التخطي إلى المحتوى الرئيسي

مثقفون: الحزم الثقافي خطوة متأخرة عن الواقع



جدة - عمر البدوي 

أكد عدد من المثقفين، في مناسبة مرور عام على انطلاق عاصفة الحزم، تأخر التفاعل مع «العاصفة» من ناحية المواكبة الثقافية لحدث مهم مثل الذي شهدته المنطقة بأسرها، مشيرين إلى أن الثقافة والإعلام قصرا إلى حد كبير، وخصوصاً في البدايات في التعاطي مع الحدث وتقدير ما يستحقه من أهمية واستيعاب ثقافي. من ناحية أخرى، صاحب ملتقى النص الذي نظمه نادي جدة الأدبي وانتهت فعالياته قبل أيام، معرض تشكيلي لعدد كبير من الفنانين والفنانات، وضم لوحات تجسد الولاء والانتماء للوطن، تحفيزاً للجنود البواسل في «عاصفة الحزم»، إضافة إلى بورتريهات لملوك السعودية منذ مرحلة التأسيس.
وفي ليلة الافتتاح نفذت فعاليات مصاحبة أخرى، منها جدارية للمثقفين والأدباء والحضور لكتابة مشاعرهم تجاه العاصفة وتجاه جنودنا البواسل، الذين يدافعون عن الوطن والمواطن، في محاولة لتفعيل دور الثقافة في مواكبة الأحداث. وكان نادي جدة الأدبي أعلن إصدار ديوان شعري بعنوان «حزميات»، يتضمن مجموعة منتخبة من الشعراء الذين تفاعلوا مع «عاصفة الحزم». وأوضح النادي أن الديوان تضمن 151 قصيدة جاء تفاعلاً مع «عاصفة الحزم»، التي أطلقها التحالف العربي بقيادة السعودية لنصرة الشعب اليمني الشقيق.
وحدث أن نظمت بعض الأندية الأدبية السعودية أمسيات شعرية وثقافية تناولت هذا الحدث، مثل الأمسية الشعرية الكبرى في نادي الرياض الأدبي، وعلى رغم ذلك يلمس بعض المثقفين والمواطنين على السواء غياب الرافعة الثقافية عن حدث بهذا الحجم، وسواءً كان السؤال هو عن سر هذا الغياب الباهت أم عن كون الثقافة هي المنتجة أم التابعة لما يدور في الواقع. «الحياة» تستطلع آراء عدد من المثقفين حول هذه القضية.
الأديب غازي الفقيه قال لـ«الحياة»: «لم تكن الهبة السعودية لنجدة اليمن الشقيق والجار ذي القربى كياناً وشرعية، أمراً خارجاً عن ديدن سياسة قادة وشعب المملكة العربية السعودية، فالتاريخ خير شاهد ابتداءً بقضية فلسطين السليبة وتحرير الجزائر إلى تحرير دولة الكويت وإعادة الأمن والاستقرار لمملكة البحرين الشقيقة،
ويسجل موقف المملكة لنجدة شرعية اليمن عندما طلب منها ذلك لم تتردد، وكان قرار سلمان الحزم ومن ورائه شعبه بإغاثة الملهوف ونصرة الشقيق بعد أن سقطت العاصمتين السياسية والاقتصادية صنعاء وعدن في أيدي ميليشيات الحوثي، التي تبنتها إيران وجعلت منها نسخة مستنسخة من ميليشيات ما يسمى بحزب الله، فانتشرت الفوضى وضاعت الدولة اليمنية، وبدأت تلك الميليشيات في تنفيذ الأطماع الإيرانية.
عندها استجابت لنداء الشرعية وهبت عاصفة الحزم وتم بحمد الله تطويق الخطر الذي كان لو ترك لأصبحت اليمن بلداً مختطفاً كما هو حال لبنان الشقيق!!». وعن تفاعل المثقف أضاف الفقيه «من الغريب أن المثقف لم يكن تفاعله مع الحدث بالمستوى الذي يتواكب مع قوته وتأثيره، بل إن القلة من أصحاب الرأي والقلم ذهبت تتصارع في ما بينها منشغلة بتصنيفاتها المقيتة، والوطن بجيشه وقادته هم في عين العاصفة التي أوشكت على إنهاء المهمة النبيلة رغم أنف الحاقدين، وقريباً ستكلل التضحيات والجهود السعودية الحربية والإغاثية بدعم ومساندة من دول التحالف العربي من إعادة الشرعية لليمن الشقيق وفك قيود أسره من الفئة الباغية التي رهنت دينها وعروبتها بين يدي ملالي طهران!». في حين أوضحت الكاتبة الصحفية سالمة الموشي أنه إذا كانت القوة البشرية هي المحرك في الحروب التي تطاول الدول فإن «القوى الفكرية والثقافية ومنظومة الإعلام لا تقل قوة وتأثيراً، وهذا وللأسف ما نراه مغيباً وغير حاضر بما يكفي لمواكبة الحدث الكبير الذي تخوضه المملكة على الصعيد السياسي»، مشيرة إلى أنه منذ «عاصفة الصحراء» وحتى «عاصفة الحزم» فهناك «حلقة مفقودة في علاقة الإعلام بالحدث. وعلى رغم أن أهم المراحل السياسية التي مرت بها المملكة اتخذت مسميات ذات معنى عميق وقوي (العاصفة) ما يوحي بالقوة وسرعة الحركة، إلا أن الإعلام أو ما يعرف بالإعلام الحربي لم يكن بحجم الحدث، وبدا هزيلا ًوضعيفاً مقارنة بما يفترض أن يحدث أو يتناسب من المرحلة والتحرك السياسي الذي تعيشه المملكة في كل الاتجاهات، وليس هنا بمعنى الاكتفاء بالإعلام الحربي أو الإخباري فهناك الثقافي الذي غاب أيضاً إلا من صوت هنا وهناك وبالكاد يكون حضوراً موازياً لما يجب أن يكون عليه الأمر».
وأكدت الموشي أن هناك نقصاً كبيراً «في التزامن مع الحدث - الحرب وتبعاتها على الصعيد الدولي والمحلي - مقابل نشاط الإعلام المضاد الذي يناوش المملكة بالطرق كافة إعلامياً ولعلنا نلمس وبشكل واضح هذا التقصير والتفاعل في الإعلام، ومنها الصحافة والإذاعة والتلفزيون بقنواته الفضائية، هذا النقص يتمثل في غياب البرامج السياسية الثقافية والتثقيف السياسي ومخاطبة عقلية الشعب والتعاطي مع الأحداث بعمق ووعي أكبر، أيضاً غياب المحللين السياسيين القادرين على طرح الوقائع وربط المتلقي بالحدث والحقيقة، وغياب لكثير من البرامج الوثائقية والإخبارية والتقارير الميدانية المباشرة وشبه غياب في السوشل ميديا وشبكات التواصل الاجتماعي وهو ما نفتقده في مرحلة التحديات السياسية والثقافية الحالية، وأعتقد أن وزارة الإعلام في حاجة إلى تحرك أكبر وأسرع في هذه المرحلة بحاجة حقيقية إلى عاصفة إعلام». أما الروائي ناصر فلوس فتذكر تجربة الوزير والمثقف غازي القصيبي أيام حرب الخليج، وقال: «السبب الأول لضعف المواكبة الإعلامية للحدث الكبير عدم التخصص حتى أبرز المحللين السعوديين الذين يظهرون على القنوات الفضائية، فما بالك بالمراسلين بالمناطق الحدودية للصحف والقنوات الفضائية.
وأعتقد أن بعض النشطاء المستقلين على وسائل التواصل الاجتماعي وخصوصاً الفيسبوك وتويتر الذين لا ينتمون إلى وسائل إعلامية رسمية تفوقوا بمراحل على الرسميين ولهم شعبية ومتابعة كبيرة وتأثير أكبر لمصلحة البلد وقضيته»، لافتاً إلى أن الراحل القصيبي «تفوق أيام حرب الخليج لأنه مدرسة عالمية في التعامل مع وسائل الإعلام والإعلاميين في الخارج، وأجزم أن وزير الخارجية حالياً عادل الجبير يقوم بدور مشابه وكذلك مستشار وزير الدفاع أحمد عسيري»، مؤكداً أن الوضع اليوم «مختلف والفضاء المفتوح مؤثر ووسائل التواصل مشوشة والإنجازات في الواقع متقدمة جداً على النقل والتحليل والمتابعة الإعلامية».



الرابط :

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

تمجيد صدام حسين المجيد

كان يمكن للقصة الشهيرة التي تداولها عامة العرب عن صورة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين مطبوعة في كبد القمر أن تكون مجرد مزحة عابرة تذوب مثل قطعة ثلج أو تتبخر مثل بؤرة ماء، ولكن القصة المختلقة التي شاعت عشية تنفيذ حكم الإعدام في حقه من قبل الحكومة العراقية بعد إسقاط نظامه وتفكيك الدولة العراقية نتيجة حرب خاضها حلف دولي تقوده الولايات المتحدة، تمكنت في أذهان جيل بأكمله وتطورت إلى أشكال متجذرة لترميز الرئيس العراقي المخلوع. أصبح صدام ذا شعبية أكبر لدى قطاعات واسعة من الشباب العربي، فبإمكانك أن تلاحظ حجم الصور التي تنتشر له والأقوال المختلقة في محاولة لاستنطاقه بما يتمناه الشاب العربي من خطاب مشبع بالأنفة والاعتزاز ضد غطرسة الجانب الغربي من العالم أو الطائفة الشقيقة للغالبية السنية في الشرق الأوسط. لا تبدو سيرة صدام حسين مثيرة للإعجاب في التاريخ، فهو مجرد حاكم عربي عسكري يشبه أترابه ممن يقبض على سدة حكم الجمهوريات العربية المرتبكة في تقديم هوية سياسية ونظام حكم متماسك، يضاف إليه بطش أهوج وديكتاتورية مطبوعة بنزقه الشخصي وجنون العظمة الذي أودى بمستقبل العراق وشعبه في جملة من المغا...

«بيت الرشايدة».. «وقف» تحول «أكاديمية» تحتفظ بأسرار جدة

جدة – عمر البدوي   تسجل حارات وأزقة جدة القديمة، التي لا تزال تحتفظ بروحها وعبق تاريخها في الأبنية الشاهقة، وهي تقف في قلب المنطقة التاريخية، شهادة على النواة الأولى التي انبثقت منها واحدة من أهم المدن التجارية في تاريخ المملكة والشرق الأوسط. في حارة الشام، وتحديداً في شارع أبو عنبة، يقف معمار أخضر شامخاً بين أبنية المنطقة، على باب المبنى لوحة نُحتت عليها آية قرآنية، وأرّخت اللوحة في العام 1301 للهجرة. ويُسمى هذا المعمار «بيت الرشايدة»، نسبة إلى بانيه محمد عبدالرشيد، ويتكوّن من أدوار عدة، وأوقفه الرشيد علي العثماني في العام 1333هـ، بيت الرشايدة أو البيت الأخضر من أجمل البيوت التراثية وسط جدة القديمة، ويعود عمره إلى أكثر من 150 سنة. وتعود تسمية البيت إلى قبيلة الرشايدة التي ينتمي إليها بانيه وموقفه، وهي من القبائل المهاجرة من الحجاز وإليه. إلا أن ملكية البيت الآن تعود إلى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية. ولأن البيت خلال الستينات الميلادية من القرن الماضي، احتضن نشاطاً أكاديمياً، تحول الآن وبفضل أحد فنّاني جدة إلى «أكاديمية حديثة»، بعدما استأجر...