التخطي إلى المحتوى الرئيسي

لماذا فشلت قمة "الضِرار" في كوالالمبور

تاريخ المنطقة الحديث يحتفظ بالكثير من هذا النوع من المناسبات التي جمعت دولا شتى على هدف متوهم، سرعان ما تتفكك عراه وتنفلت بناه ولا تقوم له قائمة، لاسيما تلك الأهداف التي تقصي لاعبين مركزيين في المنطقة وتستهدف إزاحتهم وتهديد وجودهم الطبيعي.

الأحد 2019/12/22
انتهت قمة ماليزيا إلى الفشل، بعد حضور باهت، وتمثيل ضعيف وانكشاف كبير لأهدافها الالتفافية، ولم تشهد -كما كان مؤملا منها- قيام تكتل إسلامي جديد يضم دولا إسلامية انتظمت على عجل، استجابة لدعوى “إعادة إحياء النهضة الاقتصادية والاجتماعية للحضارة الإسلامية”، كما أعلن موقع القمة.
القمة التي شارك فيها زعماء كل من ماليزيا وقطر وتركيا وإيران وخلت تماما من أي مكون عربي، ولاسيما الدول ذات الثقل فيها مثل السعودية ومصر التي كانت دائما في صدارة المسؤولية والتأثير في كل تجمع يخاطب أو يمثل المسلمين ويتوجه إليهم، غرقت في تبرير نفسها ونفي أهدافها المستبطنة بعد أن ووجهت بمقاطعة عريضة وعزوف كبير وصل إلى حد الشماتة.
الأمر الذي يثير الكثير من علامات الاستفهام، لاسيما وأن المشاركين في الأغلب تجمعهم الكثير من التقاطعات التي تُفهم منها مناصبة المنطقة العربية العداء والأهواء، سوى مشاركة قطرية تقتصر على تمويل نشاطات القمة وتأمين تغطية إعلامية تروج لمضامينها وتعوض ما تواجهه الدوحة من انحسار في حضورها ودورها، فإن القمة لم تكن مؤهلة للنجاح في الأساس، طالما تعذّر عليها أن تضمن للعرب دورا في خارطتها، فضلاً عن تحولها إلى منصة استهداف لبعض العواصم العربية الناشطة في المنطقة وتعميق الفجوة بين مشروع عربي آخذ في التشكل وسلة من المشاريع الإقليمية التي تحدق بالمنطقة وتترصد لها.
قطر التي لا تملك أي وزن وقدرة على التأثير في موازنات المنطقة، ملتحقة بتركيا في كل خياراتها، لاسيما تلك التي يمكن أن تلمس فيها أي مناكفة للسعودية والإمارات ومصر، في استمرار لسياساتها الكيدية، واستنزافها من قبل اللاعبين الإقليميين ممّن يستثمر في ضعفها ومكابرتها على إعادة اندماجها ضمن نسيجها الطبيعي الخليجي والعربي.
ومثلها بقية الدول المنخرطة في قائمة المشاركين في القمة، تحسبهم جميعاً وأهدافهم شتى، رغم أن الخيط الرفيع الذي لا يكاد يرى ويجمع هذه الدول المنتظمة في سلك القمة، هو خلفية الإسلام السياسي التي تحرك زعماءها.
الخيط الرفيع للإسلام السياسي يحرك زعماء الدول المتصدرة للقمة وخلفيتهم الأيديولوجية، بعد أن تراجعت حظوظ جماعة الإخوان المسلمين في وجه الرفض الرسمي والشعبي الذي كابدته خلال السنوات القليلة الماضية، وذهبت بريح مشاريعهم الإمبراطورية، ولعل في القمة ما يعيد إحياء أمل الإخوان، لاسيما وهو يعتمد على واحدة من تقنياتهم التقليدية، بإنشاء روابط بديلة عن منظمة المؤتمر الإسلامي ورابطة العالم الإسلامي، بعد أن استعصت على أن تخضع لسيطرة الجماعة وتستجيب لأيديولوجيتهم وتلتزم بأجندتهم.
وأهدرت المنصات ذات الهوى الإخواني، لاسيما تلك المنبعثة من شوارع إسطنبول وعماراتها، الكثير من الخبر والكلام للترويج لهذه القمة والتبشير بنتائجها حتى قبل انعقادها، والإسقاط على كل تكتل عربي وإسلامي آخر، وأنها ستحل بديلاً عنها وتؤمن للشعوب العربية طريقاً سالكاً لاسترداد الحقوق وضمان العيش الكريم والوقوف في وجه المشاريع الإمبريالية الخارجية، وهكذا دواليك من الشعارات التقليدية التي تطير بها الحناجر والأبواق في كل مرة وتخدع بها الشعوب.
كان بإمكان القمة أن تكون تجمعا سنيا بحتا، ينسجم مع أهداف الجماعة المنبوذة ويرفع الحرج عن قياداتها في الترويج للقمة دون التعاطي مع إيران التي تلقى كل الرفض من المحيط العربي الواسع، لولا الدعوة التي قدمها مهاتير محمد للرئيس الإيراني حسن روحاني لحضور القمة والمشاركة في فعالياتها، لتكتمل صورة قمة لا تراعي مشاعر العرب ولا تهتم لمآسيهم، التي يقع في القلب من أسبابها، سلوك طهران وميليشياتها وعبثها في المنطقة.
وتقدم القمة أفضل خدمة لإعادة تأهيل النظام الإيراني لدى المجتمع الدولي بعد أن تهشمت صورته الوردية في نفوس محازبيه والمحيط المحلي لأنصاره، وأحاطت به نتائج أفعاله في شكل عقوبات اقتصادية دولية قاسية وانتفاضات شعبية في المدن الإيرانية والبلدان التي استبيحت من قبل وكلاء طهران، ورفض سياسي وشعبي دولي كبير، لتأتي قمة المحبطين كطوق نجاة أخير ينتشلها من وهدة واقعها القاسي.
على كل حال، يحتفظ تاريخ المنطقة الحديث بالكثير من هذا النوع من المناسبات التي جمعت دولاً شتى على هدف متوهم، سرعان ما تتفكك عراه وتنفلت بناه ولا تقوم له قائمة، لاسيما تلك الأهداف التي تقصي لاعبين مركزيين في المنطقة وتستهدف إزاحتهم وتهديد وجودهم الطبيعي، وبالنظر إلى تركيبة هذه القمة، تبدو الصورة واضحة، وزخم الفشل يغطي سماء القمة ومستقبلها.
تركيا التي أوصدت في وجه أحلامها كل الأبواب، ومهاتير الذي يبحث عن وهج مكانته القديمة التي صنعتها الآلة الإخوانية، وقطر الملحقة بأردوغان، وإيران التي تبحث عن فرصة لالتقاط أنفاسها، كل ذلك انتهى بقمة كوالالمبور إلى الفشل الذريع.


الرابط :



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

تمجيد صدام حسين المجيد

كان يمكن للقصة الشهيرة التي تداولها عامة العرب عن صورة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين مطبوعة في كبد القمر أن تكون مجرد مزحة عابرة تذوب مثل قطعة ثلج أو تتبخر مثل بؤرة ماء، ولكن القصة المختلقة التي شاعت عشية تنفيذ حكم الإعدام في حقه من قبل الحكومة العراقية بعد إسقاط نظامه وتفكيك الدولة العراقية نتيجة حرب خاضها حلف دولي تقوده الولايات المتحدة، تمكنت في أذهان جيل بأكمله وتطورت إلى أشكال متجذرة لترميز الرئيس العراقي المخلوع. أصبح صدام ذا شعبية أكبر لدى قطاعات واسعة من الشباب العربي، فبإمكانك أن تلاحظ حجم الصور التي تنتشر له والأقوال المختلقة في محاولة لاستنطاقه بما يتمناه الشاب العربي من خطاب مشبع بالأنفة والاعتزاز ضد غطرسة الجانب الغربي من العالم أو الطائفة الشقيقة للغالبية السنية في الشرق الأوسط. لا تبدو سيرة صدام حسين مثيرة للإعجاب في التاريخ، فهو مجرد حاكم عربي عسكري يشبه أترابه ممن يقبض على سدة حكم الجمهوريات العربية المرتبكة في تقديم هوية سياسية ونظام حكم متماسك، يضاف إليه بطش أهوج وديكتاتورية مطبوعة بنزقه الشخصي وجنون العظمة الذي أودى بمستقبل العراق وشعبه في جملة من المغا...

«بيت الرشايدة».. «وقف» تحول «أكاديمية» تحتفظ بأسرار جدة

جدة – عمر البدوي   تسجل حارات وأزقة جدة القديمة، التي لا تزال تحتفظ بروحها وعبق تاريخها في الأبنية الشاهقة، وهي تقف في قلب المنطقة التاريخية، شهادة على النواة الأولى التي انبثقت منها واحدة من أهم المدن التجارية في تاريخ المملكة والشرق الأوسط. في حارة الشام، وتحديداً في شارع أبو عنبة، يقف معمار أخضر شامخاً بين أبنية المنطقة، على باب المبنى لوحة نُحتت عليها آية قرآنية، وأرّخت اللوحة في العام 1301 للهجرة. ويُسمى هذا المعمار «بيت الرشايدة»، نسبة إلى بانيه محمد عبدالرشيد، ويتكوّن من أدوار عدة، وأوقفه الرشيد علي العثماني في العام 1333هـ، بيت الرشايدة أو البيت الأخضر من أجمل البيوت التراثية وسط جدة القديمة، ويعود عمره إلى أكثر من 150 سنة. وتعود تسمية البيت إلى قبيلة الرشايدة التي ينتمي إليها بانيه وموقفه، وهي من القبائل المهاجرة من الحجاز وإليه. إلا أن ملكية البيت الآن تعود إلى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية. ولأن البيت خلال الستينات الميلادية من القرن الماضي، احتضن نشاطاً أكاديمياً، تحول الآن وبفضل أحد فنّاني جدة إلى «أكاديمية حديثة»، بعدما استأجر...