التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الدجاني يكابد تقدم العمر ليحتفظ بصنعة الأجداد ويورثها لأبنائه


جدة – عمر البدوي 
ينكب الحاج عايش الدجاني على طاولته الصغيرة غير آبه بكل الضوضاء التي تحيط به في مهرجان عكاظ الأخير ، يشتغل على صياغة واحدة من القطع بين يديه، يتمهل في صناعتها باهتمام ودقة، لم يوهن التقدم في العمر بصره وهو يتتبع انحناءات المشغولات على صغر حجمها، ولم ينقطع عن المهنة التي أحبها وشغف بها رغم تطاول السنين وطوفان التغيير الذي لحق بكل الأشياء.
نفس الهدوء الذي كان عليه في أعرق وأقدم محل للفضة في جوهرة المنطقة الشرقية الدمام في سوق الحب، ولا زال الوهج يشع من جبينه عند كل مرة ينجز فيها واحداً من قطعه المميزة.

فاز الصائغ المشهور عايش الدجاني من الأحساء بالمركز الأول في مجال الأعمال التقليدية التراثية ضمن فعاليات سوق عكاظ الذي نظم أخيراً في مدينة الطائف السعودية، وقد أبهر جمهور ورواد المهرجان بالصنعات والصاغات والنقوش الفضية الابداعية كنقشه وتصميمه لأصغر إطار للمصحف الشريف وصناعة أصغر خنجر فضي وأصغر ميزان من الفضة.
كان الصائغ الدجاني سعيداً بإقبال الناس على ركنه الخاص بأسئلتهم عن تفاصيل هذه المهنة، عن منصة المهرجانات التي تعطي لمثل هذه التقاليد أن تبقى حية وفاعلة في واقع الناس رغم تقادم السنوات وتعاقب الأجيال، لكن التراث هوية حسب رأيه، ويوم يتخلى الإنسان عن هويته فكأنه فقد قطعة أصيلة من جسده وكيانه.

لكنه سعيد كذلك بتوريث هذه المهنة إلى واحد من أبنائه، لاسيما وأنه تلقى هذه المهمة والمهنة من والده يوم كان عمره عشر سنوات فقط، فيما هو يعيش اليوم عقده السابع من العمر ولا زال نفس الشغف والولع القديم يخالط شغاف قلبه ويملأ وقته ويستغرق طاقته التي أخذت في الوهن الآن ، وحان لولده أن يخلف من بعده.
بقي ابنه عقيل مرافقاً له طيلة أيام المهرجان، كان يقول له في كل مرة استعد منذ العام المقبل ستشغل مكاني هذا، وستنتقل من مجرد مساعد إلى صائغ رئيسي.

يقول عقيل لـ«الحياة» الوالد عايش محمد الدجاني من مواليد الأحساء عاش بين أجداده وأعمامه وكانت الصياغة هي مهنتهم الرئيسية وقد تعلمها على يد والده يوم كان عمره تسع سنوات، كان يعمل المعدات لوالده، حتى اتقن العمل، واصبحت الصياغة مهنته الاساسية، وتحولت حباً وشغفاً بالنسبة له، عمل بعض الاعمال للكثير من وجهاء المجتمع وعامة الناس ممن كان يحب منتوجاته لما تتميز بها من الدقة والجمال، وافتتح لأجل ذلك مصنعاً كبيراً للصياغة.
بقي على هذا الحال حتى كبر، وتقاعد عن الصياغة لفترة طويلة، ولكنه عاد للعمل حتى يعلم أبناءه عقيل وعبدالله وحيدر، وكان هدف عودته للعمل تعليم الابناء ولخدمة الوطن والاحساء وليس المادة، وإلى الآن يعلم الابناء، ويود لهذه الجمال أن يبقى نابضاً في قلوب أبنائه وواقع الناس، يشجعه في ذلك الاهتمام الذي بدأ على المستوى الرسمي وشغف الأجيال الجديدة بالماضي وتفاصيله التي فات عليهم معايشتها والاستمتاع بها.


الرابط :
http://www.alhayat.com/article/4593631


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

تمجيد صدام حسين المجيد

كان يمكن للقصة الشهيرة التي تداولها عامة العرب عن صورة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين مطبوعة في كبد القمر أن تكون مجرد مزحة عابرة تذوب مثل قطعة ثلج أو تتبخر مثل بؤرة ماء، ولكن القصة المختلقة التي شاعت عشية تنفيذ حكم الإعدام في حقه من قبل الحكومة العراقية بعد إسقاط نظامه وتفكيك الدولة العراقية نتيجة حرب خاضها حلف دولي تقوده الولايات المتحدة، تمكنت في أذهان جيل بأكمله وتطورت إلى أشكال متجذرة لترميز الرئيس العراقي المخلوع. أصبح صدام ذا شعبية أكبر لدى قطاعات واسعة من الشباب العربي، فبإمكانك أن تلاحظ حجم الصور التي تنتشر له والأقوال المختلقة في محاولة لاستنطاقه بما يتمناه الشاب العربي من خطاب مشبع بالأنفة والاعتزاز ضد غطرسة الجانب الغربي من العالم أو الطائفة الشقيقة للغالبية السنية في الشرق الأوسط. لا تبدو سيرة صدام حسين مثيرة للإعجاب في التاريخ، فهو مجرد حاكم عربي عسكري يشبه أترابه ممن يقبض على سدة حكم الجمهوريات العربية المرتبكة في تقديم هوية سياسية ونظام حكم متماسك، يضاف إليه بطش أهوج وديكتاتورية مطبوعة بنزقه الشخصي وجنون العظمة الذي أودى بمستقبل العراق وشعبه في جملة من المغا...

«بيت الرشايدة».. «وقف» تحول «أكاديمية» تحتفظ بأسرار جدة

جدة – عمر البدوي   تسجل حارات وأزقة جدة القديمة، التي لا تزال تحتفظ بروحها وعبق تاريخها في الأبنية الشاهقة، وهي تقف في قلب المنطقة التاريخية، شهادة على النواة الأولى التي انبثقت منها واحدة من أهم المدن التجارية في تاريخ المملكة والشرق الأوسط. في حارة الشام، وتحديداً في شارع أبو عنبة، يقف معمار أخضر شامخاً بين أبنية المنطقة، على باب المبنى لوحة نُحتت عليها آية قرآنية، وأرّخت اللوحة في العام 1301 للهجرة. ويُسمى هذا المعمار «بيت الرشايدة»، نسبة إلى بانيه محمد عبدالرشيد، ويتكوّن من أدوار عدة، وأوقفه الرشيد علي العثماني في العام 1333هـ، بيت الرشايدة أو البيت الأخضر من أجمل البيوت التراثية وسط جدة القديمة، ويعود عمره إلى أكثر من 150 سنة. وتعود تسمية البيت إلى قبيلة الرشايدة التي ينتمي إليها بانيه وموقفه، وهي من القبائل المهاجرة من الحجاز وإليه. إلا أن ملكية البيت الآن تعود إلى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية. ولأن البيت خلال الستينات الميلادية من القرن الماضي، احتضن نشاطاً أكاديمياً، تحول الآن وبفضل أحد فنّاني جدة إلى «أكاديمية حديثة»، بعدما استأجر...