التخطي إلى المحتوى الرئيسي

عبدالله بانقيب: انحصار الاهتمام بالروّاد ضيّق مجال التجديد في مؤسساتنا الأدبية


جدة – عمر البدوي 

يعتقد أستاذ البلاغة والنقد المشارك بالكلية الجامعية بالقنفذة الدكتور عبدالله بانقيب أن ضعف اللغة العربية لدى الأجيال الشابة موضوع شائك، وأنه على رغم انعقاد ندوات ومؤتمرات، وجاء في عددٍ منها توصيات نافعة، إلا أن المشكلة تكمن، في رأيه، في تحويل هذه التوصيات إلى واقع ملموس.
بانقيب يرى في حوار مع «الحياة» أن انحصار الجهود في الرواد ضيق المجال أمام التجديد في الأنشطة التي تقدمها المؤسسات الأدبية، داعياً الجامعات إلى الخروج من عزلتها وممارسة دور فعّال تجاه المجتمع.. إلى نص الحوار:
> كيف يمكن معالجة ضعف اللغة العربية لدى الأجيال الشابة؟
- هذا موضوع شائك، عُقدت له الندوات والمؤتمرات، وجاء في عددٍ منها توصيات نافعة، لكن المشكلة تكمن في تحويل هذه التوصيات إلى واقع عملي ملموس، ولن يتم هذا ما لم يكن هناك تضافر بين المؤسسة التعليمية وبين أصحاب القرار في السلطة الأعلى في دول الوطن العربي. على المؤسسة التعليمية أن تقدم ما يكفي من مبررات للحصول على دعم صاحب القرار، وذلك عبر الإبانة الكافية عن المشكلات التربوية والثقافية والحضارية التي تنجم عن الضعف اللغوي. وحين تحصل المؤسسة التعليمية على ذلك الدعم فعليها أن تستغل كل ما من شأنه أن يسهم في الحل من وسائل حديثة تتصل بحياة الشباب وواقعهم الذي يحيون، وهناك عدد من المحاولات الفردية في وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة قدمت جهوداً مشكورة في بث الوعي اللغوي والمعرفي يمكن للمؤسسة الاستئناس بها وتطويرها في جهدٍ أوسع وأشمل.
> ترى ما العمل لإشاعة عادات ثقافية مثل القراءة والنقد والكتابة الناضجة؟
- ليس من السهل الإجابة على سؤال كهذا، لكن من منظور خاص أعتقد أنَّ غرس الوعي منذ الصغر بأهمية القراءة والتفكير المبدع وتقبّل النقد والتنازل عن الرأي حين يتّضح ما هو أصوب منه، وقد يكون في هذا الذي أسوقه تنظير لا يقدم خطوة عملية، فإذا ما سألت عن الخطوة العملية التي يمكن أن نبدأ بها فهي في رأيي أن يُعاد لمكتبة المدرسة دورها الحيوي في تغذية الوعي، وذلك عبر برنامج تُخصص فيه حصص معينة كل أسبوع لارتياد المكتبة والاطلاع على معارف خارج المنهج المدرسي، ولا ضير أن تكون هذه المكتبة متلائمة مع مهارات الجيل الناشئ فتجمع بين الكتاب الورقي والكتاب الإلكتروني ومصادر المعرفة الحديثة، باختصار أعيدوا لمكتبة المدرسة دورها وستتغير أشياء كثيرة في وعي الناشئة والشباب.
> بوصفك رئيس اللجنة الثقافية في إحدى المحافظات الجنوبية، ما التحديات التي تواجه هذه المؤسسات الأدبية المحلية في ظل رؤية المملكة ٢٠٣٠ التي اعتمدت الثقافة محوراً في منظومة اهتمامها واشتغالها، ما هي الآمال الثقافية المعلقة على الرؤية وهل يمكن تحقيقها؟
- يحتل الاهتمام بأدب الروّاد السعوديين ونقدهم مكانةً كبيرةً في نشاط الحركة النقدية التي تقوم عليها المؤسسات الأدبية في بلادنا، فكثير من الملتقيات والندوات سُخِّرت لإسهامات أولئك الروّاد سواء أكانوا أدباء كالصبان وحمزة شحاته ومحمد حسن عواد أم كانوا نقّاداً كعبدالله عبدالجبار ومن تلاه كالدكتور الغذّامي. ولا جدال في أنّ هذا أحد الواجبات المناطة بتلك المؤسسات نحو حركة البلاد أدباً ونقداً، ولكنّ انحصار الجهود في أولئك الروّاد بين ملتقى وآخر، وندوة هنا، ومحاضرة هناك، ضيّق المجال أمام التجديد في نشاط مؤسساتنا الأدبيّة، وجعل كثيراً من تلك اللقاءات يجرّ القول المكرور، ويعيد المعروف الذي ألفته الأسماع، حتى ليخيّل إليك عند حضور أحد تلك اللقاءات أنْ سبق لك وأنْ حضرته، واستمعت إليه.
آن الأوان لهذه المؤسّسات أنْ تجدّد بوصلة الاهتمام بحيث تتناغم مع تطلعات الوطن من خلال الرؤية الجديدة التي يُعلَّق عليها آمال كبيرة، ولهذا التجديد مناحٍ عدة، ومجالات كثيرة، منها توجيه الاهتمام بصورة أوسع نحو أدب الشباب الذين لم يأخذوا حقّهم الواجب في اهتمام تلك المؤسسات، وإفساح المجال لطرح إبداعهم وتنميته.
ولكي تحقّق هذه المؤسسات حضوراً أوسع يمد ظلاله إلى خارج الدائرة المحلية نحو الوطن العربي الكبير فعليها أنْ تبحث في المواضيع الأدبية والنقدية الكبرى التي تجعل الآخرين يشاركوننا الاهتمام والإنجاز، ومن ثّمَّ يكونون أكثر صلةً ومعرفةً بنشاطنا، لأنَّ حصر الاهتمام بما هو محلّي فقط يُخشى منه الانزواء عن المشهد الثقافي العربي. وأذكر في هذا الصدد الندوة التي عقدها نادي جدة الأدبي الثقافي في العام 1409هـ الموافق 1988 بعنوان: «قراءة جديدة لتراثنا النقديّ»، إذ تُعّدُّ هذه الندوة من أهمّ الإنجازات التي قدمتها الأندية الأدبية في المملكة، إذ حقّقت مزيجاً جميلاً بين نقادنا المحليين وبين النقّاد العرب، ولا أخال ندوة في أنديتنا حقّقت ما حقّقته هذه الندوة من نجاحٍ وحضور وتفاعل بين الداخل والخارج، والدليل على ذلك أنَّ الطلب على مجلّدي تلك الندوة لا يزال مستمرّاً إلى يومنا هذا.
> هل تعاني كليات اللغة العربية وأقسامها مما يعانيه التعليم العالي من ضعف المخرجات والقصور عن سوق العمل؟
- كليات اللغة العربية وأقسامها هي جزء من نسيج أكبر هو الجامعة، وما يقال عن الجامعة يسري على هذه الكليات والأقسام، آن الأوان لجامعاتنا أن تخرج من عزلتها وأن تمارس دورها الفعال تجاه المجتمع، فالجامعة تملك العقول المفكرة،
ولكن استثمار هذه العقول محصور في التدريس وفي أبحاث يتقدم بها عضو هيئة التدريس لنيل الترقية، ولا شك أن هذا أمر جليل، ولكن لا تُحصر الجامعة فيه، بل يجب أن تُوجِد الجامعة مراكز أبحاث تتعلق بهموم الناس والوطن وتطلعاته، فتكون هذه المراكز أكثر اتصالاً بالحياة، وأكثر مواجهة للواقع ومشكلاته والعمل على حلها وتطويرها، ففي جامعاتنا عددٌ غير قليل من الأبحاث والرسائل العلمية التي لم يتجاوز انتشارها وتفعيلها رفوف مكتبات تلك الجامعات. أيكمن سبب ذلك في بعد هذه الأعمال عن الواقع أم يكون السبب في وجود عوائق إدارية عطّلت تفعيل تلك الأعمال؟ على الجامعات أنْ تراجع منظوماتها العلمية والإدارية لمعرفة الأسباب الحقيقية لهذا التعطيل، وليس في الأمر معجزة، كل ما تحتاجه هو المراجعة الجادة وستتكشف أسباب ذلك، وحين تتضح الأسباب تأتي الحلول تباعاً.
> في رأيك هل ساعدت التقنيات الاتصالية الحديثة في تطوير اللغة وإشاعة استخدامها أم أسهمت في تهميشها؟
- حين يحسن استخدام تقنيات الاتصال الحديثة في مشاريع تتعلق بتطوير اللغة فإنّ ذلك سيحقق نتائج إيجابية، وسبق أن أشرتُ في إجابة سؤال سالف إلى وجود بعض الجهود الفردية التي قدمت للناس خدماتٍ جليلة تجاه بث الوعي اللغوي. إنَّ كثرة استفسار الناس عن بعض مسائل اللغة مؤشرٌ على أنَّ لدى الناس رغبة في تحسين مهاراتهم اللغوية، ولكن العمل الفردي لا يكفي وحده، بل يجب استثماره نحو مشاريع كبرى تنهض بها مؤسسات التعليم ومراكز الثقافة عبر تخطيط يتلاءم مع الواقع ولا يتعالى عليه بتنظير يصعب تطبيقه، فتُحبس الآمال، وتُجهض الأمنيات، وتُعطَّل المشاريع.
> لماذا تجد اللغة تهمة في صعوبتها وتراجع حضورها العالمي، هل تخلفها منوط بضعف الناطقين بها وتواضع إنتاجهم وعجزهم عن تطوير لغتهم وإدماجها؟
- يرتبط حضور اللغة في الإسهام الحضاري بدرجة حضور أهلها في ذلك الإسهام، فحين نغدو قادرين على تحقيق إنجازات حضارية وعلمية ومعرفية كما كان الأسلاف فسيعود للغتنا دورها في كتابة العلوم وتناقل المعرفة، فقد ظلت العربية في حقبة من الزمان هي لغة العلم الأولى، وكانت الجسر الذي يصل بين حضارات أمم عدة، وهذا مؤدّاه أنه متى كان أهل اللغة فاعلين في البناء الحضاري والمعرفي فإنَّ لغتهم ستمارس دورها في ذلك البناء، فالمشكلة لا تكمن في اللغة، بل في تراجعنا عن البناء والتأسيس والإنتاج العلمي، وهذا لن يكون بعدد المتعلمين وذهاب الأميّة فحسب، فهذه مسألة من المفترض أننا تجاوزناها منذ زمن، بل يكون بالانتقال من طور الاستهلاك العلمي إلى طور الإنتاج، من طور العقل المتلقي إلى العقل الباث الذي يسجل حضوره في صناعة العلم والمعرفة.
> كيف تصف مشاهد الازدحام في معارض الكتاب وكثرة الإنتاج الروائي، هل هي إيجابية ومؤشر يمكن الاعتماد عليه، أم أمر سلبي؟
- تعطي مشاهد الازدحام مؤشراً إيجابيّاً على رغبة الناس في امتلاك وعي أكبر، وبشهادة أصحاب دور النشر فإنَّ مبيعات الكتب في المعارض التي تقام في وطننا هي الأكثر على مستوى العالم العربي، ولكي تحقق هذه الخطوة النجاح المأمول فيجب أنْ يصحب ذلك اختيار واعٍ للكتاب، وانتقاء جاد لمصادر المعرفة، وأمّا كثرة النتاج الروائي فكنا في المملكة قبل التسعينات الميلاديّة نشكو من قلة الرواية والروائيين، ثم حدث في التسعينات وما تلاها انفجار هائل في الكتابة والنشر الروائي، الزمن كفيل بإبقاء الصالح من هذا الكم الهائل، ولن يخلد إلا ما يستحق منها البقاء.


الرابط :


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

السعوديون يحتفون بالذكرى السابعة لبيعة الملك سلمان

خادم الحرمين رافق مراحل التنمية على مدى 60 عاماً   الاثنين - 3 شهر ربيع الثاني 1443 هـ - 08 نوفمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15686] الرياض: عمر البدوي وبندر مسلم يحتفي السعوديون اليوم بالذكرى السابعة لتولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في 23 يناير (كانون الثاني) الموافق (3 ربيع الثاني 1436هــ) ومبايعته ملكاً للبلاد، ورائداً لمرحلة جديدة تخوضها السعودية منذ وصوله قبل ٧ سنوات، كسابع ملوك المملكة بعد إعلان توحيدها عام 1932. الملك سلمان بن عبد العزيز الذي رافق مراحل مفصلية من عمر البلاد، اختبر خلالها المفاصل التاريخية التي آلت بالسعودية إلى ما هي عليه اليوم من تنمية وازدهار، ومن موقعه سابقاً، حيث كان أميراً لمنطقة الرياض لأكثر من خمسة عقود وتسميته أميراً لها عام 1955 وهو في عقده الثاني من العمر، راقب البلاد وهي تنمو. حتى أصبح قائداً للبلاد، وشاهداً على نهضتها الجديدة، في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية والتنظيمية، والأعمال والمشاريع والمبادرات السريعة والمتلاحقة على المستويين التنموي والاجتماعي، والتي أضحت بفضلها السعودية منافساً تلقائياً ع

«تتبع الحجارة» عنوان 100 يوم من الفن المعاصر في بينالي الدرعية

السعودية تشهد اليوم واحدة من أكبر المناسبات الفنية العالمية   السبت - 7 جمادى الأولى 1443 هـ - 11 ديسمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15719] الرياض: عمر البدوي أصبح حي جاكس جاهزاً لانطلاق الدورة الأولى من بينالي الدرعية للفن المعاصر، واستقبال المتطلعين لزيارة واحدة من أكبر المناسبات الفنّية العالمية، ابتداءً من اليوم (السبت)، حتى 11 مارس (آذار) المقبل، وهو أول بينالي دولي يتطرق لموضوعات وأشكال الفن المعاصر في السعودية، ويعرض أعمالاً لفنانين عالميين ومحليين، مع مجموعة من الورش الثقافية والتجارب الممتعة. يأتي بينالي الدرعية، كتجربة استثنائية، ومنصة إبداعية تمتد لمائة يوم، تكشف جوهر الفنون السعودية بمختلف أنماطها، وتُفسح للفنانين مساحات للحوار وإثراء تجاربهم، لتعزيز المشهد الثقافي والفني، وتمكين المواهب المحلية، واستقطاب مجموعات الفنانين الدوليين لإغناء الحدث الفني المهم. وقال راكان الطوق، المشرف على الشـــؤون الثقافية والعلاقات الدولية في وزارة الثقافــــة الســـــعودية، إن استضافة المملكة لأول بينالي للفن المعاصر، يعدّ إنجازاً استثنائياً، وإن أهميته تأتي من كونــــه نقطة التقــــــاء للعالم، ومن

ماذا يخطر في بالك ( 5 ) ؟

هنا أنقل بعضاً من منشوراتي على صفحتي في ( الفيس بوك ) . راجياً لكم النفع والفائدة  . ضعف التقدير يقود إلى سوء التقرير . .................. كلما كان واقعك ثرياً وغنياً ، بارت بضاعة خيالك الواهم . …………… إذا أحببت شيئاً ثم التقيت به بعد غياب فكأن الروح ردت إليك بعد غيبة الموت ، أو العقل عاد بعد جنون ، أو الذاكرة استفاقت بعد غيبة . كل الأشياء الرمادية تسترجع ألوانها الزاهية ، والروائح الزاكية تستجرّ عنفوانها ، والمشاعر اللذيذة تستعيد عافيتها . ما يفعله الشوق بك من ذهاب العقل وغيبة الذاكرة وموات الروح ، يفعل بك الوصل أضعافه من الفرح والطرب والنشوة . لقد جُبل هذا القلب على الإلف بما يحبه والتعلق به حتى يكون بمثابة الطاقة الموصولة بألياف الكهرباء ، أو الزيت الذي يقدح النور ، والجمر الذي يستفز أعواد البخور . وإذا غاب المحبوب واستبد بك الشوق انطفأ نور الوجه وضاقت النفس وذهب الفرح حتى يعرف ذلك في حدة طبعك وانغلاق عقلك وعبوس وجهك ، فإذا التقى المحبوبان والتأم القلب عادت المياه لمجاريها وشعشع الوجه واتسع الثغر وانفرجت الأسارير . سبحان من خلق . ……………… إذا كنت تسم