التخطي إلى المحتوى الرئيسي

«بلاك بيري» و«واتساب».. يتصوفان في رمضان!



القنفذة - عمر البدوي
الخميس ١٨ يوليو ٢٠١٣

(جارٍ تحويل «اللستة» إلى مطاوعة)، هذا النص التهكمي يجمع بين حسّ الفكاهة التي يمتاز بها المزاج العام لأطروحات أجهزة «البلاك بيري» وبين التعبير عن الأجواء التي تسود الرسائل الجماعية المشتركة (البرودكاست)، إذ تسير هذه الرسائل وفق اتجاه عام تحدده الفترة الزمانية التي تعيشها الأصابع «المتحدثة».
وبحلول شهر رمضان المبارك، يتحول المزاج العام لرسائل «البلاك بيري» (أشهر أدوات وشبكات التواصل الاجتماعي) إلى إحساس ديني عام، وشعور تعبدي وإيماني بالتزامن مع انخراط المسلمين في أجواء رمضان الروحانية.
عبدالرحمن سيد الذي يملك جهازاً من نوع «كيرف» منذ أربعة أعوام، يذكر أن شبكة «البلاك بيري» خلال شهر رمضان المبارك تتحول إلى يوم جمعة طويل ولـ30 ليلة، إذ يشبه ما يدور فيها إلى حد قريب ما يحصل خلال يوم الجمعة من كل أسبوع، إذ تتحول الأجهزة إلى مآذن ومنابر وعظية، وهذا يعبّر عن تقارب الشبكات الاجتماعية الافتراضية مع الواقع البشري الحقيقي.
ويضيف عمر منصور الذي تخلى عن جهازه «البلاك بيري» بعد أعوام من اقتنائه بحجة الملل والسأم، أن ما يحدث في رسائل «البلاك بيري» خلال رمضان يقترب من «التظاهر بالتدين»، لأن معظم من يبثّ رسائل دينية ووعظية - ممن يعرفهم - قليلاً ما يلتزم بمضمون رسالته أو يستجيب لتأثيرها ونصحها، وهذا لا يروق له كما يقول، إذ يكفي الإنسان أن يتحمل تقصيره من دون أن يتظاهر بالتدين، خصوصاً أنه على امتداد العام تشيع رسائل سطحية وفارغة.
بلغيث صديق على العكس تماماً من سابقه، إذ يجد في تحوّل أجهزة «البلاك بيري» إلى مواعظ وتوجيهات دينية، دافعاً للتصالح مع النفس والخضوع القلبي، وتحريض الروح إلى التجاوب مع هذه الأجواء الرمضانية والدينية العبقة، ويضيف: «على رغم الرسائل المكررة في شكل «فظيع»، ولكنها تؤكد أن شباب «البلاك بيري» لا يحب الخروج عن الإطار المجتمعي العام، وهو تعبير صريح عن عدم نيتهم التمرد على تقاليد المجتمع وقيمه الأصيلة».
في السياق ذاته، يأتي حديث الشاب مفرح جبريل وهو ضليع في أجهزة «البلاك بيري» وشبكته الاجتماعية المنتشرة، ليؤكد التحول الكبير في الرسائل وأصحابها باتجاه 180 درجة وربما أكثر، وتختلف الرسائل بحسب وصف جبريل بين نوع جاد وناصح وآخر ساخر وكوميدي من دون المساس بالقيم الأصيلة لهذه العبادة وموسم رمضان المبارك.
وقال جبريل إن الرسائل تختلف كذلك تبعاً للوقت التي ترسل فيه، إذ تبدو رسائل من يرسلونها فجر كل يوم رمضاني، وكأن على رؤوسهم الطير بنمطها الهادئ وحجم الرصانة الدينية في مضامينها، بخلاف رسائلهم قبل الإفطار وأذان المغرب، إذ تسهب في التهكم على الشباب بحجة الجوع والعطش الشديدين.
وينهي جبريل حديثه بقراءة آخر رسائل «البرودكاست» التي نشرها عبر أثير «البلاك بيري»: «في رمضان.. تغيّرت الصور، تغيّرت العبارات، وأتمنى أن تتغير النفوس!».

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

تمجيد صدام حسين المجيد

كان يمكن للقصة الشهيرة التي تداولها عامة العرب عن صورة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين مطبوعة في كبد القمر أن تكون مجرد مزحة عابرة تذوب مثل قطعة ثلج أو تتبخر مثل بؤرة ماء، ولكن القصة المختلقة التي شاعت عشية تنفيذ حكم الإعدام في حقه من قبل الحكومة العراقية بعد إسقاط نظامه وتفكيك الدولة العراقية نتيجة حرب خاضها حلف دولي تقوده الولايات المتحدة، تمكنت في أذهان جيل بأكمله وتطورت إلى أشكال متجذرة لترميز الرئيس العراقي المخلوع. أصبح صدام ذا شعبية أكبر لدى قطاعات واسعة من الشباب العربي، فبإمكانك أن تلاحظ حجم الصور التي تنتشر له والأقوال المختلقة في محاولة لاستنطاقه بما يتمناه الشاب العربي من خطاب مشبع بالأنفة والاعتزاز ضد غطرسة الجانب الغربي من العالم أو الطائفة الشقيقة للغالبية السنية في الشرق الأوسط. لا تبدو سيرة صدام حسين مثيرة للإعجاب في التاريخ، فهو مجرد حاكم عربي عسكري يشبه أترابه ممن يقبض على سدة حكم الجمهوريات العربية المرتبكة في تقديم هوية سياسية ونظام حكم متماسك، يضاف إليه بطش أهوج وديكتاتورية مطبوعة بنزقه الشخصي وجنون العظمة الذي أودى بمستقبل العراق وشعبه في جملة من المغا...

«بيت الرشايدة».. «وقف» تحول «أكاديمية» تحتفظ بأسرار جدة

جدة – عمر البدوي   تسجل حارات وأزقة جدة القديمة، التي لا تزال تحتفظ بروحها وعبق تاريخها في الأبنية الشاهقة، وهي تقف في قلب المنطقة التاريخية، شهادة على النواة الأولى التي انبثقت منها واحدة من أهم المدن التجارية في تاريخ المملكة والشرق الأوسط. في حارة الشام، وتحديداً في شارع أبو عنبة، يقف معمار أخضر شامخاً بين أبنية المنطقة، على باب المبنى لوحة نُحتت عليها آية قرآنية، وأرّخت اللوحة في العام 1301 للهجرة. ويُسمى هذا المعمار «بيت الرشايدة»، نسبة إلى بانيه محمد عبدالرشيد، ويتكوّن من أدوار عدة، وأوقفه الرشيد علي العثماني في العام 1333هـ، بيت الرشايدة أو البيت الأخضر من أجمل البيوت التراثية وسط جدة القديمة، ويعود عمره إلى أكثر من 150 سنة. وتعود تسمية البيت إلى قبيلة الرشايدة التي ينتمي إليها بانيه وموقفه، وهي من القبائل المهاجرة من الحجاز وإليه. إلا أن ملكية البيت الآن تعود إلى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية. ولأن البيت خلال الستينات الميلادية من القرن الماضي، احتضن نشاطاً أكاديمياً، تحول الآن وبفضل أحد فنّاني جدة إلى «أكاديمية حديثة»، بعدما استأجر...