التخطي إلى المحتوى الرئيسي

«أم القماري» جزيرة الغروب الساحر في مياه البحر الأحمر

محمية طبيعية تبعد 20 كيلومتراً عن سواحل القنفدة


جدة – عمر البدوي 
يحالف الحظ أولئك الذين يحصلون على فرصة ثمينة وذهبية لمتابعة مشهد الغروب في أم القماري، فهناك تلامس حافة الكون فيما قرص الشمس ينغمس ببطء في كبد الليل الذي بدأ يخيّم في المكان .
أم القماري هي إحدى الجُزر السعوديّة الواقعة جنوب غرب محافظة القنفذة في البحر الأحمر، على بعد 20 كيلومتراً منها، وهي عبارة عن محمية طبيعية تُشرف عليها الهيئات الرسمية المُختصة في حماية الطبيعة في السعودية. وتتكون أم القماري من جزيرتين، هما: أم القماري البرانية، وأم القماري الفوقانية، وتبلغ مساحة الجزيرة الإجمالية حوالى 182.500 متر مُربع، أما عن سبب تسميتها بهذا الاسم فيعود إلى انتشار طيور القماري المطوقة الأفريقية بكثرة فيها.
يتكون سطح الجزيرة من رمال ساحلية بيضاء، إضافة إلى أحجار كلسية لا يقل متوسط ارتفاعها عن سطح البحر عن ثلاثة أمتار، وفي قاع المحيط المائي للجزيرة توجد الشعاب المرجانية المتنوعة على عمق نصف متر تحت سطح الماء، ما يجعلها ظاهرة للعيان، وتُستخرج منها بعض مكوّنات الأدوية الحيوية، فيما توجد الحيوانات اللافقارية البحرية، إضافة إلى السلاحف خطافية المنقار، والسلاحف الخضراء.
أما عن طبيعة الطيور التي تقطن الجزيرة، سواءً المهاجرة أو المقيمة، أم البحرية، أم البرية، إضافة إلى طيور القماري هناك العقاب النساري، ومالك الحزين، والبلشون الأبيض، والصقور النادرة؛ مثل الحر، والشاهين.
وتقدَّر أعداد الطيور في الجزيرة بالمئات، وهناك مواعيد مُحددة في كلّ عام لتزاوج القماري المُهاجرة التي تحط على أرض الجزيرة بأعداد كبيرة أيضاً، خلال شهر شباط (فبراير) من كل عام، وتُقيم تلك الطيور على الجزيرة بين شهري آذار (مارس)، وأيار (مايو) لغاية وضع البيض ورعايته حتى يفقس، ثمّ تعتني هذه الطيور في صغارها حتى تتمكن من الطيران؛ لتستأنف بعدها خط هجرتها باتجاه السواحل الشرقية لقارة أفريقيا، وتقصد الطيور المهاجرة أرض الجزيرة، هرباً من صقيع الشتاء شمال الكرة الأرضيّة.
وكان قدامى الصيادين من أهالي القنفذة يتوقفون في الجزيرة لبعض الوقت أثناء رحلات صيد الأسماك، نظراً لكثرة الشعاب المرجانية من حولها، لذا فإن المناطق المحيطة بها تعد غنية في الثروة السمكية. و لفت انتباه الصيادين أثناء بقائهم في البحر لأيام كثرة طيور القماري، فضلاً عن الطّيور البحريّة والشاطئيّة، كما أن قرب أم القماري من ساحل القنفذة يشجع على ارتيادها من زائري المحافظة وقاصديها، إذ تنظم رحلات الصيد إليها.
ويثير مشهد الجزيرة حين تنتشر على مساحتها الصغيرة المئات من الطيور، الدهشة والإعجاب، لا سيما عندما تُضيف تلك الطيور بأصواتها المختلفة عُنصراً جمالياً موسيقياً على تلك الجزيرة، فيما تحتضن أم القماري غابة من الأشجار الكثيفة، وتكثر النباتات وسط الجزيرتين المكونتين للجزيرة بكاملها، وأبرز تلك النباتات: الصبار، والأراك، والسواد، والثندة، والرغل، فيما توجد في الجزيرة بعض مياه الآبار.
وعلى رغم أن جزر أم القماري مصنفة ضمن الجُزر المُهمة، من الناحية البيئيّة في المملكة، لا سيما في منطقة البحر الأحمر، لكن لم يتم تنفيذ مشاريع سياحيّة في الجزيرة بهدف الحفاظ عليها، فيما يشتكي سكان محافظة القنفذة من صعوبة الوصول إلى الجزيرة عبر القوارب، إذ تستغرق الرحلة إليها حوالى 45 دقيقة.
وتضع الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، شروطاً عدة لدخول المحمية، وسط إجراءات ومُتابعات أمنية حثيثة، خشية الصيد الجائر في الجزيرة، وبغية الحفاظ على مظاهر الحياة الفطرية فيها.

الرابط :

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

تمجيد صدام حسين المجيد

كان يمكن للقصة الشهيرة التي تداولها عامة العرب عن صورة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين مطبوعة في كبد القمر أن تكون مجرد مزحة عابرة تذوب مثل قطعة ثلج أو تتبخر مثل بؤرة ماء، ولكن القصة المختلقة التي شاعت عشية تنفيذ حكم الإعدام في حقه من قبل الحكومة العراقية بعد إسقاط نظامه وتفكيك الدولة العراقية نتيجة حرب خاضها حلف دولي تقوده الولايات المتحدة، تمكنت في أذهان جيل بأكمله وتطورت إلى أشكال متجذرة لترميز الرئيس العراقي المخلوع. أصبح صدام ذا شعبية أكبر لدى قطاعات واسعة من الشباب العربي، فبإمكانك أن تلاحظ حجم الصور التي تنتشر له والأقوال المختلقة في محاولة لاستنطاقه بما يتمناه الشاب العربي من خطاب مشبع بالأنفة والاعتزاز ضد غطرسة الجانب الغربي من العالم أو الطائفة الشقيقة للغالبية السنية في الشرق الأوسط. لا تبدو سيرة صدام حسين مثيرة للإعجاب في التاريخ، فهو مجرد حاكم عربي عسكري يشبه أترابه ممن يقبض على سدة حكم الجمهوريات العربية المرتبكة في تقديم هوية سياسية ونظام حكم متماسك، يضاف إليه بطش أهوج وديكتاتورية مطبوعة بنزقه الشخصي وجنون العظمة الذي أودى بمستقبل العراق وشعبه في جملة من المغا...

«بيت الرشايدة».. «وقف» تحول «أكاديمية» تحتفظ بأسرار جدة

جدة – عمر البدوي   تسجل حارات وأزقة جدة القديمة، التي لا تزال تحتفظ بروحها وعبق تاريخها في الأبنية الشاهقة، وهي تقف في قلب المنطقة التاريخية، شهادة على النواة الأولى التي انبثقت منها واحدة من أهم المدن التجارية في تاريخ المملكة والشرق الأوسط. في حارة الشام، وتحديداً في شارع أبو عنبة، يقف معمار أخضر شامخاً بين أبنية المنطقة، على باب المبنى لوحة نُحتت عليها آية قرآنية، وأرّخت اللوحة في العام 1301 للهجرة. ويُسمى هذا المعمار «بيت الرشايدة»، نسبة إلى بانيه محمد عبدالرشيد، ويتكوّن من أدوار عدة، وأوقفه الرشيد علي العثماني في العام 1333هـ، بيت الرشايدة أو البيت الأخضر من أجمل البيوت التراثية وسط جدة القديمة، ويعود عمره إلى أكثر من 150 سنة. وتعود تسمية البيت إلى قبيلة الرشايدة التي ينتمي إليها بانيه وموقفه، وهي من القبائل المهاجرة من الحجاز وإليه. إلا أن ملكية البيت الآن تعود إلى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية. ولأن البيت خلال الستينات الميلادية من القرن الماضي، احتضن نشاطاً أكاديمياً، تحول الآن وبفضل أحد فنّاني جدة إلى «أكاديمية حديثة»، بعدما استأجر...