التخطي إلى المحتوى الرئيسي

جبال جنوب السعودية تجود بألوان الحياة لتزين هامات الرجال


أبها - عمر البدوي 
تستقبل منطقة عسير كل صيف وفود السياح والمصطافين من كل مناطق المملكة ودول الخليج، ينعمون ببردها ومطرها وخضرتها، عسير التي تشرف من أعالي الجبال ويحفّ بها حزام أخضر مبتل بوابل المطر الذي لا يقوى على فراقها طويلاً حتى ينزل بساحاتها ووديانها وسفح قممها، فيحيلها جنّة غناء ودوحة خضراء.
يستثمر كثير من أهالي منطقة عسير والأسر المنتجة هناك، مواسم الصيف والسياحة لبيع منتجاتهم ومشغولاتهم واستثمار إقبال الناس إليها في هذا الموعد المتجدد من كل عام، تساعدهم أمانة المنطقة والبلديات التابعة لها في تحسين ظروف العمل التجاري والتسويق لجهودهم.
في أي متنزه طبيعي أو ملتقى ترفيهي لا تغيب أكشاك وطوابير الأسر المنتجة عن تقديم أنواع مختلفة من المعروضات، ويهتم المصطافون باقتناء تذكارات مميزة أثناء رحلتهم، ولا سيما تلك التي تحمل طابع المكان وتراث أهله وثقافتهم.

مقتنيات مثل الأزياء الشعبية والتحف والأواني التراثية ما زالت حية في واقع الناس ولو على سبيل الزينة، وتجد لها بعض من يقوم عليها ويعيد تقديمها للزبائن الراغبين في اقتنائها.

كما أن كثيراً من أهالي المناطق المجاورة مثل جازان وقرى وبلدات تهامة، يشد رحاله إلى مرتفعات عسير ومتنزهاتها لعرض مبيعاته واستغلال كثافة السياح فيها، باعة شباب وفتيات وأطفال يعرضون على جوانب الطرق ومداخل المهرجانات وأركان الأسواق الشعبية، شيئاً مما تنتجه الأرض وتبذله لحارثيها وباذريها، فواكه موسمية وصيفية لا تنبت إلا في المناطق الباردة كعسير، يجد الزائر فرصة ثمينة ليتذوقها طازجة غضّة على بعد مسافة يسيرة من منبتها ومحل اقتطافها وجنيها.

تتحول عسير وكأنها بازار مفتوح لما تنتجه وتجود به الأرض، ومهرجاناً مفتوحاً وحياً لثقافات المنطقة وجاراتها الثرية بالتنوع والخلفيات، يظهر هذا على الأزياء واللهجات والمنتجات.
ينتشر بعض الأطفال بزيّ تراثي جذاب، وبلهجتهم الزاهية التي تجري على ألسنتهم مثل جريان الماء في تلك الشعاب البهيّة، يقدمون طوقاً من الورد والنرجس العاطر منظوماً في نسيج واحد من النباتات العطرية يأتي في مقدمتها الكادي والبرك والريحان والورد والبعيثران والوزاب والسكب وغيرها.

يقف الأطفال وطوق النباتات يزدان على رؤوسهم ويتوج لبسهم التقليدي، وبرحابة كبيرة يستقبلون زبائنهم الذين يشدهم أول الأمر مشهد الزيّ، ثم ينجذبون لانطلاق اللسان العذب المزهوّ بلهجته الجنوبية العبقة وهم يفصحون عن تفاصيل هذا المنتج وسعره ومحل استنباته .
ليست تلك الجبال الشمّاء التي تطل من أعلى فيفا وعسير وهروب، صلدة جامدة بلا حياة، بل تبذل أزكى وأعطر نباتاتها بعد أن يزورها ماء السماء، وقد اختار ابن تلك المناطق طوق النباتات العطرية زينة له، وضمها إلى بعضها في طوق يجلل هامات الرجال، وينسجم مع أردية زاهية تنبض بألوان الحياة، ليكتمل مشهد بديع يسر الناظر إليه ويشحذ الأنس والتفاؤل في نفسه.

الرابط :
http://www.alhayat.com/article/4594195


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

تمجيد صدام حسين المجيد

كان يمكن للقصة الشهيرة التي تداولها عامة العرب عن صورة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين مطبوعة في كبد القمر أن تكون مجرد مزحة عابرة تذوب مثل قطعة ثلج أو تتبخر مثل بؤرة ماء، ولكن القصة المختلقة التي شاعت عشية تنفيذ حكم الإعدام في حقه من قبل الحكومة العراقية بعد إسقاط نظامه وتفكيك الدولة العراقية نتيجة حرب خاضها حلف دولي تقوده الولايات المتحدة، تمكنت في أذهان جيل بأكمله وتطورت إلى أشكال متجذرة لترميز الرئيس العراقي المخلوع. أصبح صدام ذا شعبية أكبر لدى قطاعات واسعة من الشباب العربي، فبإمكانك أن تلاحظ حجم الصور التي تنتشر له والأقوال المختلقة في محاولة لاستنطاقه بما يتمناه الشاب العربي من خطاب مشبع بالأنفة والاعتزاز ضد غطرسة الجانب الغربي من العالم أو الطائفة الشقيقة للغالبية السنية في الشرق الأوسط. لا تبدو سيرة صدام حسين مثيرة للإعجاب في التاريخ، فهو مجرد حاكم عربي عسكري يشبه أترابه ممن يقبض على سدة حكم الجمهوريات العربية المرتبكة في تقديم هوية سياسية ونظام حكم متماسك، يضاف إليه بطش أهوج وديكتاتورية مطبوعة بنزقه الشخصي وجنون العظمة الذي أودى بمستقبل العراق وشعبه في جملة من المغا...

«بيت الرشايدة».. «وقف» تحول «أكاديمية» تحتفظ بأسرار جدة

جدة – عمر البدوي   تسجل حارات وأزقة جدة القديمة، التي لا تزال تحتفظ بروحها وعبق تاريخها في الأبنية الشاهقة، وهي تقف في قلب المنطقة التاريخية، شهادة على النواة الأولى التي انبثقت منها واحدة من أهم المدن التجارية في تاريخ المملكة والشرق الأوسط. في حارة الشام، وتحديداً في شارع أبو عنبة، يقف معمار أخضر شامخاً بين أبنية المنطقة، على باب المبنى لوحة نُحتت عليها آية قرآنية، وأرّخت اللوحة في العام 1301 للهجرة. ويُسمى هذا المعمار «بيت الرشايدة»، نسبة إلى بانيه محمد عبدالرشيد، ويتكوّن من أدوار عدة، وأوقفه الرشيد علي العثماني في العام 1333هـ، بيت الرشايدة أو البيت الأخضر من أجمل البيوت التراثية وسط جدة القديمة، ويعود عمره إلى أكثر من 150 سنة. وتعود تسمية البيت إلى قبيلة الرشايدة التي ينتمي إليها بانيه وموقفه، وهي من القبائل المهاجرة من الحجاز وإليه. إلا أن ملكية البيت الآن تعود إلى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية. ولأن البيت خلال الستينات الميلادية من القرن الماضي، احتضن نشاطاً أكاديمياً، تحول الآن وبفضل أحد فنّاني جدة إلى «أكاديمية حديثة»، بعدما استأجر...