التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الجبير خلال عام.. واجه إيران بـ«العصا».. وألقى «جزرة» إلى الحوثيين


{ جدة - عمر البدوي 

< عندما ألقى عميد الدبلوماسية العربية الراحل الأمير سعود الفيصل كلمة أمام مجلس الشورى السعودي، لم يدر في خلد أحد أنه يُسمع الزمان كلماته الأخيرة قبل أن يغادر المنصب والحياة معاً بعد أشهر.
اشتكى الفيصل من أوجاعه الصحية، وضرب لها مثلاً من واقع الأمة العربية التي تعاني الوهن والضعف في مفاصلها الكثيرة والمبددة في أطراف الشرق الأوسط، وكأنه يوصي في كلماته لمن يعقبه ويحل في كرسيه، أنه يسلمه وطناً عربياً متضعضعاً وموجعاً.
لم يكن خلفه إلا سفير بلاده في الولايات المتحدة عادل بن أحمد الجبير الذي تعين قبل عام، وهو رجل ضليع بمهمات منصبه الأثير قبل تقلد منصب الوزير، الذي أضاف إلى قدراته وخبراته الدبلوماسية والسياسية البارعة حضوراً شعبياً لافتاً، سجله في عديد المواقف والمواقع التي احتفلت به.
تزامنت تسمية الجبير في منصب الخارجية السعودية مع لحظة تحول على صعيد البنية السياسية السعودية من خانة التحفظ والورع السياسي، إلى مرحلة أكثر وضوحاً ومباشرة في تناول الملفات العالقة بالمنطقة، تلهبها مجموعة من التبدلات المحورية في المنطقة بما دفع السعودية لزيادة حضورها وتفعيل دورها. جاء الجبير وبين يديه عديد الملفات الشائكة والمعقدة، بعد ما أحدثته انتفاضات الربيع العربي في المنطقة من فجوات واضطرابات زادت من ارتباك المشهد، وفتح ثغرات مكنت منافسين إقليميين لاختراق الواقع العربي ودسّ نفوذها في عسل الشعارات وبريقها.
البداية كانت من إعادة ترميم المكون الخليجي، بعد سلسلة اهتزازات نتيجة قلق المحاور بإزاء الانتفاضات الشعبية، ولكن الأهمية التي اكتسبتها منطقة الخليج وقيمة استقرارها في مواجهة حالات فشل بعض الدول المحيطة واضطرابها رفع من قيمة وجهة النظر الخليجية المعتدلة وزاد عليها من جهة أعباء وتكاليف الغياب العربي الصارخ المتفاقم بعد الثورات.
ثم انتقلت السياسة الخارجية السعودية بقيادة الجبير لمحاصرة النفوذ الإيراني المتزايد في ظل الاتفاق النووي الذي أعطى التحركات الإيرانية شرعية دولية وضوءاً أخضر ليس جديداً منذ الصبر الاستراتيجي الذي لم يكن أكثر من سكوت يستبطن الرضا على تجاوزات إيران.
تلك التجاوزات التي بلغت ذروتها غير الأخلاقية في سورية بدعم نظام بشار الأسد الذي أعمل القتل بشعبه، واستدعاء الحليف الروسي «الأعمى» في كل مرحلة تميل فيها الكفة لغير صالحهم، فضلاً عن تفخيخ الأرض السورية بالميليشيات العراقية واللبنانية والأفغانية.
وبقيت السعودية مصرة على رحيل الأسد، عبر معادلة الجبير الشهيرة، إما بحل سياسي أو آخر عسكري، لا بديل عن مغادرة الأسد بعد استضافة الهيئة السورية العليا للمفاوضات في الرياض، وقد جمعت كل الفصائل وخيبت النوايا في عدم التئامهم، وقطعت دابر الاختراقات التي كانت تستهدف مسار الثورة ونهايتها.
«حزب الله» اللبناني قائد الميليشيات المقاتلة على الأرض السورية لمصلحة بشار، أقحم لبنان في أتون الحرب ضد الثورة من أجل حق الحرية والعيش بكرامة، ودخلت لبنان في نفق الفراغ الرئاسي لما يقترب من العامين، واستخدمت السعودية دورها السياسي الجديد عبر الضغط على الأطراف اللبنانية وسحب الدعم عن الجيش والأمن هناك لعزل الحزب الأصفر عن مصير «بلد الأرز»، وأزيد عن ذلك بحشره في زاوية الإرهاب وتصنيفه علناً على هذا النحو، وحثّ المحيط العربي والإقليمي على تعميم الانطباع نفسه نحو من يبيع أوهام المقاومة ويعتاش عليها.
الدور السياسي نفسه للسعودية في العراق استعاد وهجه بإعادة تسمية ثامر السبهان سفيراً سعودياً هناك بعد انقطاع لـ25 عاماً، انتهت بدفع السفير السعودي إلى واجهة بغداد ومزاحمة النفوذ الإيراني هناك.
وتتجلى السياسة السعودية الحازمة في العاصفة التي أطلقها التحالف العربي في اليمن لمواجهة نفوذ الحوثيين وميليشيات المخلوع صالح، بعد أن كادت تبسط نفوذها على الخاصرة الجنوبية للسعودية وتبيع ولاءها لإيران، لولا نباهة وإقدام السعودية على الخطوة الجريئة.
بلغت العلاقة مع إيران أوج تأزمها بعد قطع العلاقات مع طهران على خلفية إحراق السفارة السعودية هناك والقنصلية في مشهد، وكأن خط الرجعة بدأ يتوارى عن الأبصار.
وجاءت سلسلة الإدانات التي دعمتها السعودية في المحافل الإقليمية والدولية على تصرفات إيران وتدخلاتها في المنطقة انتصاراً للمنطق السعودي بإزاء السلوك الميليشاوي لطهران، كان آخرها بيان القمة الإسلامية في إسطنبول الذي دان عبث إيران بدول سورية واليمن والعراق.
ولم تتوقف السعودية عند هذا الحد، بل أمعنت في تجفيف الحضور الإيراني في القارة السمراء، بعد توسعها الكبير هناك، وصرفت فيه طهران من قوت شعبها وتنميته، قبل أن تقوضه الرياض وتهدم أحلام الاستثمار وبنى الطائفية هناك.
وعلى هامش الثورات العربية، لاسيما السورية التي اضطرت لحمل السلاح في وجه آلة القتل بيد النظام، استعاد التشدد شوكته التي كسرت منذ اشتداد القبضة الأمنية عليه وإذابة النداءات المدنية من عميق الشعارات الثورية لمبرراته، بينما تبلورت خلال أعوام انحساره نقمة فادحة انفجرت في شكلها الداعشي أخيراً وهي أكثر دموية ووحشية، وكأن التاريخ يكرر نفسه، إذ سريعاً ما بث التنظيم خلاياه العنقودية المبعثرة في جسد العالم العربي المتداعي، وعواصم الدول الأوروبية. حمل الجبير «عدته» الدبلوماسية النافذة، وعلى خطى سلفه سعود الفيصل أنجز التحالفات الدولية والعسكرية على مستويات عدة لمواجهة استفحال هذه الظاهرة، وشرع في إبداء وجهة النظر السعودية لتنزيه العقيدة والسياسة التي تتبناها الدولة عن أية تهمة تربطها بذلك الفكر الدموي الذي يستغل الدين ويوظفه في سبيل آيديولوجيته المنغلقة، وكانت التحالفات التي نظمتها السعودية علامة ظاهرة على سطوة الحضور في اللعبة الدولية.
تتصدى السياسة الخارجية السعودية لمهمة تعويض الانهيار العربي بعد تلقيه سلسلة من الصدمات السياسية والاقتصادية المنهكة، وهي تحاول عبر تجميع ما تبقى من حياة في الدول والشعوب العربية القائمة وإطفاء حرائق الربيع العربي استنهاض الواقع وحماية عرى المنطقة.
يبدأ ذلك ولا ينتهي بإعادة ترتيب أوراق القاهرة وضخ الحياة في عروقها، وموضعة الحضور التركي بما يخفف من الشكوك المتبادلة ويعزز التعاون المفيد لكلا الأطراف، يزيد من حتمية ذلك الانسحاب الأميركي المتوقع بعد حضورها الباهت منذ اعتلاء أوباما منصة حكم الحليف التاريخي لدول المنطقة، وكتب قائمة من المناسبات غير المبشرة لمستقبل العلاقة.
تتمتع السعودية بسياسة ناشطة ساعدت الجبير خلال عامه الأول في المنصب على إضفاء كثير من القوة إليها، وهو الماهر في الحديث، والخبير بظروف السياسة وأخلاقها، وعبر حسابه على «تويتر» يشكل ظاهرة سياسية غير مسبوقة في العالم العربي، خصوصاً بعد أن رمى ما اعتبر «جزرة» في وجه الحوثيين، تستكمل عملية السياسة السعودية المستوفية الأبعاد.


الرابط :


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

السعوديون يحتفون بالذكرى السابعة لبيعة الملك سلمان

خادم الحرمين رافق مراحل التنمية على مدى 60 عاماً   الاثنين - 3 شهر ربيع الثاني 1443 هـ - 08 نوفمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15686] الرياض: عمر البدوي وبندر مسلم يحتفي السعوديون اليوم بالذكرى السابعة لتولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في 23 يناير (كانون الثاني) الموافق (3 ربيع الثاني 1436هــ) ومبايعته ملكاً للبلاد، ورائداً لمرحلة جديدة تخوضها السعودية منذ وصوله قبل ٧ سنوات، كسابع ملوك المملكة بعد إعلان توحيدها عام 1932. الملك سلمان بن عبد العزيز الذي رافق مراحل مفصلية من عمر البلاد، اختبر خلالها المفاصل التاريخية التي آلت بالسعودية إلى ما هي عليه اليوم من تنمية وازدهار، ومن موقعه سابقاً، حيث كان أميراً لمنطقة الرياض لأكثر من خمسة عقود وتسميته أميراً لها عام 1955 وهو في عقده الثاني من العمر، راقب البلاد وهي تنمو. حتى أصبح قائداً للبلاد، وشاهداً على نهضتها الجديدة، في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية والتنظيمية، والأعمال والمشاريع والمبادرات السريعة والمتلاحقة على المستويين التنموي والاجتماعي، والتي أضحت بفضلها السعودية منافساً تلقائياً ع

«تتبع الحجارة» عنوان 100 يوم من الفن المعاصر في بينالي الدرعية

السعودية تشهد اليوم واحدة من أكبر المناسبات الفنية العالمية   السبت - 7 جمادى الأولى 1443 هـ - 11 ديسمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15719] الرياض: عمر البدوي أصبح حي جاكس جاهزاً لانطلاق الدورة الأولى من بينالي الدرعية للفن المعاصر، واستقبال المتطلعين لزيارة واحدة من أكبر المناسبات الفنّية العالمية، ابتداءً من اليوم (السبت)، حتى 11 مارس (آذار) المقبل، وهو أول بينالي دولي يتطرق لموضوعات وأشكال الفن المعاصر في السعودية، ويعرض أعمالاً لفنانين عالميين ومحليين، مع مجموعة من الورش الثقافية والتجارب الممتعة. يأتي بينالي الدرعية، كتجربة استثنائية، ومنصة إبداعية تمتد لمائة يوم، تكشف جوهر الفنون السعودية بمختلف أنماطها، وتُفسح للفنانين مساحات للحوار وإثراء تجاربهم، لتعزيز المشهد الثقافي والفني، وتمكين المواهب المحلية، واستقطاب مجموعات الفنانين الدوليين لإغناء الحدث الفني المهم. وقال راكان الطوق، المشرف على الشـــؤون الثقافية والعلاقات الدولية في وزارة الثقافــــة الســـــعودية، إن استضافة المملكة لأول بينالي للفن المعاصر، يعدّ إنجازاً استثنائياً، وإن أهميته تأتي من كونــــه نقطة التقــــــاء للعالم، ومن

ماذا يخطر في بالك ( 5 ) ؟

هنا أنقل بعضاً من منشوراتي على صفحتي في ( الفيس بوك ) . راجياً لكم النفع والفائدة  . ضعف التقدير يقود إلى سوء التقرير . .................. كلما كان واقعك ثرياً وغنياً ، بارت بضاعة خيالك الواهم . …………… إذا أحببت شيئاً ثم التقيت به بعد غياب فكأن الروح ردت إليك بعد غيبة الموت ، أو العقل عاد بعد جنون ، أو الذاكرة استفاقت بعد غيبة . كل الأشياء الرمادية تسترجع ألوانها الزاهية ، والروائح الزاكية تستجرّ عنفوانها ، والمشاعر اللذيذة تستعيد عافيتها . ما يفعله الشوق بك من ذهاب العقل وغيبة الذاكرة وموات الروح ، يفعل بك الوصل أضعافه من الفرح والطرب والنشوة . لقد جُبل هذا القلب على الإلف بما يحبه والتعلق به حتى يكون بمثابة الطاقة الموصولة بألياف الكهرباء ، أو الزيت الذي يقدح النور ، والجمر الذي يستفز أعواد البخور . وإذا غاب المحبوب واستبد بك الشوق انطفأ نور الوجه وضاقت النفس وذهب الفرح حتى يعرف ذلك في حدة طبعك وانغلاق عقلك وعبوس وجهك ، فإذا التقى المحبوبان والتأم القلب عادت المياه لمجاريها وشعشع الوجه واتسع الثغر وانفرجت الأسارير . سبحان من خلق . ……………… إذا كنت تسم