التخطي إلى المحتوى الرئيسي

رحيل العثيمين... أحد أبرز رواد الثقافة والآداب والتاريخ



الرياض - حسين الحربي - جدة - عمر البدوي 

شيعت الرياض عصر أمس الأمين العام لجائزة الملك فيصل العالمية السابق المؤرخ الدكتور عبدالله العثيمين، الذي توفي بعد معاناة طويلة مع المرض، ووُوري جثمانه في مقبرة النسيم. ونعى الراحل عدد كبير من الباحثين والمؤرخين والمثقفين، كما كتب وزير الثقافة والإعلام الدكتور عادل الطريفي في حسابه بموقع التواصل الاجتماعي «تويتر» إن الراحل المؤرخ الدكتور عبدالله الصالح العثيمين، «أحد الرجالات الوطنيين الذين أثروا ساحاتنا العلمية والتأريخية».
واعتبر عضو مجلس الشورى الدكتور عبدالله الفيفي رحيل العثيمين، «غياب رمز من رموز الحركة التاريخية والثقافية والأدبية على مستوى المملكة، ألّف الكثير من الكتب في التاريخ والأدب السعودي»، مشيراً إلى أن العثيمين «من الفاعلين في الحركة الثقافية، إذ أصدر عدداً من المؤلفات والدواوين وعاش مهتماً باللغة والأدب، وكان رحمه الله أحد رواد الدراسات التاريخية في التاريخ المعاصر للدولة السعودية بمراحلها الثلاث».
وأعرب الفيفي عن أمله بأن «تستثمر جهود الفقيد المتعددة في مجالات مختلفة، للبناء عليها والتعلم من تجربته في العمل وتحدي الصعاب». وأضاف: «ما أحوجنا اليوم إلى أن نطّلع على تجارب الرواد والعصاميين والمميزين في الثقافة والأدب والفن واللغة، لكي نصنع منجزاً متراكماً يستفيد من جهد السابقين في سبيل تحقيق نهضة حضارية تخدم الثقافة وأهلها».
في حين، قال الأمين العام لمركز الملك عبدالله العالمي للغة العربية الدكتور عبدالله الوشمي أن الراحل «كان ‏صديقاً عزيزاً لأسرتي، وهو شاعر وأكاديمي ومؤرخ عريق، ‏وكثير من مقالاته عن فلسطين، ‏ومن أحرص المناصرين للعربية، ووهبه الله بسطة في العلم والخُلق الحميد، وهو صوت سعودي مميز عرفه العرب».
وأوضح رئيس نادي الرياض الأدبي الدكتور عبدالله الحيدري أن الراحل «مؤرّخ شهير وشاعر معروف، ارتبط اسمه بجائزة الملك فيصل العالمية أميناً لها»، مشيراً إلى أن الراحل عضو في الجمعية العمومية في نادي الرياض الأدبي منذ العام١٤٣٢هـ، وأن النادي أصدر له «تأملات في التاريخ والفكر». وقال: «على رغم ظروفه الصحية إلا أنه حضر للنادي الأدبي عام١٤٣٦هـ في مناسبة «يوم اللغة العربية»، وشارك في تكريم الدكتور محمد الهدلق».
وقال الروائي عبده خال إن وفاة الدكتور العثيمين «خسارة للأدب والتاريخ والتواضع»، مبيناً أن الوطن «فقد رجلاً نذر عمره لخدمته، علماً وتعليماً وشعراً وتاريخاً وشورى». وغرد الكاتب تركي الحمد قائلاً إنه تعرف على الراحل في الجامعة، «كان دمث الأخلاق دائم الابتسامة لطيف المعشر، رحمه الله وغفر له وأسكنه جنته».
وقضى الراحل عقوداً في خدمة العلم والمعرفة التي تعلق بها وصرف لها عمره، إذ عمل لما يقارب 30 عاماً أميناً عاماً لجائزة الملك فيصل العالمية، وعضواً في مجلس الشورى لعشرة أعوام، وأمضى في التدريس الجامعي 28 عاماً، وكان طوال تلك الأعوام يراكم خبراته مخلصاً للعلم ونذراً للعمل.
ووُلد العثيمين عام 1936 في عنيزة، وتعلّم مبادئ القراءة والكتابة في مسقط رأسه، ثم التحق بالتعليم الحكومي ١٩٥٠، وتخرج بقسم التاريخ في جامعة الملك سعود بالرياض ١٩٦٢. ورحل العثيمين من بلدته قبل أن يعود إليها حاملاً درجة الدكتوراه من جامعة أدنبرا في أسكتلندا ١٩٧٢، في أطروحته عن الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وعاد بعد نيله للدكتوراه ليصبح عضواً بهيئة التدريس في قسم التاريخ بجامعة الملك سعود، ثم ترقى إلى درجة أستاذ بعدها بـ10 أعوام.
في أدنبرا كان العثيمين عمدة السعوديين، وبعد عودته إلى المملكة ترك فراغاً كبيراً لدى السعوديين والعرب والباكستانيين والأسكتلنديين وغيرهم ممن كانوا على صلة به، ولكنه ظل وخلال الأعوام التالية يواصل زيارتهم كلما سنحت له فرصة، وربما بعث إليهم بالبريد كراتين مملوءة بالفقع «الكمأ».
وبعودته انطلق في رحلة جديدة أكثر ثراء وغنى في فنون العلم والمعرفة التي يجيد أدواتها ويلم بخيوطها، إذ شارك في لجان وندوات ومحاضرات ومؤتمرات ومجالس علمية متخصصة، وأثرى المكتبة السعودية بالعديد من المؤلفات التاريخية والأدبية، وعضواً في هيئة تحرير مجلة الدارة، ورسالة وحوليات كلية الآداب بجامعة الكويت وأصبح وجهاً معروفاً، وشكّل ثقلاً في الحركة العلمية والثقافية على مستوى المملكة وخارجها.
ابن عنيزة الراحل عبدالله العثيمين شقيق للعلّامة الكبير محمد بن عثيمين الذي كان اسمه وأثره يطبق الآفاق وحضوره امتد في أطراف العالم، غير أن هذه الامتداد الواسع لم يحجب دور شقيقه الذي اختط طريقته في صنع ذاته وتوسيع أثره، وأصبح رافداً ممتازاً عن سواه بدلاً من أن يكون سيلاً جارفاً يبتلع ما دونه.
تخصص في التاريخ وكتب رسالته العلمية عن الشيخ محمد بن عبدالوهاب وتاريخ المملكة، إضافة إلى بحوث وتعليقات ومحاضرات في تاريخ المملكة، ونشأة إمارة آل رشيد والعلاقة بين الدولة السعودية الأولى والكويت ومعارك الملك عبدالعزيز المشهورة لتوحيد المملكة، إلى جانب تحقيقاته وترجماته عن الإنكليزية.
ولم يكن لتخصصه وجهوده في التاريخ المشهور بدقته وصرامته التحريرية أن يمنع عنه عاطفة الشعر وحماسته، إذ لانت له الحروف واندلقت منه المشاعر الجياشة في دواوينه الشعرية، «عودة الغائب» 1401، و«بوح الشباب» 1415، و«لا تسلني» 1415.
وذكره الأديب عبدالله بن إدريس في كتابه الشهير «شعراء نجد المعاصرون» الذي أصدره عام 1960، ونشر له قصائد وطنية تتحدث عن فلسطين والجزائر وهموم الأمة العربية، يوم كان المد القومي العربي طاغياً.



الرابط :

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

تمجيد صدام حسين المجيد

كان يمكن للقصة الشهيرة التي تداولها عامة العرب عن صورة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين مطبوعة في كبد القمر أن تكون مجرد مزحة عابرة تذوب مثل قطعة ثلج أو تتبخر مثل بؤرة ماء، ولكن القصة المختلقة التي شاعت عشية تنفيذ حكم الإعدام في حقه من قبل الحكومة العراقية بعد إسقاط نظامه وتفكيك الدولة العراقية نتيجة حرب خاضها حلف دولي تقوده الولايات المتحدة، تمكنت في أذهان جيل بأكمله وتطورت إلى أشكال متجذرة لترميز الرئيس العراقي المخلوع. أصبح صدام ذا شعبية أكبر لدى قطاعات واسعة من الشباب العربي، فبإمكانك أن تلاحظ حجم الصور التي تنتشر له والأقوال المختلقة في محاولة لاستنطاقه بما يتمناه الشاب العربي من خطاب مشبع بالأنفة والاعتزاز ضد غطرسة الجانب الغربي من العالم أو الطائفة الشقيقة للغالبية السنية في الشرق الأوسط. لا تبدو سيرة صدام حسين مثيرة للإعجاب في التاريخ، فهو مجرد حاكم عربي عسكري يشبه أترابه ممن يقبض على سدة حكم الجمهوريات العربية المرتبكة في تقديم هوية سياسية ونظام حكم متماسك، يضاف إليه بطش أهوج وديكتاتورية مطبوعة بنزقه الشخصي وجنون العظمة الذي أودى بمستقبل العراق وشعبه في جملة من المغا...

«بيت الرشايدة».. «وقف» تحول «أكاديمية» تحتفظ بأسرار جدة

جدة – عمر البدوي   تسجل حارات وأزقة جدة القديمة، التي لا تزال تحتفظ بروحها وعبق تاريخها في الأبنية الشاهقة، وهي تقف في قلب المنطقة التاريخية، شهادة على النواة الأولى التي انبثقت منها واحدة من أهم المدن التجارية في تاريخ المملكة والشرق الأوسط. في حارة الشام، وتحديداً في شارع أبو عنبة، يقف معمار أخضر شامخاً بين أبنية المنطقة، على باب المبنى لوحة نُحتت عليها آية قرآنية، وأرّخت اللوحة في العام 1301 للهجرة. ويُسمى هذا المعمار «بيت الرشايدة»، نسبة إلى بانيه محمد عبدالرشيد، ويتكوّن من أدوار عدة، وأوقفه الرشيد علي العثماني في العام 1333هـ، بيت الرشايدة أو البيت الأخضر من أجمل البيوت التراثية وسط جدة القديمة، ويعود عمره إلى أكثر من 150 سنة. وتعود تسمية البيت إلى قبيلة الرشايدة التي ينتمي إليها بانيه وموقفه، وهي من القبائل المهاجرة من الحجاز وإليه. إلا أن ملكية البيت الآن تعود إلى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية. ولأن البيت خلال الستينات الميلادية من القرن الماضي، احتضن نشاطاً أكاديمياً، تحول الآن وبفضل أحد فنّاني جدة إلى «أكاديمية حديثة»، بعدما استأجر...