التخطي إلى المحتوى الرئيسي

أيام الاختبارات.. حاصدة الأرواح


جدة - عمر البدوي 

كان أول أيام الاختبارات هذا الفصل، آخر أيام حياة الشاب مصلح الزبيدي، الذي اختاره القدر ليكون ضحية حادثة مرورية يوم الأحد في أول صباحات الاختبارات في السعودية.
وفي الوقت الذي يفترض بمدرسته أن تستقبل ثاني أيام الاختبارات بحماسة متصلة، خيمت على أجوائها مشاعر الحزن والأسى على فراق أحد أبنائها، الذي بقي مقعده داخل الفصل شاهداً على واحدة من أخطر الظواهر السلبية التي ترافق أيام الاختبارات، وتشارك في خلقها ظروف وأسباب متضافرة، أسهب الحديث في تناولها ومناقشتها ولكن الأرقام في تزايد.
وتشرع الجهات المختصة مع دنوّ موعد الاختبارات في فرض خطة مرورية تتضمن عدداً من الاحترازات والاحتياطات، لمنع هذه الحوادث أو حتى التقليل منها، مثل منع دخول الشاحنات إلى المناطق الداخلية، وانتشار الدوريات السرية والرسمية حول المدارس، ونشر الفرق الميدانية في محيطها، وتكثيف الانتشار المروري عند التقاطعات والمخارج والمجمعات التعليمية والمدارس، لتسهيل الحركة المرورية وتفادي وقوع الحوادث.
كما تحاول المدارس والمجمعات التعليمية فرض عدد من الإجراءات لسلامة الطلاب، وفرض نظم تساعد في حمايتهم من وقوع مكروه، مثل منعهم من الخروج إلا في حالة الاضطرار.
ولأن التنفيذ هو المحك، فإن المحظور يقع في بعض الحالات، ويسهم في زيادته ضعف متابعة أولياء الأمور في ضبط ساعاتهم على نحو يتفق مع جدول أبنائهم المدرسي، ومواقيت ذهابهم وإيابهم من البيت وإليه، ومتابعتهم فترة ذهابهم عند تأدية الاختبارات.
كما تساعد بعض الظواهر الجانبية، التي تولد في مواسم الاختبارات، بدور سلبي، مثل التفحيط، والتجمهرات الطلابية، ومشاركة أفراد مهمشين من خارج إطار المدرسة لمحاولة الحصول على فرص الظهور واستثمار مواسم الاختبارات لممارسة عاداتهم غير المحبّذة.
ويوصي الخبراء بضرورة الوقاية الشخصية للطالب، وتبصيره بمضارّ الانخراط في نشاطات تعرضه لمخاطر جمّة تهدد حياته ومستقبله، أو تقربه من مواطن الريبة، ويشار في هذا الإطار إلى بعض ما يطرأ على الطلاب من الانتشاء ومحاولة استغلال فرص الفراغ لاقتناص لحظة استئناس تخفف من ضغوط الاختبارات وثقل الدراسة، ولكن تراخي القيود والمتابعة ينتج نهايات مأسوية وكارثية، يدفعها المراهق من زهرة شبابه والعائلات من مخزون استقرارها وسعادتها.
وتذكّر بعض المشاهد التي تنتشر خلال فترة الاختبارات بقيمة التربية التي اختفت من الاسم الرسمي للوزارة المعنية، ويخشى أن تكون اختفت من دورها الوظيفي!
وتشكل هذه الأيام ذكرى مؤسفة وعبئاً على قلب المكلومة أم علي، التي فقدت ثلاثة من فلذات كبدها دفعة واحدة في حادثة مرورية مروعة وهم في طريق العودة من الكلية التي أوشكوا على التخرج منها، ولكن الأجل كان أسبق إليهم.
وتسجل فترة الاختبارات في المملكة العديد من الحوادث المأسوية، التي انتهت بوفاة أبنائنا الذين خرجوا من بيوتهم لبناء مستقبلهم الذي طالما حلموا به هم وأهاليهم، ولتتحول دعوات الأهالي بالنجاح إلى الرحمة والمغفرة، فإلى متى سنبقى مكتوفي الأيدي حيال هذه الظاهرة التي تقصف أعمار أطفالنا وشبابنا؟


الرابط :


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

تمجيد صدام حسين المجيد

كان يمكن للقصة الشهيرة التي تداولها عامة العرب عن صورة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين مطبوعة في كبد القمر أن تكون مجرد مزحة عابرة تذوب مثل قطعة ثلج أو تتبخر مثل بؤرة ماء، ولكن القصة المختلقة التي شاعت عشية تنفيذ حكم الإعدام في حقه من قبل الحكومة العراقية بعد إسقاط نظامه وتفكيك الدولة العراقية نتيجة حرب خاضها حلف دولي تقوده الولايات المتحدة، تمكنت في أذهان جيل بأكمله وتطورت إلى أشكال متجذرة لترميز الرئيس العراقي المخلوع. أصبح صدام ذا شعبية أكبر لدى قطاعات واسعة من الشباب العربي، فبإمكانك أن تلاحظ حجم الصور التي تنتشر له والأقوال المختلقة في محاولة لاستنطاقه بما يتمناه الشاب العربي من خطاب مشبع بالأنفة والاعتزاز ضد غطرسة الجانب الغربي من العالم أو الطائفة الشقيقة للغالبية السنية في الشرق الأوسط. لا تبدو سيرة صدام حسين مثيرة للإعجاب في التاريخ، فهو مجرد حاكم عربي عسكري يشبه أترابه ممن يقبض على سدة حكم الجمهوريات العربية المرتبكة في تقديم هوية سياسية ونظام حكم متماسك، يضاف إليه بطش أهوج وديكتاتورية مطبوعة بنزقه الشخصي وجنون العظمة الذي أودى بمستقبل العراق وشعبه في جملة من المغا...

«بيت الرشايدة».. «وقف» تحول «أكاديمية» تحتفظ بأسرار جدة

جدة – عمر البدوي   تسجل حارات وأزقة جدة القديمة، التي لا تزال تحتفظ بروحها وعبق تاريخها في الأبنية الشاهقة، وهي تقف في قلب المنطقة التاريخية، شهادة على النواة الأولى التي انبثقت منها واحدة من أهم المدن التجارية في تاريخ المملكة والشرق الأوسط. في حارة الشام، وتحديداً في شارع أبو عنبة، يقف معمار أخضر شامخاً بين أبنية المنطقة، على باب المبنى لوحة نُحتت عليها آية قرآنية، وأرّخت اللوحة في العام 1301 للهجرة. ويُسمى هذا المعمار «بيت الرشايدة»، نسبة إلى بانيه محمد عبدالرشيد، ويتكوّن من أدوار عدة، وأوقفه الرشيد علي العثماني في العام 1333هـ، بيت الرشايدة أو البيت الأخضر من أجمل البيوت التراثية وسط جدة القديمة، ويعود عمره إلى أكثر من 150 سنة. وتعود تسمية البيت إلى قبيلة الرشايدة التي ينتمي إليها بانيه وموقفه، وهي من القبائل المهاجرة من الحجاز وإليه. إلا أن ملكية البيت الآن تعود إلى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية. ولأن البيت خلال الستينات الميلادية من القرن الماضي، احتضن نشاطاً أكاديمياً، تحول الآن وبفضل أحد فنّاني جدة إلى «أكاديمية حديثة»، بعدما استأجر...