التخطي إلى المحتوى الرئيسي

«بوابة الشتاء» : الأمطار تغسل جبال السعودية وتغرق أوديتها



جدة - عمر البدوي 

أنعشت موجة الأمطار، التي عمت مناطق عدة من المملكة ساكنيها، وشجعتهم على تنظيم جولات ورحلات ممتعة في ربوع الأودية، وخوض مغامرات قطع الجبال والمفاوز، التي اخضرت على أثر هطول المطر. وعلى رغم التحذيرات المتكررة من مراكز الدفاع المدني للمواطنين والمقيمين، وحثهم على تجنب أماكن تجمع المياه والسيول التي خلفت ضحايا أخيراً، إلا أن الأودية وسفوح الجبال حظيت بالمتنزهين، وهو ما ألهب حماسة المصورين لالتقاط الصور والمقاطع، ونشرها عبر وسائط التواصل الاجتماعي.
وسافر مطاردو الأمطار مسافات طويلة بين مدن المملكة وعبر جبالها الشاهقة للحاق بامتداد الحال المطرية، وهي هواية في أصبحت تنتظم شباباً يتابعون تحولات الطقس، ويتبادلون عبر العالم الافتراضي المعلومات، ما يضفي الحماسة والمتعة إلى هذه الهواية. وكست موجة الأمطار التي هطلت على المناطق الجنوبية والغربية من السعودية جبال تلك المناطق باللون الأخضر، إذ نبتت على خواصرها الأعشاب واغتسلت طرقها المتعرجة بماء المطر المنهمر لأيام متصلة.
من عنق مدينة الباحة العلوية مروراً بمدن تهامة ومناطقها حتى وسط عسير نزولاً إلى مدينة جازان التي ظفرت بنسب أمطار كثيرة الغزارة، حزام واسع من الجبال التي ارتدت اللون الأخضر عن بكرتها وأجرت الأودية مياهها حتى غصت بها.
وفي ظل تزايد تناقص درجات الحرارة ، تأتي موجة الأمطار كبوابة للشتاء دفعت الكثير من ساكني تلك المناطق إلى تنظيم جولات ورحلات ممتعة في ربوع الأودية وخوض مغامرات قطع الجبال والمفاوز، واخضرّت من وقع المطر. تتميز المناطق الواقعة على امتداد جبال السروات في الجزء الغربي من المملكة بمدرجاتها الزراعية الخضراء، التي تتكئ على مرتفعاتها الجبلية المعانقة بشموخها للضباب، مكونة أمام الناظر لوحة بانورامية جميلة يصاحبها متعة بصرية بوجود (ألوان الطيف) الظاهرة بخطوطها المتوازية في لحظات ما بعد سقوط المطر الذي يروي الجبال ووديانها على مدار فترات شبه مستمرة من العام. وحينما ينهمر المطر على سفوح الجبال بغزارة، تبدأ الشلالات المائية في الانحدار في مسارات مختلفة باتجاه بطون الأودية، فتروي على طريقها الأزهار والأعشاب والأشجار، وتمتلئ بها الآبار لتعيد للساقية صوتها الذي اعتاد على سماعه أهالي المنطقة عند جلب المياه من البئر.
ألهبت فرص هطول الأمطار حماسة المصورين لتلتقط وتنشر عبر وسائط التواصل الاجتماعي الجديدة جانباً من بهاء ذلك الجمال الذي نثره المطر مخضراً في الجبال والأودية، تنقل الصورة الماهرة جزءاً من حقيقة الطبيعة التي تختبئ بعيداً عن أعين المستثمر الواعي لمثل هذه الفرص الذهبية للإثراء والإمتاع. فيما يسافر مطاردو الأمطار مسافات طويلة بين مدن المملكة وعبر جبالها الشاهقة للقبض على امتداد الحال المطرية هناك، هواية في طريقها للنضج تلك التي أصبحت تنتظم شباباً يعشقون هذا النوع من المطاردة وتتبع ظروف الطقس واحتمالات المناخ الممطر للحصول على أفضل مناسبة تجمعهم بعطايا السماء، وعبر علاقاتهم الافتراضية يتكون تواصل وتبادل حي للمعلومات يضفي الكثير من الحماسة والمتعة إلى هذه الهواية.
وكثيراً ما أصبح مطاردو المطر مصدراً حياً وفاعلاً لأخبار الطقس غير أن حاجتهم إلى التنظيم ماسة جداً، ولا سيما بعد تفلت بعضهم من قوانين العمل المحكم على أسس علمية، ما دفع بعض الجهات الرسمية إلى التحذير من بعض الممارسات غير المحسوبة، التي قد تعرض صاحبها للمساءلة القانونية.



الرابط :


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

تمجيد صدام حسين المجيد

كان يمكن للقصة الشهيرة التي تداولها عامة العرب عن صورة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين مطبوعة في كبد القمر أن تكون مجرد مزحة عابرة تذوب مثل قطعة ثلج أو تتبخر مثل بؤرة ماء، ولكن القصة المختلقة التي شاعت عشية تنفيذ حكم الإعدام في حقه من قبل الحكومة العراقية بعد إسقاط نظامه وتفكيك الدولة العراقية نتيجة حرب خاضها حلف دولي تقوده الولايات المتحدة، تمكنت في أذهان جيل بأكمله وتطورت إلى أشكال متجذرة لترميز الرئيس العراقي المخلوع. أصبح صدام ذا شعبية أكبر لدى قطاعات واسعة من الشباب العربي، فبإمكانك أن تلاحظ حجم الصور التي تنتشر له والأقوال المختلقة في محاولة لاستنطاقه بما يتمناه الشاب العربي من خطاب مشبع بالأنفة والاعتزاز ضد غطرسة الجانب الغربي من العالم أو الطائفة الشقيقة للغالبية السنية في الشرق الأوسط. لا تبدو سيرة صدام حسين مثيرة للإعجاب في التاريخ، فهو مجرد حاكم عربي عسكري يشبه أترابه ممن يقبض على سدة حكم الجمهوريات العربية المرتبكة في تقديم هوية سياسية ونظام حكم متماسك، يضاف إليه بطش أهوج وديكتاتورية مطبوعة بنزقه الشخصي وجنون العظمة الذي أودى بمستقبل العراق وشعبه في جملة من المغا...

«بيت الرشايدة».. «وقف» تحول «أكاديمية» تحتفظ بأسرار جدة

جدة – عمر البدوي   تسجل حارات وأزقة جدة القديمة، التي لا تزال تحتفظ بروحها وعبق تاريخها في الأبنية الشاهقة، وهي تقف في قلب المنطقة التاريخية، شهادة على النواة الأولى التي انبثقت منها واحدة من أهم المدن التجارية في تاريخ المملكة والشرق الأوسط. في حارة الشام، وتحديداً في شارع أبو عنبة، يقف معمار أخضر شامخاً بين أبنية المنطقة، على باب المبنى لوحة نُحتت عليها آية قرآنية، وأرّخت اللوحة في العام 1301 للهجرة. ويُسمى هذا المعمار «بيت الرشايدة»، نسبة إلى بانيه محمد عبدالرشيد، ويتكوّن من أدوار عدة، وأوقفه الرشيد علي العثماني في العام 1333هـ، بيت الرشايدة أو البيت الأخضر من أجمل البيوت التراثية وسط جدة القديمة، ويعود عمره إلى أكثر من 150 سنة. وتعود تسمية البيت إلى قبيلة الرشايدة التي ينتمي إليها بانيه وموقفه، وهي من القبائل المهاجرة من الحجاز وإليه. إلا أن ملكية البيت الآن تعود إلى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية. ولأن البيت خلال الستينات الميلادية من القرن الماضي، احتضن نشاطاً أكاديمياً، تحول الآن وبفضل أحد فنّاني جدة إلى «أكاديمية حديثة»، بعدما استأجر...