التخطي إلى المحتوى الرئيسي

نقاط الجبير على حروف بروكسل

كان حديث عادل الجبير أمام اللجنة الخارجية في البرلمان الأوروبي حازما في بعض المواطن التي تطلبت جدية في الطرح وقطعا مع كل أفكار الوصاية الفجّة التي لا تزال تسكن بعض النخب الأوروبية.

الخميس 2020/01/23


زار وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية عادل الجبير البرلمان الأوروبي، ليلقي المزيد من الضوء على جهود السعودية في بعض ملفات المنطقة ويفك اشتباك الفهم المعقد لأدوارها وخياراتها، تحت قبة واحد من أهم البرلمانات المؤثرة في العالم، في سياق سعي سعودي جاد لدعم مسيرة المملكة لإرساء دعائم الاستقرار في منطقة طالما استنزفتها الفوضى واعتلال الميزان، ولتعميق فكرة أن الدور السعودي، رفقة جيرانها المعتدلين، حيوي في إعادة ضبط الاستقرار وتوثيق عراه ودعم بناه رغم كل الصور النمطية وجهود التشويه التي تغرز دعاياتها المغرضة وتحقن أذهان الشركاء الدوليين حول العالم.
التقى عادل الجبير بأعضاء لجنة الشؤون الخارجية للبرلمان الأوروبي في بروكسل. وكان الحديث فرصة للاستماع إلى وجهة نظر واحدة من عواصم المنطقة المحورية، وهي تمد يدها إلى العالم لإخراج الشرق الأوسط من عتمته، وتبديد سحب القلق التي تخيّم في أفقه وتحجب عنه الرؤية المستقبلية السديدة.
كان حديث عادل الجبير أمام اللجنة الخارجية في البرلمان الأوروبي حازما في بعض المواطن التي تطلبت جدية في الطرح وقطعا مع كل أفكار الوصاية الفجّة التي لا تزال تسكن بعض النخب الأوروبية، وشاملا لموضوعات عدة توضح مسار السياسة الخارجية السعودية، وتفسيرا لبعض الادعاءات الملفقة التي كان المجتمع الدولي يأخذها على عواهنها ويؤاخذ عليها الرياض دون تفحص أو تبيّن، لاسيما وأن الدور السعودي بحيويته وفاعليته سيتعرض لمثل هذا النوع من المحاصرة بالشائعات، والهجوم السافر المثخن بالتلفيقات.
لكن الرياض ومن واقع خبرتها في العمل السياسي وتاريخها الطويل من الشراكة في قضايا المنطقة والتعاون الدولي، والجبير بخبرته السياسية، كانا بالمرصاد للكثير من هذه البالونات المجزأة من القضايا، ومنصة لإلقاء الضوء على الكثير من النقاط التي أشكل فيها الفهم على الصعيد الخارجي. وقال الجبير بهذا الشأن “معلوماتكم حول السعودية مبنيّة على شائعات، ولن نقبل أن يُحاضرنا أحد، فلسنا جمهورية موز”.
واسترسل الجبير في حديث كان في الصميم، عن سأم المنطقة من إلقاء المحاضرات عليها والتعامل معها بفوقية، واعتماد سياسة المعايير المزدوجة من حكومات الغرب وإعلامه ومنظمات حقوق الإنسان المشبوهة، وأنه آن الأوان للرد عليهم بمنطقهم وقد انتهى زمن الصمت.
لقد كانت نبرة الحديث حادة وقوية، في واحدة من أكثر نقاط الاختلاف التي تسببت في جرّ المنطقة إلى واد سحيق من الويلات المريرة، وأن تجارب المجتمع الدولي، والغرب على وجه الخصوص، في فرض المعايير التي يعتمدها، أدت إلى الفوضى. حدث ذلك مرتين، على طريقة غزو بغداد لإرساء دعائم الديمقراطية كما رُوج له، وفي دعم عمليات الربيع العربي التي انتهت إلى ما تقاسيه المنطقة اليوم من فوضى واضطراب وقلاقل. وأن ذلك لم يكن ليحدث لولا فجوة الفهم بين الطرفين، والحسّ الاستعلائي الذي تتعامل أوروبا على أساسه، والاعتماد على سرديات جماعات ودعايات حزبية وأيديولوجية، تمارس ألاعيبها في غرف وقاعات العواصم الغربية وتؤثر في خياراتها المتصلة بالمنطقة، وعلى ذلك أن يتوقف بالاستماع إلى عواصم الاعتدال والاستقرار واحترام توجهاتها وطريقتها في النظر إلى الأمور وتسييرها.
إلى جانب ذلك، حمل حديث الجبير في البرلمان الأوروبي ثلاث نقاط جوهرية كان يجب أن تصل إلى أوروبا بمثل هذا الوضوح.
‏النقطة الأولى أن السعودية دولة ذات سيادة لا تقبل إملاء التوجيهات خصوصا في سيادتها القضائية، رغم كل التجييش والدعاية السوداء التي تتهمها بانتهاكات لحقوق الإنسان، هي في الواقع مكذوبة ولا تتجاوز عرقلة جهود المملكة للحدّ من تغول التطرف وهندسة الاعتدال في بنى المجتمع ومساءلة الثوابت الاجتماعية وفحصها بما يجهز المجتمع لشروط المرحلة النهضوية ويؤسس لنقلتها النوعية في كافة المجالات.
‏والأمر الآخر، أن إيران هي الراعي الأكبر للإرهاب، وأن المناخ المتخذ حاليا لمعاقبتها كان منتظرا منذ مدة، بهدف إعادة إدماجها في المجتمع الدولي، والحد من سلوكها التخريبي، ولا يهدف إلى إشعال صدام ليس في وسع العالم أن يتحمل تبعاته.
وأخيرا، دور أوروبا المهم اقتصاديا وسياسيا في المنطقة، بدعم فرص استقرار العالم واعتداله، وأن ذلك سيكون يسيرا لو جرى عبر التعامل الصادق مع العواصم التاريخية في المنطقة التي كانت محورا في كل المشاريع الخيرة وسدا منيعا يحول دون انزلاق العالم إلى المزيد من الفوضى ومشاريع الخراب، لقد وضع الجبير النقاط على الحروف.

الرابط :


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

تمجيد صدام حسين المجيد

كان يمكن للقصة الشهيرة التي تداولها عامة العرب عن صورة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين مطبوعة في كبد القمر أن تكون مجرد مزحة عابرة تذوب مثل قطعة ثلج أو تتبخر مثل بؤرة ماء، ولكن القصة المختلقة التي شاعت عشية تنفيذ حكم الإعدام في حقه من قبل الحكومة العراقية بعد إسقاط نظامه وتفكيك الدولة العراقية نتيجة حرب خاضها حلف دولي تقوده الولايات المتحدة، تمكنت في أذهان جيل بأكمله وتطورت إلى أشكال متجذرة لترميز الرئيس العراقي المخلوع. أصبح صدام ذا شعبية أكبر لدى قطاعات واسعة من الشباب العربي، فبإمكانك أن تلاحظ حجم الصور التي تنتشر له والأقوال المختلقة في محاولة لاستنطاقه بما يتمناه الشاب العربي من خطاب مشبع بالأنفة والاعتزاز ضد غطرسة الجانب الغربي من العالم أو الطائفة الشقيقة للغالبية السنية في الشرق الأوسط. لا تبدو سيرة صدام حسين مثيرة للإعجاب في التاريخ، فهو مجرد حاكم عربي عسكري يشبه أترابه ممن يقبض على سدة حكم الجمهوريات العربية المرتبكة في تقديم هوية سياسية ونظام حكم متماسك، يضاف إليه بطش أهوج وديكتاتورية مطبوعة بنزقه الشخصي وجنون العظمة الذي أودى بمستقبل العراق وشعبه في جملة من المغا...

«بيت الرشايدة».. «وقف» تحول «أكاديمية» تحتفظ بأسرار جدة

جدة – عمر البدوي   تسجل حارات وأزقة جدة القديمة، التي لا تزال تحتفظ بروحها وعبق تاريخها في الأبنية الشاهقة، وهي تقف في قلب المنطقة التاريخية، شهادة على النواة الأولى التي انبثقت منها واحدة من أهم المدن التجارية في تاريخ المملكة والشرق الأوسط. في حارة الشام، وتحديداً في شارع أبو عنبة، يقف معمار أخضر شامخاً بين أبنية المنطقة، على باب المبنى لوحة نُحتت عليها آية قرآنية، وأرّخت اللوحة في العام 1301 للهجرة. ويُسمى هذا المعمار «بيت الرشايدة»، نسبة إلى بانيه محمد عبدالرشيد، ويتكوّن من أدوار عدة، وأوقفه الرشيد علي العثماني في العام 1333هـ، بيت الرشايدة أو البيت الأخضر من أجمل البيوت التراثية وسط جدة القديمة، ويعود عمره إلى أكثر من 150 سنة. وتعود تسمية البيت إلى قبيلة الرشايدة التي ينتمي إليها بانيه وموقفه، وهي من القبائل المهاجرة من الحجاز وإليه. إلا أن ملكية البيت الآن تعود إلى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية. ولأن البيت خلال الستينات الميلادية من القرن الماضي، احتضن نشاطاً أكاديمياً، تحول الآن وبفضل أحد فنّاني جدة إلى «أكاديمية حديثة»، بعدما استأجر...