التخطي إلى المحتوى الرئيسي

ماذا يخطر في بالك ( 5 ) ؟


هنا أنقل بعضاً من منشوراتي على صفحتي في ( الفيس بوك ) .
راجياً لكم النفع والفائدة .





ضعف التقدير يقود إلى سوء التقرير .
..................
كلما كان واقعك ثرياً وغنياً ، بارت بضاعة خيالك الواهم .
……………
إذا أحببت شيئاً ثم التقيت به بعد غياب فكأن الروح ردت إليك بعد غيبة الموت ، أو العقل عاد بعد جنون ، أو الذاكرة استفاقت بعد غيبة .
كل الأشياء الرمادية تسترجع ألوانها الزاهية ، والروائح الزاكية تستجرّ عنفوانها ، والمشاعر اللذيذة تستعيد عافيتها .
ما يفعله الشوق بك من ذهاب العقل وغيبة الذاكرة وموات الروح ، يفعل بك الوصل أضعافه من الفرح والطرب والنشوة .
لقد جُبل هذا القلب على الإلف بما يحبه والتعلق به حتى يكون بمثابة الطاقة الموصولة بألياف الكهرباء ، أو الزيت الذي يقدح النور ، والجمر الذي يستفز أعواد البخور .
وإذا غاب المحبوب واستبد بك الشوق انطفأ نور الوجه وضاقت النفس وذهب الفرح حتى يعرف ذلك في حدة طبعك وانغلاق عقلك وعبوس وجهك ، فإذا التقى المحبوبان والتأم القلب عادت المياه لمجاريها وشعشع الوجه واتسع الثغر وانفرجت الأسارير .
سبحان من خلق .
………………
إذا كنت تسمع نفس الأغنيات ، وتزور نفس الأماكن ، وتلتقي بنفس الوجوه ، وتعيش العادات اليومية نفسها ، فإنك ستموت قبل أجلك .
عليك أن تكتشف جديداً في كل مرة ، لا تكتشف مكاناً ولا أغنية ولا عادة جديدة ، ولكن اكتشف نفسك من جديد في كل مرة .
تفحصها عند النجاح والفشل ، عند الأمل والألم ، عند الفرح والحزن ، جربها عند الرخص والعزائم ، في الشدة والرخاء ، في الانبساط والانقباض .
نفسك غنيّة بما يثير إعجابك ويغير حياتك ، لا تبحث عن مفاجآت خارج إطارك ، داخلك ثروة لا تنضب وقوة لا تخمد وطاقة لا تبور ، لو اشتغلت بهذا الاتجاه ستثري حياتك وتعمر هذه الأرض وتنعم بك البشرية .
الفلاسفة والعباقرة والعلماء كانوا يحفرون في ذواتهم وينقبون دواخلهم ، يستفزون إمكاناتهم ويستنطقون أعماقهم ، لم يكن لهم أن يقدموا للكون والبشرية نصف ما بذلوه لولا حجم الجهد الذي بذلوه أولاً لأنفسهم .
هذه النفس مركز الكون وأعجوبة الزمان ، فعليك بها .
الروتين الممل في يومياتك يمكن أن تتخلص منه بأبسط متع الحياة ، لأنه فراغ شرطي ومرتهن بفطرة الإنسان ، ولكن هذا البرود القاتل والإهمال القاسي لشخصك لن تتخلص منه قبل أن تجدد فكرتك القديمة عن نفسك .
تطويرك لانطباعاتك ورأيك في نفسك يقلب حياتك رأساً على عقب .
……………
أحياناً تعيش في مجتمع بقانون " من يأكل الجو أكثر " .
خاصة عند من رضع ثقافة المزاحمة والإقصاء والتفرد .
مجتمعات لا تتعامل بلغة التقاسم المشترك والتفاهم الذي يضمن لكل طرف حضوره الكريم واللائق .
حالة من الاعتراك الثنائي والجماعي لقضم مساحات الاهتمام وحصص القبول الاجتماعي الشحيحة .
لا أحد يبذل الاهتمام واللطف الاجتماعي بالمجان ، هذا الجفاف البشع يسعر نار الحسد والتدافع على موارد اللطف الاجتماعي القليلة .
هذا البخل العاطفي والأنانية المقيتة تنشر سم الشحوب في القلوب والوجوه ، تنزع سحر المودة والرحمة بين الناس .
ضعاف النفوس يمارسون تقاليدهم الشاذة في سوق الاهتمامات المستعملة ، يمدون يد الانكسار لوحوش المجتمع القاسية والانتهازية .
الثقافة الاجتماعية المترهلة ، والبيوت الجامدة ، تدفع بطوابير من المهملين لينشطوا في مجتمعات النخاسة الجديدة .
انشروا الحب العفوي البريء بين الجميع ، ولا تلتفتوا لمن فتك بهم داء الشك في كل شيء ، الحسم في مواجهة السلوك الشاذ أجدى وأنفع ، ولكن إرواء النفوس بماء صافي عذب لا يضطرها لكدر الوحل وأجاج البحر .
………………
لا توجد قصة نجاح حقيقة تختزل في مجرد الصعود الساذج إلى قمة المجد .
كل قصص النجاح المشعة تحتضن صوراً من الألم والتحدي والقسوة والأيام السوداء .
كل أضواء النجاح التي تلمع في قصة ناجح تجهر العين وتعميها عن رؤية تلك الجوانب المظلمة في مشوار السعي إلى النجاح .
شيء من شظف العيش والعجز وقلة الحيلة واليأس الغامر والبأس الكاسر واجهت الناجحين وتصدت لهم .
إذا قدمنا للأجيال الطرية قصص النجاح وهي في أوج مثاليتها فإننا نخادعهم ونخون الأمانة ونفرط في بناء جيل جاد وحقيقي .
نخفي جزءاً من الحقيقة ونعرضهم لمآسي الحياة وهم مجردون تماماً من الاستعداد لمواجهتها .
علينا أن نقدم قصص النجاح في طبعتها الواقعية ، بكل صور إشعاعها وجوانب إظلامها ، بأفراحها وأتراحها ، بقوتها وضعفها .
مخطئ من يعتقد أن مثل هذا يسخف النجاحات الإنسانية العامرة ، أو يطفئ من حماس الإنسان لها أو تعلقه بها .
النجاح ليس في مراكمة الأموال أو الشهادات أو تقلد المناصب واعتلاء المراتب ، ولكنه مواجهة الحياة العارية وسترها بأردية النجاح الشريف في مضمار التنافس الإنساني الإيجابي .
………………
كلما اقتربت أكثر من جوهر الحقيقة ، نفر من طريقك سعاة الزيف والخديعة .
عندما تلامس طيف الموت تتنازل عن معارك الدنيا الخاسرة ، عندما يلامس الحب شغاف قلبك لن تجد وقتاً لكره أحد ، عندما تنغمس في لذة العبادة أو متعة القراءة أو سواهما لن يلتفت ذهنك لشيء آخر على الإطلاق .
ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه ، وهذا مربط المتعة وغاية الترف .
………….…
هذا الجسد لا ينشط إلا لنداء القلب وخفقانه !
كيف لهذه المضغة الصغيرة أن تتحكم في كتلة اللحم والعظم التي تقبض عليه من كل أطرافه ؟!
ثم أيّ دور للعقل  يمكن أن يشقه في طريق لا يتسع إلا لأوامر القلب القاطعة ؟
وهل يسكن العقل في الدماغ أم في غرف القلب ؟ أم هو مخزون التصورات وحصيلة الخبرات وعصارة التجارب ؟
هذا السؤال المتوهج الذي لا يموت إلا بزوال الأرض ونهاية التاريخ ، يشبه تلك الأسئلة التي لا يمكن الإجابة عنها مطلقاً ، وتبقى إجاباتها حكراً في جوف الغيب .
إنها الأسئلة المتجددة التي لا تبلى ، تنتشر في أطراف الكون وتشد إليها الأرض حتى لا تسقط بتقادم المعارف وذبول سيقان العلم .
……………
اعترافاتنا تتوقف على موقف ثقافتنا !
الاعتذار واللوم الضميري والتراجع والشفافية والتصحيح والقبول بالنقد ومداولة النصيحة كأنها مديح كلها مترادفات للاعتراف النبيل والشجاع .
المجتمع الذي يؤنب على الاعتراف الصادق يدفع أهله إلو الافتخار بالمحظورات وإعلان ما ينبغي إضماره وما لا يليق إظهاره ، إنها نتيجة طبيعية للثقافة الطهورية المتكلفة غير العقلانية .
المجتمعات الشجاعة تعالج أخطاءها في الملأ ، أنتجت أيقونات حضارية للاعتراف كالبرلمانات وهيئات حقوق الإنسان والصحافة الحرة ، المجتمعات الضعيفة المهلهلة تزيد على لأواء الكتمان والإسرار سيف العيب وقسوة الفضيحة .
تعريض الجرح للهواء يزيد من سرعة التئامه ، وتعريض الجسد الهش للشمس يقوي جهاز المناعة ، ولعل الاعتراف بالأخطاء يساعد في سرعة حلها والتخلص منها .
وفي بعض الإسرار أشد الإضرار .
……………
كلما مضى الإنسان بالعمر أصبح أكثر طلباً للاستقرار وألحّ في الحفاظ على ترتيباته وأوضاعه الراهنة .
يفقد حماس الطفولة للاستكشاف والتجربة والمغامرة ، يفقد شغف الشباب في التجدد والتغيير ومعانقة المفاجآت ، يشعر بالبرود وهو يتمدد في أعماقه والجمود ينصب على تفكيره وإحساسه .
إنها شيخوخة الأرواح ، وشحوب القلب ، حالة من التلاشي والتقدم باتجاه الموت ، هبوط حتمي لمركبة مرهقة من فضاء التجدد إلى مرسى مهجور تلتقي فيه المراكب المعطوبة والمهشمة .
أصحاب الأرواح المأتلقة التي تحافظ على شبابها ليست بمنأى عن هذا الجبر الإنساني الثقيل ، فإنها وإن تمسكت بشبابها ونضارتها لن تنفك من سجن الجسد المتداعي الذي أخذ طريقه باتجاه الضعف والقصور الحاد .
ذكرياتك هي بقايا روحك ورماد شبابك ، أملك هو تسليتك الخالدة ، وعملك هو نجاتك ووقايتك في آخرتك وحجم خلودك مذكوراً على وجه الأرض بعد رحيلك ، وأنت في النهاية لست أكثر من إنسان .
………………
إذا كان واقعك جافاً ولا يزخر بحوافز التشجيع ودوافع النجاح ، " فحكّ جلدك بظفرك " واصنع حوافزك الخاصة وابحث عن فرص إلهامك وتشجيعك من أجل نجاحك وتميزك الشخصي .
فتش في تاريخك العائلي عن قصص المجد وتحفّز لمد جسور هذه السمعة المتوهجة ، ابني أهرامات من الخيال لنهايات النجاح المبهرة وتحمس لتصل إلى تلك الضفة النبيلة .
انظر في واقعك البائس وامتلك حلمك بأن تكون نقطة فاصلة ولحظة فارقة ، بؤس الواقع بحد ذاته دافع كافي لتتحرك من أجل تحريك المياه الراكدة ، لا يتطلب جهداً كبيراً كما يتطلبه الواقع المزدحم بالفرص والتنافس ، لا يحتاج إلا لإرادة جادة وصادقة ثم سيزهر الواقع من بذور أفكارك ويورق المكان بسقي أدوارك .
………………
يفتقد أبناؤنا " العادات العلمية " بمعنى أنهم لا يملكون الأدوات البشرية السليمة للمعرفة وتحصيل العلم ولا يملكون خاصية التفكير العلمي .
تربيتنا ترسخ عادات همجية وفوضوية ، ومخاضن التعليم عندنا تخرج طلابنا على نحو هش ومتواضع بأسلوبها التلقيني الفج ، ثقافتنا لا تحمل أهلية علمية جادة وتميل نحو التبسيطية أو الارتهان إلى الغيبيات المتخيلة .
طريقة أبنائنا في طرح السؤال ، وقيمة ما يسألون عنه ، وقدرتهم على التحليل والتفكيك وأساليب البحث وتحصيل الإجابات ، كلها لا تشير إلى جيل علمي أو مقبل على مستقبل ناضج .
فضلاً عن ويلات العيب والحرام والخجل والتردد والجهل والتخلف التي تزيد من تراجع المكون العلمي بصرامته وصوابيته في تفكيرنا وتربيتنا وثقافتنا .
………….…
السقف المرتفع للشباب في تفكيرهم وثوريتهم وراديكاليتهم يتجاوز إمكانات الواقع المتواضعة ، ولكنه يجدد للكون ألقه ويمد في عمر الدنيا .
كلما دنت الأرض من شيخوختها وأطبق اليأس على البشرية ، جاء الشباب بحيويتهم المتحفزة وتفكيرهم المفعم ليعيدوا إلى وجه الحياة نضارته وشبابه .
لوم الكبار للشباب عادة إنسانية مستنسخة ، وضجر الشباب من الكبار تقليد بشري مكرر ، وهو تدافع منتج ينتهي إلى ضخ العروق في وريد الحياة وغسل النعاس من على وجه الأرض حتى تستيقظ لصبح جديد وعهد مديد ، وهكذا تمضي الأيام حتى يأذن الله بقيامة الناس وانطواء الأرض وانطفاء الشمس وانمحاء الكون .
………………
الكتابة تعطي أصحابها سحراً خاصاً ، يجمعون فخامة الثري وحكمة الفيلسوف وقيمة الطبيب وهيبة رجل الدين وقوة صاحب العلم  وسطوة قائد أمة .
يقصدهم الناس للسؤال ، يظن الناس بهم راحة البال والتعافي من المصائب رغم أنهم أكثر الناس قلقاً وبلايا .
……………
من أغرقه الغرام ، احتجب عن الأنام .
……………
أشكو إلى الله كثرة المساجد وتزاحمها ، وشتات سواد المسلمين فيما بينها ، تضخّم لا مبرر له أفسد على الصلاة دورها الاجتماعي الذي جُعل لتأليف القلوب واجتماع الناس على صعيد واحد .
قد يبدو للساذج أن كثرة المساجد دليل الإيمان ولكن العارف يدرك أن كثيراً ممن يبنيها لا تكاد تراه في صلاة وربما شيد بنيانها لتعويض نقصه أو إنفاذ وصية تذكرها صاحبها على حافة حياته المتصرّمة .
لا تكاد تقطع أميالاً بسيطة إلا ابتدرتك مآذن مسجد يتلوه آخر في تسلسل بنياني عبثي لا يرعى في لحمة المسلمين إلّا ولا ذمة .
إنها صورة من التدين الشكلي الذي يخفي خواء روحياً وقصوراً تعبدياً صارخاً ، وانحراف للمعاني عن سياقها الصحيح ، حتى أضحى غالبها كمساجد الضرار التي تشق صفوف المسلمين وتضعف نسيجهم .
لو كانت هذه المساجد في مجتمعات مزدحمة ومكتظة كمصر مثلاً لرفع الحرج وانتفت علة الشكوى ، ولو كانت في بلاد أفريقيا الفقيرة لكان نفعها أكبر وخيرها أوفر ، ولو جمعت لكم مساوئ هذا العمل غير المحسوب لطال بنا الحديث بيد أنه يكفي أن تفرق بين أهل القرية الواحدة وتفت في عضدهم .
……………
إذا كرهت شخصاً كنت تحبه ، فإنك كاذب في أحدهما .
……………
كل شخص له تاريخه المعرفي الخاص ، بمعنى أنه قد يصادف معلومة بسيطة وحقيقة ساذجة عند من سبقه إليها فيطير بها فرحاً ويملأ الفضاء غناءاً .
وربما يمر بكومة من الحقائق التي لا تنال منه أدنى اهتمام لأنه تشبع بها وألِفها لكثرة ما سمع بها واستذكرها .
والتأريخ العلمي الشخصي مهم لفهم ترتيبك العقلي ومتابعة إيقاعك الفكري وتفكيك مدخلاتك المعرفية وتفسير الانحناءات التي تصيب مشوارك الثقافي . 
……………
الحقد لا يعرف طريقه إلى المتعلم ، وهو قرين الجاهل .
يملك المتعلم القدرة على التفسير العقلاني والعملي لأسباب النجاح الشخصي مما يفتت استعداده على التحامل والحقد على الناجحين ، بينما يعاني الجاهل من اعتقاده أن أسباباً غيبية قاهرة أو خدمات اجتماعية فائقة دفعت غيره للنجاح وحرمته من ذلك ، فيحمله ذلك بقوة إلى الإضرار بغيره .
والحقد يتمتع بحمولة ثقافية اجتماعية ، لأن المجتمع الجاهل ربما يستخدم السحر والقتل للتعبير عن الانزعاج من الآخرين ، وهكذا حسب مستوى التمدن وأشكال الحقد الذي يتراوح بين تشويه السمعة وإعاقة تقدم الناجحين وإلغاء حقهم في العيش والحياة .
كفانا الله وإياكم شر الحقد والحسد والضغينة .
……………
المستسلم لا يشبه اليائس أو العاجز لأنه مرحلة متقدمة من التسليم بانطفاء كل أمل بالحل والخروج من عنق المشكلة .
استسلام اليأس آخر أنفاس العجز ، وأقصى رمق في حياة البؤس ، وهو أبعد عن قيامة الفأل ويقظة الأمل ، يتحرى القاضية التي تقطع حباله الممدودة إلى الحياة ويرقب الحسام الذي يبتر صلاته النابضة بالسعادة .
……………
موقفنا من كل شيء يتأثر بما يغلب علينا ، فإذا غلبت ثقافة المجتمع فإننا نتعامل معها ضمن التفكير السائد ، وإذا غلب الدين تناولنا المسألة بالضوابط الشرعية والعقلية الفقهية باتساعها وضيقها ، وإذا غلب العلم أخذناها بالحدية الرياضية والجدية الحقائقية ، وإذا غلبت الفلسفة نظرنا لها بأفق واسع وشمول وافي وجمعنا محاسن الأدوات وأدق الإمكانات فكنا للصواب أقرب وللحق أدنى .
………………
أرى بعيني رأسي كيف بالفراغ وهو يفتك بالشباب ، إنه عصر جديد بحزمة متطورة من تقنيات الفراغ التي تحيط بالبشر .
تدخل الآلات في حياتنا يعطي مزيداً من الفراغ ، وتراجع الإنسان عن القيام بمهامه البدائية جعله معرضاً لمساحات زمنية هائلة لا يجد ما يشغلها به ، فضلاً عن تقصيره عن أداء وظائفه الطبيعية والصناعية بداعي الكسل والإهمال مما يراكم ساعات إضافية لمساحة فراغه ، هذا فيما يخص الرجل الناضج فما هو الحال بالشباب الذي تقل مسؤولياته وتزيد فرص عطالته وبطالته .
من النضج في زمن مثل هذا أن نعلم الشباب كيف يتعامل مع الفراغ لا أن نوفر له ما يملؤه به ، أن يتفاوض مع الوقت بطريقة عبقرية لا أن يحشوه بأنشطة ليس لها معنى .
حتى الأنشطة الجادة لا تكفي للقيام بالمهمة ، لأن الفراغ ليس مجرد زمن نقضيه كيفما اتفق ، الفراغ عبارة عن أزمة عصرية ومنتج حداثي طارئ عن عمليات تحييد الإنسان عن مهامه باسم التطور الصناعي والبطالة المدنية المقنعة .
الفراغ هو التقصير في مسؤوليتنا تجاه الوقت كأثمن مقدرات هذا الكون .
………………
بعض الأشخاص لديه علاقة وثيقة مع الأوهام ولديه خصومة شديدة مع الواقع ، مستغرق حتى الثمالة في هياكل متخيلة من نسجه الذهني الرقيق .
لو صرفت من عمرك دهراً وشهراً وأنت تناصحه لن يستجيب لكلماتك ، تتناوبه مواقف الخيبة من الواقع التي تناوله عسل الفرح المغشوش ثم تدس له سم الحقيقة العارية .
في كل موقف جديد تظهر له التباشير البراقة ثم يخفت البريق المزيف لصالح ظلمة كالحة يفرضها ليل الحقيقة البهيم .
والواهم لا يكف يشدَ رحاله من لحظة وهم مخاتلة إلى أخرى كأنه مستسلم لحقن هيروين مغشوش ، يبيع حظه من الواقع القاصر من أجل لحظة فرح وهمية سرعان ما تبخرها سخونة الواقع القائظة .
……………
باتساع البيئة ، تتسع خارطة النجاح .
التفوق الشخصي يحتاج إلى وعاء فردي ناضج ، والتميز الجمعي يلزمه أسرة واعية أو مجتمع متميز ، والحضارة النابغة تتطلب أمة حية وشعوباً  فاعلة .
والبيئات تتجاوب بطريقة عبقرية فيما بينها حتى الفروق الفردية نواة النهضة الأممية ، والأسر المتميزة لبنة المجتمعات المتقدمة ، كما أن تبيئة المجالات تحتاج تكاليفاً أكبر وشروطاً أكثر .
………………
من الطبيعي أن تخسر بعض صداقاتك بمرور الوقت ، ولكن المشكلة عندما تحولها إلى مناطق عداء مستغلق .
………………
أحياناً عليك أن تعيش الحياة وكأنها خالية من السيئين ، التجاهل يعالج الكثير من المشاكل .
………………
علاقاتنا الجديدة لا تعني بالضرورة خيانة تلك القديمة ، في العمر بقية وفي الدنيا متسع .
………………
إذا توقفت عن القراءة خفت ضياء العقل وانحسر إصباح الروح وانخمدت إشراقة النفس .
وإذا ما استعدت نشاطك القرائي حتى استفاقت النفس من غيبة الجهالة واشتعلت الروح كجذوة يوقدها زيت خالص .
وإذا تعلقت بالقراءة لامس حبها شغاف قلبك حتى لتجد للروح نشاطاً وخفة إذا قضيت وقتاً معها وبضده لو أنك فارقتها ذبلت الروح وحصل لها خمود ورقود .
ومن أكثر ما يثير عجبك في القراءة أنها مثل العمر الذي لا تشعر به وهو يمضي ، فكلما انغمست فيها طلبت مزيداً وكلما قمت منها عدت إليها حثيثاً . 
………………
من فرط في طاقاته ومواهبه أخمدها وأذبلها ، ومن زهد في إنجازاته طلب الكمال في سواها وجمع الحسنيين .
النفس عبارة عن حدود رقيقة أحد من السيف وأدق من الشعرة ، من ترفق بها لانت له ومن عاجلها أدمت يديه وأفلتها .
………………
عندما تعيش طويلاً ، ماذا استشرفت للمستقبل الكبير ؟
عندما تشعر بالخوف ، ماذا أعددت لتشعر بالأمان ؟
عندما تحيط بك الوحدة ، ماذا صنعت لتلفك الحياة ؟
عندما تبتلعك المشاغل ، ماذا جهزت لتبطئ نهمها ؟
عندما تخسر رصيدك الروحي ، ماذا خزنت لتروي عطشك ؟
عندنا تفجؤك الرزايا ، ماذا بنيت لتحتمي من السقوط ؟
عندما تهجرك الأفراح ، ماذا تملك لتخلقها من جديد ؟
عندما تغمرك الفرص ، ماذا حضرت لتستقبلها ؟
عندما تغادر الحياة ، ماذا أبقيت ليدوم ذكرك ؟
عندما يداهمك الموت ، ماذا أعددت للقبر ؟
الإنسان ليس أكثر من قابليات تنتظر جاهزية عبقرية وفائقة .
………………
عندما نكتب فنحن لا نقول لأحد هذا هو الطريق الصحيح ، ولكننا نقول هذه طريقتنا في التعامل مع الأشياء .
……………………
من الطبيعي أن تتغير وجهة نظرك تجاه بعض الأشياء بمرور الزمن ، طبيعي أن تختلف آراؤك التقليدية بتقدم العمر ، طبيعي أن تتنازل عن بعض قناعاتك القديمة بتجاوز مراحل الحياة .
هناك عوامل زمانية ومكانية ، داخلية وخارجية ، تشتغل على تحريك بوصلتك الذهنية ، هناك أفكار واردة وأخرى صادرة تعتمل في عقلك تنتج عنها مقاربات ومواءمات جديدة لم تكن لتطرأ لك على بال أو تخطر في ذهن .
والنصيحة الدائمة لك : ألا تتحمس لفكرة أو تتعصب لشخص ، لأن احتمال تغيير ذلك وارد وبقوة ، ولسلامتك الدائمة عليك أن تتصرف بثبات في منطقة المبادئ وبمرونة في دائرة المواقف .
……………
ما تملأ به يومك ، يحدد سلم أولوياتك ، وما تشغل به فراغك يحدد قيمة اهتماماتك .
……………
الخوف هو تغليب الاحتمالات السيئة ، والقلق هو التعامل وكأنها حقيقة وقعت ، رغم أن كل ذلك يحدث في خيال الإنسان ولا يملك رصيداً من الواقع .
………………
المناسبات والمواسم الثقافية مثل الجنادرية ومعارض الكتب تذكرنا بالثقافة ولكن لا تبنيها ، وأحياناً تصبح مجرد ديكورات ومنافسات استعراضية أو فرصة للمكاسب التجارية وزيادة الأرباح أكثر من أبعادها الثقافية وقيمتها العلمية والمعرفية .
لبناء مجتمع يملك ثقافة حقيقية ويقدر العلم ويسعى إليه وينتج المعرفة ويتعامل معها ، فإن ذلك طريقه مختلف تماماً .
إنها منظومة متكاملة من الشروط السياسية ، ومن العمق الديني المستنير ، ومن النظام التعليمي المتين ، والبناء الاجتماعي القوي ، والفرص المتاحة والأفق الفكري المتسامح والظروف البيئية القائمة على الثقة والتكامل لا على التخوين المتبادل والانحراف عن القيم العلمية والأخلاقية للثقافة الرشيدة .
………………
لا يوجد شيء يحمي الإنسان مثل فكرة تستحوذ على اهتمامه ويصب فيها خالص طاقته ونشاطه .
بإمكانك أن تنظر في حال رجل تقلب في شهواته وشبهاته وعندما مضى به العمر التفت إلى مشوار حياته فألفاه متعرجاً غير مستقيم ، فإذا ما رفع رأسه وجده خاوياً من فكرة يسترشد بها أو مشروع يضبط سيره .
وبضده لو نظرت إلى حياة رجل قليلاً ما فرط من عمره ولماماً ما أسرف في غير منفعته إلا وجدته قد انطوى على فكرة جامعة مانعة انطبعت في حياته وحافظت على مساره ومشواره .
ويبقى الفراغ في العقل والوقت أكبر مفسدة يمكن أن تعترض حياة شاب مقبل وأكبر ندم يلحق بحياة شيخ مدبر ، وبينهما آلاف الفرص التي تلمع في سماء الشباب فمن بادرها بالاستثمار أفلح ومن أشاح عنها وتجاهلها خاب وندم .
……………
إذا لم تفهم بعض تصرفات الآخرين ، فلا تحاسبهم بتفسيراتك الشخصية .
………………
إذا انهارت أطماعك ، تحفّزت سهامك .
……………
لدى بعضهم قاعدة بغيضة : من لم تنافسه بأفعالك ، مدّ إليه لسانك .
……………
لا تثق في رجل مشبع بالحقد ، يسمح لسموم الكراهية أن تتغلغل في أحشائه وأمعائه ، حتى لتكاد تشم رائحة قلبه تنبعث من جوفه وهو يشوى بجمر البغضاء ، زامّاً لسانه بكلام يسفر عن مكنونه المكتوي بلظى الحقد ونار القطيعة .
وبذلك كان الغضب أدق مسبار لأخلاق الرجال وأعظم اختبار لطباعهم ، ومن رزق الحلم رزق معه الأدب والصبر والوفاء والثقة .
أما الغضوب الذي يتجاوز حدود الاعتدال إلى أقاصي الحقد وأصقاع الضغينة فإنه قطوع للرحم ، سريع التفريط ، واسع الدهاء في الإضرار بما كان سلفاً أهلاً للمحبة والتقدير لديه .
……………
تحتاج إلى صدمة أو لحظة فاصلة تدفعك لمراجعة موقفك من بعض المعاني وتمحيص رأيك تجاه بعض الأشياء .
صدفة ، أو ترتيب غيبي ، أو تراكم للانطباعات العابرة ، ستكون كفيلة بتعديل حساباتك وتجديد خياراتك .
الثقة المفرطة تغلق الباب وتوصد الطريق وتمنع وصول الضوء إلى نبات أفكارك الغضّة الطرية فلا تنضج ولا تستوي أبداً وتبقى في شرنقتها الضعيفة وحالتها الجنينية الهشّة .
كما أنها تعرضك لسموم الأفكار الخاطئة واستغراقك في مواقفك غير المنضبطة ، وربما مضى بك العمر وأنت تتوكأ على عصا من الأفكار الرخوة ما تلبث أرضة الزمان أن تقضمها فتسقط إيذاناً بحلول أجلك ونهاية أزلك .
………………
لا أحد يبقى على حاله ، كل الأشياء عرضة للتغيير .
قد يلومك صاحبك على البرود أو الغياب ، والحقيقة أن طباعك تغيرت بما يكفي ليشعر بالغربة إلى جانبك ولم تتعمد معاملته بجفاء .
قد تلمس في طباعك غلظة أو ليونة ثم تستهجن هذه الحال الجديدة ، وعندما تقلب ناظريك تجد أنه تطور طبيعي منسجم مع مرحلتك العمرية ومستوى تفكيرك .
كل شيء عرضة للتطور والتغير ، ومسؤوليتك أن تتفهم ذلك ولا تصادمه أو تهاجمه .
عليك أن تستوعب فكرة التطور الدائم باتجاه التقدم أو التراجع ، والثابت الوحيد أن كل الأشياء تنطوي على نواة مرتبكة لا تستقر بصورة خالدة .
عندما تتفاهم مع هذه الطبيعة المستمرة في التغير فإنك غالباً ما ستشعر بالهدوء وستتخلص تدريجياً من التوتر وإلقاء اللوم العبثي على المحيطين بك .
………………
نحن مغرمون باتهام الآخرين ، نهرب بالتهمة إلى سوانا ، ونفوسنا تنوء بالخطيئة .
نبرأ منها وهي نباتنا وحصادنا ، نتطهر من رجسها وآثارنا منطبعة عليها بوضوح .
الاعتراف فضيلة حتى لو كان ذلك على أنفسنا ، 
قول الحق شجاعة حتى لو خسرنا بعض مكاسبنا .
نعتقد أننا سنشعر بالأمان والراحة عندما نهرب من تحمل المسؤولية ، أذكياء عندما نلقي باللوم على الآخرين ، أقوياء عندما نتهرب من مواجهة حقائقنا ، والصواب أن العكس هو الصحيح .
……………
أنانيون عندما يسألون عن الاهتمام .
يجن جنونهم عندما يشعرون باستغنائك عنهم ، يكيلونك لوماً وعتاباً بعد أن أسرفت حظاً واسعاً من عمرك بجانبهم دون أن يكافئك أحدهم مثقالاً من شكر .
انصرفوا .. ولا بواكي لكم .
…………
إذا تشبعت من شيء ما ، فمارس عملية التجويع الاختياري ، والشوق سيرمم المسألة .
………………
النفط عند العرب سلاح سياسي قبل أن يكون أداة تنموية ، وهذا يجعل الانشغال بالتنافس الإقليمي أولى من البناء الحضاري ومشاريع المستقبل .
……………
‏نؤجل الشعور ( بالخطأ ) لنتمكن من القيام به .
……………
فرق بين السؤال العميق والآخر العقيم ، وإن تشابهت الحروف فالبون واسع .
………………
إذا تراكمت الأحزان فإنها تصنع بيئة خصبة للشر وأرضية مشبعة باليأس ومرتعاً للسلبية ، وبعكسه إذا احتشدت لحظات الفرح والسعادة فإنه تستدعي معاني الحياة الجميلة وتؤسس لمستقبل مشرق وواقع مبدع وممتع .
……………
إذا أغرقت في قراءة فن معين من ألوان العلوم ، فإنك مضطر لاستخدام أدواته للفهم ، وتوظيف معانيه للتقريب واستهلاك مفرداته للكتابة .
إذا تشبعت بالقراءة في السياسة والدبلوماسية فإنك ستملك نظرة متزنة واستيعاباً أوسع لأطراف الفكرة ومرونة في التعامل معها وتقريباً لوجهات النظر ومعادلة للمصالح والمكاسب ، وستكتب بنفس لغتها المرتبكة وتبتعد عن الحسم القاطع وستغلب التوسط والضبابية وستعيش بعقلك في المناطق الرمادية الوسيطة .
وهكذا لو أنك تقرأ في الفكر والفلسفة المتوسطة فإنك ستملك أفقاً أرحب للتفكير وبصيرة نافذة وإشراقاً عقلياً لافتاً ومضامين غير مطروقة للمواضيع وعمقاً أكبر في المعاني ولغة عذبة وآسرة .
أما لو أسهبت من فيض الأدب فسيغمرك الخيال الواسع وتملك العبارة الفاخرة وستمتاح من أبهى المعاني وأرق المضامين وستجلو ذلك في جمل دقيقة وكلمات رقيقة .
……………
الشباب أكثر مراحل رفضاً للواقع وثورة على لحظته وهي طبيعة مستقرة في تركيبتهم الذهنية والنفسانية .
والعلم والتدريب على اللياقة لا يلغي هذه الطبيعة وإلا فإنه يكون عملاً سلبياً يشق على النفس ويؤذيها .
ولكنه يقدم القوالب المتحضرة والطرائق المدنية السلمية للتعبير عن رفض الواقع وخلق المستقبل بما يستقيم مع إيقاع العصر وانقلاب الزمن
إنه تعليم الطريقة المؤدبة لمواجهة الواقع والتخفف من أعباء الماضي ، إنه تعليم فن استقبال الوافد واستشراف المستقبل واستيعاب شروطه الحضارية والتقدمية .
وإذا كان لا يستغنى عن خبرة الأقدمين ، فإن سواعد الشباب وحماسهم ورفضهم للسائد هي أكثر ما يكون لبنة في بناء المستقبل وخطوة باتجاه الزمن المفتوح وقفزة في أفق الفضاء المتفتق من رحم المجهول أو المأمول .
…………
لا تستطيع أن تتعامل بارتياح مع كيان غير مستقل أو شخص لا يملك قرار نفسه ، الأشخاص المعطلون عن إدارة ذواتهم يوزعون مناطق النفوذ على سواهم مما يبدد مركز القرار والاستقرار .
وإذا تعاملت مع شخص من هذا النوع فإنك مضطر للتواصل مع تلك القواعد المبعثرة على مدى الأغيار الذين يتناوبون التحكم بهذا الشخص .
لا تستطيع أن تستوعب حجم الشتات الذي يعيشه شخص لا يستقل بنفسه ، فهو متردد وحذر وغير مستقيم ولا منصبط .
………………
التأسيس لكل شيء مريح ، ورسم القواعد التي تنطلق منها وتثوب إليها يساعد في سلاسة الحياة وجراية الأمور علو نحو واضح ومترفق .
وهذا يجري على العلاقات كذلك ، لأن الوضوح في البدايات يرسم طريقاً واضحاً ونهاية هادئة للعلاقة ، ويكسب الطرفين مسارات واضحة للتعامل في المواقف المختلفة .
وهذا يقترب من جملة " ما بني على حق أو باطل ، فهو على ما بني عليه " لأن النتيجة ولادة طبيعية للمقدمة ، والنهاية مخرج تلقائي للبداية .
وهذا لا ينفي الظروف الطارئة التي يمكن أن تلعب دوراً في تغيير المسارات ولكنها تبقى وقفاً على القواعد الثابتة والأسس الراسخة .
وهذا يجري على مسائل التربية والتجارة وسواها من مجالات الحياة وصورها .
……………
الحب قرار سيادي ، لا يتخذه إلا أنت .
ثم لا يصح أن تحب أحداً ثم تعود فتبغضه ، لأن الحب شعور خالد ويقوم على أسباب لا تنقطع .
أما إذا أحببت شخصاً لسبب ، فإن الأسباب تزول والحب لا يطول .
……………
ما نبت بسقيا الحب ، لا تذروه رياح البغض .
…………
كل شيء يمكن أن يكون نقطة ضعف أو قوة ، التوظيف السليم هو الذي يصنع الفرق .
……………
كلما " تكاثرت لحظات الفرح " فإنها تتراكم بطريقة استهلاكية تستدعي الملل والضجر وتخسر قيمتها ولذاذتها .
ولكن عندما " تتكاثف معاني السعادة " فإنها تبقى وتدوم ، وتترك أثراً لا ينمحي ودفقاً لا ينضب .
قيمة الأشياء في معناها لا في أعدادها ، وخلودها في قوتها لا في أكوامها ، والتكرار يقتل المعنى ولا يرسخه ، ويفقدك شهيته كلما تعودت عليه .
هي أشياء لا تشترى .
……………
اذا خلت السريرة تفطنت البصيرة ، وإذا استبد الجهل أغرقت في الزلل ، وإذا أسرفت في الأمل جانبت العمل ، وإذا اضمحل العقل استغلق السهل .
……………
يتمتع بعض الأشخاص بالقدرة على توزيع القلق وتبديد الإيجابية من محيطهم ، نفوس مشبعة بالسلبية تملك مهارة عالية في تحطيم مباني السعادة وبعث اليأس من مرقده .
إنهم أكثر من نفخة في أشباح الأحزان ، وأبشع من قتامة الخوف ، وأصرخ من زعيق الهموم .
……………
كلما اتسعت المدارك ، قلت المعارك ، وبسطت الأرائك ، وفسحت المسالك ، وأغلقت المهالك .
…………
من ضاق به الحال استنجد بالخيال ، ومن قصرت به الآمال وبخلت بحقه الأقوال صار إلى أسوأ مآل .
………………
من زاحمته الهموم وهرب إلى النوم وجاوز الحيّ القيوم ، فقد خالف النظام المعلوم والقانون المرسوم .
……………
لا معنى للنجاح إذا كان مجرد مكاسب شخصية .
النجاح مفهوم لا يستقيم دون مشاركة الآخرين ، لا قيمة له إذا لم يتجاوز دائرتك الضيقة فيشع بالإيجابية فيمن حولك ويحرك الأفراح في محيطك .
ولذا فإن ابتسامة تسعد بها غيرك ، خير من منصب تزيد به مالك أو شهادة ترفع من رصيدك .
النجاح مثل الغيث الذي يغير كل شيء ويكسو الطبيعة والنفوس بالبهاء .
……………
إذا أصبحت شخصاً مادياً تدور حيث تدور مصلحتك ، ولا تخرج من قمقم مكاسبك الشخصية وحظوظك الضيقة ، فإنك تفقد إنسانيتك مرة بعد أخرى .
تغلظ طباعك وتجف سريرتك وتيبس عباراتك ويزداد حنقك وتضيق نفسك وتقصر بصيرتك ويظلم وجهك ، حتى تكاد ترى ذلك في قبرك .
وبضده الذي يشارك الناس أفراحهم ويقاسمهم معاشهم ويشاطرهم أتراحهم ويناصفهم حياتهم ، فإنه يظهر أحسن ما فيه بجميل عطائه ويستر أقبح ما لديه برضى الناس عنه وكمالهم به .
………………
لو تخلص الإنسان من نصف العادات التي يقوم بها لمجرد التقليد دون قناعة والتبعية بدون تدقيق لشعر بروح وثابة وقلب يخفق بالنشاط وطبيعة متحفزة ومتفائلة .
أحياناً نعيش بنسخ مثقلة من ذواتنا ، نراكم اختيارات الآخرين وأذواقهم حتى نطمس استقلالنا ويخفت إشعاعنا الداخلي وتموت قدرتنا على الإنتاج من وحي فرادتنا وتميزنا .
إنه قهر اختياري لدواخلنا واستبداد مغلف بالرضى ندمغ به أنفسنا بلا وعي أو إدراك .
جلسات الخلوة التي تنيط اللثام عن عقولنا وترفع الحجاب الذي يجثم على صدورنا تحقق الجلاء الداخلي ، تخلق الهدوء الذي يتيح لنا الاستماع باهتمام إلى موسيقانا الخاصة ولغتنا العميقة .
لنحقق الانسجام والوئام مع أنفسنا ، ثم ننعم بحياة منتجة ومفعمة .
………………
من المهم أن تستمتع بكل ما لديك الآن ، لا قيمة لما تؤجله فوق ما يطيقه الوقت وتتيحه الفرصة .
ولو لاحظت مراحل العمر وسوانح الصدف ، فإنها لا تزورك إلا لماماً ، والتأجيل عدو الفرح وخدين الأسى والأسف .
التسويف أكثر ما يعرقل الإنجاز ويكبح عجلة التقدم نحو الأهداف ، والتأجيل يشبه الموت البطيء للأفكار والمشاريع والخطوات الجادة ، والإرجاء يربك ترتيب الحياة العادل .
" ليس هناك أقوى من فكرة جاء وقتها " كما يقول الفيلسوف ، وليس هناك ألذ من متعة حانت لحظتها ولا أجمل من موقف تجلت ساعته .
فالزم المبادرة ، وتعوذ بالله من الشيطان والهوى والتأجيل .
………………
الأشخاص بمعانيهم ، لا بمبانيهم .
……………
تعرفك على الأشياء يغير موقفك منها .
……………
اهتماماتك توزع حصص الوقت لديك وتتحكم ببوصلة حياتك .
…………
إذا تهيبت ما تجهل ، فلن ينقاد لك إلا بسلاح المعرفة .
……………
إذا رأيت شخصاً يسرف في غروره أو تقصيره ، فاعلم أن من يجالسه لا يصدق معه .
……………
أحياناً تتأجل أثمان أفعالنا إلى أوقات لاحقة ، ذاكرة الزمان حادة وعصيّة على النسيان .
……………
كلما رأيت حجم التبذير الذي يرتكبه أهلنا في الطعام والشراب ساورني قلق في غضب سماوي ماحق يشبه ما ينال بعض أهلنا ممن يجاورنا في العقيدة والجغرافيا .
شيء من ضياع الأمن وهدر الدماء وقلة الحيلة جزاء ما ينال النعمة من إهمال واستخفاف .
ويزداد القلق عندما أمر على أكوام من الأطعمة ملقاة رأي العين في براميل القمامة كأنها طبخت للتو لم تمسها يد ولم يمضغها فم ، بدون أدنى شعور بالمسؤولية .
أرى الشاب من أهلنا يتجاهل سفرة أهله وهي تزخر بطعام يفوق حاجتهم ثم يدفع حصته في عشاء أصدقائه الذي يتجاوز حمل أمعدتهم الصغيرة .
نعم الله التي تقابل بهذا المستوى من التبذير والإسراف وقلة التقدير والاكتراث ، تغار وتنتقم لنفسها فيدفع المجتمع ثمن ذلك آماداً من البؤس والجوع والضنك .
والعاقل من أبصر المهالك في انحراف المسالك واتعظ بغيره .
……………
لحظة من الهدوء العميق ، من العزلة المثمرة ، من النقاهة ، تداوي علل النفس ، وتعالج مشاكلها المستعصية .
لحظة من الانسحاب من شغب الحياة ودوي الارتباطات اليومية يرتب أوراقك وتلتقط فيه أنفاسك .
ماذا تعطيك " الصلاة " أكثر من لملة نفسك المبعثرة في التفاصيل المزعجة .
ماذا تعطيك مواسم العبادة المجدولة أكثر من إعادة الهدوء إلى أعماقك المتشظية من قنبلة الوقت .
هذا زمن الارتباطات المتزاحمة ، وزمان الانشغالات المتراكمة ، تحتاج فيه إلى الصلاة أكثر من غيره ، إلى الخشوع : هذه العبادة القلبية التي تمنحك الكثير من التدريب والمعونة على صياغة يومياتك من جديد بطريقة تحافظ فيها على انسجامك الداخلي وتحقق مراداتك الخارجية .
فكّر بطريقة مختلفة ، لعلك تعيش حياة أفضل مما أنت عليها الآن .
عندما تسمع الأذان ، تشبع من كلماته العذب وتشرب معانيه البعيدة ، إنه يدعوك بمحض إرادتك لترفد نفسك بالخير وتعينها على الصلاح ، بإمكانك أن تتجاهل النداء وتمضي في الفوضى التي تختطفك دائماً ، وبإمكانك وبكامل إرادتك أن تتجه إلى تجمع العقلاء النابهين وتسبح في فلك المؤمنين وتضع جبهتك على الأرض التي درجت عليها وحوتك ، كأنك تلقي بأعباء الحياة من على كاهليك ، تهمس إلى ربك بأسرارك وتلهج إليه بصادق استغفارك ، تخاطب ذاتك وبلسانك وبمنطوق عباراتك المتواضعة في بيان دعائي تتلوه على مسامع الأرض وقلبك يطير متخففاً من أحمال الدنيا الزائلة ومن أثقال الناس الزائلة إلى سماء لا يصعد إليها إلا الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه .
هل عرفت أن الصلاة نقطة التقاء الأرض بالسماء ، والمسجد بقعة طهرانية أصلها في السماء وأثرها يتدلى إلى أرض المتشاغلين ، فعليك بها .
…………………
كل الأشياء التي تعطيك قيمة اجتماعية لا تشكل ثقلاً أمام الأخلاق  .
الأخلاق هي أفضل استثمار يمكن أن يعتمد عليه الإنسان وهي أكثر القطاعات أماناً ، تشبه ارتباط عملتك بالذهب مباشرة وقوتك الواقعية بهذا النوع النادر والأصيل من المعادن .
ارتباطك بالمظاهر والمصالح وسواها من المكونات يجعل قيمتك متذبذبة وعرضة للكسب والخسارة ، عندها يصبح رهانك أقرب للفشل .
عندما تتشبع بالأخلاق في أعماقك الدفينة بواسطة التربية والقدوة فإن أخلاقك لن تتعرض للتلف مطلقاً ولا تسقط قيمتها بالتقادم ، الأخلاق تنمو بشكل مضطرد ، وكلما تعرضت لمواقف أصعب ظهرت منك أخلاق أمتن وأليق ، هذا من كانت منه الأخلاق بمنزلة الروح للجسد بفضل التربية العريقة والتنشئة العميقة .
وكذا من ابتلي بنزق أو سرعة غضب وانفلات فإنه بالتخلق والمجاهدة سينال حظاً عظيماً من الكسب الأخلاقي الذي يداني سابقه .
لا تتعامل مع الأخلاق بطريقة مادية بحتة تنافي قيمتها ، كأن تلين لكسب جانب أحد أو تتملق لرضا خاطر مخلوق فإذا ملكت القوة بطشت وإذا نلت المصلحة عدلت ، التصق بالأخلاق وكأنها جزء أصيل من كيانك وقدر ملازم لحياتك .
اعتقدها في داخلك ، اجعلها نهجك وطريقتك ، تعامل بها ، تماثل معها .
الأخلاق في البدء حالة زئبقية إذا انهصرت داخلك وخالطت شغاف قلبك أصبحت تضوع في داخلك وتعبق من جوفك وتكسو سلوكك وتنطبع في ذهنك وتترك أثرها على ثغرك وبشاشتك وإصباحك .
إن للأخلاق سحراً يغمر قلوب من حولك ، فإذا أراد بك الغاضب شراً انفطأت حمم هياجه عندما يلقاك ، وإذا أذنب أحد في غيابك قصمه ضميره بالتأنيب ، وإذا أجبرتك ظروفك على التقصير باشرتهم الأعذار بالإعذار .
تمسك بأخلاقك ومبادئك فإنها حصنك من صدمات الحياة وسبيلك لالتفاف القلوب حولك وطريقك لرضى الله ، تمسك بأخلاقك فإن المال زائل والجمال ذابل والبطش قاتل والأخلاق جنة .
…………………
حالة التوقع عندنا دائماً مزرية !
فنحن لا نتوقع بطريقة علمية : بمعنى أننا لا نستشرف المستقبل باستخدام أدواته العلمية المشهورة ، التنبؤ بالمستقبل ذنب برأي الشرعيين وترف بقول الكسالى واستعجال حسب فهم البله ، استشراف المستقبل أصبح علماً مستقلاً له حضوره وشروطه وقيمته المعرفية ولأننا في ذيل الأمم تقريباً فنحن أبعد الناس عن واقع العلم فضلاً عن مستقبله .
ونحن لا نتوقع بطريقة متفائلة : إذ يجري منا التشاؤم مجرى الدم في الوريد ، هذا إذا حاولنا التبصر بأحوال مستقبلنا فإننا لن نخرج من إطار السوداوية التي تتحكم في تصوراتنا ، وسيكون من المضحك لو أحدثت التفاؤل في توقعنا وكأننا نطلب المستحيل ونستعجز القدر .
لعل واقعنا يبعث على التشاؤم ، ولكن إصرارنا على التشاؤم حتى في توقعاتنا يضاعف الظلم ، دائماً نتوقع الشر وكأننا لم ننعم بالبشارات يوماً في حياتنا ، نتوقع الأسوأ ونصر عليه ونراهن أن يكون حليفنا في المستقبل حتى لو بدت البوادر بخلاف ذلك .
ونحن لا نتوقع بطريقة إيجابية : ونخضع كل مواقفنا للتفسير السلبي والانتهازي .
نقول : جاء بهدية ليحصل على مكسب ، قال كلمة عدل لينال حظوة ، قدم المعروف ليفوز بمدح الناس ، تنازل عن ظالمه ليتقرب إلى حاكمه .
لا يوجد أي فرصة لإحسان الظن أو الذهاب باتجاه الجانب المضيء من المسألة .
التوقع عملية عقلية مؤقتة تحاول أن ترفع من درجة الاستعداد وتحقق الاستجابة الأمثل للمستقبل أو تسد ثغرات المجهول ، والعكس كذلك .
………………
لن يموت أحد بسبب شخص آخر تركه أو فقده أو قام بخيانته ، كل تلك الأوجاع المتضخمة عبارة عن صورة مجهرية وغير دقيقة لمجرد التحولات الجذرية لما تعودنا عليه والانقلاب الحاد للوضعيات التقليدية .
توصيفنا للمشاعر هو المحدد الحقيقي ، مستوى اللغة التي نستخدمها وعمق الكلمات التي نختارها والدلالة التي تشير إليها هي التي تتحكم في قياس ردات أفعالنا وانفعالنا مع المواقف المتعددة .
لا شك أن بعض المواقف مربكة ومؤلمة ، ولكن وعينا بها واستيعابنا لفداحة آثارها أو سطحيتها يتوقف على المستوى اللغوي الذي نختاره لتجسيد المشكلة وتقريبها ذهنياً ، مقارباتنا اللغوية والتعبيرية تصنع الآثار التي تتركها مواقف السرور والألم على المدى البعيد والقريب على حد سواء .
انغماسنا بطريقة غير متزنة في لغة الشماتة بالزمان وتحميل الآخرين مسؤولية الفساد المتخيل على مستوى العلاقات واستعمالنا المفرط لعبارات الحزن والأسى والأسف على قسوة الزمان وجحود الناس وتنكر الخلق وغلظة القلوب كلها كوارث لغوية تتحكم في مخيالنا الذهني وسلوكنا المباشر .
………………….
لا تلم الآخرين على اهتماماتهم ولو كانت ساذجة  ، هذا ما أقصى ما تطيقه قدراتهم العقلية والوجدانية والبيئية .
الكون لا يريد نسخاً متشابهة ، والناس لا يطيقون أن يلتزموا باختياراتك ولو كانت فاضلة ونبيلة .
الدنيا طبعت على التنوع والتعدد الذي يثريها وينميها ، والناس خلقت بكفاءات متفاوتة وقدرات متباينة وفي ذلك تكامل يخضعها للتعاون والتعارف والتداخل .
مواطن الدول الفقيرة لن يفكر بالصناعة قبل لقمة العيش ، ومواطن الدول المضطربة لن يفكر في التكنولوجيا قبل الأمان ، والشاب المبتلى بالغباء لن يقوى على التخصصات المتعمقة والشاب المبتلى بضيق الإمكانات والهبات لن يطاول المهام الجادة والثقيلة .
إنما اللوم على من حيزت له الظروف الملائمة وخضعت له الشروط الموائمة ثم أسرف في تجاهلها وأمعن في تغييبها واستسلم لهواه واستغرق في بلواه .
…………………
هل جربت أن تعيش من أجل " معنى " ؟
فهذا أقرب لتحيا بطريقة ناضجة تتمحور حول المعنى الذي تختاره باهتمام وعلى ضوء حاجاتك وطموحاتك .
تنضبط حياتك ، وتنمو باتجاه أهدافك ، ويقل خطر اختراق مبادئك .
عندما تكسو حياتك بمعنى جاد وواضح وإنمائي فسيبدو هذا على أخلاقك وطباعك ومسارك المعيشي ، يتضح هذا أكثر لو فرغت حياتك من المعنى وأصبحت خالياً إلا من دوافع شهوتك أو هروبك من فراغك عندها ستأتي بأفدح الدواهي وأبشع المناهي .

تخلى عن الحياة من أجل " أحد " فهذا يختزل عمرك الوردي في ذات أخرى لا تنتمي إليك ، ستشقى من قسوة البؤس والضياع واللهاث وراء استرضاء آخر يعيش خارج حدود عقلك ووجدانك ، ستغرق فرادتك وجوهرك وسيحل في جسد غرائبي يستنزفك ويطرد سعادتك واستمتاعك . 

تخلص من الحياة من أجل " شيء " هذا يمد من هستيريا الاستهلاك في معيشتك ، يدغمك بويل التشييء القاتم ويمحور المادة الصلدة في قلب حياتك يخفت معها شعاع الروح ولذة المعنى .

……………
أن تتعرف على شخص عن طريق نسبه أو مكانه أو شكله ، هذا يعني أنك تتعامل مع صورته السطحية ، تقريباً ستنهار عند أول موقف يسفر عن عمقه البغيض والمهلهل .
فضلاً عن المؤشر النسبي للعلاقة الذي يتحكم في تذبذب مستوى التقييم والتقدير لتلك الأبواب التي استخدمتها للتعرف على الشخص .
بخلافه تماماً لو تعرفت على شخص عبر لغته أو فكره أو خلقه ، فأنت ستتعامل مع منتجه الحقيقي ، مع خلاصته الأقرب لواقعه ، ستخاطب آلته المنتجة لمنطوقه الرقيق أو فكره العريق أو خلقه الأنيق .
وهذا يعطي العلاقة فرصة للنمو والتطور أكثر ، جهاز المشاعر لديك سينضبط بالقيم الثابتة للعلاقة التي تكتسبها من منتجه الرصين والمكين .

………………،
الشباب عندنا يتزاحمون على كرة القدم تشجيعاً وممارسة ، أكاد أجزم وبأيمان مغلظة لو شئت أن نصفهم تقريباً لا علاقة لهم بها من قريب أو بعيد ، ولكنهم يتراكمون فقط عند المخرج الوحيد لتنفيس ضغوطهم وطاقاتهم والبحث عن موطئ قدم في مجتمع الرياضة لأنه يؤمن لهم حضوراً اجتماعياً مرضياً يحققون عبره ذواتهم ويثبتونها .
حتى أن من رزق شيئاً من رشاقة الجسم وليونة الأطراف يمكن أن يعادل شهرة ميسي في قريته بالقياس إلى ذلك التراكم العددي الكبير على قلة إمكاناتهم ومهاراتهم .
إنها نجومية مختصرة لا تكلف الكثير من الجهد أو الاستعداد ، ليست أكثر من لياقة متوسطة ومهارة سطحية للتحكم بالكرة ، يضاف إليها شيئاً من قصات الشعر واللمسات على مظهرك العام تلفت النظر وتصرف الاهتمام عن مستواك الهزيل وأدائك المتواضع .
بقية المجالات الجادة قليلاً ما تجد فيها منافساً بعكس الرياضة التي يصعب أن تجد فيها متنفساً ، لقد ذهب ريحها مع عاصف الكرة المهتاج .
حتى أن من صرف قلبه عن الرياضة أصبح ملزماً ولو بتسجيل اسمه في قائمة المشجعين حتى لا يشعر بالغربة والوحدة في ظل مجتمع مدموغ بالرياضة ومنغمس حتى ذؤابة رأسه في هذا الحوض الكبير ، يضيف إلى تشجيعه لمسة تعصب غضبي تخفي عيب تواضع مستواه الكروي ىضعف حضوره في هذا المجال الإجباري .
………………
ما لم تملتك الإطار الناظم لشخصيتك ومبادئك وطموحاتك فإنك غالباً ما ستعيش أقرب للهامش .
ما لم تتضح شخصيتك لديك أولاً وتحدد أولوياتك ، فإنك ستعاني من ويل الشتات والضياع وستكون شخصاً غامضاً ومربكاً لمن حولك .

الإطار الناظم لشخصيتك يساعد في تحقيق النمو المطرد لإمكاناتك وترقية حضورك الاجتماعي على أسس متينة ومثمرة .
الإطار الناظم الحازم سيحدد متى ستقبل أو تحجم ؟ من تصاحب ومن تفارق ؟ أشبه باستراتيجية شخصية متكاملة على ضوء معطياتك الحقيقية وآفاقك المأمولة .
وعندما تفتقد هذا الإطار لن تتمكن من استثمار المواقف المتعددة التي تتناولك في عرض الحياة وستكون نهباً للعلاقات التي تستهلك طاقاتك دون جدوى .
لا تعتمد على مجرد الصور العامة للأخلاق والنجاح وسواها من معاني التميز ، هذا يجعلك تلهث وراء سراب لا يمت إلى الحقيقة بصلة .
انحت إطارك الناظم من المبادئ العامة والمتفق عليها وفي ظل إمكاناتك وقدراتك الحقيقية دون إفراط يعجزك أو تفريط يلغيك .
………………
لكل كاتب جمهوره الخاص ، في الأساس هو لا يقصدهم بالكلام ولا يعنيهم في الإشارة ولكنهم يعجبون لحرفه ويصفقون لقلمه .
مع الوقت يضطر الكاتب بعد حالة من التماثل مع جمهوره أن يحافظ على الخط الذي تعوده جمهوره ، إذ يصبح لهم سلطة قاسية على تفكيره وسريان قلمه .
لا يصادمهم ولا يخرج عن السياق الذي اتفقوا على شقه منذ اللحظة الأولى لعلاقتهم التبادلية ، بطريقة غير منظوره يحتكم الكاتب إلى وعي جمهوره الذي يبدأ في تسييج آفاقه وتنميط طريقته .
يبدو الأمر مزعجاً بالنسبة إلى كاتب حر ، لا ينتج إلا في طقس التحرر من قيد الأتباع والجماهير ، وبالنسبة للكاتب الضعيف فإنه سيستسلم لهذه السلطة الجماهيرية ويخضع لسيكلوجيتهم التقليدية وإطارهم الرتيب .
الكتابة لا تتوقف عند مستوى معين ، فهي عملية تفاعلية ترتبط بكل محيطها البيئي والجماهيري وتتعاطى مع كل الظروف التي تنتظمها .
أما الاعتزال بالكتابة فهو حياد جاد ولكنه انفصال عن الواقع .
………………
إذا تعرضت علاقتك مع مقرب إلى خلاف أو برود ، حاول عدم استخدام كلمات خادشة للتعبير أو الحوار .
المواقف يمكن إعادة تفسيرها بطريقة إيجابية ، ولكن الكلمات الحادة لا تملك أمامها إلا الاستسلام لدلالاتها السلبية .
وهذا يفاقم المشكلة وربما ينحرف بحالات الفتور الطبيعي إلى تصدعات في جسد العلاقة يؤذن بانهيارها وتداعيها للأبد .
بالنسبة لي تعتبر اللغة أهم شروط الحياة الناضجة والعيش السويّ ، وهي أقدر الأدوات على التحكم وإدارة المواقف واللحظات التي تعترض حياة الإنسان ، ولذا يعتبر الحوار الفاشل أكثر أسباب الطلاق .
كلنا طورت لغتك أصبحت أكثر جدارة بحياة سعيدة ومميزة .
………………
كان صديق علامة في الالتزام بوقت الأذان ، أصبح يقوم بدوره هذا مذ عاد من حجته الأولى لوجه الله لا يطلب أجراً ولا شكراً .
كان ينهي التمرين اليومي في منتصفه من أجل الوصول مبكراً للمسجد ورفع أذان المغرب ، كان يقطع متابعة الحديث في جلسة الحارة حتى لا يفوته وقت الأذان ، كان لا يفطر في رمضان إلا في محراب المسجد بعد أن يختم رفع الأذان .
آية في الخلق والانضباط والصدق والالتزام ، لم تضف عليه الاستقامة إلا شعرات ذقنه ، فهو مطوع بالفطرة - والله حسيبه - .
كان متعلقاً لأبعد قدر بالأذان ، يحدثني عن أثر ذلك في تعويده على التبكير إلى الصلاة ، يتحدث بامتنان ممزوج بتواضع وبفرح لأن الأذان يلزمه القدوم إلى المسجد قبل كل أحد .
ولأنه على صفيح الانتظار ، يترقب فرص الوظائف الذي أخذت تضيق ، كان يشعر أن المسجد سيشكو من غياب مؤذن ينوبه عند غيابه ، سيما وأن المساجد حوله تشكو قلة من يتقدم لهذا الدور الشريف أو يصدق في القيام به رغم ما يصيبه من راتب شهري والله المستعان .
التقط صدّيق في كل فرصة مناسبة طفلاً لم يبلغ ليجربه في الأذان ، كان أحياناً يجرّ ذلك الطفل بأذنيه ليكسر الخجل في قلبه ويصب الجرأة في فؤاده .
كان يمازحه وينصحه كثيراً ، يحفزه ويحثّه حتى أصبح الطفل قادراً بما لا يدع مجالاً للريبة في رفع الأذان من إذاعة المسجد .
كتب الله التوفيق لصدّيق وانخرط في السلك العسكري وجاءت المنطقة الشرقية مكاناً لعمله ومنتهى أمله ، وما زال مسجده علامة في الالتزام بوقت الأذان وآية في الانضباط والمساجد من حوله تئن أحياناً من فوات بعض الصلوات وأبوابها موصدة لأن أحداً لا ينوب عن غائب أو يقوم مقام متثائب .
أصبح الطفل أحمد نافع العمري مؤذن المسجد الجديد أكثر انضباطاً وجدية في مهمته التي انفرد بها بعد غياب معلمه وملهمه ، يقوم من نومه ويغالب طفولته السارحة ويقطع لعبته وينهض من قيلولته في عز الظهيرة الرمضانية القائضة ولا يفطر إلا بعد الأذان ولا يكاد يغادر المسجد أو يحول عنه .
لعل صديق لا يعرف أن المسجد الذي اختاره للأذان فيه لوجه الله ما زال ورغم غيابه على منوال ما كان عليه من الالتزام بالوقت والوفاء بالصلوات جميعاً .
فقط أريد أن أضيف : أن هذا لم يكن ليحدث لولا أن الطفل أحمد ولد في بيت يعرف الخير والبر ويربي عليه ، فلله در والديه .
ولعلنا لا نعرف أو لا نصدق أن النية الصادقة الخالصة تفعل الأفاعيل وتكتب المجد رغم أنف الظروف .
جعل الله أعمالنا خالصة لوجهه الكريم .. آمين .
………………
إذا أغلقت صندوقك ، واخترت الغموض طريقة للحياة والتعامل مع الآخرين ، فإنك ستشقى من طول الانتظار .
لن ينزل قرآن من السماء يتلو على الناس آلامك أو آمالك ، ولن يبعث الله نبياً على رؤوس الأشهاد فيبلغهم ماذا يسرك أو يحزنك .
تعاملك وانفتاحك واصطبارك على حماقات الناس ولأوائهم هو فقط يقربك إلى الناس ويجعلك شيئاً مذكوراً ، تقوقعك داخل أطواء نفسك واعتزالك البشرية لا يكفي ليفهم الناس ما يغيظك فيتجنبوه أو يسرك فيأتوه .
إذا علق بنفسك شيء من الحنق فافصح ، ربما استعجلك الظن السيء ، وإذا لمحت موقفاً سيئاً أو تقصيراً من أحد فعاتب ، ربما كان كرم الاعتذار أغزر من فائض اللوم ، وإذا استبطنت حزناً وألماً فاشتكي إلى الله ثم إلى خلقه ، ربما تأتي المواساة على كل همك .
لن يضيف إليك الغموض والكتمان أي قوة أو دواء ، ذلك الانغلاق المزعج ربما استحال إلى انفجار يبعثر بقايا الهدوء والطمأنينة في داخلك ويذهب بمسكة التعقل والاتزان من ذهنك .
شارك من حولك دون أن تتعلق بهم ، اجتمع بهم واشعر لهم وأفض عليهم بعض همك واهتماماتك ، الناس لبعضها دون مبالغة ، والبشر إذا التقت كسرت هيبة الهم وأذابت جمود المشاعر واستقلت بجبروت الرهبة من كل شيء ، واعلم أن الجماعة تغلب الفظاعة .
………………………
مفارقة عجيبة دفعتني للتفكير طويلاً ، هذا الرجل الملتحي هو حجاج بن فهد العجمي  داعية كويتي هو أحد أكبر جامعي التبرعات للثورة السورية ويصرّح علناً بتمويل جبهة النصرة لبلاد الشام على الرغم من قاعديتها الصريحة وهو ممنوع من القيام بأي نشاط ديني داخل السعودية ثم تلقى إشعاراً بمنعه من دخول السعودية مطلقاً بعد توجيهه اتهامات مبطنة للدولة ، على مستوى تويتر والصحافة يتلقى سيلاً  من الهجوم والإساءة والنقد الحاد تكفي لشيطنة ملاك فضلاً عن نزع محبته وغرز كراهيته في أكثر القلوب تسامحاً .
بغض النظر عن موقفي الشخصي من المسألة ، يبدو هذا معاكساً تماماً بالنسبة لكونه وجهاً مقبولاً لدى الشباب في شبكات التواصل الاجتماعي عبر مقاطعه الوعظية القصيرة ، يتبادل الشباب مقاطعه بشكل مكثف ويوصون بعضهم البعض بمتابعة حسابه على انستغرام ، حتى أكثر الناس زهداً في التدين أجده يتابع مقاطعه بشغف ويحث سواه على متابعته ، يحبون لغته وعباراته وانتقاءاته السمحة والمتعاطفة مع ضعفهم البشري وافتقارهم إلى الله .
عندما حاولت استفهام بعض الشباب المحيطين بي عن مدى معرفتهم به ، يردون بأنهم يكتفون بالاستمتاع بمقاطعه الدعوية دون الحاجة إلى معرفة تفاصيل أكثر !! عندما أفاجئهم ببعض المعلومات تتمعر الوجوه ولكنهم لا يكفون عن متابعته والاستماع إليه ، ويتضخم الاستفهام في ذهني أكثر ؟!

لماذا تزامن قبوله الجماهيري دعوياً مع حملة مهاجمته سياسياً ؟! وهل يعني هذا أن حملات الهجوم السياسي مجرد عبث أمام قدر القبول الاجتماعي الذي يأتي من السماء ؟! وهل أن الدعاة خير لهم البقاء في إطار الدعوة والخروج من جحيم السياسة للحفاظ على حياض الدين وحمايته  ؟! ولأن المجتمع متدين ومحافظ بطبعه فهل يضعف هذا من خياراته السياسية ويجعله عرضة للاستغلال باسم الدين ؟! ويتضخم الاستفهام في ذهني أكثر ؟!
………………………
كان ملفتاً بشكل لا يغيب عن بصرك ، يتجول في ساحة الجامع الخارجية ، يلتقط صوراً من هاتفه المحمول ويطلب من المارة أن يلتقطوا له صوراً مع مآذن المسجد العالية .
الابتسامة تشق وجهه المصبح ، يجر عربته بسهولة فوق البلاط ، وكأن روحه تتوثب من شدة الاستئناس باللحظة ، يبدو وكأنه غارق في لحظته حدّ الثمالة .
شاب في الثلاثين تقريباً ، يغمرك شعور مريح عند أول مرة ترمقه فيها ، يخالجك انطباع رقيق يجذبك إليه ، لم تكن أسنانه البيضاء التي تحتشد في عمق ابتسامته إلا واحداً من الأسباب الكثيرة التي تجبرك على الانتباه إليه .
بهندام شديد الأناقة وتسريحة شعر مهذبة ولطافة واضحة تكسو تعامله مع المحيطين به وجسم رشيق رغم الشلل الذي أعطب قدميه ولون مشرق يشع من وجهه ، أكثر من هذا .. سر روحي يكمن في داخله ويعبق من جوفه .

قبضت على الجوال وحركت يدي مترفقاً باتجاه اليمين وأوغرت أصبعي في خانة التصوير واختزنت له لقطة ساحرة في ذاكرة الكاميرا ، كنت أتأمل فيه بعمق وصدق ، للتو انتهى من أداء صلاة التراويح خلف الشيخ البكّاء محمد المحيسني ، لم يتعجل مغادرة الجامع ، يتباطؤ في الخروج وكأنه لا ينوي مغادرة المكان ، يحتبس هنا حيث يجد روحه تتصعّد إلى المعالي ، تقفز من جسده القاصر وجثمانه الفاتر وتثب إلى ملكوت الله مقبلة عليه بأعظم جوارحها ، القلب .

أشعر بالغبطة تجاه صورة كهذه ، كم عدد الأشخاص ممن يمشي على قدمين وبصحة تامة يعلوه العبوس ويشحّ على وجهه بابتسامة تضيء ظلمة ثغره الكالح ؟ 
كم من الأصحّاء الأشدّاء يحمل بين ضلوعه فؤاداً مهلهلاً وقابلاً للانهيار ؟ لا يزوره الانبساط والارتياح إلا لماماً !

ثم كم من الأصحاء المشائين على رجلين لا يزف قلبه إلى المساجد ويفرط في حق الصلاة وكأنها من أهون واجباته ؟ ويدب إليه العجز والكسل عندما يبلغه نداء الصلاة !!!

لماذا يغلب العبوس والشحوب على وجوه الناس وكأنهم مرغمون على العيش ومجبرون على مواجهتنا ، نشعر باللامبالاه تجاه النعم الصغيرة التي تحيط بنا ، لا نشعر بالاكتفاء ونحن نملك ما نعيش به ملوكاً متوجين على الأرض .
الشعور بالنقص ليس واقعاً حتمياً ولكنه فكرة سلبية تجثم في أذهاننا ، تتغذى من تشاؤمنا ، تقتات من سوداويتنا ، وتعيش بقوة متوحشة وهي تطبق على أنفاسنا وتصوراتنا ، ونعيش على الأرض وكأننا خلقنا من رحم العذاب ويطوينا بطن الأسف .

شاب مثل هذا ، لم يدع لعجزه الحقيقي وعيبه الخلقي أن يحبسه أو يحول بينه وبين الفرح الذي يغمره في لحظته هذه ، إنه يعيش بعقلية متجاوزة لسرديتنا القانطة ، يحيا بذهن مفارق لسائدنا القاتم ، لخرافة الخوف واليأس التي افترضناها وألبسناها لبوس الواقع الراهن .

تعلموا من أصحاء النفس والقلب والذهن ، تنعموا !
…………………………
سيستخدم الشخص الذي يخاصمك كل فرص تقصيرك وهفواتك لترسيخ فكرته السيئة تجاهك ، سيوظف كل مناسبات ضعفك لتأكيد رأيه فيك ، سيكرس إحساسه المضلل عن شخصيتك ، ويؤيد انطباعه عنك .
لا يريد أن يكتشف أنه مخطئ عندما اختار نمطاً غير مريح تجاهك ، سيستمر في توسيع نظرته المسيئة والقاصرة وسيتجاوز كل إمكانات تحسين الصورة والاعتراف بالحق والإذعان له .
عقله يتمنع ويستسلم لخصومتك ، وقلبه لا ينطوي على ذرة نية للتراجع عن موقفه والتنازل عن منطقه وإن ضل ، أصبح رأيه مع الوقت جزءاً من كرامته ، ملتصقاً به ، تعبيراً عن خبرته ومستوى تقديره ودرايته ، لقد أعمت الخصومة بصيرته وزاده الخطأ غروراً بالإثم واستكباراً بالباطل .
قليلاً ما تكف النفوس اإلا لشريفة والأصيلة وحدها عن هذا المستوى الهستيري الهادر لاتهام الناس والتجني ، تلك النفوس التي تؤمن بالحقيقة مفصولة عن الرجال فقط تستطيع أن تضع مساحة لتصحيح المواقف ، تعطي فرصة لدفع الآخرين إلى المناطق الحسنة ، تساعد في تحسين الظروف المحيطة لتلافي الضغوط والتحديات القاهرة ، لا تتجاوز الأعذار والمبررات وتستخدمها بمحبة لإصلاح التصورات ، تفرح عندما يبدو جانب مشرق في ملامح الصور القاتمة والمواقف الشاحبة .
إنها تتفهم ، لتساعد في استمرار الحياة !
………………
النجاح ليس هدفاً ولا غاية ، كما يعتقد بعض الارتزاقيين ، ممن يرى في النجاح سبباً لتكديس ثروات وتوسيع المناصب ونيل الحظوة .
النجاح أسلوب حياة ، طريقة مختلفة لتعيش الحياة ، قد يبدو مجهداً ولكنه ممتع ، قد يظهر وكأنه مكلف ولكنه يستحق .
.………………
كل تغيير يطرأ في حياتك لا يبلغ درجة العمق الذي يكون عليه التغيير بالقراءة ، وحدها القراءة تستطيع أن تحدث تغييراً يغمر أفكارك ويحفر معتقداتك ويكسو تصرفاتك .
حتى الذين يختارون الحياة فقط ميداناً للتعلم بوصف الحياة مدرسة مفتوحة فإنها لا تمس إلا المستوى السطحي من الوعي .
تلك المواقف المؤثرة والصادمة التي تأتي في صفحة حياتك كنقاط مفصلية لا تكفي لمهمة التغيير الحقيقية ، ستقف أمامها هشاً ولن تستكنه دروسها العميقة بفعل أدواتك الضعيفة وإمكاناتك المتواضعة .
وربما تخرج من المواقف محملاً باليأس المثبط والمقعد ، وتعيش بقية حياتك أسيراً لاستنتاجات منحرفة ومشوهة ، تحتاج معها إلى دائرة جديدة للتعافي والتخلص من آثارها ، وفي النهاية ستبقى شخصاً أجوفاً وقابلاً للاختراق من أبسط رياح الحياة .
لماذا لا نستخدم " التداوي بالقراءة " لتغيير حياتنا ، ومجتمعاتنا ، إنها السبيل الحقيق بالعناية والاهتمام ، وهو الطريق السالكة والجادة الواضحة للعبور بدنيا الفرد والمجتمع إلى غاياتنا الكبرى وأهدافنا العظيمة .
……………
لا تهتم للحظات الحماس التي تبدو في المقدمة ، لا تراهن على لحظات الانفعال الأولى ، لا تعول على كمية الإصرار الشعوري التي تنتابك عند كل بداية .
شعورك باستغنائك عن الآخرين عند لحظة الانكسار والخيبة الأولى ، حماسك لقراءة كتاب عند انطلاقك في التمسك بهذه العادة ، قناعتك التي لا يبددها شك تجاه كمال شخص لقيت منه وداً بالغاً ، وسوى ذلك من اللحظات الانفعالية الأولية ، غالباً لا تعيش أطول من عمر الفقاعة الآيلة للتلاشي والانفجار .
شيء واحد يجعل مواقفك وانطباعاتك أقرب للصلابة والتماسك ، ذلك عندما تختارها عن قناعة وإيمان وتحرٍ واصطبار وتمحيص وتدقيق وتحقيق ، تلك المشاعر التي تقف على أرض صلبة من التجارب العميقة ، الاختيارات الفردية التي تجسد غاية ما يروق لك وينسجم مع ظروفك ، والعادات الإيجابية الجادة التي تلازمك أكثر من ظلك وتلتصق بك أكثر من اسمك .
الشخص الذي يبقى في قبضة المشاعر المتبخرة والمواقف العائمة ، تلتقطه لحظات الحماس والانفعال بسهولة ولن يتخلص من حالة القلق الداخلي وسيشعر المحيطون به بالكثير من الارتباك في تحديد مساحات الاتصال وتقليص الفجوات معه .
إن الشديد الذي يمسك نفسه عند الغضب ، يتخذ موقفاً منسجماً وردة فعل غاية في الهدوء والتناسب مع قوة الفعل واتجاهه ، يرسم استراتيجية الخطوط الحمراء والفواصل المباحة على ضوء مبادئه وسعة مداركه .
…………….
الواقعية لا تعني إلغاء مسؤوليتك أو تعطيل دورك ، لا تعني مطلقاً إلقاء اللوم على الظروف المحيطة والبيئة بحجة أن الواقع أقوى منك أو يستصعب تغييره ، هذا من الدونية وسفالة الهمم .
تغليفك الضعف والاستسلام بالواقعية من الظلم المركب ، والباطل المضاعف ، ومواجهة الظروف والتحديات ولو بأسلحة متواضعة خير من التنازل المبكر عن حقك في الحياة .
الواقعية في بعض صورها تعني إعطاء المرونة دوراً مؤثراً في المسألة ، تعني مواءمة الظروف ومقاربة الواقع ، الانثناء للعواصف ، ولا تمت إلى الاستسلام المطلق بصلة ، ولا تنحو باتجاه الرضى البائس بواقع يائس ، ولا التسليم العاجز بالظلم الناجز .
واجه واقعك القاصر بإمكاناتك البسيطة ، ستجد هذا الواقع ينحني لكبرياء رغبتك ، يستجيب مذعناً لإرادتك الصلبة ، يخضع لجبروت قلبك وإصرارك ومضاء عزمك الذي لا يخور ولا يبور ، إمكاناتك البسيطة نفسها ستتسع باتجاه القوة والتمكين ، قدراتك ستصبح أقوى وأكبر وأمضى مما كانت عليه سابقاً .
إنها ثنائية الصالح والمصلح المتضادة ، متقابلة المقاوم والمسالم المتنافرة ، مترادفة المقبل والمدبر المتعاكسة ، متوازية الصابر والساخط المتباعدة .
……………………
أعرف جيداً لماذا يتميز أهل الأطراف عن أهل المركز ، وأبناء الطبقة الكادحة على أبناء الطبقة القابضة ، وسكان الأرياف عن سكان المدن المتخمة بالكماليات .
يبدو وكأن الضعف يولد القوة ، وعقدة النقص تحرّض على طلب الكمال ، والحاجة أم الاختراع ، واستثمار الشعور بالحرمان يولّد طاقة متجددة تدفع إلى البحث عن مواطن الأمان والقرار والنماء .
وبخلافه أهل الطبقات المكتفية ، المتشبعة بالفائض عن حاجتها إلى درجة مميتة للرغبة في التحرك ونشدان التغيير ، الأقلية التي لا يدفعها محيطها الغني بالحاجة إلى تفعيل إمكاناتها أو بذل جهد يأتي لها بحال أطيب ومستوى معيشي أفضل .
أتذكر جيداً ذلك الزميل الأميري ، والحقيقة أنه لم يلتصق بمقعده الجامعي إلا أيام الامتحانات بطريقة تنفي عنه صفة الزمالة ، إذ يبدو أنه لا يحتاج إلى حضور المحاضرات الثقيلة على نفس وذهن معاليه ، ويبدو كذلك أن حضوره للجنة الامتحان النهائي كان لرفع الحرج وتفضلاً منه لكتابة اسمه على الورقة البيضاء التي تنتظر حبر توصية من طراز رفيع .
الزميل المفترض لا يلبس الغترة بطريقة طبيعية رغم أناقته القماشية العالية ، ويبدو في حركته السريعة ورأسه المطأطئ مصاباً بشيء من الرهاب أو أن أثر الدلال بادياً على تصرفاته بجلاء ، أضاع طريق الخروج من المبنى الجامعي ، واضح جداً أن حضوره كان نادراً إلى الدرجة التي تجعله يتوه لمرات عن باب الخروج .
بينما يبدو ذلك الشاب اليافع الذي ولد في حافة البلاد مشتعلاً بالحماس لاكتشاف  عوالم جديدة مشبعة بالخير والبشر ، بشرته معجونة بالفاقة ، قلبه يخفق لتحسين أوضاعه وترقية مستوى معيشته وحالته الاجتماعية ، يشتغل على تطوير أدواته الشخصية وإمكاناته الكامنة .
هذا ليس قانوناً سارياً دون استثناء ، ولكن هذا ما يغلب على الأقل الآن ، وإلا فإن قطاعاً ممن فتكت بهم الحاجة وعطلتهم الفاقة إلى درجة لم يعد بمقدورهم الوقوف على قدمين والمضي باتجاه الحياة ، غلبهم الإياس واستعجزتهم الظروف القاهرة .
وفي الوسط تعيش تلك الطبقة التي يعوّل عليها استنهاض المجتمع وإثراؤه بالكفاءات القادرة والجادة ، إنها مطبخ المجتمع الحقيقي ، والحفاظ على الطبقة الوسطى مسؤولية جماعية لتحقيق الامتداد الطبيعي للمجتمعات المنتجة ودائمة التجدد .
……………………
لماذا نخنق علاقاتنا عند حدود مفاهيمية ضيقة ؟ لماذا نعلبها في توصيفات مؤطرة مثل الحب أو الأخوة وسواها ؟ اللغة أحياناً أداة تحجيمية لاستيعاب المفهوم وتبسيطية لاحتواء الفكرة ، ولكنها قاتلة أحياناً ، تطغى على المعنى وتكمم أطرافه اللامتناهية .
من الأفضل أن ندع علاقاتنا تذهب إلى آمادها القاصية ، نترك مشاعرنا تنمو وتتطور باضطراد ، هذا يحافظ على عفويتها ويفجر إمكاناتها ، هذا يفتح قناة للاتصال الوجداني العميق ، أفضل من محاولات الاحتباس اللغوي والمقاربات الكلامية التي ربما تقنع الذهن ولا تشبع القلب .
وفي مسألة الشذوذات التي قد تطرأ على قارعة العلاقات أو حافة المشاعر ، فإنها نتيجة مباشرة لانحراف أصيل ، وليست انعكاساً لتغييب الضابط والتحرر من القيود ، العلاقات النبيلة والمشاعر الأصيلة غالباً ما تنمو باتجاه فاضل ، تزيد من علياء النفس وترقع من قيمة المبدأ في مشهد من التسامي الروحي والوجداني يتخفف من لغواء القاع ولغط السحيقة .
كثيراً ما جاءت محاولات الإنسان الساذجة للقبض على المعاني الشريفة في الاتجاه السيء ، يدنسها بالتواء نيته وفساد سريرته ، يفترض الانحراف الذي يخلقه من محض ظنونه الخائبة والسيئة ، ثم يفرض شروطه اللغوية ومخترعاته الذهنية لحماية الفضيلة ، والحقيقة أنه يخلق الرذيلة التي افترضها في واقع الناس بعد أن كانت نائمة على سرير الإهمال .
………………
الصديق الذي تحتاجه للمستقبل لم تعثر عليه بعد ، ربما لم يولد ولم يدرج على وجه الأرض ، لا تبالغ في المحافظة على هذه النسخ المزعجة من صداقاتك ، لا تلهث وراء العابرين تتلمح صورة صديق يدوم معك للمستقبل ، أصدقاء المستقبل لا يأتون من الماضي ولا يولدون في ساعة الحاضر ، إنهم نبات في ثرى المستقبل ، معجونون بهويته التي لم تتخلق بعد .
مجموعة الأصدقاء الذين يحيطون بك الآن ، لا يصلحون لك في المستقبل ، لا تتشبث بهم حد الهوس ، لا تقبض عليهم حد الاختناق ، إنهم يتساقطون بفعل الوقت وسطوة الظروف ، الزمن يبسط كبرياءه ولا يمضي إلا متجدداً ، ينفض عنه غبار القدامة ويغير جلده كل ساعة .
إنك لا تصنع أصدقاء للمستقبل عندما تدفعهم بمضض إلى ذلك الزمن المجهول ، حجم تنازلاتك واستجدائك للحفاظ عليهم تذروها رياح التغيير الحتمي ، إنك ستصبح شيئاً مختلفاً في المستقبل وستولد لحظتها علاقاتك وانتماءاتك من رحم العصف الزمني ، ستخلق بيئتك من جنس زمانك ويستنبت محيطك من خصوبة مستقبللك أو عجزه على حد سواء ، في النهاية لن يكون القرار بيدك تماماً كما تتكلف الآن .
دع عنك ، لا تتحمل شيئاً يفوق طاقتك وتنوء بثقل يعجز إمكاناتك وقدراتك ، ستجد صديقك في صدفة عابرة في موقف متشنج أو لحظة خاطفة ، تكون بمثابة مركب أو عامل اتصال أو ساعي بريد يصل روحين كتب لهما العيش كأصدقاء ، تخيل أن تكون صدفة لا وزن لها طريقاً لصداقة عريقة ، وقتئذ لا قيمة لكل هذا العبث الذي ترهق به نفسك الآن .
………………
شكراً لمشاعرك النبيلة جداً ، لكنها لا تغير في الواقع كثيراً .
…………
كلنا يتحول إلى نصف نبي ، عندما يتعلق الأمر بنقد الآخرين .
……………
من أرخى جيوبه ، أخفى عيوبه .
……………
لا تستعجل ، الوقت يتدخل في طبخ هدفك وإنضاج إمكانتك ، ثم تناول النجاح " مطرح ما يسري يمري " .
……………
المشية الوئيدة لذلك الخمسيني وهو يغادر مسجد الفجر إلى محل الفول ، تساوي ألف صورة معبرة .
الهواء البارد الذي يداعب غترته البيضاء ، ويحتفل بهمّته لصلاة الفجر ، يبشره بذمة الله التي ترعاه حتى يمسي .
السماء التي كانت تلتحف قطعة الظلام ، أخذت تمطّ زرقتها كذراع متثائب يستنهض عضلاته ، قرص الشمس يرفع جفنيه الساخنين ويلمع إشعاعه في الطرف الشرقي من الكون .
تلك الطيور التي تسبح ربها في صورة زقزقة مبددة ، ترسل أسرابها بحثاً عن الرزق ، تذكّر الناس بوظيفتهم اليومية .
أسراب باصات النقل تسخن لياقتها لابتلاع الطلاب والطالبات ، ونعيق السيارات بدأ يتداعى ويتنامى بمرور الوقت .
الصباح في المدينة يفقد عذريته سريعاً ، يغرق في صخب مزعج ، لا يشبه صباح القرية الهادئ ، النشاط فيها يغمرك بانسياب ولا يفجؤك ، ينطلق من روحانية المسجد ويختلط بشوارعها الدافئة ، وينغمس في حميمية البيت ، ثم يشرق نابضاً بالحيوية المتعافية .
القرية لا تستعجل نهارها .
…………
نحتاج إلى بعض المعاني الكاذبة ، لنعيش حياة مستقرة .
الهواء عبارة عن فراغ غازي ، ولكن له قوة مؤثرة ودافعة ، إذا استخدمناه بعبقرية ميكانيكية .
وكذا البخار عبارة عن زيف كيميائي ، ومادة سرابية ، تنتج عن توظيف ذكي لمتفاعلات متباينة ، خلقت هذه المعادلة ثورة عظيمة نقلت البشرية خطوات إلى النعيم .
وكذا الأمل والحب والمجاملة والخيال ، إمكانات متخيلة وفاعلة ، مسافات افتراضية وراسخة ، نحتاج إليها لنعيش بقلب منتعش وذهنية متشوّفة وروح متوثّبة .
لا غنى لنا عن تلك الإمكانات المكذوبة لنتنفس ونعيش تماماً مثل الهواء ، وهي تحمينا أحياناً من الحقيقة القاسية ومن الواقع الصارخ ، تماماً مثل حجاب الهواء الذي يقينا من قسوة الشمس وضراوة الإشعاع .
لنتجاوز خوارها الجوهري ، إلى نتيجتها المؤثرة ، لنترك الاستخفاف بقيمتها عندما نقول كلام " في الهوا " ونتمسك بأثر ذلك الكلام في حفز إمكاناتنا وإثارة نهمنا للحياة .
والحب .. هو الكذبة الصادقة ، كما قال درويش .
……………
لا راحة على هذه الأرض ، الدنيا مجموعة متاعب ، حتى الذي حيزت له الدنيا بحذافيرها سيلقى منها عنتاً في صحته التي لا يشتريها بماله ، أو يوماً كالحاً لا يستقيم بثروته .
الجميع متعب ، فأحدهم من فاقته وعوزه ، وآخر من رهق اللهث لزيادة ثروته وحماية مكاسبه ، فذو المال يشقى في النعيم بماله كذلك .
الفرق أننا نكتم من التعفف ، ونزوّر كلمات الرضى لحفظ ماء الوجه ، أو نحجم من شدة اليأس .
الفرق أننا نحسن الظن ، ونؤثر الفأل ، ونبصر ما امتلأ من الكأس ، ونبدي الرضى لأنها آخر ما تبقى للصمود في وجه المتاعب .
الفرق أن تفاؤلك يقوّي مناعتك ، يغلّب استدعاء الجانب الحسن ، حتى يغمر مناطق اليأس في داخلك ، ويزاحم سائل القنوط في وعائك .
لا تنسى أن أبونا آدم عليه السلام نزل من جنّة أوتي فيها من النعم ما لا تطيق تصوره ، إلى دنيا تزدحم فيها المكاره وتحفّك المخاطر ، نزلنا إليها عقوبة وتكفيراً ، وسنعيش فيها مع أقصى ظروف الابتلاء ، ونخرج منها بدفع تكاليف الإحسان .
الجميع يشتكي ، اتصالك العميق بالله ، يداوي الكثير من المشاق ، يحسّن قابليتك النفسية لتجاوز التحديات ، يذكّرك أن الله بيده كل شيء ، وأن رحمته تسعك وتدافع عنك ، ثق بالله واستمر .
………………
كل شخص يرمي " ثقل الإنجاز " في نشاط ما ، ثقل الإنجاز يعني السلوك الروتيني الذي يمارسه الفرد لمراكمة شعوره بذاته ، في بؤرة يجد فيها نفسه .
وقد تجد الإنسان ينثر سعيه في عدد من شتات الاهتمامات ، بعضها ما ينظوي على واجب وآخر في إطار المتاح والتعدد ، غير أن مجالاً ما يستحوذ على عنايته ويستغرق جهده ووقته وتركيزه .
وقد يكون هذا التشرذم نتاج ضياع البوصلة ، أو في سياق تبلوره المستمر للبحث عن مجاله الأنسب والأقرب .
وهو على أساس هذا الاتصال اليومي بنشاطه يقيس مستوى تقدمه أو تراجعه ، ويحسب درجة ما حققه خلال يومه ، ويشعر بالرضا أو الضيق تبعاً لحجم استزادته أو انتقاصه .
فاللاعب مثلاً ، والذي اقتنع أن مجال الكرة هو ميدانه وملعبه ، لن يقر له بال حتى يمارس هوايته بشكل يومي ، ودرجة إشباعه يتوقف على حجم ما يقضيه ، وكذا درجة تحقيقه لذاته مرتبط بكم إنجازاته وما ناله من تقدير الناس وإعجابهم على المدى المتعجل والمؤجل .
وكذا التاجر الذي يشتغل في زيادة مكاسبه ، والعابد الذي يستزيد من واجباته وتطوعه ، والمثقف الذي ينهل من علومه وينتج أطروحاته ، وسواهم ممن اختار طريقته ومذهبه .
لا يمكن أن تكون أذواق الناس متفقة ، ولا يوجد مجال ينتظم الناس جملة واحدة ، ولا حق لأحد أن يلوم الآخر على اهتمامه وميوله .
غير أن الإطار العام الذي يحفظ حركة المجتمع ضمن الثوابت المستقرة ، يساعد في تقنين الاهتمامات والتوجهات ويحفظ بيضة الأمم والجماعات .
……………
كتب الدكتور في زواية ورقة الامتنحان : كلام كبير !
وألقى في أذنه جملة راقصة : أنا أراهن أن لك مستقبلاً عظيماً .
لم تستوعبه اللحظة ولا الأرض ولا الفرحة ، استعجل هذا المستقبل الذي لا يزال يماطل ويتثاقل .
الحقيقة أنه سمع الكثير من هذه الكلمات المشجعة والزاخرة بنبوءة المستقبل الكبير ، ولكن المستقبل : " ساحب ومو راضي يجي " !
ماذا كنت تتوقع من مجرد جمل التشجيع والتحفيز سوى هذا الانتظار الممل لموعد لا محل له من الواقع .
عبارات التشجيع أحياناً مجرد مجاملة لطيفة من شخص مهذب لا يمكن أن تعتمد عليها لاستمطار مستقبلك المبهر ، إنها أقرب لفقاعات جوفاء ، لا تستند إلى تحليل علمي أو موضوعي جاد ، أو هي في أفضل حالاتها أقراص تنتعش بها وتنشط معها الحماسة للعمل والهمة للمستقبل .
المستقبل ليس بيتاً ستحصل عليه ، أو منصباً تظفر به ، أو كرسياً  تشيب فوقه ، إنه سعيك المستمر للعمل ، ورغبتك الدائمة للتطور ، ومشوارك الذي لا يهدأ للنجاح والإنجاز .
المستقبل ليس فردوساً تتربع في جناته الخضراء ، ولا قصراً منيفاً تذرع أركانه المذهبة ، وليس شهرة لا تنطفئ ، أو مكانة لا يشق لها غبار ، إنه حجم إسهامك لخدمة الناس وتنمية دورك وتحقيق النفع لدوائرك الاجتماعية التي تحيط بك وتتعطش لروائك .
المستقبل ليس خط النهاية الذي يتوقف عنده مضمار الحياة ، ولكنه الموعد الذي يشدك لتستمر في المشي ، والأفق الذي يبتلع خطواتك للأمام ، والأمل الذي يغريك منه ناصية المجد في جبينه ، والجائزة التي تلهب رغبتك حتى لا تتوقف عن الركض .
المستقبل هو جملة لطيفة لوصف منصة استلام وثيقة الخروج من الحياة ، وهو دعوة فاخرة لحضور العشاء الأخير ، أو الموت في صورة حفل توديع وتقاعد يحتفل بك بطريقة أكثر لياقة وأناقة ، ممزوج بألم الوداع والتأبين وفرح التمام والراحة .
…………….
هناك نوعين من ردة الفعل تجاه كل موقف حاد تتعرض له ، فواحد على المدى القصير وآخر على المدى الطويل .
على المدى القصير : سيكون أكثر صخباً ليستوعب حجم الصدمة ويتشبع بفورتك الأولى مندفعاً في الاتجاه المعاكس ، سيبدو مسكناً ومريحاً لداخلك العميق ، واضحاً ومباشراً وانفعالياً ولكنه سريعاً ما يذوي ويخفت بمرور الوقت وابتلاع الصدمة .
وعلى المدى الطويل : سوف تنمو ردة الفعل بطريقة غير مرئية ، تطبخ بمعطيات الوضع الجديد الذي خلقته الصدمة ، غالباً سيكون تحولاً جوهرياً مطبوعاً بالموقف المفصلي الذي ينحت أثره في أعماقك ، لن تستطيع مراقبة ذلك أو السيطرة عليه لأنك تقوم برعايته مستكيناً ومستسلماً وكأنه موت بطيء وذكي في تمويه نفسه .
………………
كن كاتباً متسائلاً ، اجعل السؤال مفتتح كلامك ، والبحث عن إجابة هو محور سعيك ، لا تقطع بنتائجك ، ولا تقرر حقائقك وكأنها خاتمة العلم ونهاية الفهم .
إذا كنت تكتب وقد وصلت للإجابة قبل أن تنقط حروفك ، فإن ما ستكتبه لن يكون أكثر من تقرير بارد أو جملة جاهزة ومعلبة تنتظر جوعى الحقائق الفارغة .
إذا كان السؤال هو بوابة قلمك ، ستكون كتابتك بمثابة قطار ينتظم الجادين في الطريق نحو الحقيقة المقصودة ، في الطريق يبسط قلمك براهينه وحججه وما يناقضها ويدافعها وكأنه يشق قرى مصنوعة من الطبيعة تسر الناظرين ، أو أطلالاً دارسة تعبق بالتاريخ ، أو مدناً معروشة بالتقانة والعصرية ، وبذا تكون الرحلة ماتعة وقيّمة في آن واحد .
كلما كان السؤال بدايتك ، كنت أجدر بنيل الإجابة الأقرب للحق والصواب ، السؤال يفتح مغاليق الطريق ، ويضيء ظلماته ، ويفصّح استفهاماته ، ستجمع ظروف الإجابة الناضجة بين يديك ، وتذعن لك كل معطيات التحقيق والتدقيق .
الإجابة تنفي عنك التواضع ، وتودي بك في مهاوي الثقة العمياء ، وتنفّر عنك طلاب الحق الموضوعيين ، وتتهافت معها أطروحتك .
هناك من يبدأ مجيباً وكأنه ينفرد بحيازة الحقيقة ، يلقي بها في مسامع الناس مدفوعة بالثقة ومشفوعة باليقين ومنقوعة في ماء التعميد ومرفوعة عن النقد .
هل معنى هذا أن تبقى المسائل معلقة ولا تنتهي إلى إجابات شافية ؟ وأن تترك النهايات مفتوحة بينما ينتظر الناس ما يغلقها ليتناولها المجتمع ويلتقطها ؟!
بل أن تترك للناس الخيارات ، وأن تتاح لهم البدائل ، حسب ما تفسحه الإجابات المتنوعة الناتجة عن بحث حر ونزيه وصادق ومستوعب ، أن تكون الإجابات حيوية وقابلة للتجدد ، وأن يستمر السؤال نابضاً وقائماً .
……………
كن كاتباً مدهشاً ، لك قارئ اقتطع بعضاً ثميناً من وقته ، من غير الأخلاقي أن تضيّع عليه الوقت ، وتجعله يندم على تفويته في كلماتك الموغلة في التفاهة .
الكتابة ليست بهذه القسوة ، ولكن ظروف الكتابة الجيدة تستدعي إتقان أدواتها ، عليك احترام قارئك بتمتين معارفك وإثراء علمك ، وإلا سيكون قلمك مهملاً ولو نشر على صدر " الغارديان "  .
هناك خيط رفيع وطبقة شفافة بين الصراحة والوقاحة ، بين أن تباشر أفكارك الصادمة ، أو تجعلها تنساب بآلة إقناع لفظي وتسلسل أفكار منطقي ، حتى تذوي ممانعة القارئ ويكون في أفضل حالاته استعداداً لتشرب ما يناقض سائده .
تلطّف في مواجهة قناعات القارئ ، لأنه بشر بسيط ومعقد في آن معاً ، يطمئن إلى أنساقه التقليدية ويحافظ عليها حماية لثباته واستقراره ، كلما تفهمت ذلك كانت العلاقة أقرب للانسجام وأبعد عن التوتر .
هذا لا يعني أن تكون كاتباً مجاملاً ، تصاحب الجهل المطبق وتعانق السائد المطلق ، لا تزوّر الحقائق لرضى الناس فتؤسس التخلف وتعزز أركان الرجعية ، ولكن اكتب مع قياس قابلية المجتمع واستعداد الناس .
ستكون كاتباً مريحاً إذا رددت ما تعود عليه القارئ ، إذا ضاعفت من ثقته بأفكاره وتصوراته ، ستكون محبوباً جداً إذا كتبت بلغة غوغائية براغماتية ، ولكن ستصبح بعد ذلك ورقة طائشة في رياح النسيان .
الناس تحب الخطاب القريب إلى النفس ، أفكارك التي تأتي من تأملك الداخلي العميق تنتج أطروحات نابهة ، ولكن البنك الداخلي ستنضب سيولته إذا توقفت عند هذا الحد .
امتلك أدوات خارج إطارك ، استفد من تجارب غيرك وعصارة خبرتهم التي سكبوها في الكتب والمؤلفات ، هذا يعطيك فرصاً أخصب لإثراء مكتشفاتك وتمكينك من الوصول إلى نحوتات عميقة وثرية ، اطلاعك على تجارب " الآخرين " يساعدك في فهم ذاتك بمستوى أكثر وأغزر .
ستكون كاتباً مقنعاً إذا استخدمت لغة المفكر المحترف ، وكاتباً مشبعاً إذا وظفت مهارة الأديب اللطيف ، وستكون أقرب للكمال إذا امتلكتهما مُوهبة أو مكتسبة .
إدهاشك : قوة اتصال متجدد مع قارئك ، وجزء من الأمانة الملقاة عليك ككاتب ، ومطلب للحفاظ على إشعاع كلماتك وقوة حضورك وتحقيق رسالتك .
………………
لا تكوّم ردة فعلك ، لا تكتم موقفك من تصرف ما ، لا تؤجل رأيك ، وتحبس موقفك .
بمعنى أنه من الأفضل أن تقول : لا ، في الوقت الذي تعتقد أنها إجابتك المباشرة ، إذا تكتمت في اللحظة المناسبة ، ستقولها في المرة القادمة بوتيرة أكبر واندفاع أكثر .
وكذا لو أنك اتخذت " غض الطرف " والتجاهل موقفاً تجاه تصرف مستفز ، فمن الأفضل أن يكون القرار عميقاً ومقنعاً لك شخصياً ، وقتئذ سيطفئ من حالة " تكوّم ردة الفعل " ، ولن تلقي مطولات الغضب في الهواء وأنت على مخدة النوم .
إذا كنت مباشراً في إبداء ردة فعلك ، ستصبح متماسكاً ومقنعاً ، اللحظة المناسبة تساعد في صياغة ردة فعل مكثفة وواضحة ، تأجيل ذلك سيراكمها بمقومات غير أصيلة ويستدعي ذكريات تضاعف طرفاً من الموقف دون غيره .
ماذا عن التأجيل بغرض اكتساب مساحة من الهدوء والتمعّن ، لاتخاذ موقف أكثر نضجاً وردة فعل منمقة ؟ هذا صحيح إلى حد بعيد إذا كنت ستجد الشخص ينتظرك قبل برود المناسبة ، أو كنت عاقلاً بما يكفي  للتعافي من تراكم ردة الفعل .
……………
لا تعتقد أنك ستكتب قطعة ناجزة ومحكمة تماماً ، اترك فرصة لتطوير نظرياتك ، اجعل نهاية كلامك مفتوحة لكل احتمال ، ومشرعة لورود ما يضيفها رصانة أو ينسفها تماماً .
لا تكتب بنرجسية ووثوقية عمياء ، لا تبدأ بالحقيقة المغلقة ، واجعل الكتابة بحثاً عنها وسعياً لبلوغها وجهداً لنيلها .
كن مستعداً لنقدها وربما نفيها تماماً ، وطّن نفسك على احتمال الخطأ الذي تقع فيه جملة أو ضمن تفصيلاتك المحشوة .
لا تكتب بوصفك نبياً يحمل مشعل الهداية لقارئك ، ولا مناضلاً يصنع تغييراً بسياط كلماتك ، اقتنع أن الكتابة عملية قلب مفتوح عرضة بدرجة محتملة لمخاطر الخطأ الفادح والتقصير المكلف ، وأنها سلسلة منتظمة تبدأ من فكرتك المتواضعة وتنتهي إلى دورة من التناول والتداول الثري والنابض ، لا تستبعد مشاركة أقل القراء جهوزية للتدخل في شأن علمي .
كلما كان لديك استعداد لقبول التحسين المستمر لأفكارك ومشاريعك الكتابة ستصبح أكثر حيوية ونضجاً وحضوراً في واقع الناس وأذهانهم ، كلما اقتنعت بقابلية التطوير ستغدو أطروحاتك أكثر تماسكاً ، وستبدو وكأنك تقدم قوالب واعية لضم كل نافع وماتع .
………………
التفاوت في فهم بعضنا يخلق أكثر أنواع الصدام ضراوة .
التفاوت الذي يفصل بين الأجيال ، أو بين الأزواج والأصدقاء ، وكذا بين الأطراف السياسية أو الفكرية ، كل ذلك يتسبب في إحداث اشتباك أعمى .
لو قضى المتخاصمون نصف الوقت الذي يذهب لاستفزاز بعضهما في النقاش الجاد والمتكافئ لانحلت العقد وارتخى الحماس للإيذاء والإقصاء .
إن الغموض الذي يخيم على تصوراتنا المتبادلة ويجثم على أفكارنا المتداولة يستضيف الشيطان في تفاصيله ، ويعطيه فرصة ثمينة للتصرف وإنبات مبرراته الغضبية التي تصادف فراغاً من المنطق والواقع .
حاول أن تفهم دوافع كل شخص ، اقترب منه لتستوضح أكثر ، تواضع بمعاتبته واعطه الحق في الرد أو التبرير ، وإلا فأحسن الظن به واستنفد كل المحامل الجيدة لتستوعب تصرفاته ، قدّر مستوى الفجوة بينك وبين سواك في الاستعداد الفطري والمكتسب الطارئ ، هذا يساعد في جعل حياتك سلسة ومطمئنة .
...........
قارئ دائماً ، كاتب أحياناً .
……………
المظاهر تعطيك إحساساً مزيفاً بالأهمية ، تشعرك لوهلة أنك محط نظر الناس وملاحقتهم ، تستمد بعضاً من بريقها وتوهجها لدى المتعطشين .
بمرور الوقت تنخفض قيمة المظاهر لديهم ، ويخفت وهج الاهتمام ، وتشعر بالضيق والانزعاج ، ثم تندفع لاهثاً عن شكل جديد يغذيك بشعور متجدد من الأهمية المتوهمة .
غرورك الذي يسوّل لك بالضغط على الناس وإهانتهم لتشعر بأهميتك ومكانتك وسلطتك ، يورطك أكثر من نفعه لك ، لأنك ستقع يوماً في سوء أعمالك وستكسر الدنيا شوكة كبريائك .
أدوارك ومواقفك النبيلة ، مبادئك المنطقية ، نظرتك المتواضعة وتقديرك الموضوعي لما يحيط بك ، يعطيك أفضل أنواع الأهمية الشامخة والراسخة .
إذا استطعت أن تكسر معايير المجتمع المرتبكة ، فإنك ستعيش مستقراً ومطمئناً أكثر من غيرك .
أهل الوسامة هم رأس المال الاجتماعي حسب معايير الواقع ، وهذا جزأ من ورطة الشكلانية في تفكيرنا ، والمنطق يقول أن المبدأ والموقف الفاضل هو الذي يعطي الثقل الاجتماعي والإحساس الصادق والعميق بالأهمية .
…………………
لن تتخلص من الفراغ إذا اعتقدت أنه مجرد وقت تحشوه بأكوام الانشغالات والارتباطات ، سيلتهم الفراغ عمرك بشكل غير منظور ، ستمضي السنوات بسرعة جنونية ويبتلعها الفراغ من حيث لا تشعر ولا تحس ، نظرة واحدة إلى عمرك المتصرم ستكتشف أنه خاوياً من كل شي ، وأن عداد عمرك مجرد أرقام لا ترمز إلا إلى دولاب الزمن الأجوف .
الفراغ في حقيقته هو فراغك من المعاني ، كلما كان اتصالك بمعنى العمل ، أو العبادة ، والمتعة ، التربية ، الأسرة وسواها ، كانت حياتك أكثر إشباعاً وقيمة ، يتحول الوقت حينها من كتلة زمنية صلبة إلى حياة حقيقية .
انزعاجك من وقت الفراغ المتزايد لا يعني تبرمك من مجرد الساعات التي تمضي دون أن تجد ما تقون به أو لأجله ، ولكنه تعبير صارخ عن فراغك من المعاني .
ربما تملك عملاً وأسرة وتقوم بالعبادة والاستمتاع والواجبات الاجتماعية ، ولكنها مملة ومكلفة ، ولا تشعر معها بأي صورة من صور الإثراء ، تتحرك مثل آلة تحترق لا كإنسان يأتلق ، تعيش مثل أداة جامدة لا ككائن حي منتعش ، وهذا دليل انفصالك عن المعاني وضعف اتصالك العميق بها .
……………
النكتة اللاذعة هي فن الرواية عند البسطاء .
فكما أن الأدباء يستخدمون الرواية وسيلة تحايلية للتعبير عن ضيقهم وأفكارهم المصادمة للواقع ، فإن البسطاء يستخدمون النكتة للتعبير عن انزعاجهم وتبرمهم بالأوضاع .
تغرق الرواية أو النكتة في الرمزية إذا كانت فرص التعبير المتاح ضيقة ومتواضعة ، تخاصم واقعها والقوى النافذة بطريقة غير مباشرة لتحميلهم مسؤولية تدهور الأحوال .
وبما أنها وسيلة للتنفيس والتعبير والتخفف من الضغوط ، فإنها خطوة باتجاه الانفجار الراديكالي ، تكون بمثابة كرة الثلج التي تتضخّم بمرور الوقت وتأخذ حالة الانزعاج في التورّم إلى درجة مخيفة .
أضافت وسائل التقنية الحديثة مساحات مطلقة للتعبير والتنفيس ، وأعطت فرصة لنشدان التغيير والانقضاض على الواقع .
وبقيت النكتة هي الوسيلة الراسخة بيد البسطاء لرفض الواقع والتهكم به في سبيل التخلص منه ومعالجته ، النكتة أكثر شعبية من الرواية النخبوية ، دارجة أكثر من غيرها ، قاسية وفكاهيك في آن ، مزعجة ومسلسة في الوقت نفسه .
كلما أصبحت النكتة الساخرة المتبرمة أكثر إضحاكاً كانت أوضح دليل على سوء الأوضاع والضيق من الواقع ، وكأن الإنسان يتمسك ببقايا أمله الزائف إذا اختتق واقعه التالف .
……………
لا تجعل سمعتك تنزف يا صاحبي !
" سمعتك " تلازمك كالظل ، وتفوح منك كالعطر ، وتبقى لك كالأثر ، وتظلك كالغمامة ، وتهطل عليك كالغيث ، وتلتصق بك كاسمك .
" سمعتك " هي النسخة الاحتياطية التي يلجأ إليها الناس عند الحديث عنك والتعريف بك ، تطرأ على أذهانهم عندما يتذكرونك أو يستذكرونك .
اعتني بسمعتك جيداً .
…………………
الحق ليس هو دائماً ذلك الذي يريده الناس ويصفق له الجمهور ، الحق مكلف وفاتورته باهظة وطريقه موحش .
عندما تفتح الباب لسلطة الجماهير عليك فإنك غالباً ما ستكون عظيماً في عين غيرك ، صغيراً في ميزان نفسك ، منسياً من ذاكرة التاريخ .
التاريخ لا يتذكر أولئك التقليديين ممن أهال مزيداً من تراب الموافقة على فجوات العادة المستقرة ، ولكنه يتذكر جيداً ولا يكاد ينسى من ينفض الغبار عن نفسه ويبعث الحقائق من قبورها .
للحق مرارة ، وانسيابك مع السائد لا ينتج رجلاً موضوعياً .
اعرف الحق واصدح به منفرداً ، غريباً ، عارياً ، ولا تعرف الحق بالرجال أو لأجلهم ، ولكن الرجال يعرفون بالحق .
الشهرة قيد ، موقع محدود ، سجن من ذهب ، قفص من هواء ، يهيء لك فرصة للعيش الرغيد ولكن منزوعاً من الكرامة أو الاستقلال .
.............
في ظل العلاقة الصادقة تتمدد الأشياء ، كلما طال عمر الصداقة الحقيقية تتوسع المعاني وتنمو المشاعر ، لا تكثر المواقف عدداً أو تتكوم اللحظات ركاماً ولكنها تتكثف باتجاه عميق وتزخر بثراء لا ينضب ولا يذبل .
كل الأشياء المشتركة بينكما تنصهر في بعضها حتى تصبح قطعة خام صلبة لا تنفصل ، تعيشان حالة من الغمر الشعوري الغائر تختفي معه كل ملامح الاختلاف والتمايز .
تصبحان روحان في جسد ، والحقيقة أنكما تتسامان باتجاه الأفق الفاضل ، تفارقات جسديكما وتتحرران من قبضة التراب الخامل وتتصعدان في ملكوت النزاهة وتنطلقان من عقال الجثامين الضيقة إلى حيث اللامحدود .
تتمازجان مثل اعتناق ذرات الهواء ببعضها ، تتصلان إلى درجة اختلاط الضياء ونسج الماء فلا يفرق بينكما حتى الموت ، لأن الفضيلة تجمعكما في الجنة تحت رحمة الله .
……………
الصيام ، حرمان من المباحات على وجه التعبد .
…………
لفهم الأفكار : افهمها ، اعرف مصطلحاتها ، أدرك تاريخها ، حرر عقدها ،
…….….
أفضل الأصدقاء ليس أول الأصدقاء دائماً .
………
الصبر على عيوب الأصحاب ، من نبل الوفاء لديك .
…………
منذ ثماني سنوات أو تزيد وأنا أشاهد هذا الرجل الستيني تقريباً في الصف الأول عند كل صلاة ، ينتصب قائماً خلف الإمام مباشرة ولا يحيد قيد أنملة ، وبعد تمام الصلاة يجلس لبضع دقائق منكساً رأسه قبل أن يشتمل المحيطين به بمصافحة سريعة ثم يغادر المسجد على عجل .
لا أتذكر على كثرة ما زرت هذا المسجد الملاصق لمنزلي أنه غاب عن موقعه من المسجد ، حتى المرات التي كنت أذهب فيها باكراً للمسجد وقبل رفع الأذان بدافع الاكتشاف ، كنت أجده يسبقني بقليل أو يدلف على أثر الأذان مباشرة .
انحسر شعره عن مقدمة رأسه ، وانسدلت بعض شعراته البيضاء الرقيقة تحت أذنيه ، بجسد نحيل جداً وثوب يأتلق مع قصرته الواضحة وسمرته اللطيفة على وجنتيه ، ملامحه هادئة تشبه تقاسيم هندي أنيق ، يضع مصحفه المجزأ في جيبه العلوي الأمامي وينشغل به بين الأذان والإقامة .
عندما يغادر المسجد بخطواته المهرولة يرمق بناظريه ومن خلف نظارته الكبيرة طريقه الضيق الذي يشقه بين المصلين ، ولا يتكلف أن ينظر إلى فضول الأشياء التي تعترض طريقه ، وإذا صادف أحداً يعرفه لاطفه بسلام مبتسر وملامح ترحاب متعجلة .
يشبه هذا الرجل في مسجدنا كثير من المصلين الذين يحافظون على الصلاة ويترهبون في المسجد طويلاً ، حتى أصبح غيابهم واضحاً رغم كثرة المصلين وتعدد الصفوف في هذا الجامع الكبير .
ومع كثرة ما تأملت حالهم ، إلا أن لهذا الرجل شأناً آخر ، فهو لا يتعلق بشيء آخر ، ولا يهتم له ، حتى ظننت أنه أصم أو أبكم ، لشدة ما ينقطع للصلاة ويقبل عليها دون غيرها .
….………………
هذه اللقطة من وقف الملك عبد العزيز المحاذي للحرم المكي الشريف ، لا يفصل بينهما إلا باب زجاجي شفاف ، وكأنه برزخ بين الدنيا والآخرة ، في الخارج يقصد الناس ذلك البيت العتيق طلباً لله ورغبة في عفوه ورضوانه ، يقبلون في غاية الزهد بالدنيا والإقبال على الآخرة متنزهين عن حظوظ النفس والطمع في ملذات الدنيا الفانية .
وفي الداخل يطوى كل ذلك ويقذف به في سعار الاستهلاك الهستيري الذي يشتعل فوق موقد الطفرة المادية العابرة ، صورة من الاستغراق البضائعي التي تتخطف إنسان اليوم ، لهاث متعجل وراء متتالية متسلعة تشيّء كل ما يدرج على الأرض مقابل أثمان تختزل قيم الكون في بؤس المادة الحادة .
صورة تجمع نقيضين ، تختصر فكرة الحياة ، إقبال على الآخرة ، أو إغراق في الدنيا ، ارتفاع إلى سمو الجنة أو انغماس في بحر الحياة ، تقبع في مسجدك وتنعم ببعض الهدوء وتعيد ترتيب أوراقك ، أو تهرب إلى متجرك وتسعى في حاجتك فتشقى بتشظي اهتماماتك وتشرذم تركيزك .
في المسجد ، والحرم المكي في مقدمته ، يصطف الناس على قدم المساواة ، تنتفي كل أعراض التمايز الطبقي والمادي ، تذوب حمم الفروقات التي تغذيها مكاسب الدنيا .
على عتبة أجنحة الوقف يرتطم هذا التسامي بحقيقة عبث الإنسان في المعاني ، على جانبي الطريق المؤدي إلى طوابق الوقف الفارهة ينتشر الشحاذون على أمل استدرار عناية نزلاء أجنحة الوقف الفندقية من الطبقة الفاخرة ، نزلاء الفندق يلقون عباءة المساواة عند باب أجياد ويتوشحون قمصان الطبقية الألمعية عند أول خطوة باتجاه الوقف .
يقضون ما تبقى من مساءات الروحانية في غرفهم الجامدة ، يرقبون من علياء بناياتهم المتطاولة حركة الناس المتنزهة حول الكعبة ، وتلمع في أبصارهم بارقة الشعور بالاختلاف والتعالي .
في ظني أن قيام مثل هذه المساحات من الإغراق الاستهلاكي إلى جانب حرم الله الشريف من أكثر أخطاء الإنسان فداحة ، نهى الإسلام عن المبالغة في تزيين المساجد لمضاعفة زهد المتعبد عن التعلق بشيء من دنيا الناس ، فكيف بعمارة مباني جعلت على أقصى ما بلغه الإنسان من التكلف والعمارة تنطوي على أبشع صور الاستهلاك البضائعي .
على بعد رمية حجر من أكثر البقاع قداسة واتصالاً بالسماء ومعاني الآخرة ، يخلع الإنسان عن كتفه عباءة الزهد ويلتحف أردية التعلق بالدنيا ، ينسى تماماً كل تلك الروحانية التي تجلو عنه ركام الدنيا ويغشى من جديد وعلى بعد خطوات من نبع الإيمان مباءات التبضّع من سوق الدنيا القائمة .
يبدو مزرياً تجوّل رجال هيئة الأمر بالمعروف مع رجل قبضتهم الأمنية لحماية المتبضّعين من نوايا المعاكسات ، على بعد مسافة أقل من الكيلو عن كعبة الله المقدسة ستجد شابات متغنجات استفزت حالة الاستهلاك قواهم الاستعراضية الكامنة ، وفي المقابل شباب لديه استعداد خامل للمعاكسة إذا استدعته فرص جيدة للتواصل ، لقد قام هذا التجاور المزمن للحالتين بتبيئة السلوك الإنساني المسرف في دنيويته والقافز من نعيم إيمانه .
ألا ليت قومي يعلمون !

.............
يثير إعجابي وغبطتي الصادق مع نفسه ، إنها أرقى صور الصدق والشفافية ، وأعمق معاني الحق والعدل والشجاعة .
الصدق مع النفس ، نتيجة طبيعية للمجاهدة الشخصية لتحصيل هذه المرتبة العليّة ، فإن الإنسان يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا .
الصدق مع النفس ، أكثر مراحل الإنسان قوة وانسجاماً ، تتطابق مبادئه مع واقعه ، حقيقته مع ادعاءاته .
وتبدو المسألة أكثر صعوبة كلما كانت البيئة زائفة ومختنقة بالخيانة البشعة والكذب الحاد والتناقض المزمن ، ويكون فيها الصادق مع نفسه أكثر توهجاً وتألقاً وعظمة حتى لوعاش حياته كالقابض على الجمر .
لعل التدين الحقيقي يعطيك هذه القوة العزيزة ، وكذا الأخلاق والطباع النبيلة والتربية النزيهة تمكنك من هذه الملكة النادرة ، وسيكون الصدق أكثر عمقاً وألقاً إذا كان نابعاً من اختيار شخصي تزكيه القناعة الراسخة والمجاهدة والمكابدة .
وهذا يعني فيما يعني أن الصدق مع النفس مستوى من التطور النوعي الذي يرقى إليه الفرد أو المجتمع بتدرج منطقي وعقلاني يتأتى من عملية توسيع مساحات المطابقة بين الواقع والمثال ، والمواءمة بين النموذج والتطبيق ، ورفع جهوزية الذهنية والقابلية النفسية بالتزامن مع توفير الشروط الموضوعية لحياة كريمة وحرة ومستقلة .
الصدق مع النفس منافاة كاملة للمثالية الفارطة أو القهر المستنزف للأخلاق ، هو في بعض تجلياته أعمق تمظهرات الواقعية في النظر والتواضع في تقدير الظروف والمعطيات وإحلال النموذج المثالي المنبعث من صميم ديانة المجتمع ومرجعياته الأخلاقية والقيمية .
عندما يكون الكذب والنفاق والاردواجية بطاقة دخول إلى اعتراف المجتمع وتحصيل المنافع ، فإنها علامة على موت الضمائر وفساد السرائر وخراب المصائر .
وهذا يفسر أحياناً تذبذب امتداد الصدق في حياة المرء الذي يضعف أمام حاجاته وضغط ظروفه ، بما يستدعي إعانة الناس على الصدق بإقرار المساواة والفرص المتكافئة وتغليب الكفاءة والمعايير العادلة في تقييم المكاسب لما لذلك من دور في تأسيس الصدق في سلوك الناس واختياراتهم وإحلال السلم الأهلي والرغد المعيشي .
بخلافه لو انتفت الشروط الموضوعية المتكافئة لاحتضان تنافس الناس وتدافعهم فإنها ستزرع الشقاق والخلاف ، وتبعث نوايا الشر والإضرار المتبادل ، ويبدأ المجتمع في الموت البطيء بانقباض الصدق في صدور أفراده .
والصدق مع النفس نبيل ونادر ومنفرد بصدارة الأخلاق لأنه التزام شخصي وتحمّل مستقل بأعباء الصدق وتكاليفه ومسؤولية الوضوح والصراحة والمباشرة ، دون معونة أحد ولا توريط آخر بالتزامك الشخصي وعزائمك واختياراتك ، وهذا غاية النزاهة والشفافية والجد في الصدق .
وبما أن الصدق مع النفس مرحلة ناتجة عن تطور في شكل تسامي أخلاقي ، ومرتبة ترقى إليها عبر سلم من المجاهدة والمكابدة 
……………
" السعادة أحياناً شخص " .
هكذا تروج الثقافة الآلية وكأن السعادة أبعاض متفرقة ، تطاردها في أشباح الأشخاص أو فتات المواعيد ، أو تنقب عنها في ركام ذكرياتك وكأن حظك من السعادة مدفون في ماضيك ولا يحفل به مستقبلك .
تواصل هذه الثقافة الاختزالية في تعليب مفاهيم الحياة الناضجة ، وتأطير معانيها الكبيرة والواسعة بفلسفتها الاستهلاكية الاستعجالية ، وتشتغل على تشويه تلك البنى التحتية للإنسان السويّ .
السعادة أسلوب حياة ، طريقة للتعامل مع الدنيا ، تزيد بالفرح وتنقص بالحزن ، هي كلٌ واحد لا يتجزأ ، قد يخبو ويذوي أحياناً ولكنه لا ينفصل ولا ينقطع .
تقليل درجة توقعاتك بما يشبه القناعة المؤدية إلى الرضى يساعد في زيادة فعالية السعادة لديك ، حتى يكاد يتشابه الحزن مع الفرح فيكون الألم مجرد تذكير باللذة ، وتجد الخيانة عندك عذرها في ضعف الإنسان وعجزه عن تكاليف الوفاء الباهضة ، وكذا كل منغصات الحياة التي ستتصالح معها عن قناعة وتقبلها برضى وترحاب .
كما أنها ستزيد من قيمة الأشياء البسيطة والجميلة التي تحيط بك .
السعادة حزام من المعاني التي تعيد تقييم المواقف الراقصة والناقصة التي تعترض حياتك .
…………
فرق بين أن تكون فاعلاً أو تكون منفعلاً ، بين أن تأخذ دور التابع أو المتبوع ، المبادر النادر أو المقلد المتشابه .
الأول يملك الشجاعة والثقة والاستقلال والتأثير ، والثاني يعاني من الضعف والتذبذب وفقدان الهوية .
لا يمكن للدنيا أن تتحمل نسخاً متشابهة ، ستجد كلا النوعين ، الفرق أنك تختار لنفسك الجانب المناسب لك ، فإما الصدارة وإما ذيل المجتمع .
أن تكون فاعلاً : هذا يعني أنك تنتج أفضل ما لديك ، تستفز إمكاناتك النوعية التي لا تجدها عند غيرك ، هذا سيكون مع كامل الاستقلال والتفرد .
بيد أن تكون منفعلاً : فهذا أقرب لتكون مجرد جزء من جهد غيرك ، بعيداً عن طابعك الشخصي وتأثيرك الخاص ودورك النوعي ، مضافاً إلى سواك ولا تملك من الأمر قيد خطوة .
………………
ستجمعك الصدفة مع أشخاص يعيشون على قاعدة " المظلومية الشخصية " .
نفر تعرض لانتهاك صارخ في عرض حياته أو سلسلة من مواقف الانتقاص والضيم ، سيتعامل معها وكأنها قدره المحتوم ، بمرور الوقت ستسيطر عليه فكرة أنه منتقص دائماً وسيتمسك بفكرة استضعافه مطلقاً .
من الصعب أن ترفع من درجة تقديره لذاته إذا تكيف مع هذه المظلومية من درجة اليقين إلى مستوى الاستلذاذ ، سيحاول البحث عن معين خارجي دائماً ليعزّز من شعوره بالضعف والهوان ، سيستسلم تماماً لكل شروط الانمحاء في الآخر ، فقط من أجل أن يحافظ على شعوره المستبطن بامتهان ذاته واليأس من التغيير باتجاه الأنفة والثقة والاستقلال .
…………
لدى الفرد رغبة استعراضية ، ودافع لا يهدأ للإفصاح عن ما يراه مثيراً لإعجاب الناس وانبهارهم من مواقفه وقصصه المتوهجة .
يشعر بالضيق المتزايد إذا مضى الكثير من الوقت على ذلك المنجز الذي حققه ، أو التضحية التي بذلها ، أو الموقف البطولي الذي تبناه ، دون الحصول على ما يعادله من التقدير والامتنان .
يبحث عن مكافأة شعورية عن دفائن التجاهل والإهمال ، يسأل الناس إلحافاً لاستمطار ثنائهم وتلمّح بارقة تقدير تلمع في أبصارهم .
يسعى لتقريب الفجوة بين انطباع الناس عنه ورأيه في نفسه ، يجتهد لإحداث تطابق مثالي بينهما ليشعر بالهدوء والارتياح والثقة ، فهو يستحق ذلك على حد تصوره وظنه بنفسه .
تبلغ هذه الرغبة الاستعراضية درجة حادة أحياناً فيبالغ في تضخيم إمكاناته وإلقاء ضوء الشهرة على منجزاته ، وقد يتحول جحيم الإهمال إلى دافع سلبي ومبرر غير عقلاني لتحميله حقداً مصاعفاً تجاه مجتمعه ومحيطه نتيجة احتفالهم المتواضع بمواقفه ومنجزاته .
الأفضل أن يحيط بك صديق يتحمل إفرازاتك الاستعراضية ، فالصحيح أنها كلها تافهة وسخيفة ، ولن تجد لها أفضل من صديق يتقن مهارات المجاملة اللطيفة .
………………
لشدة جمال الحب ، فإنه يحجب الأشياء القبيحة ، تبدو تلك خيانة للحقيقة حسب المنطق العاقل ، ولكن الحب قوة غير عاقلة ، وعقلنة هذا الشعور النبيل خيانة مزدوجة وصفاقة مركبة .
لأن الحب حالة متسامية ، وسفر بعيد إلى عالم يشبه خيالاً برمودياً يطوي الملامح الحادة للواقع المؤسف ، الحب ينائي القبح ، شعور مفارق لتقليد النظرة السلبية المتشائمة .
ولشدة قبح الكراهية فإنها تعمي عن الحق وتصم ، وهذا ضد المنطق تماماً وخلاف الحب الذي لا يستلزم جهداً علمياً للتبرير .
الكره عمل إرادي واعي ، ويتطلب تسلسلاً عقلانياً لتحقيق عدالة النظر ، ولكنه عرضة للطغيان ، بينما الحب يتدفق باندفاع حتى يحيط بالإنسان ويستغرقه لذة وإشباعاً ، فلا يجد فيه ما يستقبح أو يستكره وتلك بعض نواميس الحب المبهمة .
…………
تشبّع من أحبائك الآن ، الوقت يحتاج الكثير من المشاعر المختزنة .
………
ترتيب سرير النوم أحياناً ، أسعد من التأنق لموعد غرامي .
…………
إذا اشتعل العقل واستوقدت الأفكار ، ذهب النوم .
…………
قليل الفرح يبتلع منغصات الحياة ، أدم الفرح وإن قلّ .
………
الصراخ هو صوت الفراغ في دماغك ، والسباب هو الصدى .
………………
استخدم تقنية الكتابة لتصريف المشاعر السلبية المحتقنة ، إنها مؤثرة ونافعة جداً .
………….
تحتاج لقراءة شيء مختلف ، لتتحرر من جاثوم الرتابة .
…………
المحزون يستغل فرص الفرح أكثر من غيره !
…………
دائماً ما يثيرني الاحتكاك الملتبس بين مفهومي الثقافة والعقلية ، وعن ماهية ودور كل منهما !
يظهر لي أن " العقلية " مستوى أعلى من الثقافة وهي أكثر عمقاً وبعداً في ذهنية الفرد والمجتمع .
أما الثقافة فهي التي تباشر تشكيل ردات أفعالنا تجاه الأشياء وفي صياغة مواقفنا .
العقلية هي التي تعمل بقيودها وحدودها على تأطير أفعالنا ضمن أفقها اتساعاً أو انقباضاً ، والثقافة هي أوعية التعبير التي تصنع شكل تصرفاتنا .
الثقافة تبع للعقلية ، وأي تغيير للثقافة ليس أكثر من تبديل للعادات أو تزويق للسلوك لن يكون مجدياً أو مؤثراً إذا كان مفصولاً عن تغيير العقلية .
إذا كانت الثقافة تحتكر منظومة التصورات والانطباعات حول الأشياء ، وتقنية التصرف ورداة الأفعال تجاه المواقف ، فإن العقلية تنطوي على المبادئ الراسخة وجذور الاتجاهات الثقافية ، بالإضافة إلى المكونات العميقة لما يؤمن به المجتمع والفرد .
والعقلية أحياناً هي إمكانية شخصية في مقابل الثقافة التي تأخذ شكل قالب اجتماعي أعم ، ولذا تكون عقلية الفرد النابغة مثل الأعزل في مواجهة ثقافة اجتماعية جامدة وصلبة .
بالمناسبة : العقلية هنا ليس بوصفها العقل أداة للذكاء ، أو العقلانية المضادة للعاطفية .
وكذا الثقافة لا تعني السيولة المعرفية التي يملكها الفرد والمجتمع ، ولكنها أقرب للثقافة الاجتماعية .
…….…
بالفعل .. " من أسئلتكم تعرفون " .
السؤال تعبير عن الاهتمامات ، إفصاح عن مناطق التركيز التي تستحوذ على عنايتك ، عن الأعماق التي تنشغل بها وتشتغل عليها .
يمكن أن يعترضك إبهام واحد ، فيختلف حيز السؤال بين شخص وآخر على أساس الاهتمام والاستعداد العلمي وحذاقة الأداة العقلية لديك .
تعتبر غزارة الأسئلة عند الطفل علامة على النباهة المبكرة ، بمرور الوقت ومراكمة إمكاناته سيتعزز فضول الأسئلة من الناحية الكيفية والجوهرية .
تبدو الأسئلة لدى النابهة ملفتة في جدّتها وطرقها لأبواب غير منظورة ، بخلافها الأسئلة لدى السطحي ستكون باردة ومملة وغاية في السذاجة ولا تضيف معلومة جيدة ولا جديدة .
…………
الناس لديها استعداد لتصديق الغريب وإن خارت أدلته ، وعلى تجاوز المألوف ولو غلظت براهينه .
………
الكاتب الجيد لا يستأذن أحداً عند الكتابة ، قناعاته تملي عليه أفكاره المستقلة ، وتحدد الأفق الممكن للبحث عن أطروحات ناضجة وجادة .
الكاتب الجيد لا يطرق باب أحد لتسوّل الأفكار ، ولا يمد كفه لطلب المعونة الفكرية ، أو يبرق بطلب سلفة معرفية .
الكاتب الجيد لا يقف عند إشارة الخطوط الحمراء ، ولا يتكوم في زاوية مسجد الطبقة الممالئة ، ولا فوق بلاط الحظوة أو على عتبة سلطان العطايا المشروطة .
الكاتب الجيد لا يداهن مؤسسات التنظيم الاجتماعي البائسة ، ولا يحايث أركان الجهل وجدران التخلف ، ولا يفاوض السائد المثخن بالعيبات والنقائص .
الكاتب الجيد ينضح بنزاهة البحث ويشرق بحياد الموقف ويضيء بالانحياز للحقيقة المحتملة .
……………
بعض الأشخاص لديه هوس الأهمية المطلقة ، يريد أن يشعر بنفس الدرجة من القبول لدى الجميع ، يدمن هذا الإحساس الهستيري لدرجة تدفعه للتفتيش عن حقيقته في صدور الناس ومحاسبة المقصرين وتقريع المتثاقلين .
وقد تجده يطير جنوناً وغضباً عندما يتعرض لأبسط صور التجاهل ، ولا يحتمل أي مستوى من التعامل الفاتر تجاه مكانته العليّة المتخيلة ، وهو خاضع لجهاز تفسير متوتر ، يحسب كل صيحة عليه وكل تعامل عفوي وكأنه انتقاص متعمد أو تقصير مقصود .
لن يتفق على محبتك الجميع ، ومحاولاتك للحصول على ذلك ضرب من العبث والجنون .
اعلم :
بعض المحيطين بك يقعون في منطقة رمادية ، ويتعاملون معك بشكل محايد جداً ، وقد لا تشكل بالنسبة لهم أي قيمة أو معنى أو ثقل .
البعض الآخر لديهم استعداد لمعاداتك وإعادة تقييم نظرتهم إليك وموقعك في تصورهم ، وذلك تبعاً لمواقف سلبية تجمعك بهم أو تصادف حضورهم .
وآخرون مثلهم يزيدون حياداً أو عداوة ، يتمركزون في الطرف المقابل لخط الولاء الحاد لشخصك .
لا ينبغي أن يتحول هذا العالم إلى جحيم لا يطاق عندما تكتشف شخصاً ينضاف إلى قائمة أعدائك ، لا تحول تلك المواقف التي تعرّي قيمتك المتوهمة إلى حروب كونية ومنصات فرز وتصنيف .
لا تنتظر من الجميع أن يقدم لحضرتك فروض الولاء الصميم لك ، لا تستبعد أن تكتشف حجم حضورك الباهت في واقع بيئتك وقد استيقظت من إسراف أحلامك الغاصّة بالوهم .
وتذكر لن تكسب الناس بقوتك وجبروتك ، هذا لن يتحقق بأفضل من أخلاقك وتواضع تقديرك لنفسك ،

ودمت قابلاً للخصومة .
....................................
أثبتت بلادنا وقيادتها الرشيدة حجم الاستقرار الذي ننعم به في محيط إقليمي مضطرب وموشك على الانهيار ، وهذه السلاسة في انتقال الحكم وحماية المكتسبات تتطلب زيادة مستوى التماسك بين القيادة والشعب عبر الاستمرار في جهود التنمية والإصلاح الذي نثق أنها وتيرتها ستزداد في ظل حكم الملك المسدد سلمان بن عبد العزيز .
ومن أهم تلك الجهود التي توجها خادم الحرمين الشريفين الراحل الملك عبد الله هي برنامجه العلمي والمستقبلي الضخم للابتعاث الخارجي الذي يعد نقلة ثقافية وحضارية وعلمية كبيرة ستترك أثراً على مستقبل الوطن وكفاءة أبنائه ، ونحن نأمل في استمرار هذا المشروع الناضج مع زيادة مستتبعاته الضرورية لضمان تحقيق أقصى إمكانية لتوظيف ثمراته من خلال توفير الفرص الوظيفية لخريجيه وإقرار منظومة متكاملة من القوانين وفضاءات التشغيل التي تستوعب نتائجه الكمية الهائلة والكيفية النوعية .
ولعل حزمة الأوامر الملكية التي أصدرها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز تكشف عن جانب من تمسك القيادة الجديدة بالرغبة الدائبة لرفاه المواطن السعودي وتوفير حاجاته وعن عهد جديد يزخر بالقيادات الشابة التي تؤسس خير استجابة لظروف الزمان المتسارعة ومواكبة حركته المتعجلة .
……………
يحدث أحياناً أننا نضحي في سبيل أشياء ، وأشخاص ، وأفكار ، قبل أن نكتشف أنها لا تستحق ذلك ، وأنها أقل من الجهد الذي بذلناه من أجلها في سبيل الصدق والوفاء والإخلاص .
في البدء تدفعنا صبيانية التفكير ، دهشة البدايات ، إغراء الظواهر ، قبل أن نتورط في متتالية الولاء المطلق ، يزيد حماسنا ، ندافع عن فكرتنا حول شيء ، أو شخص ، أو موقف .
مع الوقت يبدأ ذلك التفكير في التعرّي ، يذوي ذلك الحماس ، وتنطفئ شعلة الاحتراق من أجل آخر ، نقتبس سعادتنا من جذوته ، ونحتبس انبساطنا في حضوره ، ونطوي لذتنا بغيابه ، يخضع ذلك الشعور لقانون الوقت ، تتأبطه لعنة التعود ، يغرق في سنة التشبع والاستهلاك .
أحياناً .. تنكشف الحقائق مع كل صدمة ، موقف ، امتحان يصعق اتصالنا الرومانسي بالطرف المخاتل من المعادلة ، انضباط المشاعر ينفرط بغير اعتدال أو ميزان .
نختلق المبررات لنحافظ على ماء الوجه ، ندافع عن نوايانا البيضاء قبل أن نعترف بالسذاجة ، نرفع أصابع اللوم قبل التلوّم ، نراغم التأنيب الذي ينبعث من ضمائرنا ، تنجلي الحقيقة مثل سياط الشمس الذي يلهب ظهورنا ، لم يبقى على الاعتراف إلا بنت شفه تكسوها الخيبة من اندفاعتنا الأولى ، من مثاليتنا المفرطة .
تبدو الحقائق مثل عرائس كسيرات لم يتممن مراسم الزفاف ، كل ذلك البياض المشعّ كان مجرد طلاء صبغي ذاب كمداً ، خصلات الشعر المنسدلة تجعدت وانكمشت على نفسها خجلاً ، التيجان المرصعة سقطت من الهامات ، وما وقع من العين لا يرتفع .
لا تبدو صور تلك الأشياء ، الأشخاص ، الأفكار زاهية مثل قبل ، كانت أقل من تقديرنا ، وأتفه من تبجيلنا ، لم تكن تستحق ما سفك عليها من وقت ، أو سحّ من دمع ، أو انفجر من ينبوع مشاعر ، كانت زيفاً في ثوب حقيقة ، سراباً في هيئة ماء ، دخاناً في صورة بخور .
لا يعود شيء ينفع من معلقات اللوم والتبرم ، الوقت الذي فات يشعرنا بالذنب ، نعتذر بقليل من الانكفاء ، ثم نطل للبحث عن غرق آخر ، وننغمر من جديد .
……………
ستكون كاتباً بشعاً في نظر قارئك ، إذا كان متشبعاً بالثقة في أوضاعه ، ثم تناولتها بالنقد والنقض ، كل محاولاتك لقول الحقيقة التي تربك اطمئنانه بما اعتاد عليه ، ستثير غضبه واشمئزازه .
إن احتكاكك بمسلماته على سبيل كشف مستوى جدارتها بالتقدير والتسليم تضعك في خانة العداء والتشكيك في دوافعك ومقاصدك ، لأنه ينتمي لها إلى درجة أصبحت جزءاً من كينونته وركناً في بنيويته .
الناس لا تحب الحقيقة إذا كانت تثير القلق والزوابع ، ولا تصفق إلا لتلك الأقلام التي تزيدها ثقة إلى عماها وتؤكد قناعاتها وتبعث الارتياح في تصوراتها ، أما إذا اكتشفت بواطن الأمور وما تخفي الصدور فإنك تعرّي الحقائق وتعلق المشانق .
تزيد الجفوة بين العقل الصارم في قول الحقيقة الحادة ضمن مجتمع يغالي في ثقته بمعتقداته ، فيصبح التفكير خارج الصندوق ، والتغريد خارج السرب ، ضرباً من امتهان الثوابت واجتثاث النوابت .
الكاتب المسالم لا يزيد التخلف إلا قهقرى ، والكاتب المراغم وإن تحمل ويلات الخروج عن النص ، ولكنه ينفع أمته ، ويقدم لها خارطة الخلاص من تيه الرجعية القاحلة ، ويستوضح طريق الخروج من وهدة الاستضعاف إلى علياء التمكين والسؤدد .
………………
العاقل ليس لديه الوقت لتنظيم حفلات احتقار خصومه ، أو ليس لديه استعداد لتضييع جهده ووقته واهتمامه في عقد مناسبات استفزاز من اختار عداوته ومفاصلته .
العاقل ليس مشغولاً بتعكير حياة الآخرين ، حتى الأشخاص الذين ناصبوه العداء ، لا يجد ما يكفي من الفسحة للتفكير بهم والاهتمام لشأنهم ، أو " تنغيص " حياة مخلوق ، مشغول بحياته التي تزدحم بالانبساط والأريحية أكثر من انشغاله بحياة شخص آخر .
يشعر أنه ليس مسؤولاً بالضرورة عن الحياة التي يعيشها الآخرون ، إلا إذا كانت متصلة بمسيرة حياته الزاخرة بالسعادة التي لا تنقطع والفرح الذي لا يتوقف أو يهدأ .
لديه الكثير من التركيز على الاستمتاع بحياته ، عنده وفرة من الأصدقاء والرفقاء يزاحمون كل نية لمضايقة آخرين ينضمون بصعوبة إلى قائمته السوداء ، تكاد أيامه تمطر فرحاً ، وقلبه يضجّ بموسيقى الاستمتاع تطرد معها كل نعيق للانتقام والثأر من ثلة لا يعيرها ذرة من عنايته .
العاقل بابه للمسامحة مفتوح لا توصده وسوسة شيطان أو وشاية إنسان ، عنده مواسم لتصفير الحسابات والحزازات ، وإضافتها إلى رصيد الفرح الدائب لديه .
العاقل لا شروط عنده للحب واعتناق القلوب ، لا مقدمات ولا حواجز إسمنتية للوصول إلى قلبه ، ولكنه لديه الكثير من هذا في الطريق إلى استعدائه ، ولذا ستجد قائمة أحبابه وأشياعه تتمدد وتتوسع ، وراحلة أعدائه تتساقط وتتخفف .
إنني أشفق على شخص اتخذ قراراً متوتراً عنوانه " الاستقعاد " لشخص آخر ، ينسج قصة عداء لم تحدث إلا في مخيلته المأزومة وقلبه المعقود بأربطة الحقد والبغضاء ، تزيد شفقتي كلما كان الشخص الذي يختاره للاستقعاد سادراً في حياته ولا يهتم لشأنه ، بينما يتلوى صاحبنا المبتلى بابتكار فنون المضايقات .
جرّب أن تعيش دون أن يكون هناك من يستحق أن تموت من أجله !
…………
وأنت شاب يافع ، وطالب علم مبتدئ :
طالما حافظت على صفة " القارئ " ، لن تتوقف عن التهام المزيد من المعرفة ، والتقام الدسيم من الثقافة ، ستستمر حالة التتلمذ لديك لأبعد إمكان وأقصى مدى ، حتى تكاد تحيط ببحور العلم وتقبض على منتهى الفكر .
وإذا اخترت ممارسة دور " الكاتب " فإنك تنتقل من كونك طالباً دائباً إلى مزاحمة صفة الأستاذ ، تحاول أن تتصدق بفائض وعائك ، وتبيعه في سوق الكلام ، وتأنف من طول المكث في خانة التتلمذ وتشرئب إلى لحظة الإدلاء بما تظنه مثيراً للانتباه ومدعاة للاهتمام من حصيل دراستك ومنتوج تفكيرك .
الحقيقة أن كونك قارئاً في طور التتلمذ الدائم خير من سعيك لتكون كاتباً في طيّ الادعاء ، بذهابك نحو صياغة تفكيرك على أساس كونك كاتباً يهتم لإنتاجه ويهشّ لقلمه تخسر مقعدك في صفوف القراء ، تهب بعضاً من الوقت الذي تبذله طالباً للعلم إلى فكرة غير ناضجة عن أستاذيتك المستعجلة قبل أن تحوز أدواتها الكاملة وإمكاناتها الشاملة .
……………
وسائل التواصل الجديد وسعت من شبكة تشاركك لحظاتك ويومياتك مع الآخرين ، أصبح الواحد يباشر متعه ونشاطاته ويفكر في قائمة الاتصال لديه ويعاجل إخبارهم بأحداثه ، يفكر في الزاوية التي يلتقط منها " السلفي " ، يريد أن يعلم به الآخرون أنه كان ضمن حضور حدث ما أو مكان معين .
يستغرق في إشراك جلسائه الافتراضيين لحظته العابرة ، يحاول أن ينقل لهم التفاصيل بدقة ، يتمنى لو أنه يستطيع القبض على شعوره بالاستئناس لينقله لغيره ، بمرور الوقت يصبح تركيزه منصباً على هذه العادة التشاركية المزيفة وينسى أن يستمتع بلحظته الحقيقية .
في المقابل دمرت هذه الوسائل شبكة اتصالك المباشرة ، تلك العلاقات الحية المفعمة التي تعزز من إحساسك باللحظة وتكثف الشعور بها أكثر من أي شيء آخر ، لأن التشارك الفاعل هو الضامن الوحيد لتعضيد المعاني والأحاسيس والأفكار .
خطيئة الوسائل الحديثة أنها تأخذك من الانغماس الكلي في اللحظة ، وتحرمك من الاتصال المتيقظ والتشبع بتلك اللحظات الآسرة إلى حالة استعراضية جنونية بانفرادك في حضور مناسبة نادرة أو موقف لا يتكرر لمرتين في قرن واحد .
يزداد تعلقك بهذه العادة ، وتبدأ في خلق لحظات لا وجود لها في واقعك ، ترفع من مستوى الادعاء حتى تحافظ على حالة الاحتفال وتنشيط حسابك الإلكتروني ، وتزيد في نفخ عالمك الواهم الذي بحيط بك ، إلى الدرجة التي تجعل حالتك النفسية مرتبطة بمدى نشاط معرفك الافتراضي ، فيصيبك الإحباط والملل إذا انخفضت فاعليته وخيّم عليه الروتين ، وتطير فرحاً كلما زاد حراكه المتخيّل .
وبينما يضج واقعك بمناسبات الفرح واللحظات البسيطة المنغمسة بالسعادة ، تقبع ذهنيتك في زنزانة هاتفك وشاشتك التي تختصر حياتك السرابية بين يديك .
………………
المنطق والبداهة تقول أنك لن تحصل على نتيجتين مختلفتين عندما تقوم بنفس الفعل في كل مرة .
الروتين هو المحصلة التقليدية ليومياتك المتكررة ، الملل هو حاصل تكثف ذلك الشعور ، السأم هو غاية ما تبلغه من إحساسك تجاه حياتك المتبلدة .
لن تحصل على نتيجة مغايرة إذا استمر يومك في المضيّ بنفس أسلوب التفكير وقائمة الخيارات وسلسلة المناسبات ، ولن تحصل على يوم مختلف إذا لم تشتغل على تغيير حياتك منذ لحظة التفكير الطريّ حتى ساعة السلوك الصلب مروراً بجملة قناعاتك المتماسكة .
حاول أن تضيف جديداً إلى هذه الدوائر الثلاث ( طريقة التفكير - القناعات - السلوك ) ستحصل على نتيجة مختلفة ، وهذا ينسحب على بقية تحدياتك المعيشية في الرزق والكفاءة والعمل وتحقيق الذات في إطار النجاح الشخصي والنفع العام .
……………
" الجغرافية الشخصية " تترك تأثيرها في أعماق الإنسان ، وهي الخارطة المكانية التي يتحرك داخلها عقل الإنسان وتمتزج بدوافعه ومقاصده .
كلما كانت المساحة محدودة وضيقة انعكس هذا على انحباس الأفق وحدة التعامل وندرة الفرص ، ولو كانت مسافة المنطقة أوسع فإنه يجري على الإنسان تغيير نوعي على كافة المستويات .
والجغرافيا الشخصية تنطبع في سلوك الإنسان كما في تفكيره ، ولذا فإنه يرث من الجغرافيا التي ينتمي إليها بعض من طباعها ومعطياتها ، فإما جاف نزق أو ليّن هيّن وسهل .
فلو أن إنساناً كانت جغرافيته محدودة بقرية ريفية معينة ، فإن طموحه لا يتجاوز درجة امتلاك بيت يسعه ومزرعة تعيله وذرية تحفظ نسبه ، كما أن تفسيراته وعداواته لن تتجاوز المتاحات والممكنات في قريته ، وتفكيره سيصبح حكراً على الجهاز الثقافي الذي توقف عنده الوعي داخل القرية .
وكذا لو أن إنساناً اتسعت جغرافيته الشخصية ونطاق اشتغاله الذهني لما هو أبعد من موطن سكنه واتصل بإحساس إنسانوي فائق وارتحل إلى وجهات مختلفة بعقلية منفتحة وقابلة للاستيعاب والاستشراب ، فإنه سيثري إمكاناته المفاهيمية ويوسّع من إطار مواقفه بحيث تشتمل على ما يقصر عنه ابن القرية المنهمك في محليته البسيطة .
العالم اليوم لا يبدو مريحاً في ظل هذا الانفتاح الشبكي والتقني ، بحيث ازداد حجم القلق والتشابك وارتطمت المجالات الجغرافية فيما بينها واختلط الأمر على الإنسان الساعي للحصول على هوية متماسكة يحوزها ويحصل بموجبها على خارطة ناجزة لجغرافيته الشخصية .
ورغم أن هذا الانفتاح الشبكي ساعد على إرساء عملية تخليق هوية أممية قائمة ومستمرة تطوي العالم في قرية واحدة ليساعد في إذابة التمايزات الضيقة ، ولكن المجتمعات الموتورة ما زالت متشبثة بهوياتها الجزئية مما ألهب من سعار التشابك المعقد والضلال الجغرافي للعالم .
………………
تحتاج لأشخاص يحبون حقيقتك ، بكل عيوبك ونقصك وما يستكره من طباعك ، تحتاجهم لتشعر بقبولك في بيئتك ، حتى لا تشعر بالتأنيب تجاه أخطائك أو الارتباك أمام جوانب ضعفك .
لا ينظر هذا النوع من المحيطين بك إلى جوانب تميزك وفرادتك ، لا يجدون فيه ما يستحق الاهتمام والتقدير ، هم ينظرون إلى شخصك المجرد ، لا يحتفلون بإضافاتك التي لا تعبر عن صميم حقيقتك ، ولذا كان أزهد الناس بالعلماء هم أهل بيته وخاصته .
لا تحتاج معهم إلى تسويق إمكاناتك ، أو ادعاء شهرتك وذيوع اسمك ، هم يميلون إلى جوانبك الخافية ، إلى حقيقتك المتواضعة ، اتصالهم بك أعمق من مجرد المظاهر التجميلية التي تبدو بها للعامة ، وهذا يكسو العلاقة بالدفء والاحترام المتبادل ، يعطيها عمراً أطول وتماسكاً وثباتاً غير عادي ، لأنهم مرتبطون بأعماقك التي لا تتزلزل وصورتك التي لا تتحول .
………………
ولأن الحب هو قطعة من حريتك ، فإنه - ولمن يستطيع ملاحظة ذلك - سيتحول المحبوب بمرور الوقت إلى عائق أو حجاب مصمت أمام انبعاثك العفوي نحو الشعور بالحياة والاتصال معها .
لا تعود مع الحب كما كنت قبله ، إذ لا تتخذ قرارك وتتصرف على نحو مستقل ونابع من مصلحتك واهتماماتك مباشرة ، بل يصبح شريكك جزءاً من تفكيرك وتتدخل اهتماماته ومحظوراته ضمن نطاق قرارك .
هنا تتدخل أنانيتك البشعة لمحاولة الانحلال من ارتباطك العاطفي ، حتى لو تطلب اختلاق أعذار واهية ومتهافتة ، فإن رغبتك في الانعتاق تدفعك لذلك .
ولأن الحب هو سلسلة من التنازلات التي تبذلها عن ظهر قلب راضي ، فإنك ستبدأ لحظة تتشبع من خليلك في محاولة استعادة حزمة تسهيلاتك بأمر الملل .
…………….
عندما لا تملك فكرة ناضجة عن نفسك ومستقبلك ، فإنك ستعاني من حاضر مترع بالعبث والفوضى .
………………
انتهت الاختبارات ، وانغمس الناس في عطلتهم المترعة بالمواعيد ، وربما بمسافات ( الفراغ والطفش ) التي تنتظرهم .
هذه الصورة تعبر بوضوح عن بقايا أيام الاختبارات ، التقطها وأرسلها لي أستاذ جامعي في علم الاجتماع ، كانت الصورة مختبئة خلف كومة من الاستفهامات التي تفغر أفواهها وتتضور لإجابة مشبعة .
تبدو " البراشيم " التي تنتشر ببشاعة على ظهر المقاعد وجدران القاعة وكأنها طلاسم لفك عقدة أوراق الامتحان ، أو كأنه شروح مدرس مجتهد هجر درسه الذي صرف فيه غاية جهده وإخلاصه ، كل تلك النقولات التي أمدت الطلاب بإجابات على محمل الغش تبدو مثل أطلال تشهد بحجم الجهد المزيف الذي بذل للحصول على نتيجة مقنعة .
بإمكانك أن تقرب الصورة أكثر ، لم يسلم واحد من هذه المقاعد ، واستسلمت جميعها لخيانة علمية وقحة ، انطوت على نية مبطنة لتحصيل ما لا يطوله عقل أو جهد ، ولكن تبلغه يد مغتسلة بعار الغش ومغموسة في وحل الزور .
لا يثير الأمر أي إحساس بالأسى أو الخطر رغم أن سرطانية البراشيم التي تطل من الصورة تنبهنا لحقيقة جيل متهافت ويعاني من تواضع استعداده العلمي الجاد وربما مستوى أخلاقيته .
تصورنا عن الاختبارات تحول من أيام للاجتهاد وتحصيل ثمرة السعي الدراسي ، إلى أيام للعبث بكل شيء ، تتسابق المؤسسات الرسمية والمجاميع التطوعية إلى بث حملة مضادة لحالة الانفلات التي تتزامن مع أيام الاختبارات ، تنبيهات بالجملة من مخاطر السهر والمخدرات والعلاقات المحرمة والتفحيط والإهمال الدراسي ، وقائمة من المهالك التي تنبت على هامش نهاية الموسم العلمي .
تتفشى ظاهرة الإركاب ، إذ يجد الطرفان فرصة مواتية لإبرام صفقة لقاء شيطاني مثخن بالمتع العابرة ، أسابيع من الانتظار لتحين هذه اللحظة العامرة بفرص العيب والحرام والأسف .
ولك أن تتخيل : تسجيل ٢٠٠ حالة إركاب في مدينة ما خلال الأيام الخمسة الأولى من فترة الاختبارات الماضية ، ويبدو أن الرقم ازداد في النصف الأخير من هذا الموسم الزاخر بالألم .
صديقي الذي تجري ابنته في بحر العقد الأول من عمرها الوردي ، أخذ في وصف فريسته التي رافقته صبيحة الإثنين بعد أن استفاد من دوامها الجزئي أيام الاختبارات ، يبدو الوضع أكثر وضوحاً وأسفاً عندما تكشف كواليس هذا النشاط المسرف في غيّه .
يقول صديقي أن الجرأة تتزايد في بناء العلاقات المحرمة ، أصبح كلامه عملياً عندما رأيت ليلة البارحة وفي حي جدّاوي مزدحم ، فتاة يافعة تصرّ على شاب مكسو بالجمال أن يزودها برقمه والتواصل معه .
لم تعبأ الفتاة بوجودي بينهما ، طلبت الرقم بصراحة مباشرة ، وكاد حماسها لذلك يفيض من عينيها وكلامها ، لقد كانت جميلة بما يكفي لإقناع الشاب ، يمرّ من حولهما أرتال من البشر ولا يحدثون حرجاً لأحد منهما .
يصبح التجاوز الأخلاقي خطيراً ومهدداً بنذير شؤم عندما يكون مقبولاً من الجميع بهذا الشكل المسفّ .
غابت الفتاة بعد ذلك في زحام الناس ، والله وحده يعرف ماذا حدث بعد ذلك ؟
……………
لا تستخف بالأشياء الجميلة التي تحدث حولك ، تحرر من هذا البرود الذي يقتل إحساسك بالحياة ومعانيها النبيلة .
صفّق لكل ناجح ، انضم لحفلة الإيجابيين ، الفرح يستفز النفوس النابهة ، يلمع بوضوح في الأبصار المجلوّة ، ينفخ روحه المتوثبة في القلوب المتبلدة .
كلمة شكر تصادف أذناً متعطشة تكتب حياة نابضة بالفخر والتميز ، لا تبخل بها على غيرك .
ارفع من مستوى نباهتك وفاعلية قدرتك على تفحص الجوانب المضيئة ، لاحقها بالاهتمام والتقدير ، أسبغ عليها كلمات التحفيز والتشجيع ، ارويها بعبارات التأييد الصادق على طريق الحق والصواب والنفع العام .
هذا يجعل منك إنساناً لبقاً ولطيفاً ، يتوّج حضورك الاجتماعي ، يغرق المحيطين بالاحترام والاهتمام ، يغدق عليهم بالحب والامتنان ، هذا يجعل الحياة أكثر إسعاداً والكون أكثر توهجاً .
……….
لماذا تتضايق من نجاح الآخرين ؟ تشعر بتوتر أمام صعودهم المستمر في سلم الإنجازات ، كلما أحرزوا تقدماً في أهدافهم زاد حماسك لبغضهم ومعاداتهم .
هذا الكون يتسع للجميع ، ونجاح الآخرين لن يضيف عبئاً عليك ولن يكلفك شيئاً من مكتنزاتك ، إذا كان نجاحهم يجدد إحساسك بفشلك فهذه ليست مسؤوليتهم ، إذا كان ما تحصل عليه من النجاح لا يساوي ما تبذله من الجهد ، فالآخرين لا يلعبون دوراً في هذه المعادلة المختلة .
النجاح أحياناً قدر ، دور غيبي ، سترزق به أو تحرم منه تبعاً لعدل الله وحكمته ، ربما كان انشغالك بالآخرين سبباً في حرمانك وعائقاً دون نجاحك .
شعورك بالفرح لنجاح الآخرين ، تصفيقك الصادق لإنجازاتهم ، تهنئتك الصافية لهم ، سيزيد من استعدادك للنجاح ، سيرفع من حساسية اتصالك بمعاني الإنجاز والفرح ، سيقشع السحب التي تحجب وصولك لخط النهايات السعيدة .
النية الطيبة نجاح بحد ذاته ، تجاوز لضيق النفس وخراب العقل واحتقان القلب ، تسامي أخلاقي باتجاه مناخ يساعد على النجاح ومزاج أكثر استعداداً للفرح .
عليك أن تبرم عقداً في إطار النجاح المشترك ، أن تؤمن بفكرة أن نجاح الآخرين إذا لم ينفعك لن يضرك في شيء ، وأن أكبر موانع نجاحك الشخصي هي حزمة المشاعر السلبية التي تشاغلك عن التركيز في أهدافك وتحرّي الوصول إليها .
شارك الجميع نجاحاتهم وأفراحهم ، ستجدهم أيادي ممدودة ساعة تحتاجهم في الطريق إلى ليلة عمرك التي تنتظرك على كفوف النية الطيبة والقلب السليم .
……………
تسقط قيمة الأشياء إذا زاد الادعاء ، ويضعف وهجها كلما ارتفعت حدة المفاخرة حتى تكاد تذهب بأجر العمل ونتيجة الجهد وبريق المعروف .
كل " تصنّع " يوسع من فجوة الحقيقة يقوم بالمباعدة المهولة بين الواقع والمثال ، يفاقم من درجة النفور منه واستثقاله في النفوس .
القلوب والأذهان تمتنع على تلك الأشياء التي تنتفخ أمام وعيها بالمكابرة المجحفة ، وتفتح صدرها بترحاب حار لتلك الواقعية التي تنساب بلا وعي إلى قناعاتها على مراكب التواضع والبساطة والمباشرة دون فجاجة .
من اللائق تماماً أن تأتي الحقيقة في جحافل الإقناع الهادئ ، أن يتجلى الجمال في أبهى صوره النقية من تدخل الإنسان المبالغ والمفرط في إضافاته المستكرهة ، أن يكتسي الإنجاز والنجاح ثوب الشكر للمساهمين في صنيعته وبنائه وكأنه ملك للجميع واحتفال بهم ولهم .
طاب صباح أهل الإنجاز ، وكأنهم استيقظوا من روتين عادي جداً ، يهملون رغبتهم في سماع تصفيق حار لقاء جهودهم ، وينتظرون جزاء أوفى لا يستطيعه إلا الله .
طاب صباح أهل الوجوه الوضيئة ، يشعرون أن الجمال قاسم مشترك يجمعهم بمحيطهم ، وجزء من مزيج هذا الكون ، وانعكاس للأبصار الدفينة باللطف واللباقة ، طاب صباحهم وقد رفعوا من فوق رؤوسهم " الريشة " التي كتبت غطرسة مزيفة في جباه أترابهم .
…………
حتماً ستحين لك الفرص ، فإما أن تستغلها ، أو تستقلها .
…………
الصادق في العداوة ، خير من المنافق في المحبة ، وفي كل شر .
………
صديقي الأثير : إن محاولاتك المضنية لاستعادة الماضي لا تزيدك إلا إياساً ورهقاً .
محاولاتك تشبه تسريحة شعر لفتاة قبيحة ، وأمنية مومسة بالزواج من عربيدها القادم من بلد البراميل الدولارية ، مثل قيمة مفلسة لبودرة بيضاء على خد أسود يبتلع أي نية لإكسابه بياضاً صناعياً
سعيك الحثيث لاستعادة عجلة الزمان ، لا تختلف كثيراً عن أمل القمر في استضافة الصباح ، ونية المطر في احتواء البحر ، وعجز الميت في استعادة الحياة ، وطلب الغريق للنجاة .
هرولتك العابثة لاجترار الفائت من الزمن مثل أمل إبليس في الجنة ، ورجاء أبو لهب في مرافقة الأنبياء والصديقين والشهداء ، وعودة القذافي لكرسي الحكم ، وأمل بشار في انكسار الشعب ، وجموح " شعبولا " لمزاحمة أم كلثوم .
إن أملك أكثر عجزاً من حلم البليد في قائمة الأوائل ، وأبشع من أمنية الحاقد في بوار النعم التي تحيط بخصمه ، وأصعب من سؤال في العلوم واجه أبلهاً قضى ليلة الامتحان في ممارسة دور " الخروف " أمام مكيدة صديقه المتأنث للضحك على صفاقته .
هل رأيت أصعب من كل هذا المزيج المعقد من المتاعب ؟! فانسى ماضيك واركض في حاضرك ، تنال مستقبلاً يليق بك .
………………
تعودت عليك حتى خيّل إليَّ أن كل مثاليات الحب انسكبت فيك وانحبست في جسد العلاقة التي ولدت بين يديك .
تعودت عليك ، وأدمنت وجودك جزءاً من الحياة ، ولحظة تتكرر لدرجة لا يطاق غيابها ولا يستساغ انسحابها .
تعودت عليك ، والعادة أكثر أقدار الإنسان بأساً وسطوة ، وألصق الأشياء به وأدومها معه ، إذا ذهبت وكأنه خسر بعضاً منه .
…………
من المؤسف أن يتحول منبر الجمعة من موعد أسبوعي لتذكير الناس بتقوى الله وتخفيف سيطرة الدنيا على تفكيرهم وقلوبهم واجتماع عباد الله لتنبيههم برابطتهم الدينية والاجتماعية الأثيرة ، إلى حطب في نار التنافس الاجتماعي المستعرة .
يضاف منبر الجمعة إلى رصيد قبيلة على أخرى ، أو فخذ على آخر ، أو بيت على سواه ، حتى لتكاد تنشب خلافات تشق القرى والجماعات لأن أحداً من غير الجماعة المحتكرة اعتلى منبر الجمعة وحاول إزاحتهم من منصة امتيازهم الاجتماعي .
وفوق ما يعاني منبر الجمعة من الخطب الباردة ، والتوجيه الرسمي الذي يكاد يلغي فعاليته تقريباً ، يأتي هذا النزاع القبلي والاجتماعي ليزيد في تواضع قيمة الأثر الذي يتركه هذا التقليد الديني المعظّم .
ويبدو هذا التنافس امتداداً لعادة جاهلية تعاود الظهور في كل مرحلة من مراحل التراجع الحضاري ، إذ تغلب العادة الاجتماعية المتخلفة على القيمة الدينية المتقدمة .
……….….
الإنسان كائن متمحور حول ذاته ، ينطلق منها بدافع نرجسيته وينتهي إليها بدافع مصلحته ، يبحث دائماً عن الجانب الذي يخصه من الأشياء ، يسعى ليكون جزءاً من كل حدث ، أن يفتش عن مكانته في محيطه ودوره في بيئته .
وهذا نابع من تركيبة الإنسان المعقدة ، انضاف إليها نتاج الحضارة الأوروبية المعاصرة التي زادت من حدة هذا الارتباط الذاتي ، سيما وأن مزاج هذه الحضارة الغالبة انبنى على رفع قيمة الإنسان حد الإيمان به كبديل عن التصورات الدينية التقليدية .
كان الإنسان يؤمن بقضية أو عقيدة أو بشر يمثل نبياً مرسلاً أو عبقرياً ملهماً ، جاء المزاج المعاصر ونقل هذا الإيمان إلى ذات الإنسان ، وأذكى استقلاله وحريته وانفراده وذاتيته المفرطة .
الآن بإمكانك أن تفهم الهوس ببعض التقاليد الطارئة على إنسان هذا الزمان الذي أخذ في الانسحاب أكثر فأكثر من ارتباطاته العمومية إلى مزيد من التقوقع المرضي والحاد ، " السلفي " ليس مجرد موضة عابرة بل تعبر عن مناخ جديد وخطوة تلتهم المزيد من المسافات لتباعد الإنسان عن حالة التشارك البدائي الذي كانت تضمن بقاءه واستمراره وعمارته لهذه الأرض ، وتنقله إلى حالة مختلفة تماماً من الانقطاع والعزلة ، وليس استغراقه في عوالم الافتراض المختلقة إلا مزيداً من التأكيد على ذلك .
لن ينتهي هذا التوحش التقني عند حد ، سيستمر الإنسان في صناعة الشقاء بيديه وعبقريته ، ولن ينفك - حسب تصوري على الأقل - من هذه الورطة ، إلا بدورة زمانية تنتظر البشرية تنبأت بها بعض الديانات إذ يعود الإنسان لامتطاء الفرس وامتشاق السيف تماماً كما كان في العصور البدائية البائدة .
……………
رغم ضعف إيماني بجدّية الطقوس الكتابية التي تلازم كل كاتب لتساعد في إنتاجه ، فإذا ما غابت فإن ذلك ينعكس على جفاف حبره وانطواء أوراقه .
إلا أن الكاتب يحتاج لتوافر حالة من التوتر يصل إليها ليبدأ في ممارسة الكتابة ، وهنا أعني الكتابة المتعمقة التي تعبر عن أعمق قناعاته الغائرة ، الكتابة بوصفها استظهاراً عن ما ينطوي عليه جوف الكاتب المتأمل من خبرة تعتصر حبراً وتجربة يسكبها في حروفه وآثار غائصة غرسها احتكاكه بالحياة .
وبطبيعة الحال لا أقصد الكتابة المباشرة التي يمليها الوعي الأولي ، تلك التي يستطيعها كل من له قدرة على نظم الحروف وترتيب الكلمات بخطوة واحدة يتفوق بها على العامي البسيط .
" حالة التوتر " يمكن أن تحدث نتيجة صدمة ذاهلة أو فرحة تؤجج رغبته في الكتابة ، فتجعله يتدفق بلا وعي على الورق أو يتقيأ أبعد قدراته على الجزع والسخط ، إنها مرحلة من الانسجام والهوس التي تكاد تلتحم فيها قدرتك على الكتابة السويّة الناضجة مع الهذيان .
أما طقوس الكتابة التي يشير لها بعض الكتاب ، فيغلب أنها من الأسباب الصناعية لخلق " حالة التوتر " التي يحتاج إليها الكاتب ، فيخيّل إليه بعض منها وينخرط في رش الحبر على الورق ، ولكنها لا تشبه الأولى في شيء ولا ترقى إليها .
……..…………
سواء كنت عالماً بارعاً أو عابداً متبتلاً فإن هذا لا يساوي قيمة إذا كان جانب الأخلاق لديك متواضعاً وضعيفاً .
بل إن العلم الذي لا يطور مستوى الأخلاق لديك ، والعبادة التي لا تطهرك وتزكيك ، مفلسان تماماً ولا يرجى منهما نفع في الدنيا أو الآخرة .
تبدو الأخلاق وكأنها تلك الغاية النهائية للعبادة والعلم على حد سواء ، أو أن العلم الحقيقي هو المعرفة لها والعبادة هي العمل بها .
ولأن الأخلاق هي جهاز مستقل لدى الإنسان ، فإنك تجد عالماً حاز جملة العلوم الجليلة والدقيقة ، أو عابداً انقطع لصلاته وصيامه حتى كان يطأ الجنة قبل موته ، ولكنهما يخسران أخلاقهما عند أول امتحان يصادفهما .
إن الأخلاق مرحلة من التنزه وتزكية النفس عبر هذين العاملين ، إنها المجاهدة المستمرة لتغليب ما يرضاه الله ويحبه وخفض حساسيتك تجاه الانتصار لنفسك وتغليب مصالحها ومواجهة دوافعك الأنانية والحيوانية التي تغالبك .
بل ربما كانت الأخلاق هي حالة التقوى الإنسانية التي تشترك فيها قطاعات البشر على اختلاف أديانهم وأجناسهم ، وهي الغاية التي خلقت لها المواثيق ونزلت بها الكتب ودعت لها الرسل ، والقيمة التي يحاسب على أساسها الإنسان ممن رفعت عنه الحجة ، هذا إذا توسعت مفردة التقوى لتوافق ما جاء به ثابت الوحي وسائد العقل المنطق .
………………
هل ينفع أن تكون قصة " قوم لوط " موعظة للغارقين في هذا البلاء ؟ وهل يصلح أن نقرعهم بخطاب تخويفي يلومهم على التفريط في شرفهم ورجولتهم ؟ وأن نذكرهم بفكرة أنهم مطايا لاستفراغ الشهوات ؟
لا أظن هذه اللغة المريرة تزيدهم إلا انهزاماً واستسلاماً ، سيما إذا اقتنعنا من واقع ما نلامس ونخبر ، أن أكثر الناس عرضة للاستغلال الجنسي هم أصحاب الثقة المهشمة والذوات الخائرة ، أنتجتهم أسر متواضعة الإمكانات الاقتصادية والتعليمية جعلت منهم مثل سهل منبسط يغري الآخرين بمطاولته والوصول إليه .
كما أن تلك البيوتات التي تبنى على قوام التشدد الحاد والحزم الذي لا يستكين فرصة سانحة لإنتاج أبناء مندفعين ومتحمسين لكسر التابوهات الغليظة ، وعلى رأسها جنون الطهر والفضيلة الذي يثقل أذهانهم دون أدنى اعتبار للفطرة المتذبذبة والقابلية العجينية ومعطيات العمر والزمان والمكان القاهرة .
وفيما يخص قصة " قوم لوط " فإن استحلابها بطريقة وعظية سطحية ، واستخدامها كوجاهة اجتماعية تستنكر هذا الفعل الشنيع ، حشر للقصة في زاوية لا تستقيم بدون استمطار الجوانب السياسية والثقافية التي تحيط بهذه القصة .
وإلا فإن عذاباً ماحقاً وغضباً إلهياً مهلكاً لا يتأتى إلا في ظل مناخ اجتماعي فاسد لا يرجى منه شفاء ولا صلاح ، فيحلّ عليهم غضب الله ولا يبالي منهم أحداً .
أما حالات الانحراف المنفردة فإنها تتعطش لرحمة الله وعفوه وتذكيرها بهذه الخاصية القائمة ما لم تطوى حياة إنسان أو قطعة من الدنيا نافع أكثر من تيئيسها باستعراض نقمته وغضبه الذي يأتي في صميم قصة " قوم لوط " .
وهذا لا ينفي أن نفراً ممن ابتلي بهذه النكراء يتعظ بتخويفه ويستقيم بتقريعه ، سيما إذا كانت تأتي منه هذه العادة استمراءاً لسلامته من العقاب وإمعاناً في استظلال عفو الله ورحمته وصفحه ، والاعتدال سيد الموقف .
إن عملية تبشيع الأشخاص بغرض تعريتهم وإغماسهم في شعور عميق لاستقباح فعلتهم إنما يزيد في درجة شذوذهم ومستوى انسجامهم مع هذا النمط الشخصاني الشائه ، وكأنه ينقلهم لنقطة اللاعودة ، يقوم بأبعد إمكانية لتقزيمهم ، يكسوهم بإحساس الخروج من فطرة المجتمع ويكرس غربتهم وانتكاستهم ويضاعف بالتالي فرصة استغلالهم واختراقهم ضمن مجتمع شاذ خلقه هذا الخطاب الإقصائي المنفّر .
……………………
يحاول الواعظ أن يقرب بين الناس وربهم ، ولكنه يخفق أحياناً ، وفي تصوري أنه سيخفق دائماً .
الواعظ يقدم للناس تصوره هو عن الدين ، وهذا لا يعني أن ما يقوله سيكون هو الصواب والحق ، ولكنه مجرد اجتهاده الخاص وخبرته وعلمه وتجربته ، ماذا لو كان يقدم أطروحة خاطئة ؟ أو بطريقة غير لائقة ؟ هذا وارد وبقوة .
الواعظ مثل كل شخص يشتغل على إنتاج أطروحات في أي مجال كان ، يتأثر باستعداداته الشخصية وإمكاناته الفردية ، والاعتماد على تصوراته المجردة ربما يورطك كثيراً .
تكاثر الوعاظ في مجتمع ما لا يعني بالضرورة أن هذا المجتمع متدين ومؤمن جملة وتفصيلاً ، بل يعني أحياناً أن تدينهم منفلت ويحتاج هذه الكثرة من الوعاظ لحمايته ورعايته ، أو أن الوعظ مجال مربح اقتصادياً واجتماعياً بما يؤهل لهذا الازدحام غير المفهوم ، وضع غير مريح على كل حال .
الأفضل أن يعتمد الإنسان على مجاهدته الشخصية للوصول إلى الله ، جملة المواقف التي تتباين بين الفرح والترح ، كفيلة بفتح خط اتصال عميق وحميم بين قلبك ومعاني التوكل على الله والاستئناس به ، إن إقبالك عليه كفيل بفتح أبواب السماء والعلم والرزق والعناية الربانية .
لا حاجة لك بكل هذه الجنود المجندة من الوعّاظ ممن يخترق أنسك بالله ، إن في كتاب ربك وسنة نبيك ما يكفيك ويشفيك ، ما يحفظك ويحميك ، ما يرشدك ويهديك ، وعليك أن تفترش قلبك كبساط يستمطر رحمات ربك وأنواره ، وتطرد خيالات الوعاظ وأوهامهم ، التي تعبر فيما تعبر عن تجاربهم وقناعاتهم الشخصية .
حافظ على عذرية تصوراتك ، ولا تسلمها لأشخاص تخترمهم ذكريات الطيش وأيام الهوى وتختلط بأسمال تدينهم الذي يغلب عليه الحماس الأعمى ، إن أوليّتك مستعدة لتحصل على المعنى النبيل والألطاف النابضة بالإيمان ، الله أقرب إليك من حبل الوريد فلا تحتجب بقوائم الوعاظ الموتورين .
كن شجاعاً وافعل ذلك ، واستقوي بقول العليّ الكبير : { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ } سورة العنكبوت 69 .
……………
يبدو الموت مخيفاً أكثر منه مؤلماً إذا التقط شاباً في مقتبل العمر ، ويصبح مهاباً أكثر إذا كان هذا الشاب مقبلاً على الحياة بكل ما أوتي من عنفوان الشباب ، مفعماً ، شغوفاً ، أبرم الكثير من الصفقات والأحلام مع المستقبل .
كلما انطفأت حياة شاب ، تبدو لك الدنيا تخلو أكثر فأكثر ، وبعض الناس يخسر بعض أسباب البقاء بفقدان المزيد من أحبابه وأترابه بحجة الموت ، تذبل سيقان الأيام وهي تفقد نمير شاب انحسم سيلان حياته فجأة وبدون مقدمات ، تخبو جذوة السعادة خجلاً من فراق شاب كانت الحياة أجدر به والموت أبعد عنه .
ينضاف إلى أسمائهم ومواقفهم " كان " حتى نتذكر أن فرصة استعادة ذلك مستحيلة بعد الآن ، تنسدل المواقف التي جمعتنا بهم بتداعي يغسلنا بالحزن الممضّ حتى يكاد يصرعنا فقداً وأسى .
الموت في أقسى صوره قهراً ، بعد أن يستوفي سلسلة المناسبات التي تحشد المسنين وأصحاب الأمراض المؤهلة للوفاة ، يلتقط في طريقه قدراً أحد الشباب ليفاقم سطوته في نفوس الناس .
عندما تتوارد أخبار الوفاة بدون توقف وتحمل على النعوش أجساد كانت آيلة للموت بداعي المرض أو تقدم العمر ، يفقد الموت بريقه كضيف مستعجل ، يشعر الناس باللامبالاة ، ينغمسون في حيواتهم ويزدرون الموت وكأنه حقيقة مؤجلة ، يتنساونه إمعاناً في تجاهله ، ينحّون ذكرياته جانباً وينصرفون إلى يومياتهم ، وكأن الموت أعطاهم هدنة لبعض الوقت ، لكنه لا يستسلم مطلقاً .
يأتي الموت في شكل جماعي ، لا يعطي قرية فرصة لالتقاط الأنفاس ، ينهش أرواح أبنائها مثل وحش كاسر يختبئ في طرف القرية ويعاود انقضاضه مع حلول الليل ، يثير الرعب ، ينتشر الذعر مثل دخان ، ويزول الموت مثل سحابة ، يُنسى الموتى وتستمر الحياة .
يقسو الموت أكثر ليعيد اعتباره في النفوس ، يفترس شاباً ملفتاً ليكون وقعه أكبر ، يسود ذهول عارم ، يحاول البشر لوم الموت بأدواتهم العقلانية ، ولكن الموت قدر ينتمي إلى عالم الغيب ولا يحتكم لقواعد العقل بتاتاً .
أكثر ملامح الموت رعباً ، أنه يلغي أي فرصة محتملة للقيام بشيء لائق ، يلغي فرصة أن تعتذر ،  أو تعلن حبك ، أو كلماتك النابضة بالامتنان لأولئك الأشخاص الذين أصبحو في طي البرزخ .
الجانب اللطيف من الذكريات يتحول إلى جحيم ، إلى ركام من الوجع ، تلك الصور التي التقطت لتحتفظ باللحظات الحميمة تصبح جراحاً مفتوحة ، اللحظات نفسها التي عشناها معاً ونحن في غاية ثملنا بالحياة تتبرأ من شراكة الأموات ، تعطينا غاية ما تستطيع من الاستئناس بهم حتى يكون افتقادهم مؤلماً أكثر ، نفنى في التعلق بهم حتى تكون لحظة غيابهم مثل وخز لا يبرأ .
الموت وحده الذي انكسرت على منصته كل دواعي الكبرياء ، توقفت أمام جبروته كل مشاغبات الإنسان لامتلاك الإجابات والتحكم في المصائر ، الموت وحده يقف في مواجهة طغيان الإنسان وفحشه ، والرحمة ولطف الله وحدها تستطيع أن تشتمل الموت والإنسان في ميزان العدل والحكمة الذي يصالح بينهما .
يريد أن يقول لنا الموت في زيارته العابرة وتلك الماكثة أشياء كثيرة ، وأكثرها أهمية : أن نضاعف من قيمة الحياة ، يخوفنا بحضوره الشره لندرك معنى أن يتجاوزنا إلى غيرنا ، وأن هذا التحذير الباهت ينطوي على لفتة شديدة الوضوح أننا يجب أن نستغل المهلة المتبقية من العمر وأن نثبت استحقاقنا لها .
تحاول أجهزة الاتصال تسريع عملية النسيان والانخراط في الحياة مجدداً ، تختصر وقع الموت في مجرد مزاج افتراضي يتوشح الحزن للحظات ، رسالة شخصية وصورة رمزية يمكن أن تعبر عن تعاطفنا باختصار وتلغي إحساسنا العميق بالموقف ، تلتهم اتصالنا الحميم بالحياة وتدفعنا مجدداً بسرعة هائلة في دوامة الدنيا ، هكذا باستعجال شديد لا يقدر الموت حق قدره ، ويحتفل به بطريقة غير لائقة ربما تجعلنا ندفع الكثير من أيام الاستخفاف ، يومئذ يأتي الموت ونحن أقل استعداداً وأكثر قابلية للورطة .
يتحول الموت في اعتبار جيل مدموغ بالتقنية إلى مجرد قائمة عشوائية تتدخل فيها الصدف ، وأيام العزاء إلى موعد اجتماعي مثخن بالمجاملات ، ولا قيمة للموت نفسه .

الموت يخصنا نحن الأحياء أكثر من صاحبه ، الموت ألم يقع على شخص ويشعر به الآخرون ، والألم خلق ليسترعي انتباهتنا ، فهل من متعظ ؟
...............................................
كل مشكلة تقع لشخص ما تترك تأثيرها في محيطه ، عبر التعاطف أو التفاعل ، أو زبائن يفاوضون الظروف لتحقيق مكاسب على هامش المشكلة .
يفترض بكل مشكلة أن تحدث انقلاباً أو اضطراباً في محيطك تبعاً لدرجة تعاطيك معها ، سواء جاءت المشكلة في شكل مصيبة ماحقة أو عقدة عارضة فإنها تمد يد العبث إلى محيطك .
المشكلة جزء من الحياة ، لابد حاصل على قسط منها ، مسؤوليتك هي استقبالها على نحو معقول وواقعي لتقليل آثارها والخروج منها بأهون الأضرار ، ولكن الانتباه إلى المحيط ولو لمجرد الملاحظة مهم في خارطة تعاملك مع الأمور والأشياء .
يصبح المحيط تبعاً لاستراتيجيتك الشخصية أو قوة حضور واقعك في دائرتك الذاتية ، يصبح جزءاً فاعلاً في تكوينك ، فهو يخلق المشاكل أو يحبطها ، وهو يساعد في مفاقمتها أو محاصرتها ، المسألة تتوقف على موازناتك وحساباتك الشخصية .
هناك أصدقاء عابرون في محيطك ، خلقتهم ظروف المشكلة الطارئة ، ستحصل على عقود دائمة العضوية وأخرى قابلة لانتهاء الصلاحية ، احذر من جزئية التعلق والمضي في العلاقات المتلاشية حول جدار المشكلة .
هناك أشخاص ولدوا من أجل مشاكلك ، تتذكرهم في المهمات والمدلهمات ، هؤلاء يختفون بانحلال العقدة وذوبان الجليد وكأن أحداً لم يخلق منهم ، هذا لا يبعث على القلق ، طبيعي جداً .
……………
أكثر ما يستفزك هو نسبة بعض الحكم والعبارات لغير أهلها ، فكثيراً ما تجد رسائل أو ملصقات تتضمن عبارات على ألسنة مشاهير لا علاقة لهم بها .
فوق أن هذا جريمة علمية لا تغتفر ، فإنها تعبر عن سذاجة التعامل مع الحقائق وكأن قيمتها مرتبط بالأشخاص ، وهذا مؤشر مؤسف على وعي الشعوب ودرجة حماسها المنخفضة تجاه المعاني والقيم والمضامين ، والمرتفعة تجاه الأشخاص والأسماء ، وهذا كفاية لنشعر بالخيبة .
ويحدث هذا أحياناً من واقع جوع ثقافي من زخم القدوات ، إذ تحمّل الشعوب والمجتمعات قوائم رغباتها على من ترى فيهم بعضاً بريق من العظمة ، الذي يكون أحياناً  في حقيقته مجرد طغيان ذاتي وهوساً فردياً لسلطة زمانية أو روحية .
وهذا يشبه تلك القصص البطولية المختلقة حول بعض الأشخاص ، تلك المواقف الزاخرة بالفروسية والبسالة التي صنعتها آلة رغبوية ثقافية لا تمت إلى الواقع بصلة ولا إلى الحقيقة بمودة ، ولكنها الحاجة الماسة إلى نحت الأبطال الصوريين لسد فاقة المجتمعات .
انحراف البوصلة الثقافية يعزز هذا الاتجاه ، الشعوب التي تفقد الثقة بنفسها ككيان مستقل ومنتج ومؤثر في واقعه ومحيطه ، وتعتمد على قياداتها لتنتج كل هذه المواقف وتستمد منها الشعور بالأمان والفاعلية ، وعندما يخيب الظن بهم تشتغل أدوات الزيف وتختلق قصص البطولة المتوهمة ، مع الوقت ستذبل تلك الشائعات المنسوجة في وهم الخيال ، ستنكشف الحقيقة ، وتسقط صور البطولة من جدوان الصوالين ، وتبحث الشعوب عن البطولة في أعماقها ، شرط أن تنكسر رايات الاستخفاف والاستضعاف فوق جماجم المخبتين .
……………
ذهب جارنا لطبيبه النفسي عشر مرات يشتكي من جديد في كل مرة ، والطبيب لا يزال يؤكد سلامته من كل بلاء إلا من الوهم به ، هو لا يكف عن الذهاب إلى طبيبه ، والطبيب لا يمل من إعلان عافيته حتى أوشك على التقاعد .
الطبيب لا ينزعج منه ، فهو يقطع عليه وحدته ويؤنس وحشته ، إذ قليلاً ما يرزق الطبيب النفسي بالداخلين إلى عيادته ، فالخجل يمنعهم كثيراً عن زيارته ، إلا من هذه الأيام .
أصبح الطبيبب يشكو لي من كثرة مرتاديه الشباب ، في عمر الزهور ، يعانون ما يشبه " ترف الوهم " ولا أعرف إذا كان وصفي هذا يصح لتشخيص الحالات الجديدة التي يعانيها الشباب ؟!
مظهر استعراضي جديد ، شباب يعانون هشاشة نفسية يعتقدون معها بالأمراض المستعصية ، جزء من الأثر الذي يعصف بالمجتمع من الاستخفاف الذي تخلقه وسائل التواصل الجديد وضعف التربية للأجيال الطارئة .
لا يجد الشاب ما يقاتل من أجله ، مستوى التحديات حوله لا يرقى إلى منسوب الطاقة لديه ، ، تضطرب المعادلة السننية داخله ، يخلق منافساً من صميم وهمه ، يخفق ويخسر جولاته المتخيلة ، يخيب ظنه بنفسه ، ثم يقع في شر أعماله الذهنية .
ماذا لو انتقل من ترف الوهم إلى بؤس اليقين ، وقتها " بيعرف ان الله حق ! " .
مجموعة الأشخاص الذين يعالجون آثاراً نفسية تخلفها ظروف المعيشة الخانقة ، وهم لا يفتئون يستندون إلى كل معيل ومعين للاستقواء على عيش الحياة رغم مرارتها ، تستعصي الظروف ويعضدونها بجيوش الإيمان والصبر والأمل والثقة .
هذا لا يشبه الوهم الذي تنتجته معيشة الفراغ والدعة والتبلد ، المعيشة التي لا يسمنها هدف ولا يغنيها كفاح .
نوعية الحياة تحدد قيمة التحديات ، ومستوى الأهداف يتحكم في منسوب الطاقة وفي موقفك من الحياة ورأيك عن نفسك .
أنا اقترح - وبكل تطفل - على صديقي الطبيب وسواه أن يضع لوحة في صدر عيادته ، تضيء فيها قولة ابن الخطاب - رضي الله عنه - " اخشوشنوا فإن النعم لا تدوم " .
……………………
يكفيك حسناً وعظمة " أن لا تكون مؤذياً للآخرين " ، لا تقذعهم بسباب ولا تسعى لهم بإضرار ولا تتطاولهم بعين التجسس أو غيبة المتلصص ، وتزيد على ذلك بالعفو عن قصورهم والاعتذار لعيبوهم ، وتبلغ أبعد من ذلك بالإحسان إلى الناس ومعاونتهم في المنشط والمكره .
أما إذا عجزت عن نفعهم فليس أقل من " أن لا تكون مؤذياً للآخرين " ، وهذا وصف تام لبعض خلق الله ممن رزق تسامحاً مرسلاً ونية طيبة وطوية حسنة ، فهو سهل هين لين ، خفيف كالنسمة الباردة وحبيب كالشراب الطيب .
وهو طبع يزيد صعوبة في زمن التناوش والتناهش ، الذي أصبح فيه كظم الغيظ شاقاً على النفس ، و إيذاء الناس ورد الصاع من أوجب ما تقتضيه الرجولة المتخيلة .
جميل لو خلق الإنسان خفيفاً على أهل جلدته ، حتى لا تكاد تشعر به ،سريع العفو والمسامحة ، لا يتلو المعاتب ولا يثقلهم في واجب أو يكلفهم المتاعب .
وإذا غادر مجالسهم أو دنياهم كان سلاماً كمرور الكرام ، لا يشق على قلوبهم بالتعب أو يثقلهم بالألم ، وهو أبعد ما يكون الإنسان عن الإثقال والإملال وأقرب ما يكون لوصف " ابن الحلال " .
………………
الواقع هو أقوى مراحل التحقيق المعرفي والثقافي ، يملك الإنسان حزمة من المثاليات ، وكماً مثقلاً من التصورات والاعتقادات التي نسجها من خياله واستقاها من طموحه الذهني .
عند التطبيق وعلى الأرض ، تنكسر الكثير من تلك المثاليات ، ستعيد النظر إليها من زاوية جديدة ، وتأخذ موقعها الطبيعي من أفكارك واعتقاداتك .
كل الاحتمالات التي يفرضها الناشط المعرفي ، وتلك الحلول التي يبتكرها من معين حراكه الفكري تحتاج إلى تغميسها في الواقع لتبين عن مذاقها الأصيل وتكشف عن حجم قيمتها ومدى تأثيرها .
وكذا التصورات التي تلهم البشر عن قيمتهم الذاتية وخلفياتهم الاجتماعية وحجم حضورهم ، الواقع كفيل بإعادة ترتيبها بفعل سطوته النافذة وشروطه الموضوعية .
الواقع ليس آلة حادة ، ولكنه وعاء يسعك كما يتسع لغيرك ، قانونه هو التزاحم والتراحم ، ولذا يسقط منه ما فاض عن حاجته أو ضاق به ونافره .
كل ما نسج منفرداً عن معطيات الواقع سيكون غريباً شاذاً وعرضة للإبعاد ، وكذا ما كان متعالياً عن الواقع سيبقى مثالياً وساذجاً ولا حظ له على الأرض أو حضوراً في الواقع .
ما يبقى ويثمر هو حاصل ما ينتج عن عملية التفاوض بين الواقع والمثال ، عملية تداولية تأخذ من المثال ما يعينها على الدوام ويتجاوب مع روح العصر ، وتأخذ من الواقع نواميس البقاء والثبات ورعاية التنوع والاختلاف .
………………
تواضع أمام إنجازاتك ، هذا يساعد في ترسيخها ودوام أثرها ، كما أنه يحفزك لرفع فعالية دورك وتحقيق المزيد منها .
لا تتبع صدقتك بالمن والأذى ، ولا تعاتب أحداً لأنه لم يقدر وقفتك أو يرد جميلك ، لا تنظر باستعلاء لمن احتاج إليك يوماً ، لا تنتظر من الأيام أن تكافئك على صنائع المعروف .
هذه كلها وصايا نبيلة وجميلة ، وهي تحاول أن تخفف من انتفاخ الشيطان وهوى النفس داخلك ، وتضبط ميزان الاعتداد بالنفس بنهاية كل إنجاز .
إن شعورك بالتواضع ، نتيجة لاعتقادك أن الإنجاز تحقق في المقام الأول بتوفيق من الله وعنايته ، إنها مسألة أصيلة في سلسلة الإنجاز .
كما أنه نتيجة لاعتقادك بالمكافأة التي تنتظرها عند الله ، فلديه الجزاء الأوفى ، هذا يجعل كل ما تنتظره على الأرض لا قيمة له في مقابل ما تطمع به عند الله ، ومنها ذلك الشعور الداخلي بالاعتداد .
تواضع عند الإنجاز ، لست الناجح الوحيد !
……………
كان " سيف " شاباً متغضناً أوتي من الجمال قدراً كبيراً ، عرف في وسط شباب الحي الذي يسكنه بتدليل أهله وتذليل مطالبه ، إذ كان والده موظفاً مرموقاً في الدولة وكثيراً ما يغدق عليه بالمال ويحيطه بالاهتمام والرعاية فهو ولده البكر ومن بعده يأتي إخوته .
كانت حياته تقليدية تماماً ، وأصحابه من حوله ، ويداوم على مدرسته بدأب ، وكان كل شيء عادياً تماماً .
وقع حادث مروع لوالده في عرض الأيام الرتيبة التي كانت تمر بملل ، تغيب الوالد عن البيت لشهور طويلة قبل أن يغادر المستشفى ويأخذ في التعافي .
كانت تلك الشهور التي قضاها الوالد على سرير المستشفى كافية لتحريك المياه الراكدة ، أصبح سيف حراً طليقاً ، تغيرت صداقاته وطباعه كثيراً ، وأصبح يغيب عن المنزل طويلاً .
عندما تعافى والده تماماً ، عاد إلى دوامه الرسمي ، ورغم أنه لاحظ بعض الانحراف على سلوك ولده ، لكن لم يطرأ في مخيلته أن مصيبة ما تنتظره وستغير حساباته .
ذات مساء كئيب ، عاد الوالد من العمل في وقت غير تقليدي ، ليقع في وجه الفاجعة ، إذ صدم بأحد شباب الجيران يمارس الفاحشة بابنه ، لم يتمالك من الصدمة ، أجرى الأمور بطريقة نظامية كجزء من الحل ، واتخذ قرارات مصيرية كجزء آخر .
بطبيعة الحال انتقل من محل سكنه إلى حي آخر لا يبعد كثيراً ، وقرر أن يرسل ابنه وفلذة كبده الذي آلمه كثيراً إلى مسقط رأسه ، أو بالضبط إلى محل سكن أخواله ، في منطقة يشتهر بها ارتفاع منسوب التدين حتى يكاد يدمغ الجميع ولا يشذ منهم أحد .
مضى الكثير من الوقت على تلك الحادثة ، وعندما عاد سيف لزيارة أهله الوحيدة بعد انقطاع لسنوات طوال ، أصبح ملتحياً ، ورفع أول أذان صادف وجوده في الحي ، التقى بمحض الحظ صديقه الذي وقع عليه أيام المراهقة ، كان لقاء جياشاً لا يحسد عليه الاثنان معاً .
ليس شيء مما سبق يهمني الآن ، ولكن من الصعب أن تكون " الحرية : صدمة " ، وأن يكون " التدين : ردة فعل " .
……………
يشاهد طالب المرحلة المتوسطة وعبر هاتفه الجوال المسلسلات الخليجية التي يجدها بكامل حلقاتها على اليوتيوب .
قال لي مرة أنه شاهد ما يقرب من ثلاثين مسلسلاً ، كل واحد منها بثلاثين حلقة تقريباً ، الحلقة الواحدة تستغرق أربعين دقيقة ، استطاع في بعض المرات أن يعيد مشاهدة المسلسل الواحد بحلقاته الثلاثين ما يزيد على الخمس إعادات ، بمعنى أنه قضى ست آلاف دقيقة لمشاهدة مسلسل واحد أكثر من مرة ، فضلاً عن بقية المقاطع التي تتدفق عليه عبر الواتساب وسواها من برامج الهاتف .
يبدو الرقم مخيفاً بالنسبة إلى طفل مثله ، هذا لا يختلف عن طفل الجيل الذي يسبقه بقليل ، إذ كان يقضي مجمل يومه في مشاهدة التلفاز ، الذي اختلف هذه المرة هو الآلة ، أعطته قدراً من الخصوصية وحرية الاختيار والهروب من الرقابة، وهذا مما يضاعف المشكلة ربما .
ماذا لو قضى هذا الطفل نصف ذلك الوقت في نشاط جاد آخر ، وماذا يمكن أن تترك لديه هذه المسلسلات من وعي خائب وفساد لازب ، وهي مشهود لها بتهافت المضمون وسطحية الأفكار .
بعض الأطفال تراهم يحتشدون في حلقات التحفيظ ، هذا لا يعطي نتيجة مؤكدة بقيمة ما يتربى عليه وينتهي إليه ، فرب طالب تحفيظ كان أكثر ضياعاً وأفسد حالاً من سواه .
ولكن يبقى الخاضع لنشاط جاد أياً كانت ثمرته أفضل من طفل يتعرض لهذا الحجم الضخم من رسائل بصرية تزدحم بالسلبيات .
والحقيقة أنني لست متحمساً للمآخذ الشرعية على نحو ما يبالغ به الواعظ من الصور المحرمة والموسيقى المستكرهة ، أكثر من حماسي لحساسية التأثير في الوعي الذي يمكن أن يتركه هذا المستوى الفادح من الاستسلام للشاشة ، فتشويه التفكير والموقف الذهني من الحياة وظروفها أكثر سوءاً وبشاعة من اللمم الذي يناله طفل لا تحركه شهوة أو يدفعه قصدان الخطأ .
هناك الكثير من البالغين يقضون أضعاف هذا الوقت على هواتفهم وبقية أجهزتهم الإلكترونية ، وهو وقت يخصمه من تفاعله مع محيطه وحجم استمتاعه بالحياة من حوله ، فضلاً عن تأجيل واجباته واشتغاله على تحقيق معيشة جادة تنطوي على أهداف نبيلة .
ولكن هذا لا يضاهي فداحة أن يخضع طفل عجيني لهذا القدر من السيولة التسفيهية التي تتكفل بها " المسلسلات الخليجية بالتحديد " ، وهو الواقع الذي يقاسيه بعض المراهقين هذه الأيام .
تتضاعف الأزمة إذا تكفلت المسلسلات بتغذية المراهق بمعاني الحياة نيابة عن والديه ، هذا يشبه ذلك الذي يتعلم الحب من الأغاني السوقية ، يعيش حياته بانطباعات مسرفة في الضلالة والتيه ، بخلاف الجيل الذي كان يستقي طريقته في الحياة عبر استنساخ قدواته التاريخية أو عملياته التشاركية مع محيطه ، اليوم ينقطع المراهق بذاته وينغمس في محيط افتراضي يتناول عبره رأيه وفكرته عن الحياة .
الأمر لا يتوقف عند خطل المسلسلات ، بل ذلك يجري على بقية الأنشطة التي يتداولها المراهقون وتترك تأثيراً عميقاً في أذهانهم مثل الألعاب والعلاقات العنكبوتية والغرام بها .
ليست المشكلة في مشاهدة مسلسل أو الاستمتاع بلعبة ، ولكن تبدأ المشكلة عند المراهق الخاوي من معاني الحياة ، ولا يجد في مواجهة ذلك إلا فتات المسلسلات التي تحقق لديه إشباعاً في مناطق الوعي الفارغ .
وقتئذ تتحول اللعبة أو المسلسل من هامش للتسلية إلى محور في التغذية ، فتكون المشكلة .
……………
أكبر الحرمان أن يستحوذ على اهتمامك مجرد " شخص " وأنت تبذل من ماء وجهك وعرق شغلك وجملة وقتك في كسب رضاه والسير في هواه .
هذا انتقاص لنفسك ، واحتقار لحقها عندك ، وهو سعي خائب في غير محله ، ورهق لا تنال منه سوى التعب والمشقة ، ثم لا يعود عليك بأكثر منهما ، فإن الوفاء المكلف لا يبذله إلا أهل بيتك وخاصتك ، وقليل ما هم .
كما أنه تقصير في حق الله ، الذي خلقنا لنفنى في الإخلاص له والسعي إليه ، وأن نبذل نفيس وقتنا وغاية جهدنا ونهاية أملنا فيما لديه من المغفرة الوافرة والنعمة الزاخرة .
وإن الذي ضيع حق الله عليه ، فهو لما سواه أضيع من حق نفسه ولزوم كرامته وواجب خاصته .
وقد يزوّر شيطان الهوى ذلك الاهتمام في صورة حب خاطف أو وفاء زائف ، وهو بخس لحقك وتقصير لجناب الله ، وتفويت لما يليق بك من المرامي العظيمة والأهداف الجسيمة .
وقد رأيت نفراً من البشر يصرفون لمن تعلقوا بهم فروض الطاعة والولاء ويبذلون " لعيونهم " أعظم صور الوفاء حتى تكاد تراه يقتفي أثره كالتبيع ويخبت لديه كالمذنب الذليل ، وهو آمل في استرضائه وعامل على استبقائه ، ولكن تخيب بهم الظنون وتنكسر شهوتهم في المواصلة وتتنكب طريقتهم في المجاملة .
وإني أنبذ ملامتهم وتأنيبهم ، لأن ذلك جزء من البلوى التي يستعاذ بالله من ضروبها ويحمد على العافية من نشوبها ، وقد يكون ذلك نتيجة لفراغ الإنسان من المعاني الفاضلة فنكص على عقبيه وابتلي بما يؤذيه ولا يرضيه .
وإن الإنسان قد يسرف في غوايته ، ولا يرى من نفسه تجاوزاً عليها أو بخساً لحقها ، ولذا وجب على المخلصين له والمحيطين به إيقاظه من غفوته وتنبيهه إلى زلته ، فإن المؤمن مرآة أخيه .
وقد تبذل له النصيحة ويتهمك بالنية الفاسدة والإيقاع بما انصرف قلبه إليه ، فلا تثريب إنها من تمام الغفلة وانغلاق البصر ، ولكن الاستمرار في طرق الباب يثمر الجواب .
……………
يأتي ضعف الإحساس بالمسؤولية من عدم ممارستها ، لأن تلقين الجيل بقيمة مسؤولياته تجاه وطنه ونفسه ودينه لا تضيف إليه شيئاً إذا أبعده المجتمع ومن واقع الاستخفاف بالشباب عن مواقع القيادة والتأثير .
يعيش الجيل الشاب حالة من التراخي الذاتي نتيجة إهماله وتسيبه تجاه واجباته المتعددة ، وذلك لأن غيره يتحمل كلفة التقصير ، فلو شعر الشاب للحظة أن الإهمال سيعود عليه بالتأنيب أو العقاب سيبذل أقصى جهده واستطاعته للقيام بالواجب وتحمل المسؤولية .
وهذا لا يعني نفي أهمية رفع مستوى الوعي لدى الجيل تجاه مسؤولياته المتعددة ، بل هي عملية متكاملة تبدأ بالتنشئة وتنتهي بالممارسة والمباشرة لتنتج مجتمعاً شاباً مفعماً وقادراً على تحمل مسؤولياته ومواجهة تحدياته .
كما أن مباشرة المسؤوليات ، وتنصيب الشباب في مواقع القرار والنفاذ يرفع من قيمة انتمائهم لكل الكيانات والأطر التي تضمهم ، وهذا يعني أن المشاركة في تحمل المسؤولية ترفع من فعالية الانتماء الشعوري والمعنوي لدى الشباب .
……….
إذا فقدت صديقاً أو خليلاً بفعل الموت أو السفر أو مشكلة من نوع ما قبل خمسين عاماً ، سيكون نسيانه صعباً ، وستحتاج إلى طقوس مختلفة لتحصل على حياة خالية من ذلك الرفيق ، ستظهر فيها أقصى ما تستطيع من الاحترام والتقدير والألم على فراقه .
لو حصل ذلك اليوم ، فإنك لن تحتاج أكثر من أسبوع لتلتئم حياتك مجدداً وكأن الله لم يخلق لك ذلك الآدمي الذي كان صديقاً أو شقيقاً ، واليوم أصبح في طيّ الغيب أو الغياب .
لماذا ينسى الناس الآن بسرعة جنونية ؟
اعتقد - وعلى حد محاولتي المتواضعة للفهم - أن جيلنا المعاصر يعاني من " تسطيح المشاعر " .
وذلك لأنه وبفعل الانفتاح العلاقاتي الكبير والتقنيات الاتصالية الضوئية ، تتكون لديه المشاعر والانطباعات تجاه الأشياء والأشخاص دون أن تحصل على الوقت الكافي للنضج .
أصبحت علاقاتنا ومواقفنا بفعل هذا الانقلاب الاتصالي والثقافي أشبه بالوجبات السريعة ، من جهة سرعة اختمارها وإنضاجها وأضرارها ، وهذا يتسبب تقريباً في عمليات التعلق والارتباط والانفصال والنسيان المتعجل .
ليس للمسألة علاقة باستمراء الخيانة أو الميل للطباع اللئيمة ، ولكنه تعبير عن مستوى التأثير الذي تتركه حمى العصر داخل المجتمعات الهشّة .

المجتمع البدائي يحصل على منتجات معلبة من مواقفه تجاه كل شيء ، إذ تخلق حالة أخرى من " تسطيح الوعي " ، هل ينذر هذا بخطر من نوع ما ؟
أعتقد أن هذا يسهم في بناء مجتمع مختل وبسيط جداً بالنظر إلى تحدياته الداخلية والخارجية ، لتقريب الصورة أكثر بإمكانك النظر إلى الموقف الثقافي والاجتماعي من " عاصفة الحزم " التي تخوضها السعودية ضد خطر إقليمي ماحق .
يختصر المجتمع عبر وسائط التعبير المختلفة حرب بلاده ضد مرتزقة الحوثيين في مجرد طلعة جوية تنهي القلق وهو غارق في أغانيه ، بينما المسألة لها خلفية سياسية معقدة ، وكونها سياسية بحتة يشعر بعض المغرمين بدور ديني مبالغ فيه ، يشعرون بالانتعاش لأنها حرب ضد الشيعة في ظنهم ، وهي أبعد ما تكون عن ذلك .
حالة من تبسيط المسألة إلى أكثرها انطباعاتها انحرافاً وانتكاساً ، وهي عينة من آثار التسطيح الذي تتعرض له المجتمعات المنفعلة بالعصر ، تلك التي تعيش على حافة الاستهلاك الذي يبلع ولا يشبع .
…………………
قبل قليل ناقشني صديقي حول قضية " تكاليف الزواج الباهظة " وذكر أن نقاشه امتداد لحديثه برفقة زملائه مع أستاذه الجامعي ، وذلك بناء على خطاب من العمادة لتفعيل النقاش في الموضوع ، بالتزامن مع ندوة ينظمها القسم حول الموضوع نفسه على هامش مبادرة للتعليم العالي في صلب القضية .
بالنظر إلى القطعة السابقة ، كم مرة حدث نقاش حول القضية ومن كافة المستويات ؟ والنتيجة تتكور كصفر متجانب لا قيمة له ، وكم حدث أن قتلنا مشكلة معينة بالنقاش والجدل والتباحث الممل دون أن يكون لكل هذا أثر تراه العين أو قيمة يشعر بها الناس .
إن ذمّ النقاش المفصول عن تفعيل نتائجه ، ولوم الحوار الذي ينتهي إلى رغبة في العودة إليه ، جزء من مهمة جادة للانتقال بنقاشاتنا من طور العبث والملهاة إلى طور العمل وواقع الحياة ، وخطوة فاعلة باتجاه الكف عن مجرد الغث الذي نمليه في المستندات ونخطه في الصحف والمقالات ونجعجع به في الندوات والقاعات .
يحدث هذا في مجتمعات الكسل والخجل ، الكسل عن تحدي الواقع والخجل من مواجهة الحقائق ، بينما ينعم مجتمع العالم الأول بمتتالية إنتاجية لا تهدأ قبل أن تصل إلى اختبار المأمول وتمكين المعقول .
تعيش مجتمعات العالم الأول حالة من التحسن المستمر ، ترفدها مجاميع النقاش المثمر ، إذ تحصل نتائجه وتوصياته على الحق في اختبار جدواها أو تفعيل إمكاناتها ، ولذا لا يتوقف عن التطور ، وقتئذ يصبح النقاش جزءاً من عملية التنمية والنهضة الدائبة ، وليس مجرد تسلية مترفة لتمديد المشكلات .
ولأن مجتمعنا يتوقف بقضاياه عند الإفراغ من شهوة الكلام ، تجد مشاكلنا فرصة كافية للاستفحال والتطور ، وهو إذ يملك قوائم من الحلول العبقرية يعاني حالة من التوقف ، لأن رأس البلاء في قبضة الممسكين بمفاصل المجتمع والنافذين في سياساته واستراتيجياته .
كما أن نقاشاتنا - تقريباً - تحدث خارج إطار المواجهة الشجاعة مع ثقافتنا ، وهي إما أنتجت حلولاً مثالية منزوعة من واقعيتها أو أخرى ممالئة تحايث سقف الرهبة من ردة الفعل ولا تملك الجسارة الكافية لمنابذة الجهل والتخلف والرجعية ، ولذا تصبح الحلول جثثاً هامدة لم تنفخ فيها روح المبادرة والمنازلة .
……………
لأن الدنيا دار مرور ، فإن الكتابة تخلق لك مروراً غير عادي .
تحتفظ ذاكرة الزمان بالأشخاص في أشكال متعددة ، في موقف سياسي مفصلي ، لحظة تاريخية فارقة ، منجز صناعي عظيم .
وحده الكاتب يقبع بفخامة فوق رف التاريخ ، سيما الكاتب البارع ذو الخيال الواسع والقلم اللامع والثراء المعرفي الرائع .
تتحكم الظروف والمعطيات في تضمين الأشخاص ذاكرة الزمان ، الكاتب يخلق ظروفه ويستنطق أسبابه ويملك حيزه من التاريخ بنبوغه الشخصي واستحقاقه الذاتي .
لا فضل لأحد على الكاتب ، سوى نفسه ، اجتهاده الشخصي جعل من مروره على وجه البسيطة غير عادي .
رجال التاريخ الذين يستعصي النسيان على مغالبتهم ، تتدخل ظروف خارج إمكانهم في منحهم صكوك البقاء في رفوف التاريخ ، الكاتب يصنع ذلك بنفسه ، يعتقد وبملء قناعته ومن صميم سره الدفين أن التاريخ يحتفظ بذكر الأشخاص غير العاديين ، والكتابة تعطيك بقاء مشرفاً لأمد أطول من عمرك اليسير وحضورك الآخذ في التلاشي .
يعتقد الكاتب الذي أوتي من العلم والدراية ما لم يؤت غيره ، أن العالم مزدحم ، والدنيا لا تكف عن ولادة الأشخاص ، وهي غنية عنهم ومكتفية بسواهم ، قدرتها على النسيان تساوي استطاعتها إنجاب المزيد من الآخرين ، ولذلك يطور من سر خلوده وموهبة استقراره ذكراً باقياً راسخاً مركوزاً في الأرض .
الكاتب وحده ينشغل بفكرة الخلود أبعد من مساحة العمر ومسافة العيش وطول النفس ، آمن بكون الدنيا محطة عبور لما سواها ، وأن الحياة تسكن في معنى آخر غير هذه الأيام المثقلة بالصوارف .
سواه من النابغين يحدث أن يحتفظ بذكرهم صدفة ، الخلود يأتي نتيجة جهدهم وإخلاصهم وإتقانهم ، يبقى ذكرهم في شكل منجز استهلاكي ، أحياناً ينطوي ذكرهم ويبقى منتجهم ، ولا ينادى بأسمائهم إلا لمجرد التأريخ أو المجاملة .
الخلود للكاتب يتحقق نتيجة إرادة ذلك وقصدانه ، البقاء مسألة أصيلة في تفكيره وأولوية في سلم سعيه وجهده ، والنجاح بالنسبة إليه هو الوصول متعمداً وليس هدية في عرض التاريخ تتوج جهده .
الفرق تقريباً في النوايا ، والإنجار في القدرة على الوصول المتعمد والمقصود لذاته ، وهذا لا ينفك عن لازمة الصدق والإخلاص والجهد والسعي الدؤوب الحثيث ، الذي يحف مسيرة الكاتب ويحيط به .
تضطر الأجيال المتعاقبة العودة إلى مدخرات الكتاّب ، تستمطرها لمعالجة الواقع ، تبحث داخلها عن مفاتيح تستبطنها النصوص العظيمة والخالدة ، وهذا يعطيها مزيداً من جدارة البقاء ولأصحابها وجاهة الخلود .
إيمان الكاتب بقصور العمر عن مطاولة الحلم بالخلود ، تحرضه على البحث عن سر في شكل نص باقي وجهد كتابي سرمدي ، يهيء كل إمكاناته واستعداداته للحصول على هذه النتيجة .
إن محاولاتك لتصبح كاتباً باقياً في الأرض رغم زوال جسدك ، عملية مفاوضات دائبة لتعديل ميثاق الحياة بما يعطيك مزيداً من الوقت لتعيش أكثر ، تضطرب طاولة عمرك للتوقيع على ملحق إضافي على معاهدة الحياة بما يمنحك تمديداً لفرصة البقاء أكثر .
تبدو فكرة مروعة مسألة أن العمر قصير والحياة لا تدوم والدنيا إلى زوال ، هذا واضح جداًبالنسبة إلى الكاتب ، لأنه يعرف قيمة الحياة ويفهم المعاني التي تحيط بها وتنقض عليها ، وهو يبحث وفي حقله الكتابي عن خارطة الخلود وسر البقاء ، يظهر وكأنه أقرب من غيره ، تلهمه الكتابة بالأسباب ، الحقيقة تعمل العلاقة وكأنها مناجاة أو تفاهمات تنتج في شكل مكتوب .
يجهد الكاتب في البحث عن تفسير لهذا القلق ، عملية المخاض هذه تقوم بتطويقه وصهره من الداخل ليصوغ كل ذلك في أطروحاته المكتوبة ، ينفثها في حروفه ، يتخلص منها ويسكبها في كلماته ، يستريح قليلاً كما يفعل المحارب ، ثم يراوده القلق مجدداً ويبدأ في رحلة جديدة من دورة العمر الباحث عن سر للبقاء .
هذا القلق لا يخص الكاتب وحده ، هو الوجه الآخر من عملة حب الحياة والتعلق بالدنيا ، الفرق أن الآخرين يفتك بهم القلق وينصرفون منه إلى العبثية والفوضى أو استهلاك أكبر قدر من المتع ، في مسار أقرب للهروب أو الانهزام والاستسلام ، الكاتب يحاول أن يخرج من ذلك بانتصار ، أو اتفاق مصالحة يحتفظ للطرفين بحق الوجود والورود .
الإنسان الأول ( إنسان الفطرة ) يعيش بأقل قدر من القلق ، يتلوه العفوي جداً لدرجة الإهمال والغفلة ، ثم إنسان العصر الذي يعيش حياة مختطفة لا تمنحه فرصة التفكير وتبتلعه بقسوة صوارف الطريق ، يعاني القلق ولكن لا يواجهه .
الكاتب الذي لا يواجه قلقاً من نوع ما ، يبحث عنه وربما ينفخ في روحه ليحصل على دافعه للكتابة ، ومؤدى ذلك الحصول على حياة دائمة تقريباً ما بقي لأثره من فاعلية ولنتاجه من قوة وحضور .
الكتابة تحتفظ بك طويلاً ، تختزن تفاصيلك وكأنك حي ترزق ، تسري روحك في عروق كلماتك وأفكارك ، تعيش منتصبة بقدمي التجدد والتدفق ، تمد من عمرك آماداً بلا انقضاء وأزماناً بلا انتهاء ، والدوام للحي القيوم الذي لا يموت .
………………
فرق أن يكون الانفتاح سابقاً على التنمية ، وأن تكون التنمية ضيفاً ثقيلاً على الانغلاق .
بإمكانك أن تزور مدينة تنام في غرب المملكة أو شرقها ، أو أخرى تقبع في وسط المملكة أو جنوبها ، لتلمس الفرق الجائر بين مجتمع تدرّب على الانفتاح قبل أن تحلّ فيه التنمية ، وآخر يشتري التنمية في شكل منتجات صناعية وهو على نفس المستوى من الانغلاق ؛ وقتئذ تصبح التنمية مجرد مضاف صبغي لا يعبر عن هوية حقيقية .
وهذا ينتج مجتمع التضاد الحضاري ، التناقض في أبشع صوره ، " الدرباوي " ممتطياً مقعد سيارة فارهة " يفجر إطاراته " في شارع يتقمص هوية شانزلزيه باريسي ، أو الحفاة العراة يتسكعون في " مول تجاري بماركات فاخرة " ضمن بنيان متطاول .
مدن الانفتاح السابق على التنمية ، قابلة للتعايش ، يعمرها الإنسان المتحضر قبل شوارعها المرصفة ، لا تؤمن بنمط المجتمعات المنكفئة والمتعصبة لسلالتها ، لا تلفظ الطامعين في الالتحاق بديمغرافيتها ، لا تمارس رفضاً للمقبلين إليها ، تبتلعهم بطريقة مهذبة تصهر بدائيتهم في رحى مدنيتها المتقدمة .
وهنا يبدو الفارق بين تنمية تكون نتيجة طبيعية لإنسان واعي ، وبين أخرى تختلقها صدفة عابرة أو طفرة لا تدوم طويلاً .
………………
الوجع يقربنا إلى الله زلفى .
على الأقل يذكرنا به ، يذكرنا بمسؤولياتنا الجادة تجاه الحياة ، وتجاه أنفسنا .
نغتسل بالوجع أحياناً من غبار الأيام الذي يغشى أبصارنا ، ويتراكم كحجاب عن قائمة أولوياتنا .
الوجع جزء من منظومة الألم الذي ينتمي إلى فصيلة الأحزان ، الحزن شقيق الفرح ، اليأس قرين الفأل ، وسوى ذلك من متقابلات الحياة .
مجموعة المعاني الأولية التي تنبني عليها دنيا الناس ، تبدأ منها وتنتهي إليها ، تأخذ بيد ذلك السادر في حياته حدّ الغفلة ، المقبل على دنياه حدّ التعلق .
الفرح والحزن على حد سواء ، عندما يحيط بنا يقدح في أذهاننا حجم التقصير ، يجدد اتصالنا بملكوت السماء ، يحدث هذا عند الوجع الحاد أو الفرح الصاخب .
المرة التي ينهمر فيها الفرح باندفاع ، نردد بلا وعي مفردة " الحمد لله " ، نطبع قبلة السجود للأرض ، يحدث عند المطر ، يوم نرفع رؤسنا لاستقبال القطرة الأولى منه ، نتفحص مصدره السماوي ، قبل أن يهطل بغزارة على قلوبنا المعقودة بالشكر والوحدانية .
يحدث عند وخزة الألم ، نلهج باسم الله ليسعفنا في لحظة احتياج ، نلحّ عليه ، نتذكر ضعفنا وافتقارنا إليه ، نتنازل عن كبريائنا المزيف ، نتوب عن غوايتنا المسرفة ، وعن تعالينا الذي استنزف آخر جدارة برحمة الله وعنايته ، ونعود متواضعين منكسرين على أعتابه .
تبدو الدنيا تافهة في نظر المحزونين والفرحين ، أو تبدو على حقيقتها تقريباً ، مجرد فرحة خاطفة تذيب جمود اليأس في قلوبنا ، أو وخز وجع شاحب يكسر جلمود الغطرسة داخلنا ، والدنيا بينهما أقل من حزن وأبعد من فرح .
تلك القلوب العامرة بالوجع ، والخربة من إدمان الفرح ، تعيش الحياة بصدق ، الحياة عارية من الزيف ، وتنتظر آجالها بصدر واثق ، تواجه مصائرها بظن أحسن من واقعه وأمل أكرم من بخل الأيام وعسف الليالي .
……………
أعطاه الحق في انتهاك محرماته ، جعله خارقاً لخطوطه الحمراء ، هاتكاً لأستار خصوصيته ، منفرداً بامتيازه المقدس المطلق لفض إطاره المغلق .
يبدو ذلك جزءاً من صفقة العلاقة الوثيقة التي تربطهما ، نتيجة لعملية الشراكة التي تجمعهما ، لا يزيدها الوقت إلا تماسكاً والعمر إلا غلظة ومتانة .
يقف الحظ إلى جانبهما دائماً ، أو التوفيق ربما ، ففي كل مرة يفسد التعود أو عوارض الطريق علاقتهما ، تلتئم مجدداً عبر صدفة معقودة بحكمة في طيّ الغيب ، حتى أصبحت نية الاستئناف مقدمة على طوية الفراق ، وأصبح التصميم على 
الاستمرار قائماً على كفوف الثقة رغم أنف الظروف والخلافات الجانبية التافهة .
كلما تقدم العمر بهما ، أصبحت العلاقة أكثر نضجاً ، وكأن الوقت يضيف إليها سحره في الثبات والتماسك ، تجاوزت العلاقة مرحلة اضطراب البدايات وخجل التردد ، والشغف القديم لا ينفك يراودهما بموجات أكثر تدفقاً .
كلما أطل أحدهما على مشوار العلاقة عاد متواضعاً في طموحاته ، وكأن الماضي استغرق كل إمكانات الود والوصل ، لكنه تواضع مشوب بالتصميم الجازم على المواصلة وكأنها قدر محتوم ومآل محسوم .
يبدو وكأن تواضع الطموح شريك في صلب العلاقة ، العفوية في رأس هرم المكونات السحرية ، الصدق أحياناً يطل رغم ضعف مبرراته ، قائمة الانتظارات قصيرة جداً ولا تكاد تذكر ، هذا يجعل العلاقة غير مكلّفة ولا تتطلب جهداً مضاعفاً للحصول على البقاء .
أصبحت العلاقة بفعل الوقت أقرب إلى تقليد يفرض حضوره على الجميع ، من بينهم الرعاة الأجانب الذين تتراجع حظوظهم في التدخل لإفساد الود أو تعكير صفوه ، لا أحد من الخارج لديه الحماس لمراغمة هذه العلاقة أو الطموح لمزاحمتها ، المرة الأخيرة كانت منذ فترة طويلة جداً ، وبعدها أصبح الجميع على اقتناع أن الطرفان يؤمنان ببعضهما إيماناً لا يجايله شك ولا يطاوله حسد .
يبدو وكأنهما يمتلكان جهاز علاقات عامة يدير مسألة التفاهم مع محيطهما ، فالعلاقة لا تثير استياء أحد ولا حنقه ، حتى المقربين جداً ممن كان يحمل ألوية اللوم أصبح يشعر بفضل التماسك والديمومة أن المسألة لا تستحق كل هذا التعب والعتب ، وأن العلاقة لا تثير الكثير من الغبار والانزعاج في وجه الآخرين .
الأمر نفسه بالنسبة لطوابير الطامعين في أحد الأطراف ، كان جهاز العلاقات العامة يتكفل بامتصاص الاندفاع والجموح القادم من خارج إطار العلاقة ، وتنتهي الحرب الباردة بالرايات البيضاء وخيبة واسعة تكسر آخر أمل في اهتبال متعة عابرة .
هذا فيما يخص الخارج ، في الداخل لا قلق من أسئلة المستقبل ، حتى استدعاءات الشك في بعضهما التي ينسجها الشيطان تموت في مهدها ، كان أحدهما يطفئ حرارة الريبة بمفاجآت اليقين العفوية ، ويذهب بقلب صاحبه من عمق الشك إلى راحة الثقة .
يتقدم طرف على آخر في شكل أقرب للقوامة ، يعترش صديقه ويدير كاسات الحصص العادلة ، ترتيب تفرضه ظروف السن والخبرة والتسليم الرضيّ ، ولأن دوام الحال من الحال ، أصبح التنافس عاملاً مقلقاً لإعادة ضبط التوازن ، تساعد المرونة في حل الموضوع مع قليل من التفاهم تصبح القضية ناجزة على نحو يرضي الطرفين ويعيد العلاقة إلى سكة المواصلة .
………………
حاول أن تمحص انشغالاتك اليومية ، تلك النشاطات المتكاثرة التي تقوم بها بشكل مزعج ولا ينقطع وكأنها من ألح واجباتك وألصق اهتماماتك .
الحقيقة أنك لحظة تقرر التأكد من لزوميتها ، أو تقرر الظروف نيابة عنك ذلك الاختيار ، ستتساقط أمامك كما لو أنها مجرد عبث ونتيجة الفوضى في ترتيباتك .
تخصم الكثير من رصيد يومك في هذه الارتباطات التي تتوهم قيمتها وتبالغ في الاهتمام بها ، يذهب الكثير من الجهد والتركيز والوقت في سبيل ذلك .
ترتيب أولوياتك والتخلص من كومة الارتباطات ذات القيمة المتخيلة يساعد في رفع فاعليتك وتحقيق إنتاجية عالية ليومك وبالتالي يرفع من قوة حضورك ويفعم حياتك .
………………
أسأله كيف تكتب عن الناس بهذه الدقة ، كيف تحاور النفس وكأنك تسكن في حجراتها ، وعن العقل وكأنك جزء من خلاياه النابضة بالتفكير ؟
قال : أستمع لهم كثيراً ، وقد قضى على آخر رغباته في الحديث عن نفسه بالزهد في ذلك .
ولذا أصبح منصتاً جيداً للآخرين ، مذ عرف أن الناس تتوق لمن يستمع إليها ، تتعطش لذلك الذي يتنازل عن حصصه في الحديث والاستعراض لصالح آخرين ، موجعين ، أو متغطرسين ، يعتقدون أن اللسان خلق من أجلهم .
هو يفعل ذلك ساخراً أحياناً ، من أولئك الذين يفتضحون نقائصهم ويفضون بدفائنهم في عرائس الاستعراض والتفاخر ، يعتقدون أنها الطريقة المثلى لنيل إعجاب الناس وتقديرهم واحترامهم ، والحقيقة أنها ليست أكثر من مجرد انكشاف للعورات وانسدال للسترات .
وهو يفعل ذلك شفقة أحياناً أخرى ، لجماعة من الموجوعوين الذين يجدون في الحديث شفاء ودواءاً ، ولا يكون ذلك إلا بمستمع مجيد ومتعاطف نبيل ، يتظاهر بالاهتمام ويفصح عن بعض المواساة الخجولة .
عندما يجد الإنسان من يستمع إليه جيداً ، لا حدود لما يفصح عنه ويدلو به ، يبدو وكأنه يتحدث مع نفسه ، يتحدث بشفافية عالية ، بصدق ، بصراحة مطلقة ، حتى المرات القليلة التي يحاول فيها التبرير لنفسه أو الدفاع عنها أو التجمل بما ليس منه ، ينكشف من جانب آخر ويجلو عن جزء مخبوء وراء قناع زائف .
في حالات الحديث المنهار يتكشف المرء أكثر ، يصبح اليائس أكثر صدقاً في ضعفه ، والناقم أكثر تصميماً على أحقاده ، دورك لا يخولك أن تستغلهما ، ولكن أن تتحلى بالنبل والأمانة لتأخذ بيدهما إلى بر القرار .
مع الوقت تصبح واحداً من جيران قلبه ، تكتسب المزيد من مهارات الاستماع الجيد ، تضيف إمكانات جديدة إليك ، وستضاف إليك أوجاع من نوع خاص ، وزهد في الناس ، وينخفض لديك الحماس لانتظار مفاجآتهم السارة والسلامة من خيباتهم الضارة .
….…………
لقد وجد نفسه !
هذه المرة في شكل شريك يتقبله ويؤمن به ، يتلو عليه كل صباح آيات الوفاء المستمسك ، ويبذل له كل مساء فروض الطاعة ، ويجدد له العهد الغليظ بالبقاء والاستمرار إلى جانبه وهو يصدق مثل كل المرات التي تزينت له في شكل صفقة عمر للأبد .
وهو في طريق البناء على شفا حفرة الثقة السافرة ، يشير ببنانه إلى ملامح فارسه الجديد ، فهو أكثر إشراقاً وألذ اعتناقاً وأحضر وفاءاً وأشد ولاءاً .
لم يقتنع بعد أنه يشبه سابقيه ، مجرد محطات للعبور ، ممرات لتزجية الوقت وتمضية الحياة ، وأن الإنسان سيجد نفسه عندما يكلها إلى بارئها ويسترشد بهداه إلى ما يليق به ويرضي مولاه .
يجد نفسه يوم تستوي عنده النفوس زهداً ، وتستقيم له المعاني الفاضلة منتصبة بين ناظريه ، يحج إليها بخيله ورجله ، طلباً للمجد الباقي والذكر العاطر والنجاة من جنة الدنيا وجحيم الآخرة .
……………
الحب معنى تجريدي في ثقافتنا ولغتنا ، نستخدمه بشكل مكثف في الأغاني والرسائل الالكترونية وعلاقاتنا العابرة بطريقة عبثية تنتهك هذا الشعور .
لا أحد يباشره ، الجميع يسمع عنه ، أو به ، ويتحدث وكأنه يعيش أجمل قصصه ومع أغزر خلق الله حناناً وجمالاً .
والحق أننا نعيشه بطريقة مثالية ، نتعامل معه وكأنه شعور متسامي - على حقيقة هذا المعنى - ، ولكننا نبالغ في ملائكيته بشكل يستبعد تأثير بشريتنا على تعاطينا معه .
لم يكن السؤال عن الحب مثيراً للقلق والحرج والارتباك كما يحدث اليوم ، فضلاً عن الاعتراف به أو مواقعته ، كان صورة من النبل والعفة والفروسية ، ومع ذاك كان مباحاً ومنطقياً وقابلاً لخيبات الإنسان وضعفه وانهزامه ، كان جزءاً من الحياة قبل أن يكون متعالياً عليها .
يبدو وكأن الحب آثر الفراق ، وأصبح يأنف من المكث في بلاد المنطق المخروب والواقع المكذوب .
كل هذا ينفخ في صورة الحب لدينا ، يزيد من مباعدة تصوره وإقصائه عن الواقع أو مطابقة المشاعر ، حالة العصرنة التي تطال كل شي في شكل استهلاكي وتعميمي تزيد من حالته الضبابية والسرابية .
الحب مسألة قريبة من النفس جداً ، سره وقوته كامنان في عفويته وغموضه لآن معاً ، أننا نشعر به ولا نقبض على تفسيره أو تأطيره في اتجاه معين .
يمكن أن تجده في أشيائك البسيطة ، أن تبادله محيطك المتواضع ، أن يشع من داخلك ويعود وهجه إليك ، ويمكن أن تخوضه كتجربة تستحوذ عليك ، أياً كان ولمن كان اتجاهه .
ولأننا تورطنا في تعقيده أو تسطيحه ، فإننا نعيشه في مجرد خيالات واهمة وتعبيرات موغلة في مفارقة الواقع ومفاصلة مشاعرنا الأصيلة ، أو نعبث به بطريقة مسفة ونتعجل ارتباطاته التي نظن بها غاية الحب ومنتهاه .
يبدو لك وكأن الحب أكثر المعاني انتشاراً ، وأقلها استشعاراً ، انظر كيف يبديه الصبيان وكأنه ملك شغافهم واستأثر بأفئدتهم ، وانظره وهو أبعد ما يكون عن محيطنا الجاف وواقعنا الكالح ، وكأننا نزيح الحياة ونعيش في الافتراض ، ننسحب من الواقع ونسكن في الخيال ، نجففه من أعماقنا ونطرده من أذهاننا ونسكبه في مبادلاتنا الإلكترونية وهديرنا العنكبوتي ، هزلت !
…………………
احترم خصوصية الآخرين ، تلك المساحة المتوخاة لمنع تداخل المسافات أو اختراق المحرمات ، ادفع الآخرين لاحترام خصوصيتك ، حافظ عليها من اقتحام الفوضويين .
هذا يساعدك على خلق مساحة شخصية مستقلة ، تنفرد داخلها باستكناه جوهرك واستنطاق باطنك ، يعطيك فرصة الالتقاء بذاتك والاعتكاف عليها ، ويعطيك الكثير من الهدوء والاحترام الشخصي والانسجام .
علم أطفالك ذلك ، واخلق لهم خصوصية يحافظون عليها ويتمتعون بالحرية داخلها ، دون تدخل أو تطفل منك ، اجعل هذا جزءاً من مبادئ التربية والتنشئة لديك .
" الخصوصية " حاجة فردية أصيلة وهي تعبر عن واحدة من التقاليد المتحضرة وليس تصرفاً رجعياً يعبر بالضرورة عن الانغلاق إلا إذا كانت مجرد مظهر زائف ينطوي على تقدير مبالغ للقيم الذاتية .
هي جزء من اللباقة والاتكيت الاجتماعي المتمدن ، إنها مساحة زمكانية محرمة لغير المعنيين بها ، منطقة محظورة لا تتاح إلا لصاحبها ، وهي صورة من عبقرية إدارة المسافات .
يعاني الشخص الذي تستباح خصوصيته من تنفذ الآخرين ، يفوت عليه طابعه الشخصي في تفكيره وسلوكه ، يعاني من غربة داخلية وقلق وانزعاج يصدر عن زحام الأغيار في أعماقه .
تستطيع أن تكتشف ذلك عبر سلوكه المتداخل وتصرفه المرتبك الأقرب للسذاجة ، فهو يفصح عن ما يليق به الكتمان ، أو يتصرف دائماً وكأن أحداً ما يطارده أو يقرعه ، فضلاً عن استمراء التنازل عن حقوقه ومسؤولياته أو الاستضعاف والإلحاح على استصحاب معيل يعضده .
احترم خصوصيتك أولاً ولا تقتحم خصوصيات الآخرين ، هذا يرتب حياتك بطريقة متحضرة ومؤثرة .
……………
التقنيات الجديدة ساعدت في تسريع ممارسة الكتابة ، فأصبح بالإمكان أن يتحول " هاتفك " إلى مدونة متنقلة ، تفزع إلى " الملاحظات " وقت ورود الخاطر وتسكب ما تجود به القريحة .
ويبدو هذا مفيداً لحفظ سوانح العقل وحماية لمع الفكر من الضياع والنسيان ، كما أنه يجعل الحروف قريبة العهد بالفكرة ، فتكون قبساً من توهجها الأول وجذوة من مطلع شرارها واشتعالها .
ولكن هذا لا يعطيها فرصة كافية للاختمار والتخلق قبل أن تنحبس في هياكل الكتابة ، يضيّق من عمرها الذهني ويعجّل بحضورها اللفظي قبل أن تحين فرصة ولادة ناضجة ومكتملة لها .
وتقنية الكتابة الحديثة استتبعت تقنيات جديدة للنشر والذيوع ، زاد في إضعاف الإنتاج وتوريطه في دوامة الاستعجال والحماس الأعمى للوصول إلى الناس .
تبقى التقنيات ذات فضل على البشرية بتوسيع شعبية قطاع المعرفة وتعميمها ، ولكنها أخفقت في بناء المنظومة المتماسكة والمتينة التي تمتلكها النخبة المحتكرة لأدوات عملانية دقيقة وشاقة .
أصبح ميدان الكتابة عرضة لاقتحام أقلام من غير أهلها ، وأصبحت الكتابة في ظل هذه التقنيات دارجة ومتداولة لدى قطاع المجيدين والمتطفلين معاً ، وربما استحدثت لغة وسيطة لتستوعب حجم التفاوت وتقرب وجهات النظر ومسافات التنائي الفكري واللفظي معاً .
ومع عملية التسريع التقنية التي تكاد تطأ كل شيء انخفض الحماس لتجويد الأفكار ، والتمكن من أدوات الكتابة ، وتمحيص المواهب وتطوير القابليات ، وأصبح الحبر أندى من الفكر ، والنشر أولى من السبر .
…….………
نحتاج إلى تفعيل " فريضة الخشوع " في كل جوانب حياتنا ، هذا نوع من الاتصال الحقيقي بين العبادات وأمور الحياة ، بين الدين والدنيا .
الخشوع في الصلاة يدرب ذواتنا على الاستغراق في اللحظة ، التشبع منها ، والإحاطة بها ، ولذا كان حظك من الصلاة بقدر ما تتسع له قدرتك للحفاظ على خشوعك وإقبالك ، والخشوع من المهارات المكتسبة بمعنى وجود إمكانية تطوير قدرتك على تحصيل الخشوع عبر المجاهدة والمحاولة الدائبة لذلك ، وهذا صورة مما يجب أن تتركه الصلاة من أثر على الفرد في حياته ومعاشه .
وتفعيل " فريضة الخشوع " في حياتنا يساعد في ترتيب معيشتنا على نحو منضبط وهادئ ، يستوعب كل لحظة بما يوافق جوهرها ويحترم خصوصيتها ، فنخرج من فرص الفرح مترعين بالفأل والأمل والنشاط والحماس ، ونعالج مساحات الحزن بما يعين على تجاوزها ويستمطر دروسها وعبرها ويضبط ميزان تفكيرنا بمنطق ورود طرفي الأمور .
التقنيات الحديثة والمشاغل اليومية عبثت بانضباط ساعتنا الحياتية ، فأصبحنا نأخذ الحياة من أطرافها ، ونلهث بطريقة عبثية وراء كل مجهول ومرذول وغير مقبول ، والعاقل هو الذي يوطد عرى ذهنه عبر تقنيات مثل الخشوع لاكتساب نمط حياتي منتج ومستقر وسويّ .
وأقم الصلاة !
…………………
العاقل هو الذي يمضي يومه بأقل عدد من الالتحامات ، وأكبر قدر من الالتئامات .
يحاول الحفاظ على هدوئه الداخلي من عبث المتطفلين ، ومن غوغاء المنزعجين من كل شيء ، حتى من مجرد مرورك بجانبهم .
إنها عملية تدريب النفس وتوطينها على تجاوز مواقف الانزعاج ، والزهد في فرص الانتصار العابر للنفس أمام كل المتسببين بمضايقتنا ، يزهد وقتئذ في لوم وتأنيب وتوبيخ أحد .
وهذا ليس من قبيل غض الطرف مع دفن ردة الفعل وترميدها حتى تحين لحظة انفجار مختنقة بالتغاضي المزيف ، ولكنه انطفاء حقيقي لمشاعر النقمة والغضب والانتصار المتسرع ، وانشغال بمواقف الإلف والتسامح والانقطاع للأولويات .
جرب أن تعيش هذا النوع من حياة اليوميات المريحة ، برود متسامح أقرب إلى الإشراق النفسي المنسجم والهدوء الداخلي المريح ، والمريح جداً ، بعيداً عن ذلك التطاحن المرتبك الذي ينتشر ببشاعة في شوارعنا وأمام أجهزة الصرافة وفي طوابير الدوائر الحكومية ، وعلى عتبات المساجد التي أصبحنا نخرج منها باستعداد أكبر للانزعاج بخلاف منطق الصلاة وقيمة الإيمان وجوهر الأديان .
هذا لا يخص شيئاً أولئك الصنف من البشر الذي يكون يومه حافلاً بالصدامات ، ويشعر بالنقص في حال انخفض عددها أو نقصت قائمة انزعاجه من البشر والحجر .
………………
لم تعد الاهتمامات تعبيراً كافياً لمعرفة الأشخاص وقيمة ما يكونون عليه وجوهر ما يؤمنون به ، أصبح الشباب نسخاً متداولة أو يعيشون بطبعات مزورة ومختلقة من ذواتهم .
الزمن الذي كانت فيه الاهتمامات تعبير أصيل عن ذوق الشخص واختياره النابع من قناعته وإمكانه الداخلي أصبحت مجرد تقليد أعمى وتشبّه لا يزيد عن كونه اندفاعاً وراء الآخرين وامتثالاً لسطوة الواقع الدامغ " بالقص واللزق " لا غير .
قبيح ذلك الفراغ الذي يقبض على عجينية الشاب الطريّ والقابل لكل تدخل ، قبيح جداً ذلك التدخل السافر من التقنيات الجديدة وهي تعبث بكل شيء ، حتى لا تقوى منظومات الضبط الاجتماعي على مطاولتها أو مقاومتها .
إنه عصر إعادة إنتاج كل شيء على نحو يحيلهم كيانات من فراغ ، أوعية من اللامحتوى ، وأيقونات بلا نهايات ، تعيش بوتيرة التقولب المطرد بدون هوادة ، تفتك بكل ثوابت البناء التقليدي اللازمة أحياناً لخلق ذوات مستقرة ومنضبطة على أقل تقدير .
العالم يعبث بنفسه ، والأجيال تخسر أزمّتها .
………………
بعض المواقف واللحظات لا تنفع الكتابة حولها .
ثمة لحظات في العمر والحياة لا يمكن تحويلها إلى قطعة مكتوبة ، فهي تفوق الوصف وتتجاوز الرصف .
 تصبح الكتابة معها وفيها إساءة في حقها ، تلطيخاً لبياض عفويتها ، انتهاكاً لعذريتها الشفيفة وانسيابها الحر، انغلاق على إطلاقاتها الحرة ، وإفساد لفضائها وأفقها المنفتح ، الكتابة تحتجزها وتحبسها في مجرد كلمات بلهاء ، لا تطاول حقيقتها ولا تستكنه بواطنها .
مواقف تبقى الصورة أبلغ لساناً من قلم يندلق بمحاولاته القاصرة عن إحاطتها ، واللحظة أجهر وضوحاً وأفصح بياناً من مجرد كلمة متطفلة تنحشر في غمارها ، ويوم تصبح ذكرى فإن العقل يحتفظ بها في صورة ألم أو معنى للفرح ، ذلك لأن الموقف متجاوز لجهاز التسطيح اللفظي الذي يباشر المعاني ولا يحيط به .
………………
أحياناً يجرّك اللفظ إلى عرينه ، وأحياناً يبتلعك المعنى في معينه .
والكاتب يحاول عبر ذائقته ومراسه أن يزِن بين الثقلين ، فإما خضع لسلطان اللغة فأنتج نصاً فاخر البنيان ، أو انغمس في باطن الفكرة وأنجب طرحاً زاخر المضمون .
والقارئ قد يشكل عليه اللفظ الغريب ، أو يرهقه المعنى الغائر ، ولذا كان القارئ جزءاً أصيلاً من العملية ، فبه تزداد الفكرة عمراً واللفظة وهجاً .
كلما حاز الكاتب ذخيرة حية من الكلمات ساعد ذلك في تجويد بيانه ومضاء قلمه وتدفق حبره ، وكلما زاد من مخزونه المعرفي رفع هذا في قدرة عقله ونفاذ بصيرته وحدة تفكيره .
الأفكار مثل طرف الخيط ، تبدو ملامح مشتعلة بالحماس ، تسوقها الأقدار أو الأنوار أو الإبحار ، مسؤولية الكاتب والقارئ على حد سواء أن يمتلكا أدوات تحصيلها وتنميقها وطرحها والعمل بها ، لينعما بعد بإثمارها وازدهارها .
………………
أراك مقززاً وأنت تتقمص أثواباً لا تليق بك ، ولا تنضبط على قياسك أو تتفق مع مقاسك ، ترتدي أقنعة متكاثرة ، فإذا أصبح يوم تناولته وإن أمسى خلعته ، تقف في مقام لا يناسبك وتحاول أن تكون ذاتاً لا تنتمي إليك .
وأنت في سعيك الزائف هذا ، يحترق العمر بين يديك ، ويعتريك إرهاق حاد يكاد يقضي عليك ، ويفتك بك القلق وأنت تبحث عن رداء يشتملك وراحة تحيط بك ، ولكن هيهات وأنت المفتون بالتقليد والمبتلى بالتبعية .
ما بالك ! كل يوم وأنت في شأن ، تجرب كل ما يخطر ببالك ، وتنشط لاقتفاء أثر كل ملفت ، وتهرول عبثا وراء شخوص متناقضة وأحوال متراكضة .
وربما ينبو عنك اللوم إذا كان هذا حالك في مراهقتك وصباك ، أما وقد فعلت هذا وتفعله وأنت تدرج بالقرب من سن الرشد وعلى حافة الرجولة ، فإنك حقيق بالتقريع وجدير بالمحاسبة .
………………
الحياة هي أن تنسى الموت لبعض الوقت .
……………
بعض من يفترض أنهم " أحياء " ، تنقصهم الحياة .
……………
دائرة تركيزك تحدد جوهر ما ستحصل عليه !
فإن كان سعيك للدراسة والقراءة والتحصيل منصبّ على إرادة " العلم " فإنك ستكدس المعلومات في عقلك عدداً ، وستزيد من آفاقها مدداً .
أما لو كان غرضك من ذلك " الفهم " فستحسن اختيار ما تتعلمه وتجيد الإلمام بما تستفهمه ، وربما كان معلومك قليل ولكن نفعه جزيل وأثره جليل .
وهذا الفارق بين الفهم والعلم يغيب عن مجمل المتحمسين للقراءة والدراسة ، إذ ينشطون لزيادة الكم على حساب الكيف ، ويبالغون في مراكمة ما يلتهمونه وانخفاض ما يستوعبونه .
اهتمامك بجانب " العلم " يرفع من نهمك ، ويضاعف من مكابدتك ، ولكنه يؤثر في قيمة ما تحصل عليه ، ويرقق نتائجه ، وهو يتوقف عند حد الدراية به دون أن يكون لذلك استتباعاً عملياً أو استلحاقاً معرفياً .
ولذا ستجد جهابذة العلم يعجزون عن تحليل ظاهرك سطحية ، ويكتفون بسوق كل ما يحفظون عن ظهر قلب دون أن يكون لذلك أي نتيجة تذكر أو فائدة تخبر .
أما تركيزك على " الفهم " يساعد في تحسين سعيك العلمي ، وإكسابك قدرات التحليل والتركيب والتفكيك ، ويحولك إلى شريك علمي فاعل ومؤثر في عملية التحصيل ، كما أنه يعمل على تشغيل إمكانية العلم في إطارها الصحيح ، إذ تصبح مجرد وسيلة ينتفع بها للوصول إلى غاية العمل ونشدان النتيجة .
وعملية التحصيل لا تستغني بواحدة عن الأخرى ، بل هي تحتاج إليها كمحطات ، ما إن تبلغ واحدة حت تطمح إلى الأخرى ، فمن " العلم " تبدأ ثم إلى " الفهم " تنتقل وعند " العمل " تحط رحالك وتمد من أثرك .
وبين العلم والفهم تتفاوت أدوار الأمم في حجم مشاركتها البشرية لإنتاج تقدم علمي أو الإسهام في الحضارة الكونية ، فالأمة التي تقدم العلم على سواه تصدر عن إرث مثقل وواقع محبط ، وهي لا تفتئ تدور في محورها ولا تتجاوز إنتاج المكرور واجترار المغمور .
بخلافها الأمة التي تحتفظ بدور الفهم ، فإن فعاليتها تزيد وتأثيرها يتضح ، إذ يدفعها الفهم إلى استيضاح واقعها بكل عيوبه وذنوبه ، ويعطيها الخطة الناجعة للخروج من ذلك وتمكينها وإحياء دورها .
الفهم ينشط إمكانيات العمل ، ويساعدك في التخلص من ركام العلم الأجوف الذي لا ينتفع به .
إذا كانت منظومة إرادتك مركبة من نية العلم فقط ، فإن كل مضافاتك المعرفية ستكون محرد زيادة في الحمل والمتاع ، أما لو كانت إرادتك مجبولة على الفهم فإن تفصيلات صغيرة من العلم ستتمخض عن نتائج معرفية وعملية عظيمة ومؤثرة .
………………
أصبح يطلب الحد الأدنى من اهتمام الناس ، ربما كان للوقت والعمر والزمن تأثير في تحوير تركيزه مما في أيدي الناس إلى ذلك البسيط الكثير الذي يملكه .
مجموعة من المحيطين ، يبذلون مستوى مقنعاً من التقدير ، يتبادلون منافع ليس منها ذلك الاهتمام المضاعف المتسمي زوراً بالحب .
لقد تدرّب جيداً على انسحاب الأشخاص المقربين منذ رحيل ذلك الذي صرف عليه دم قلبه ، دم قلبه بمعنى غاية ما يستطيع من التعلق والاهتمام ، وأقصى ما يملك من تخيل المستقبل مضافاً إليه الكثير من حضور فتنته الجميلة .
الحقيقة أنه غير منظومة اهتماماته إلى حزمة هواياته الجيدة ، يستقي منها انضباطه النفسي ويرتب عبرها ذبذباته العاطفية ، أصبح يعشق القراءة بطريقة جنونية ، غالباً ما يقضي أيام وحدته بالإغراق في الكتابة ، يضاف لذلك مجموعة واجباته الدينية والاجتماعية اللازمة في حياته وسير يومياته .
لقد انعكست هذه الجدولة المتعقلة على نمط علاقاته وشبكة اتصالاته ، أصبح يتعاطى معها بكثير من الاعتدال والموضوعية ، كما زاد قائمة جديدة من الاهتمامات التي كان يتناولها باقتضاب ، أصبحت الآن ممتعة بمجرد إعادة ترتيبها بشكل لائق .
لقد أصبح آية مرجعية في هذا الشأن ، يستفتيه المحيطين به للحصول على نسخ من الحياة المطمئنة ، يقوم بتوزيع توجيهاته شفاهاً للناس ، وهو يعرف في قرارة نفسه ، أن حياة كل فرد خاضعة لظروفه وتعاطيه معها ، وأن الإنسان يعيش واقعاً متقدماً بخطوة على الافتراض ، عدد الخطوات يتأثر بجهد المواءمة الشخصية للمسائل .
في قرارة نفسه نقيض ما يدليه للآخرين ، يشعر ومن صميم تجربته أن الواقع يبطش باختيارات الإنسان ويعصف بها ، ومسؤوليتنا النبيلة تكمن في البحث جاهدين عن نسخة حياة نطبعها بحبرنا الخاص وعلبة ألواننا الفريدة .
………………
قبل أسبوعين فقط ترك عادته المفضلة التي رافقته منذ ثمان سنوات تقريباً ، ترك " السهر " وأصبح ينام مبكراً جداً ويستيقظ مع الفجر .
يبدو الأمر مملاً جداً ، ويبعث على السخط ، النوم المبكر أبله ، أصبح مثل آلة بخارية كريهة ، تبتلع الماء وتضخ دخاناً محملاً بالغيظ من الرتابة .
فقد قدرته على التفكير ، جف قلمه وانحجز الحبر عن الكتابة ، ربما كانت المشكلة مجرد انزعاج شخصي من تبدل العادات ، فالإنسان يكره تغييرها ويستثقل ذلك جداً .
ولكن يبدو الأمر أبعد من ذلك ، الحقيقة أنه مع النوم الباكر أصبح أكثر انتباهاً ونشاطاً ، مرتباً من النوع المتوسط ، ذهب الشعور بالصداع ، ولكن الصداع مفيد أحياناً ، منتج دائماً ، على الأقل بالنسبة له .
كان كائناً ليلياً منذ سنوات ، هو مرتاح لذلك كثيراً ،  رغم العبث الذي يطال جدول يومياته ، ولكنه يشعر بالترتيب من الداخل ، ترتيب أقرب إلى الانسجام ، أيام سهره كان يجلس لوحده ، يناجي نفسه ، يحفر في أغوار عقله ، يشعر مع الليل أن قوى داخلية تستيقظ وتفرز أعظم ما لديه ، يحرضها ذلك الهدوء الجميل الذي يحتكره الليل ، ولا تجده في مكان آخر أو زمن آخر .
وعندما انتقل إلى مجتمع النهاريين ورابطة عشاق الصباح ، انطفأ ذلك الشعور ، أو تجمد ، أو أصبح جزءاً من دوامة تطحن كل شيء ، تقضم نباهته وشعوره الشفيف وتذروه في صباح كالح لا يعترف إلا بالجهد ولا يعنى كثيراً بالتأمل ، إنها طقوس ليلية يأنف منها النهار .
………………
الجماعات البشرية الموسعة تساعد الإنسان في توسيع نظرته وإطار تفكيره .
المجتمعات المفتوحة التي تنتظم تنوعات مختلفة وألوان متمايزة تطبع في الإنسان تأثيراً ، بحيث يصبح أكثر استيعاباً وإلماماً بالاختلافات .
اجلس في مقهى كبير يعج بالغرباء وتصفح الوجوه ، امشي في شوارع مدينة مكتظة واشهد حجم ما تبتلع من البشر ، اذهب إلى الأماكن المقدسة واختلط بأنواع الناس ، سافر وانظر في ثقافات الأمم ، وتأمل .. تأمل .
ستكتشف كم هو العالم صغيراً جداً في قريتك البسيطة ، وقف على حجم الهشاشة في خبرتك السابقة ، اكتشف كم أنت سخيف جداً والعالم يتسع لما هو أبعد منك ، وكسر صخور الغرور والثقة التي تقيدك وتثقل مشيتك .
ستعرف أن العالم والدنيا لن تتوقف لحظة من أجل أحد ، على الأقل من أجلك أنت ، فلو كنت جميلاً فهناك من أصبح منك وجهاً وأطرى ملامحاً ، ولو كنت ثرياً ومزهواً بممتلكاتك ستجد أغنياء حد الفحش ، وبالضد كذلك لو كنت هزيلاً يائساً مفلساً ستواجه أشخاصاً تشكر معهم كسرة الخبز لأنها انحازت إليك .
هذا لا يختلف بين المديني والقروي ، في القرى يتنافس المجتمع بين طبقاته رغم تمايزاتهم الساذجة ، فصاحب المزرعة بفدانين يكابر على ذو الفدان الواحد .
وكذا في المدن رغم استيعابها لجماعات أكبر من الناس ، ولكنها تنطوي على مجتمعات صغرى ومغلقة تشعل تنافساً مؤطراً بسقفها ومحدوداً بزخمها ، فالحي وأندية الأغنياء وسواها تجمعات محدودة في غمار المدينة المفتوحة ، مما يبطل فاعلية النظر الاتساعي للفرد .
وبذا يكون الإنسان نفسه هو الفاعل في هذه العملية ، فلو أنه عاش في أكثر تجمعات البشر اختلاطاً وانفتاحاً ، ربما أفرز قناعات تمايزه وانفراده من وحي أوهامه ووعي ضلاله وتعامى عن سعة ما تحتويه الدنيا ممن يبلغه ويفوقه ولا يطيقه .
………………
بعض الأشخاص مضاف إليك ، وبعضهم مقتطع منك .
……………
نقف أمام " الحقيقة " بثلاث اختيارات تقريباً :
إما " المكابرة " وإبداء التجاهل والاستخفاف بها مما يعرضنا لدفع ثمن باهظ أمام استتباعاتها على الواقع والمآل .
وإما " المسايرة " والإذعان لها والاستسلام لمعطياتها دون بذل أي موقف واستجابة تدفع ضررها وتستمطر نفعها .
وأخيراً " المداورة " بمعنى أن نقبل بها بعقلية منفتحة ونبحث عن فرصة لاستثمارها وإخضاعها في إطار سعينا الدائب للحصول على حياة مستقرة ومتوهجة .
وهنا أقصد الحقيقة الاجتماعية وكذا التي تكون في إطارها العلمي والفكري البحت .

………………

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

السعوديون يحتفون بالذكرى السابعة لبيعة الملك سلمان

خادم الحرمين رافق مراحل التنمية على مدى 60 عاماً   الاثنين - 3 شهر ربيع الثاني 1443 هـ - 08 نوفمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15686] الرياض: عمر البدوي وبندر مسلم يحتفي السعوديون اليوم بالذكرى السابعة لتولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في 23 يناير (كانون الثاني) الموافق (3 ربيع الثاني 1436هــ) ومبايعته ملكاً للبلاد، ورائداً لمرحلة جديدة تخوضها السعودية منذ وصوله قبل ٧ سنوات، كسابع ملوك المملكة بعد إعلان توحيدها عام 1932. الملك سلمان بن عبد العزيز الذي رافق مراحل مفصلية من عمر البلاد، اختبر خلالها المفاصل التاريخية التي آلت بالسعودية إلى ما هي عليه اليوم من تنمية وازدهار، ومن موقعه سابقاً، حيث كان أميراً لمنطقة الرياض لأكثر من خمسة عقود وتسميته أميراً لها عام 1955 وهو في عقده الثاني من العمر، راقب البلاد وهي تنمو. حتى أصبح قائداً للبلاد، وشاهداً على نهضتها الجديدة، في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية والتنظيمية، والأعمال والمشاريع والمبادرات السريعة والمتلاحقة على المستويين التنموي والاجتماعي، والتي أضحت بفضلها السعودية منافساً تلقائياً ع

«تتبع الحجارة» عنوان 100 يوم من الفن المعاصر في بينالي الدرعية

السعودية تشهد اليوم واحدة من أكبر المناسبات الفنية العالمية   السبت - 7 جمادى الأولى 1443 هـ - 11 ديسمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15719] الرياض: عمر البدوي أصبح حي جاكس جاهزاً لانطلاق الدورة الأولى من بينالي الدرعية للفن المعاصر، واستقبال المتطلعين لزيارة واحدة من أكبر المناسبات الفنّية العالمية، ابتداءً من اليوم (السبت)، حتى 11 مارس (آذار) المقبل، وهو أول بينالي دولي يتطرق لموضوعات وأشكال الفن المعاصر في السعودية، ويعرض أعمالاً لفنانين عالميين ومحليين، مع مجموعة من الورش الثقافية والتجارب الممتعة. يأتي بينالي الدرعية، كتجربة استثنائية، ومنصة إبداعية تمتد لمائة يوم، تكشف جوهر الفنون السعودية بمختلف أنماطها، وتُفسح للفنانين مساحات للحوار وإثراء تجاربهم، لتعزيز المشهد الثقافي والفني، وتمكين المواهب المحلية، واستقطاب مجموعات الفنانين الدوليين لإغناء الحدث الفني المهم. وقال راكان الطوق، المشرف على الشـــؤون الثقافية والعلاقات الدولية في وزارة الثقافــــة الســـــعودية، إن استضافة المملكة لأول بينالي للفن المعاصر، يعدّ إنجازاً استثنائياً، وإن أهميته تأتي من كونــــه نقطة التقــــــاء للعالم، ومن