخير والفاقة، وهو يساعد في تقليل الهدر الذي يواجه المجتمعات الاستهلاكية، فضلاً عن تقريب الفجوات الاقتصادية عبر تسعيرة معقولة توفرها المبادرة لمعروضاتها بعد إعادة ترميمها وتجديدها.
المبادرة تأخذ طابعاً اجتماعياً واقتصادياً وبيئياً وتهتم بتدوير المقتنيات المستغنى عنها وبيعها بأسعار رمزية من خلال متجر مصغر لذوي الدخل المحدود، ويذهب ريعها إلى حل قضايا اجتماعية، فضلاً عن أهميتها في إعادة تدوير تلك المقتنيات حماية للمجتمع والبيئة، كما أنها تشجع مفهوم العمل التطوعي.
وخلال توزيع جائزة الملك خالد، كرم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان سارة صالح الفضل بجائزة المركز الأول لفرع شركاء التنمية في جائزة الملك خالد عن مبادرة «مواكب الأجر». المبادرة لا تقف عند استقبال المتسوقين في محلها، بل تسابق هي في البحث عن جمهور، بغرض التعريف أولاً ثم زيادة مداخيل المبادرة والتسويق لمنتجاتها، إذ أصبحت لازمة في المعارض المفتوحة والمناسبات الثقافية والاجتماعية المتعددة، وربما صادفت نفراً من المجموعة يعرضون مجموعة من الكتب في إحدى الحدائق العامة، تناسب اهتمامات الأطفال والعائلة عموماً، تحفها قطع من الألعاب والخردوات.



الرابط:




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

تمجيد صدام حسين المجيد

كان يمكن للقصة الشهيرة التي تداولها عامة العرب عن صورة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين مطبوعة في كبد القمر أن تكون مجرد مزحة عابرة تذوب مثل قطعة ثلج أو تتبخر مثل بؤرة ماء، ولكن القصة المختلقة التي شاعت عشية تنفيذ حكم الإعدام في حقه من قبل الحكومة العراقية بعد إسقاط نظامه وتفكيك الدولة العراقية نتيجة حرب خاضها حلف دولي تقوده الولايات المتحدة، تمكنت في أذهان جيل بأكمله وتطورت إلى أشكال متجذرة لترميز الرئيس العراقي المخلوع. أصبح صدام ذا شعبية أكبر لدى قطاعات واسعة من الشباب العربي، فبإمكانك أن تلاحظ حجم الصور التي تنتشر له والأقوال المختلقة في محاولة لاستنطاقه بما يتمناه الشاب العربي من خطاب مشبع بالأنفة والاعتزاز ضد غطرسة الجانب الغربي من العالم أو الطائفة الشقيقة للغالبية السنية في الشرق الأوسط. لا تبدو سيرة صدام حسين مثيرة للإعجاب في التاريخ، فهو مجرد حاكم عربي عسكري يشبه أترابه ممن يقبض على سدة حكم الجمهوريات العربية المرتبكة في تقديم هوية سياسية ونظام حكم متماسك، يضاف إليه بطش أهوج وديكتاتورية مطبوعة بنزقه الشخصي وجنون العظمة الذي أودى بمستقبل العراق وشعبه في جملة من المغا...

«بيت الرشايدة».. «وقف» تحول «أكاديمية» تحتفظ بأسرار جدة

جدة – عمر البدوي   تسجل حارات وأزقة جدة القديمة، التي لا تزال تحتفظ بروحها وعبق تاريخها في الأبنية الشاهقة، وهي تقف في قلب المنطقة التاريخية، شهادة على النواة الأولى التي انبثقت منها واحدة من أهم المدن التجارية في تاريخ المملكة والشرق الأوسط. في حارة الشام، وتحديداً في شارع أبو عنبة، يقف معمار أخضر شامخاً بين أبنية المنطقة، على باب المبنى لوحة نُحتت عليها آية قرآنية، وأرّخت اللوحة في العام 1301 للهجرة. ويُسمى هذا المعمار «بيت الرشايدة»، نسبة إلى بانيه محمد عبدالرشيد، ويتكوّن من أدوار عدة، وأوقفه الرشيد علي العثماني في العام 1333هـ، بيت الرشايدة أو البيت الأخضر من أجمل البيوت التراثية وسط جدة القديمة، ويعود عمره إلى أكثر من 150 سنة. وتعود تسمية البيت إلى قبيلة الرشايدة التي ينتمي إليها بانيه وموقفه، وهي من القبائل المهاجرة من الحجاز وإليه. إلا أن ملكية البيت الآن تعود إلى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية. ولأن البيت خلال الستينات الميلادية من القرن الماضي، احتضن نشاطاً أكاديمياً، تحول الآن وبفضل أحد فنّاني جدة إلى «أكاديمية حديثة»، بعدما استأجر...