التخطي إلى المحتوى الرئيسي

بين قلزار وفرمان مسافة فارقة بين الوفاء والخيانة!


جدة - عمر البدوي 

< فور إعلان الداخلية السعودية اسم منفذ العملية الإرهابية الفاشلة أخيراً، بمدينة جدة، المقيم الباكستاني عبدالله قلزار خان، تذكر السعوديون، وخصوصاً أهالي جدة، قصة المقيم الباكستاني فرمان علي شرطوط، الذي أنقذ 14 شخصاً من الموت في كارثة سيول مدينة جدة عام 2009، وتوفي غرقاً بعدها. ويبدو الفارق واسعاً بين النبل والخسة في قصة الباكستانيين، اللذين ذهب أحدهما تضحية لأبناء البلد الذي عاش واعتاش بين جنبيه ووسط أهله، وبين من أزهق روحه سدى ضحية فكر متطرف، ولزعزعة استقرار البلد الذي مايزال أهله يعيشون فيه.
وإذ بادل السعوديون وفاء فرمان وتضحيته بالشكر والتقدير له ولأهله إزاء موقفه البطولي، فإن الحكمة والإنصاف لدى السعوديين دفعتهم إلى عدم تحميل عائلة المتطرف الباكستاني أعماله المشينة بعد أن لقي حتفه وفشلت عمليته جزاء نيته الفاسدة وسريرته الخبيثة.
وكان البطل الباكستاني فرمان، وهو من مواليد 1977، استخدم ألواحاً خشبية لإنقاذ 14 شخصاً من الغرق، وعندما حاول إنقاذ الشخص الـ15 تطلب ذلك نزوله إلى الماء الذي جرفه فغرق.
وعرفاناً وتقديراً لهذا الموقف البطولي المشرف والشجاع أصدر الملك عبدالله بن عبدالعزيز، رحمه الله، آنذاك أمراً بمنحه وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى، فضلاً عن تأمين حاجات ذويه المالية. كما قدمت جامعة الملك سعود منحة دراسية كاملة لشقيقه لدراسة اللغة في معهد اللغة العربية، قبل أن يلتحق بكليات الجامعة المختلفة. فيما توالت مناسبات تكريم البطل الشهيد وأهله وأبنائه في محافظة جدة، وقدمت لأسرته المساعدات المالية والعينية، كما منحت الحكومة الباكستانية زوجة وبنات الشهيد الباكستاني «فرمان علي» قطعة أرض في مدينة إسلام آباد، ومبلغ 500 ألف روبية باكستانية، عرفاناً منها بالدور البطولي الذي فعله الشهيد أثناء وقوع كارثة سيول جدة، وكانت هيئة الإغاثة الإسلامية والندوة العالمية للشباب الإسلامي زارتا أسرة الشهيد في باكستان، وجمعتا بعض التفاصيل عن حال الأسرة، وأعلنت عزمها تقديم كل الدعم لأسرة الشهيد الباكستاني، تثميناً لدوره البطولي النادر. كما يحتفظ أحد شوارع مدينة جدة باسم شهيد السيول فرمان، تخليداً لدوره في محنة المدينة، ليكون شاهداً على الدور الأصيل للمقيمين ممن انتموا إلى هذه الأرض إنساناً ومكاناً، ولم تداخلهم مشاعر التطرف التي تسلخ الإنسان عن حقيقته وعفويته وتحيله مسخاً مشوهاً ناقماً على الحياة وأقرب مقربيه.
ويعيش في السعودية ملايين المقيمين يعملون في وظائف مختلفة، يشعرون منذ قدومهم بالانتماء إلى هذه الأرض، لما تتمتع به من موقع ديني أثير وطبيعة اجتماعية مسالمة، ويحتفظ المقيمون لحظة وجودهم أو رحيلهم بالود والتقدير لهذه البلاد لأنها فتحت لهم أبواب الاسترزاق على مصراعيه، غير أن التنظيم المتطرف لم يألُ جهداً في تجنيد كل الإمكانات لخدمة أهدافه ومشاريعه السوداوية، إذ بدأ في الانقضاض على معايش الناس واستقرارهم، من خلال توظيف كل الفرص المتاحة والمستباحة لإنفاذ مشروعه التخريبي، والاتجاه إلى تجنيد الأجانب المقيمين، إضافة إلى الشباب المراهقين من المواطنين، مستغلاً في ذلك مشاعر النقمة والسخط وألاعيب التغذية الفكرية المسمومة، حتى يصبح الفرد نهباً ومستسلماً لتوجيهات القيادات المخربة.


الرابط :


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

تمجيد صدام حسين المجيد

كان يمكن للقصة الشهيرة التي تداولها عامة العرب عن صورة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين مطبوعة في كبد القمر أن تكون مجرد مزحة عابرة تذوب مثل قطعة ثلج أو تتبخر مثل بؤرة ماء، ولكن القصة المختلقة التي شاعت عشية تنفيذ حكم الإعدام في حقه من قبل الحكومة العراقية بعد إسقاط نظامه وتفكيك الدولة العراقية نتيجة حرب خاضها حلف دولي تقوده الولايات المتحدة، تمكنت في أذهان جيل بأكمله وتطورت إلى أشكال متجذرة لترميز الرئيس العراقي المخلوع. أصبح صدام ذا شعبية أكبر لدى قطاعات واسعة من الشباب العربي، فبإمكانك أن تلاحظ حجم الصور التي تنتشر له والأقوال المختلقة في محاولة لاستنطاقه بما يتمناه الشاب العربي من خطاب مشبع بالأنفة والاعتزاز ضد غطرسة الجانب الغربي من العالم أو الطائفة الشقيقة للغالبية السنية في الشرق الأوسط. لا تبدو سيرة صدام حسين مثيرة للإعجاب في التاريخ، فهو مجرد حاكم عربي عسكري يشبه أترابه ممن يقبض على سدة حكم الجمهوريات العربية المرتبكة في تقديم هوية سياسية ونظام حكم متماسك، يضاف إليه بطش أهوج وديكتاتورية مطبوعة بنزقه الشخصي وجنون العظمة الذي أودى بمستقبل العراق وشعبه في جملة من المغا...

«بيت الرشايدة».. «وقف» تحول «أكاديمية» تحتفظ بأسرار جدة

جدة – عمر البدوي   تسجل حارات وأزقة جدة القديمة، التي لا تزال تحتفظ بروحها وعبق تاريخها في الأبنية الشاهقة، وهي تقف في قلب المنطقة التاريخية، شهادة على النواة الأولى التي انبثقت منها واحدة من أهم المدن التجارية في تاريخ المملكة والشرق الأوسط. في حارة الشام، وتحديداً في شارع أبو عنبة، يقف معمار أخضر شامخاً بين أبنية المنطقة، على باب المبنى لوحة نُحتت عليها آية قرآنية، وأرّخت اللوحة في العام 1301 للهجرة. ويُسمى هذا المعمار «بيت الرشايدة»، نسبة إلى بانيه محمد عبدالرشيد، ويتكوّن من أدوار عدة، وأوقفه الرشيد علي العثماني في العام 1333هـ، بيت الرشايدة أو البيت الأخضر من أجمل البيوت التراثية وسط جدة القديمة، ويعود عمره إلى أكثر من 150 سنة. وتعود تسمية البيت إلى قبيلة الرشايدة التي ينتمي إليها بانيه وموقفه، وهي من القبائل المهاجرة من الحجاز وإليه. إلا أن ملكية البيت الآن تعود إلى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية. ولأن البيت خلال الستينات الميلادية من القرن الماضي، احتضن نشاطاً أكاديمياً، تحول الآن وبفضل أحد فنّاني جدة إلى «أكاديمية حديثة»، بعدما استأجر...