التخطي إلى المحتوى الرئيسي

نواف السلمي.. ثالث ضحايا الحافلات المدرسية في جدة



جدة - عمر البدوي 

في يوم العزاء الثاني منذ الرحيل المأسوي للطالب نواف السلمي الذي توفي مختنقاً في حافلة مدرسته، ما زال الوجوم سيد المشهد وعائلته في موقف لا يحسد عليه، بعد أن قضى ابنهم آخر يوم دراسي له محبوساً بين مقاعد الحافلة التي يفترض أن تقله إلى المدرسة، ولكنها نقلته إلى حيث لا رجعة.
يستقبل والده وذووه المواسين باستمرار في محل العزاء بالحرازات جنوب مدينة جدة، وتنتظم طوابير المعزين، بينما يردد والده مطلبه الرئيس تجاه فاجعة فقد ابنه الصغير، وهو محاسبة المسؤولين وكل من تقع عليه أدنى صلة بالموضوع.
والده في كل مرة يحاول الحديث فيها أو مجاراة معزيه بالكلام يغرق في البكاء، عبر الهاتف أو التلفزيون، تختنق كلماته وينتهي به الكلام إلى نشيج يختبئ وراءه ألم قاس لفقدان فلذة كبده.
كان نواف السلمي (8 أعوام) واحداً من طلاب الصف الثاني الابتدائي في مدرسة أهلية شهيرة بحي فيحاء جدة، واضطر خلال الأسبوع الذي يسبق وفاته إلى الغياب لأسباب مرضية، قبل أن يعود متحمساً لاستئناف دروسه واستدراك ما فاته مع زملائه، ولكن الأجل كان أسبق.
أما سائق الحافلة خالد هديش فيمر بحال سيئة، وزاره أفراد من المدرسة في البيت بعد وقوع الحادثة، لا سيما وأنه مُوقف عن العمل حتى تتضح ملابسات الوفاة.
الأجواء داخل المدرسة ليست طبيعية كعادة صباحات الدوام، إذ يشكّل مقعد نواف، الذي أصبح فارغاً منذ يومين، عبئاً نفسياً على الطلاب، وحاولت «الحياة» زيارة المدرسة وفصل الطالب، لكن ظروف الحادثة تخيم على النفوس وجوانب المباني الدراسية.
طلال (الشقيق الأكبر للضحية) كان آخر أفراد العائلة اتصالاً بنواف، إذ شاطره رحلة الدوام الأخير في عمره قبل أن ينزل قبله في قسم المرحلة المتوسطة المنفصل عن الابتدائي، والذي يفترض بأخيه الأصغر أن ينزل إليه، ولم يحدث.
الوالد المكلوم أحمد السلمي لا يريد لهذا الموقف أن يتكرر، ويطالب بأن تضع الأنظمة والعقوبات الصارمة حداً لتفادي التقصير الذي تكون نهايته خسارة فرد من عائلة ما. فوفاة ابنه نواف ليست الأولى من نوعها التي تقع في جدة، بل الثالثة التي تودي بضحاياها من الأطفال اختناقاً في حافلات المدرسة، بعد نسيانهم غاطين في نوم بريء.
وكان حي النزلة في جدة مسرح الحادثة الأولى باختناق طفل (7 أعوام) في حافلة مدرسته، والثانية لطفل (5 أعوام)، إذ اختنق عبدالملك بن مروان هو الآخر بعد أن نُسي في حافلة مدرسته بحي الرحاب.
وعلى رغم أن المدرسة الأهلية التي كان نواف طالباً فيها تضع كاميرات مراقبة في كل زوايا المدرسة ولا تخلو قاعة داخلها من عدسة للمتابعة، إلا أنها لم تستطع النجاة من حوادث اختناق الطلاب في الحافلات، ووقعت هي الأخرى في خطأ التقصير وضعف إجراءات المتابعة والتحري.

الرابط :

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

تمجيد صدام حسين المجيد

كان يمكن للقصة الشهيرة التي تداولها عامة العرب عن صورة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين مطبوعة في كبد القمر أن تكون مجرد مزحة عابرة تذوب مثل قطعة ثلج أو تتبخر مثل بؤرة ماء، ولكن القصة المختلقة التي شاعت عشية تنفيذ حكم الإعدام في حقه من قبل الحكومة العراقية بعد إسقاط نظامه وتفكيك الدولة العراقية نتيجة حرب خاضها حلف دولي تقوده الولايات المتحدة، تمكنت في أذهان جيل بأكمله وتطورت إلى أشكال متجذرة لترميز الرئيس العراقي المخلوع. أصبح صدام ذا شعبية أكبر لدى قطاعات واسعة من الشباب العربي، فبإمكانك أن تلاحظ حجم الصور التي تنتشر له والأقوال المختلقة في محاولة لاستنطاقه بما يتمناه الشاب العربي من خطاب مشبع بالأنفة والاعتزاز ضد غطرسة الجانب الغربي من العالم أو الطائفة الشقيقة للغالبية السنية في الشرق الأوسط. لا تبدو سيرة صدام حسين مثيرة للإعجاب في التاريخ، فهو مجرد حاكم عربي عسكري يشبه أترابه ممن يقبض على سدة حكم الجمهوريات العربية المرتبكة في تقديم هوية سياسية ونظام حكم متماسك، يضاف إليه بطش أهوج وديكتاتورية مطبوعة بنزقه الشخصي وجنون العظمة الذي أودى بمستقبل العراق وشعبه في جملة من المغا...

«بيت الرشايدة».. «وقف» تحول «أكاديمية» تحتفظ بأسرار جدة

جدة – عمر البدوي   تسجل حارات وأزقة جدة القديمة، التي لا تزال تحتفظ بروحها وعبق تاريخها في الأبنية الشاهقة، وهي تقف في قلب المنطقة التاريخية، شهادة على النواة الأولى التي انبثقت منها واحدة من أهم المدن التجارية في تاريخ المملكة والشرق الأوسط. في حارة الشام، وتحديداً في شارع أبو عنبة، يقف معمار أخضر شامخاً بين أبنية المنطقة، على باب المبنى لوحة نُحتت عليها آية قرآنية، وأرّخت اللوحة في العام 1301 للهجرة. ويُسمى هذا المعمار «بيت الرشايدة»، نسبة إلى بانيه محمد عبدالرشيد، ويتكوّن من أدوار عدة، وأوقفه الرشيد علي العثماني في العام 1333هـ، بيت الرشايدة أو البيت الأخضر من أجمل البيوت التراثية وسط جدة القديمة، ويعود عمره إلى أكثر من 150 سنة. وتعود تسمية البيت إلى قبيلة الرشايدة التي ينتمي إليها بانيه وموقفه، وهي من القبائل المهاجرة من الحجاز وإليه. إلا أن ملكية البيت الآن تعود إلى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية. ولأن البيت خلال الستينات الميلادية من القرن الماضي، احتضن نشاطاً أكاديمياً، تحول الآن وبفضل أحد فنّاني جدة إلى «أكاديمية حديثة»، بعدما استأجر...