التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الحوار الإستراتيجي مع واشنطن لتثبيت حالة التفاهم

العلاقات يجب أن تتجاوز هذه المواقف الانطباعية والمتذبذبة وأن تستقر على شوكة الحوار العميق والاستراتيجي الذي ينجو بها من أمواج الأحداث ومناخات السياسة وتقلبات الأمزجة التي تحكم في كل مرة.
الثلاثاء 2020/10/27

في توقيت مهم وشديد الدلالة، وعلى مقربة من النزال الانتخابي الذي تستعد له الولايات المتحدة والعالم لتحديد الساكن الجديد أو المتجدد للبيت الأبيض، تتابعت الحوارات الاستراتيجية التي جمعت الدول الخليجية بواشنطن، فيما يبدو أنه مسعى لتثبيت بنود التفاهم وشروط استقرار العلاقة والحفاظ على مكتسبات المرحلة الراهنة وتجنيب القيم الاستراتيجية رياح الحسابات التكتيكية والوقتية.

تبدو مفردة الاستراتيجية في نوع الحوار بين الطرفين دلالة كافية لتفسير حالة التفاهم على ثوابت العلاقة الضرورية في حسابات الخليج والمنطقة والعاصمة واشنطن، والخروج بها من مرحلة التوافقات الشكلية والتطمينات العابرة إلى تطوير حقيقي لمستوى التفاهم والتواصل وتبادل المنافع.

واشنطن لاعب مهم، ويجب تقدير حجمه وتثمين دوره في إرساء قواعد مستقبل المنطقة، لا يسع الخليج أن ينساق لدعايات رغبوية تثبط من حقيقة الفعالية الأميركية في الفضاء الدولي.

وهذا لا يعني بالضرورة وضع كل الرهان في سلة واحدة، إذ أضحت العواصم الخليجية فاعلة ومؤثرة ومستقلة بما يكفي لتنويع خياراتها، والاستفادة من وزن وتأثير ما طوّرته خلال العقود الماضية من صون استقرارها وتنمية قدراتها وتأهيل قوى الإنسان لديها.

قدّمت مرحلة الرئيس باراك أوباما وما رافقه من زمن فوضوي، درساً مهماً في إعادة النظر في طبيعة وشكل العلاقة مع المجتمع الدولي والعواصم المؤثرة فيه، وقد وصف ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان تلك المرحلة بقوله “خلال فترتي رئاسة أوباما، عمل ضد أجندتنا، ليس في المملكة فقط، بل في الشرق الأوسط، وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة عملت ضد أجندتنا، إلا أننا كنا قادرين على حماية مصالحنا، والنتيجة النهائية أننا نجحنا، والولايات المتحدة تحت قيادة الرئيس أوباما فشلت”.

قدمت مرحلة الرئيس باراك أوباما وما رافقه من زمن فوضوي، درساً مهماً في إعادة النظر في طبيعة وشكل العلاقة مع المجتمع الدولي والعواصم المؤثرة فيه

الآن، لا تنظر عواصم الخليج، لاسيما الرياض وأبوظبي، إلى واشنطن أو أي من شركائها في العواصم المهمة، نظرة عاطفية غير واعية، بل تنظر إليها بطريقة معتدلة ومحسوبة، شراكات حقيقية ومفيدة، قد تتأثر برياح الأحداث المتقلبة، لكن المهم أنها لا تتنكر للثوابت الاستراتيجية بما يشجع على الريبة والشك وفقدان الثقة المؤذي للجميع.

تعيش المنطقة مرحلة مختلفة ومنعطفاً مهماً في تاريخها، وليست رياح التطبيع التي تجمع بعض عواصمها بدولة إسرائيل، إلا واحدة من تجليات المرحلة المغايرة، ولا يسع المنطقة أن تكون رجع صدى لما تدلي به الانتخابات الأميركية في كل دورة.

يجب أن تتجاوز العلاقات هذه المواقف الانطباعية والمتذبذبة، وأن تستقر على شوكة الحوار العميق والاستراتيجي الذي ينجو بها من أمواج الأحداث ومناخات السياسة وتقلبات الأمزجة التي تحكم في كل مرة.

ينبغي أن تمدّ المؤسسات بين البلدان جسور التآزر والتناظر، بوصفها راعية لقيم الثبات والاستمرارية ومؤهلة لتطويرها، لضمان قطع الطريق على تسويق المشاريع الأيديولوجية في أروقة المؤسسات السياسية لتمرير أجندة لاعبين إقليميين يهدفون لاختراق المنطقة وتفتيت ممانعتها واحتواء مقدراتها والسيطرة عليها، قوى إقليمية تحفّزها أحلام التوسع الإمبراطوري وأشباح من رماد التاريخ القديم، تعِد المنطقة بعقود من الظلام والفوضى والخراب.

بقيت ضرورة واحدة لإنجاح برامج التواصل الاستراتيجي، وهي تقليص مسافات الاختلاف بين العواصم الخليجية، ليس على نحو متطابق تماماً، ولكن أقل حدة في تبايناته، لقد سبحت بعض عواصم الخليج لفترة في فلك مختلف تماماً عن بقية مجموعها الواحد، بما ضعضع من قيمة الكل الخليجي في حسابات العواصم الكبرى، وغرز عصا التشتيت والعرقلة في دواليب العمل على مشروع خليجي توافقي ومفيد لأطرافه، دون تنافس سلبي وتشاحن ضارّ.



الرابط:



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

تمجيد صدام حسين المجيد

كان يمكن للقصة الشهيرة التي تداولها عامة العرب عن صورة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين مطبوعة في كبد القمر أن تكون مجرد مزحة عابرة تذوب مثل قطعة ثلج أو تتبخر مثل بؤرة ماء، ولكن القصة المختلقة التي شاعت عشية تنفيذ حكم الإعدام في حقه من قبل الحكومة العراقية بعد إسقاط نظامه وتفكيك الدولة العراقية نتيجة حرب خاضها حلف دولي تقوده الولايات المتحدة، تمكنت في أذهان جيل بأكمله وتطورت إلى أشكال متجذرة لترميز الرئيس العراقي المخلوع. أصبح صدام ذا شعبية أكبر لدى قطاعات واسعة من الشباب العربي، فبإمكانك أن تلاحظ حجم الصور التي تنتشر له والأقوال المختلقة في محاولة لاستنطاقه بما يتمناه الشاب العربي من خطاب مشبع بالأنفة والاعتزاز ضد غطرسة الجانب الغربي من العالم أو الطائفة الشقيقة للغالبية السنية في الشرق الأوسط. لا تبدو سيرة صدام حسين مثيرة للإعجاب في التاريخ، فهو مجرد حاكم عربي عسكري يشبه أترابه ممن يقبض على سدة حكم الجمهوريات العربية المرتبكة في تقديم هوية سياسية ونظام حكم متماسك، يضاف إليه بطش أهوج وديكتاتورية مطبوعة بنزقه الشخصي وجنون العظمة الذي أودى بمستقبل العراق وشعبه في جملة من المغا...

«بيت الرشايدة».. «وقف» تحول «أكاديمية» تحتفظ بأسرار جدة

جدة – عمر البدوي   تسجل حارات وأزقة جدة القديمة، التي لا تزال تحتفظ بروحها وعبق تاريخها في الأبنية الشاهقة، وهي تقف في قلب المنطقة التاريخية، شهادة على النواة الأولى التي انبثقت منها واحدة من أهم المدن التجارية في تاريخ المملكة والشرق الأوسط. في حارة الشام، وتحديداً في شارع أبو عنبة، يقف معمار أخضر شامخاً بين أبنية المنطقة، على باب المبنى لوحة نُحتت عليها آية قرآنية، وأرّخت اللوحة في العام 1301 للهجرة. ويُسمى هذا المعمار «بيت الرشايدة»، نسبة إلى بانيه محمد عبدالرشيد، ويتكوّن من أدوار عدة، وأوقفه الرشيد علي العثماني في العام 1333هـ، بيت الرشايدة أو البيت الأخضر من أجمل البيوت التراثية وسط جدة القديمة، ويعود عمره إلى أكثر من 150 سنة. وتعود تسمية البيت إلى قبيلة الرشايدة التي ينتمي إليها بانيه وموقفه، وهي من القبائل المهاجرة من الحجاز وإليه. إلا أن ملكية البيت الآن تعود إلى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية. ولأن البيت خلال الستينات الميلادية من القرن الماضي، احتضن نشاطاً أكاديمياً، تحول الآن وبفضل أحد فنّاني جدة إلى «أكاديمية حديثة»، بعدما استأجر...