التخطي إلى المحتوى الرئيسي

توسعة المسجد الحرام.. شاهد سعودي على التاريخ


جدة - عمر البدوي 

تعيش الساحات المجاورة للحرم المكي منذ أيام عملاً دؤوباً وسعياً حثيثاً لإنجاز واحد من أضخم مشاريع التوسعة التي بدأها خادم الحرمين الملك عبدالله رحمه الله، ولا تزال تجري على قدم وساق في عهد خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله، لاستيعاب الإقبال الضخم والمتزايد من قاصديه.
تحول الحرم إلى ورشة ضخمة من توافد الآليات وتدفق العمال والبنّائين لتشييد توسعة من خلال ثلاثة محاور رئيسة، الأول هو التوسعة ذاتها للحرم المكي، ليتسع بعد التوسعة لمليوني مصلٍّ، والثاني الساحات الخارجية، وهي تحوي دورات المياه والممرات والأنفاق والمرافق الأخرى المساندة والتي تعمل على انسيابية الحركة في الدخول والخروج للمصلين، أما الثالث فمنطقة الخدمات والتكييف ومحطات الكهرباء ومحطات المياه وغيرها، وتصل مساحة التوسعة إلى 750 ألف متر مربع، ويشمل المشروع توسعة ساحات الحرم من جهة الشامية، تبدأ من باب المروة، وتنتهي عند حارة الباب، وجبل هندي بالشامية وعند طلعة الحفائر من جهة باب الملك فهد، وهذه التوسعة عبارة عن ساحات فقط ومقترح إنشاء 63 برجاً فندقياً عند آخر هذه الساحات.
وتوسعة صحن المطاف بهدم التوسعة العثمانية وتوسيع المسجد الحرام من الجهات الثلاث وقوفاً عند المسعى، وتوسيع المسجد كذلك من جهة أجياد، كما تتم تعلية أدوار الحرم لتصبح أربعة أدوار مثل المسعى الجديد حالياً، ثم تعلية دورين مستقبلاً، ليصبح إجمالي التعلية ستة أدوار، وتشمل توسعة المسجد الحرام من ناحية المسفلة هدم فندق الإطلالة وفندق «التوحيد إنتركونتيننتال».
تتلاحق الخطى ويتسارع الوقت لإتمام التوسعة، التي استغرقت كل الإمكانات المتاحة، وشرعت الأبواب على مصراعيها لتحقيق ما تصبو إليه قلوب المسلمين في العالم بأجمعه.
تضع التوسعة والتحسينات طابعاً تاريخياً للعهد السياسي الذي يحتضن الحرمين في كل مرة، فبعد التوسعة الشهيرة للملك فهد رحمه الله، التي تحققت بفضل الاهتمام الحكومي والإنفاق العالي عليه، جاءت توسعة الملك عبدالله رحمه الله نقلة نوعية بكل المقاييس، ويواصل الملك سلمان حفظه الله حث الخطى لمواصلة المشروع واستكماله على النحو الذي قصد إليه.
وتُعد هذه التوسعة الثالثة للدولة السعودية بعد توسعة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن والملك فهد بن عبدالعزيز، وجاءت على مدى العصور التاريخية، بعد توسعة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عندما قام بتحديد المسجد الحرام، ببناء سور قدر القامة في سنة 17 للهجرة، وبعد ثمانية أعوام أحدث الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه توسعة أخرى، زادت البيت الحرام مهابة ورفعة.
وأقام عبدالله بن الزبير رضي الله عنه منطقة الصلاة والطواف باتجاه الشرق، وأضاف الخليفة العباسي أبوجعفر المنصور مساحة إضافية من الشمال والغرب، تلاه ابنه محمد المهدي لمضاعفة مساحته من الجهات كافة، ثم أضاف الخليفة المعتضد زيادة من الشمال، وأما الخليفة المقتدر وفي عام ٣٠٦هـ أضاف زيادة من الغرب، وبذلك استقرت مساحة الحرم المكي مع ساحة الطواف.
وتبقى تلك التعديلات شاهداً على دور أصحابها، ودليلاً ماثلاً للتاريخ على الجهد المبذول من الجهات السياسية الراعية والمتتابعة على إدارة شؤون الحرمين ورعايته، ليضمن كل عهد تقوم دولته تثبيت جزء من تاريخها على ملامح الحرمين الشريفين، الذي يفد إليه المسلمون ويقصدونه من كل بقاع الأرض وعلى مدار العام، حتى أصبح المسجد الحرام كتاباً مفتوحاً للتاريخ وشاهداً على الآثار الدارسة والقائمة.
التوسعة القائمة الآن هي جزء من مشروع الملك عبدالله التاريخي لتوسعة الحرمين، وتتويج لجهود البلاد السعودية في الاهتمام بالبقاع المقدسة، التي شهدت قبل أيام نجاحاً جديداً لموسم حج هذا العام، بعد أن أوقفت الحكومة السعودية جهوداً مضاعفة لتأمين سلامة الحجاج، وتقديم أفضل صور التنظيم في تسيير شعائر الحج واستقبال ضيوف الرحمن، واحتفلت أمس (الخميس) بيومها الوطني على إيقاع الإنجازات المتراكمة في عدد من المجالات، والنجاح في التصدي لحملات الإفساد وحفلات السياسة المتنكرة لجهود السعودية في خدمة الإسلام والإنسانية.
في العهد السعودي، بدأ الملك عبدالعزيز رحمه الله في أعمال التوسعة الأولى للدولة السعودية، التي تضمنت ضم المسعى للمسجد الحرام وأضيفت طوابق ضاعفت مساحته الكلية مع الدور السفلي كما تم توسعة منطقة الطواف.
وفي عهد الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله، جاءت التوسعة الثانية للمسجد الحرام بإضافة كتلة من الجهة الغربية، مترابطة ومتجانسة مع المسجد الحرام، من حيث الطابع المعماري، كما تمت تهيئة السطح للمصلين وكذلك الساحات المحيطة ليتسع الحرم المكي الشريف لـ600 ألف مصلٍّ بتوسعاته كافة. وفي الأعوام الأخيرة، شهدت زيادة غير مسبوقة في أعداد الزوار والمعتمرين والحجاج، ومع تطور وسائل النقل وازدياد أعداد المصلين بات المسجد الحرام في حاجة ماسة للتوسعة، وأصبح إيجاد حل ذلك محور اهتمام خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله، ليضاعف مساحة المسعى أربع مرات.
وتستمر الآن أكبر توسعة في التاريخ، في عهد الملك سلمان حفظه الله، التي تقدر مساحتها بثلاثة أضعاف مساحتها السابقة لتتسع لـ1.6 مليون مصلٍّ في الظروف العادية، وأما في المواسم والزحام فتستوعب أعداداً أكبر من الحجاج والمعتمرين.



الرابط :


تعليقات

  1. شركة مقاولات بمكة
    الأمان والضمان الذي تسعى إلى أن تحصل عليه ويتوافر عند بناء منزلك أو شركتك لن تجد من يحققه لك ويوفر لك أفضل وأضمن الطرق للوصول إليه إلا شركة مقاولات بمكة التي تتميز باستخدامها أفضل مواد البناء من أسمنت وحديد وغيرها من المواد التي نحرص على اختيار أفضل الأنواع والماركات العالمية منها من كبرى الشركات حتى تتمتع الأساسات والجدران بالمتانة والقوة والقدرة على مواجهة مختلف المؤثرات الطبيعية من سقوط أمطار وحرارة مرتفعة.
    أفضل شركة مقاولات بمكة

    https://www.alnoor-cleaning.com/%D8%B4%D8%B1%D9%83%D8%A9-%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%88%D9%84%D8%A7%D8%AA-%D8%A8%D9%85%D9%83%D8%A9/

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

تمجيد صدام حسين المجيد

كان يمكن للقصة الشهيرة التي تداولها عامة العرب عن صورة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين مطبوعة في كبد القمر أن تكون مجرد مزحة عابرة تذوب مثل قطعة ثلج أو تتبخر مثل بؤرة ماء، ولكن القصة المختلقة التي شاعت عشية تنفيذ حكم الإعدام في حقه من قبل الحكومة العراقية بعد إسقاط نظامه وتفكيك الدولة العراقية نتيجة حرب خاضها حلف دولي تقوده الولايات المتحدة، تمكنت في أذهان جيل بأكمله وتطورت إلى أشكال متجذرة لترميز الرئيس العراقي المخلوع. أصبح صدام ذا شعبية أكبر لدى قطاعات واسعة من الشباب العربي، فبإمكانك أن تلاحظ حجم الصور التي تنتشر له والأقوال المختلقة في محاولة لاستنطاقه بما يتمناه الشاب العربي من خطاب مشبع بالأنفة والاعتزاز ضد غطرسة الجانب الغربي من العالم أو الطائفة الشقيقة للغالبية السنية في الشرق الأوسط. لا تبدو سيرة صدام حسين مثيرة للإعجاب في التاريخ، فهو مجرد حاكم عربي عسكري يشبه أترابه ممن يقبض على سدة حكم الجمهوريات العربية المرتبكة في تقديم هوية سياسية ونظام حكم متماسك، يضاف إليه بطش أهوج وديكتاتورية مطبوعة بنزقه الشخصي وجنون العظمة الذي أودى بمستقبل العراق وشعبه في جملة من المغا...

«بيت الرشايدة».. «وقف» تحول «أكاديمية» تحتفظ بأسرار جدة

جدة – عمر البدوي   تسجل حارات وأزقة جدة القديمة، التي لا تزال تحتفظ بروحها وعبق تاريخها في الأبنية الشاهقة، وهي تقف في قلب المنطقة التاريخية، شهادة على النواة الأولى التي انبثقت منها واحدة من أهم المدن التجارية في تاريخ المملكة والشرق الأوسط. في حارة الشام، وتحديداً في شارع أبو عنبة، يقف معمار أخضر شامخاً بين أبنية المنطقة، على باب المبنى لوحة نُحتت عليها آية قرآنية، وأرّخت اللوحة في العام 1301 للهجرة. ويُسمى هذا المعمار «بيت الرشايدة»، نسبة إلى بانيه محمد عبدالرشيد، ويتكوّن من أدوار عدة، وأوقفه الرشيد علي العثماني في العام 1333هـ، بيت الرشايدة أو البيت الأخضر من أجمل البيوت التراثية وسط جدة القديمة، ويعود عمره إلى أكثر من 150 سنة. وتعود تسمية البيت إلى قبيلة الرشايدة التي ينتمي إليها بانيه وموقفه، وهي من القبائل المهاجرة من الحجاز وإليه. إلا أن ملكية البيت الآن تعود إلى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية. ولأن البيت خلال الستينات الميلادية من القرن الماضي، احتضن نشاطاً أكاديمياً، تحول الآن وبفضل أحد فنّاني جدة إلى «أكاديمية حديثة»، بعدما استأجر...