التخطي إلى المحتوى الرئيسي

العودة للدراسة في السعودية .. موسم للأحلام والغربة وإثبات الذات


آخر تحديث: الإثنين، ٢٥ سبتمبر/ أيلول ٢٠١٧ (٠١:٠٠ - بتوقيت غرينتش)جدة - عمر البدوي 

يعيش المجتمع السعودي أيام العودة إلى المدارس، بعد انقطاع طويل فرضته إجازة الصيف غير المسبوقة بـ١٢٠ يوماً، كان الطلاب خلالها بعيدين تماماً عن المقاعد والمناهج والدروس، البعض يعيش تجربة مختلفة كلياً عن مراحله الدراسية السابقة، ينضم إلى إحدى كليات المملكة في التخصص الذي ارتضاه محطة لطاقاته ومواهبه أو لأنه قبل فيها فقط لعدم توفر البديل. كما أن آخرين يعيشون تجربتين مختلفتين في آن واحد، الدراسة في الكلية والسفر إلى منطقة مختلفة عن تلك التي عاش فيها ردحاً طويلاً من عمر طفولته ودراسته الأساسية.
إبراهيم راشد تخرج العام الماضي من الثانوية، وبنسبة عالية تؤهله للانضمام إلى كلية الطب التي طالما تعلق بها وشغف بموادها، العمل طبيباً كان حلماً قابلاً للتحقق طالما لديه الرغبة والاستعداد، حزم حقائبه أخيراً للسفر إلى مدينة تبعد عن مسقط رأسه نحو ٤٠٠ كيلومتر للانضمام إلى بقية زملائه، ودع أهله واستودعوه دعواتهم وأمنياتهم بالتوفيق والنجاح، لقد أصبح السفر جزءاً من تقاليد الدراسة في مرحلتها الجديدة.
ما يقرب من مليون طالب ملتحق بأكثر من ٢٥ جامعة سعودية، يخلقون حركة تجارية ومرورية وتعليمية ضخمة مع انطلاق موسم الدراسة الجديد، تشرع المكتبات والقرطاسيات في فتح الباب لمنتجاتها ومبيعاتها، والشقق والمساكن للعروض لقاصديها، بالتزامن مع فتح قاعات الدرس والمحاضرات، على رغم أن الكثير من الاقتصاديين يرون في هذا إنهاكاً لاقتصاد الأسر، وأيضاً تكاليف كبيرة على الاقتصاد الوطني، فضلاً عن طلاب الابتعاث الذين يرتبطون بنظام البلدان التي يسافرون إليها، لطلب العلم وتحصيل الشهادات، إذ لا يتمتعون بالإجازات إلا في حدود ضيقة، كما أن مسألة السفر والتردد بين الوطن وبلد الدراسة تصعب على الأسر الميسورة، ولا تتوفر القدرة والفرص الكافية لذلك.
يبدو أن برامج الاتصال الحديثة تحقق تعويضاً كافياً أمام هذا الانفصال والغربة التي يعيشها عديد المبتعثين والمبتعثات عن وطنهم وذويهم، تقضي إسراء محمد ساعات طويلة في الحديث إلى والدتها عبر تطبيق اتصالي يؤمن لها الخدمة، كما أنها تراجع دروسها بمساعدة والدتها عبر البرنامج، تقول إنه يقوم ببعض الواجب ويقضي على بعض الشوق، لكنه لا يكفي لبقية المهمة.
130 ألف مبتعث سعودي في أكثر من 30 دولة ينضمون إلى دراستهم بلا انقطاع، 80 ألف مرافق يصحبونهم لأغراض معيشية ويخففون ضغوط الدراسة والعيش في وطن الغربة.
يتركز أغلبهم في الولايات المتحدة الأميركية بما نسبته ٦٠ في المئة، هذا يساعد في خلق مجتمعات داخلية صغيرة تحقق مستوى من التعايش والتقارب يكسر من حدة الغربة التي قد تخالط الطالب والطالبة أثناء السفر للدراسة. وفي الوقت الذي يعيش خلاله الطلاب والطالبات تجربتهم الجديدة، يقضي الأهالي وربات البيوت وأولياء الأمور تجربتهم الخاصة، وهم يفارقون ذويهم وفلذات أكبادهم للسفر بغرض الدراسة وتحصيل الدرجات العلمية المختلفة.
وربما تشكل داخل البيت الواحد استقطاب يفصل بين الداعم والمتردد، يفوز الأب دائماً بموقف المؤيد للسفر والمتبني لفكرة الدراسة، وإن كلفت ابنه أو ابنته السفر بعيداً، بينما تؤثر الأم مكوث ابنها وابنتها تحت نظرها وإن تخلى عن طموحه، تخرج المعادلة عادة لمصلحة المستقبل، ويمضي الطالب في مشوار الحياة الطويل إلى النجاح وتحمل المسؤولية.
الفراغ الذي يخلفه الأبناء ممضّ كما تقول أم ابراهيم، في المكان الذي كان يفضل ابنها الجلوس فيه، وفي جو المنزل الذي كان يصنعه وجوده بينهم، يزيد الأمر تعقيداً ارتباطها بالعمل داخل مدينتها بما يمنعها من زيارة ابنها سوى في الإجازات والعطل القصيرة، لكنها تهاتفه كل ليلة، إنه موعد أثير في أجندتها اليومية.
أكثر من 360 ألف طالب وطالبة المرحلة الثانوية العام الماضي، والتحق أكثر من 50 في المئة منهم بمرحلة البكالوريوس ليستعدوا للتوجه إلى مرحلة التعليم الجامعي أو أي الخيارات التي يسعون إليها، سواء إلى الجامعات داخل وخارج المملكة أم الكليات والمعاهد.



الرابط :


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

تمجيد صدام حسين المجيد

كان يمكن للقصة الشهيرة التي تداولها عامة العرب عن صورة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين مطبوعة في كبد القمر أن تكون مجرد مزحة عابرة تذوب مثل قطعة ثلج أو تتبخر مثل بؤرة ماء، ولكن القصة المختلقة التي شاعت عشية تنفيذ حكم الإعدام في حقه من قبل الحكومة العراقية بعد إسقاط نظامه وتفكيك الدولة العراقية نتيجة حرب خاضها حلف دولي تقوده الولايات المتحدة، تمكنت في أذهان جيل بأكمله وتطورت إلى أشكال متجذرة لترميز الرئيس العراقي المخلوع. أصبح صدام ذا شعبية أكبر لدى قطاعات واسعة من الشباب العربي، فبإمكانك أن تلاحظ حجم الصور التي تنتشر له والأقوال المختلقة في محاولة لاستنطاقه بما يتمناه الشاب العربي من خطاب مشبع بالأنفة والاعتزاز ضد غطرسة الجانب الغربي من العالم أو الطائفة الشقيقة للغالبية السنية في الشرق الأوسط. لا تبدو سيرة صدام حسين مثيرة للإعجاب في التاريخ، فهو مجرد حاكم عربي عسكري يشبه أترابه ممن يقبض على سدة حكم الجمهوريات العربية المرتبكة في تقديم هوية سياسية ونظام حكم متماسك، يضاف إليه بطش أهوج وديكتاتورية مطبوعة بنزقه الشخصي وجنون العظمة الذي أودى بمستقبل العراق وشعبه في جملة من المغا...

«بيت الرشايدة».. «وقف» تحول «أكاديمية» تحتفظ بأسرار جدة

جدة – عمر البدوي   تسجل حارات وأزقة جدة القديمة، التي لا تزال تحتفظ بروحها وعبق تاريخها في الأبنية الشاهقة، وهي تقف في قلب المنطقة التاريخية، شهادة على النواة الأولى التي انبثقت منها واحدة من أهم المدن التجارية في تاريخ المملكة والشرق الأوسط. في حارة الشام، وتحديداً في شارع أبو عنبة، يقف معمار أخضر شامخاً بين أبنية المنطقة، على باب المبنى لوحة نُحتت عليها آية قرآنية، وأرّخت اللوحة في العام 1301 للهجرة. ويُسمى هذا المعمار «بيت الرشايدة»، نسبة إلى بانيه محمد عبدالرشيد، ويتكوّن من أدوار عدة، وأوقفه الرشيد علي العثماني في العام 1333هـ، بيت الرشايدة أو البيت الأخضر من أجمل البيوت التراثية وسط جدة القديمة، ويعود عمره إلى أكثر من 150 سنة. وتعود تسمية البيت إلى قبيلة الرشايدة التي ينتمي إليها بانيه وموقفه، وهي من القبائل المهاجرة من الحجاز وإليه. إلا أن ملكية البيت الآن تعود إلى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية. ولأن البيت خلال الستينات الميلادية من القرن الماضي، احتضن نشاطاً أكاديمياً، تحول الآن وبفضل أحد فنّاني جدة إلى «أكاديمية حديثة»، بعدما استأجر...