التخطي إلى المحتوى الرئيسي

قم !



{ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ } المدثر 1 – 7 .
يا أيها المدثر : ذلك لنعلم أن ما يمنع المرء عن الرفعة والمطلب النفيس إنما هو الميل للراحة والدعة والتقلب على فراش النوم والخمول والكسل .

وإن الطامحين إلى المعالي الراغبين في فضائل الأمور لا يأخذون من النوم إلا قسط الضرورة ، ولا تغلب رغبة النوم رغبتهم الطامحة التي تطرد النوم من الأجفان فلا يستعذب معها سوى المعالي فقط .

وهل أضاع المسلمين إلا غلبة النوم والتنعم في فراش القعود والراحة وعلى أسرة مبسوطة بالإحجام ومفروشة بالنعيم والكنوط بعيداً عن مشقة السعي وكلفة العمل .

قم فأنذر : إنما القيام هو مبدؤ الخير وأول الغيث قطرة ومطلع البشارات ، قم فإن السعي أجدر بك ، والدنيا لا تقبل بغير القائمين بأمورها الساعين في دروبها وإن ضاقت وتوعرت .

قم :
إني رأيت وقوف الماء يفسده
إن ساح طاب وإن لم يجر لم يطب
والأسد لولا افتراق الأرض ما افترست
والسهم لولا فراق القوس لم تصب

قم فأنذر : فإنما دورك إن عمي الناس أن تبصرهم وإن ضلّوا أصلحتهم وإن فسدوا سدّدتهم ، أنذرهم إنما الحديث نذارة فيعي الغافل ويستدر المقصّر وإما بشارة يسعد بها الشقي ويتسلى بها المصاب وما دون ذلك فهو من فضول الكلام ، فقل خيراً وإلا فاصمت .

وربك فكبّر : ولا تخالف سير الكون واتجاه الطبيعة وخلق الله وسائر الأفلاك المبثوثة في هذا العالم ، ولا تعظم نفسك حتى يغيب عنك حق الله منها ، ولا تجعل شيئاً من عملك لغيره ، إنما يميز يوم القيامة ما كان لله وما كان غيره ألقي في النار غير منتفع به ولا عائد إليك بأدنى فائدة .

إليك ابتهالي والدموع ومهجتي ××× وقلبي وعقلي والحشا ومدامعي

اعقد صفقة مع ربك وبعْ نفسك وعملك وجهدك وحياتك ومماتك للعلي القدير ، وإن الحياة التي تهديها لله ستكون لا محالة سماوية مرتفعة عن الدون وسفساف الأمور .

إذا صح منك الود فالكل هين ××× وكل الذي فوق التراب تراب

وثيابك فطهّر : ذلك لأن العظماء ممن يريد أن يترك أثراً قبل رحيله ويدفع بمجتمعه إلى الفضائل لا يمكن أن يكون خسيس النفس دنيء الروح .

وعليه أن يكون شريفاً سمحاً حتى لو جار عليه الأعداء وطالته شماتة الخصوم ، أبداً يترفع عن ذلك ويتسامى إلى غايته النبيلة وطموحه الرفيع كعود زاده الإحراق طيباً .

والرجز فاهجر : وضع ربك نصب عينيك والعفة شعارك والسماحة دثارك ، ولا تستنزف وقتك في المطالب الدنيئة والرغبات الرخيصة التي تحط قدرك وتذهب ذكرك وتسفّه أثرك .

اهجر كل شائن واترك كل سوء واجعل المعروف وجهتك والخير سؤلك ومطلبك ، وإلى الله توجه ودونه من حظوظ النفس ونوازعها والأقنعة التي تلبست بالعظمة الزائفة وجعل الناس يأتمون بها ويحفدون إليها أصناماً تنازع الله كبريائه وهي ساقطة منذ شيدت في نفوس الناس .

ومما زادني شرفاً وعزاً
وكدت بأخمصي أطأ الثريا
دخولي تحت قولك : يا إلهي
وأن صيّرت أحمد لي نبيا

ولا تمنن تستكثر : ذلك لأن من نصّب نفسه لدعوة الناس واصطفاه ربه لقيادة العالم نحو الفضيلة ، فإنه لا بد معطٍ لا ينتظر شكراً وباذل لا يرجو ثواباً من مخلوق .

فإنه مجبول على العطاء دون مقابل مطبوع على نفع الناس ودعوتهم غير آبه بما في أيديهم زاهد فيما عندهم .

ولربك فاصبر : ذلك أن النجاح والوصول ونيل المطلوب لا يكون بدون صبر ، فالطريق وعرة والسير طويل والغاية غائرة فإن لم يكن لك من الصبر زاد وإلا ضجرت في منتصف الطريق وعدت خالي الوفاض .

استعن بالصبر فإنه مسلاة الروح وزاد الطريق !!


الرابط :


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

تمجيد صدام حسين المجيد

كان يمكن للقصة الشهيرة التي تداولها عامة العرب عن صورة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين مطبوعة في كبد القمر أن تكون مجرد مزحة عابرة تذوب مثل قطعة ثلج أو تتبخر مثل بؤرة ماء، ولكن القصة المختلقة التي شاعت عشية تنفيذ حكم الإعدام في حقه من قبل الحكومة العراقية بعد إسقاط نظامه وتفكيك الدولة العراقية نتيجة حرب خاضها حلف دولي تقوده الولايات المتحدة، تمكنت في أذهان جيل بأكمله وتطورت إلى أشكال متجذرة لترميز الرئيس العراقي المخلوع. أصبح صدام ذا شعبية أكبر لدى قطاعات واسعة من الشباب العربي، فبإمكانك أن تلاحظ حجم الصور التي تنتشر له والأقوال المختلقة في محاولة لاستنطاقه بما يتمناه الشاب العربي من خطاب مشبع بالأنفة والاعتزاز ضد غطرسة الجانب الغربي من العالم أو الطائفة الشقيقة للغالبية السنية في الشرق الأوسط. لا تبدو سيرة صدام حسين مثيرة للإعجاب في التاريخ، فهو مجرد حاكم عربي عسكري يشبه أترابه ممن يقبض على سدة حكم الجمهوريات العربية المرتبكة في تقديم هوية سياسية ونظام حكم متماسك، يضاف إليه بطش أهوج وديكتاتورية مطبوعة بنزقه الشخصي وجنون العظمة الذي أودى بمستقبل العراق وشعبه في جملة من المغا...

«بيت الرشايدة».. «وقف» تحول «أكاديمية» تحتفظ بأسرار جدة

جدة – عمر البدوي   تسجل حارات وأزقة جدة القديمة، التي لا تزال تحتفظ بروحها وعبق تاريخها في الأبنية الشاهقة، وهي تقف في قلب المنطقة التاريخية، شهادة على النواة الأولى التي انبثقت منها واحدة من أهم المدن التجارية في تاريخ المملكة والشرق الأوسط. في حارة الشام، وتحديداً في شارع أبو عنبة، يقف معمار أخضر شامخاً بين أبنية المنطقة، على باب المبنى لوحة نُحتت عليها آية قرآنية، وأرّخت اللوحة في العام 1301 للهجرة. ويُسمى هذا المعمار «بيت الرشايدة»، نسبة إلى بانيه محمد عبدالرشيد، ويتكوّن من أدوار عدة، وأوقفه الرشيد علي العثماني في العام 1333هـ، بيت الرشايدة أو البيت الأخضر من أجمل البيوت التراثية وسط جدة القديمة، ويعود عمره إلى أكثر من 150 سنة. وتعود تسمية البيت إلى قبيلة الرشايدة التي ينتمي إليها بانيه وموقفه، وهي من القبائل المهاجرة من الحجاز وإليه. إلا أن ملكية البيت الآن تعود إلى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية. ولأن البيت خلال الستينات الميلادية من القرن الماضي، احتضن نشاطاً أكاديمياً، تحول الآن وبفضل أحد فنّاني جدة إلى «أكاديمية حديثة»، بعدما استأجر...