التخطي إلى المحتوى الرئيسي

مقبول العلوي .. وفتنته الباقية



نودي باسم الروائي السعودي مقبول موسى العلوي في حفل افتتاح معرض الرياض الدولي للكتاب هذا العام لتسلّم جائزة الرواية الفائزة من وزير الثقافة والإعلام عن روايته " زرياب " .
عندئذ انداحت الذكريات التي تربطني بهذه القامة الأدبية التي أصبحت تنافس عن جدارة واقتدار أسماء روائية عربية من الصف الأول ، يمكن أن تكتشف هذا بطريقة علمية ودقيقة في التناول الصحفي لرواياته خارج هذا الوطن الذي قليلاً ما يثق نقاده وصحفيوه بنتاج أبناء بلادهم وجودة أطروحاتهم .
أول ما أفصح به الذهن من الذكريات هي أيام المرحلة الابتدائية التي جمعتني به معلماً للتربية الفنية ، كان معلماً مقصراً في تخصصه ولكنه ينطوي على طريقة منفردة في تعامله ، لديه أسلوب مؤثر في تواصله مع أبنائه الطلاب ، وربما تشاغل عنهم ذات حصة باردة بكتبه التي يصطحبها أثناء الدرس ، كثيراً ما كان يشاركهم قراءاته ويناقشهم بعض مضامين الفقرة التي توقف عندها من الكتاب .
كان شغوفاً بالآلات ، أتذكر جيداً يوم جاء بجهاز " أطلس " وأخذ في الانشغال به كعادته ، استدعانا للاطلاع عليه ، تحول ذلك الجهاز إلى لعبة في يد الجميع ، كل طلاب الفصل جرب حظه في استخدام الجهاز ، كان المعلم لطيفاً ، اجتمعنا حوله بارتياح شديد وكأننا صبية يلتصقون بوالدهم الرقيق .
لقد كسر قواعد المهابة بين معلم وطلابه ، كنت أشعر أنه يعاملني باهتمام شديد ، قد لا يكون الشعور دقيقاً وأنه مجرد نتيجة لطريقته المختلفة في التعامل مع كل شيء أو الاهتمام الذكي بالتفاصيل ، ولكن أحداً لم يكن مستعداً للمفاجأة ، ولم يتصور أن ذلك الهدوء وتلك العفوية تخفي وراءها " فتنة " جميلة ستنكشف عن روائي كبير .
" فتنة جدة " لم تكن روايته الأولى ، ولكنها كانت الأسبق للنشر ، صادف أنها جاءت في وقت مناسب جداً وانعقد عنوانها بطريقة عبقرية وافقت مناخاً مستعداً لاستقبالها ، لقد كانت أول اتصاله بالناس على هيئة روائي وانضم معها لنادي الأضواء .
لم يكن مفتوناً بالأضواء ، يوم تجالسه ستجده شخصاً حريصاً على الهروب من ذاتيته ، ومنكباً للحديث معك عن موضوعات أخرى ، ثرية ، ودسمة ، ليس منها كلمة واحدة في تنميق قلمه أو استعراض تجربته .
يبدو أن كونه يعيش زاهداً ومنزوياً ساعد في التخفيف من وطأة التظاهر وانشغل بتطوير نفسه ، وأن إقلاله الكبير من الارتباطات الاجتماعية وغرامه بعزلته المعرفية والقرائية ساهمت في رفع جاهزيته الروائية ، حتى غدا ناضجاً بما يكفي لينال اهتمام الناس وإعجابهم عبر فرصة لائقة وجادة .
في الغالب سيكون الحديث منصباً في التاريخ العربي ، فهو مولع به بطريقة ملفتة ، وهذا واضح في عناوين ومضامين رواياته ، التي التقطها بعناية من أحشاء الجزء المختبئ خجلاً من التاريخ .
اكتشفت أنه قرأ التاريخ العربي من أبواب مختلفة ، قرأه في الكتب والمراجع ، استمع إلى ألبومات صوتية ، قرأه عبر الروايات المتعددة ، زار البلدان والمواقع الأثرية التي احتضنت أحداث التاريخ واحتفظت بعبقها القديم ، وهو في كل مرة يرتب الأحداث على سجيته الروائية المنفردة ، بموسيقاه التي لا يعزفها شخص آخر غيره .
عندما استضافنا في بيته لتهنئته بصدور روايته الأولى ، كانت حفاوته القديمة قد تضاعفت بشكل أنيق جداً ، أناقة تليق بروائي ينتخب أسلوب تعامله كما ينتخب أفكار روايته ، كان يضيفك إلى حديثه بطريقة متحضرة ، تشعر وكأنك جزء من نجاحه .
في آخر رسائله لي قبل يومين كان يقول أننا في طريق واحد ، لقد تعود أن يأخذ معه الجميع في مركبة النجاح ، ربما روح الروائي داخله تفيض على الجميع .
أصبح ابن القرية روائياً من الطراز الأول ، لقد تحدى نفسه وهدم جدار الانكفاء عن النشر ، ذلك الانكفاء الذي يكاد يعطل جاره وابن قبيلته الشاعر الكبير " محمد بلغيث العلوي " الذي أرجو أن يتوقف عن توقفه .
عندما كان يمر بسيارته يبدو وكأنه منشغل بالطريق ولا يلتفت لجوانبه ، هذا يشبه تماماً ما هو عليه الآن من التركيز على خطوته القادمة دون أن يتشاغل بعوارض الطريق من حب الظهور أو إدمان الأضواء .
اليوم لم تعد تراه يقود سيارته ، لقد تنازل عن ذلك لابنه " سامر " الذي يقوم بحاجة أهله ، إن عزلته وزهده تتضاعفان ، يعجبني اعتكافه الروائي هذا حتى لا ينحسم سيلان إبداعه المتألق وجريان قلمه المتدفق .
قبل سنوات من الآن خصّ مسامعي بوعد أن يكتب رواية في تاريخ " وادي حلي " ، وأنا الآن يوم افتضح هذا السر المعقود بيننا ، إنما أدفعه لاستعجال ولادة هذا المشروع وأحرّض كل مهتم لمعونته في جمع المواد التاريخية عن هذا الوادي الذي يحتضننا ، يومها يصبح لمقبول فتنته الباقية .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

السعوديون يحتفون بالذكرى السابعة لبيعة الملك سلمان

خادم الحرمين رافق مراحل التنمية على مدى 60 عاماً   الاثنين - 3 شهر ربيع الثاني 1443 هـ - 08 نوفمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15686] الرياض: عمر البدوي وبندر مسلم يحتفي السعوديون اليوم بالذكرى السابعة لتولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في 23 يناير (كانون الثاني) الموافق (3 ربيع الثاني 1436هــ) ومبايعته ملكاً للبلاد، ورائداً لمرحلة جديدة تخوضها السعودية منذ وصوله قبل ٧ سنوات، كسابع ملوك المملكة بعد إعلان توحيدها عام 1932. الملك سلمان بن عبد العزيز الذي رافق مراحل مفصلية من عمر البلاد، اختبر خلالها المفاصل التاريخية التي آلت بالسعودية إلى ما هي عليه اليوم من تنمية وازدهار، ومن موقعه سابقاً، حيث كان أميراً لمنطقة الرياض لأكثر من خمسة عقود وتسميته أميراً لها عام 1955 وهو في عقده الثاني من العمر، راقب البلاد وهي تنمو. حتى أصبح قائداً للبلاد، وشاهداً على نهضتها الجديدة، في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية والتنظيمية، والأعمال والمشاريع والمبادرات السريعة والمتلاحقة على المستويين التنموي والاجتماعي، والتي أضحت بفضلها السعودية منافساً تلقائياً ع

«تتبع الحجارة» عنوان 100 يوم من الفن المعاصر في بينالي الدرعية

السعودية تشهد اليوم واحدة من أكبر المناسبات الفنية العالمية   السبت - 7 جمادى الأولى 1443 هـ - 11 ديسمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15719] الرياض: عمر البدوي أصبح حي جاكس جاهزاً لانطلاق الدورة الأولى من بينالي الدرعية للفن المعاصر، واستقبال المتطلعين لزيارة واحدة من أكبر المناسبات الفنّية العالمية، ابتداءً من اليوم (السبت)، حتى 11 مارس (آذار) المقبل، وهو أول بينالي دولي يتطرق لموضوعات وأشكال الفن المعاصر في السعودية، ويعرض أعمالاً لفنانين عالميين ومحليين، مع مجموعة من الورش الثقافية والتجارب الممتعة. يأتي بينالي الدرعية، كتجربة استثنائية، ومنصة إبداعية تمتد لمائة يوم، تكشف جوهر الفنون السعودية بمختلف أنماطها، وتُفسح للفنانين مساحات للحوار وإثراء تجاربهم، لتعزيز المشهد الثقافي والفني، وتمكين المواهب المحلية، واستقطاب مجموعات الفنانين الدوليين لإغناء الحدث الفني المهم. وقال راكان الطوق، المشرف على الشـــؤون الثقافية والعلاقات الدولية في وزارة الثقافــــة الســـــعودية، إن استضافة المملكة لأول بينالي للفن المعاصر، يعدّ إنجازاً استثنائياً، وإن أهميته تأتي من كونــــه نقطة التقــــــاء للعالم، ومن

ماذا يخطر في بالك ( 5 ) ؟

هنا أنقل بعضاً من منشوراتي على صفحتي في ( الفيس بوك ) . راجياً لكم النفع والفائدة  . ضعف التقدير يقود إلى سوء التقرير . .................. كلما كان واقعك ثرياً وغنياً ، بارت بضاعة خيالك الواهم . …………… إذا أحببت شيئاً ثم التقيت به بعد غياب فكأن الروح ردت إليك بعد غيبة الموت ، أو العقل عاد بعد جنون ، أو الذاكرة استفاقت بعد غيبة . كل الأشياء الرمادية تسترجع ألوانها الزاهية ، والروائح الزاكية تستجرّ عنفوانها ، والمشاعر اللذيذة تستعيد عافيتها . ما يفعله الشوق بك من ذهاب العقل وغيبة الذاكرة وموات الروح ، يفعل بك الوصل أضعافه من الفرح والطرب والنشوة . لقد جُبل هذا القلب على الإلف بما يحبه والتعلق به حتى يكون بمثابة الطاقة الموصولة بألياف الكهرباء ، أو الزيت الذي يقدح النور ، والجمر الذي يستفز أعواد البخور . وإذا غاب المحبوب واستبد بك الشوق انطفأ نور الوجه وضاقت النفس وذهب الفرح حتى يعرف ذلك في حدة طبعك وانغلاق عقلك وعبوس وجهك ، فإذا التقى المحبوبان والتأم القلب عادت المياه لمجاريها وشعشع الوجه واتسع الثغر وانفرجت الأسارير . سبحان من خلق . ……………… إذا كنت تسم