التخطي إلى المحتوى الرئيسي

حبيبي يا رسول الله



المشهد في أحد مقابر المدينة المنورة ، التاريخ قبل ألف وأربع مئة سنة .
قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : وددت أني لقيت إخواني ، فقال أصحاب النبي : أو ليس نحن إخوانك ؟ قال : أنتم أصحابي ، ولكن إخواني الذين آمنوا بي ولم يروني .
الحدث في مدرجات ملعب رياضي على بعد كيلوات من المكان الذي تشرف ثراه بأقدام النبي الكريم ، البطل هو جمهور نادي الاتحاد السعودي .

لم يكن – بأبي هو وأمي – ينطق عن الهوى ، تذكرت هذا الحديث وأنا في مدرج الذهب ، كانت ليلة ملهمة ، كل شيء كان يدعو للتأمل والفخر ، شباب في عمر الزهور لا يحملون إلا حبهم العميق لمن بعث رحمة للعالمين ، في أعظم تصديق للنبوءته الكريمة .

عندما ارتفعت الأيادي الغضّة بلوحة الحب العفوية للنبي الكريم ، وقف الجميع من هول المهابة ، ستون ألفاً في لحظة الحدث ، وخلف الشاشات ملايين تشرئب لهذه اللقطة التاريخية .

فجأة خيم صمت رهيب ، وانساب النشيد المدني العظيم : طلع البدر علينا .. من ثنيات الوداع ، كل المدرجات رددت وبصوت واحد هذا النشيد ، وكأن أحداً لم ينساه رغم تطاول السنوات ، كانت القلوب تهتف بالحب قبل الألسن ، والعيون شاخصة يلمع فيها الصدق والوفاء لنبي الرحمة والإنسانية .
كان الموقف استثنائياً انتقل كالبرق في العالم أجمع ، ليشهد القاصي والداني أن شباب هذه البلاد يجيدون التعبير عن حبهم أو امتعاضهم بطريقة متحضرة ، تأسياً بنبي البشرية جمعاء وقدوتها الأوحد .

خلال المباراة كانت السجدات تطبع مثل قبلة على ثرى الملعب ، انطوت الليلة على كل إمكان عميق للتعبير عن إيمان هذه الجماهير بمسؤوليتها ورسالتها ونبلها ، وعندما تكون اللحظة في قبضة جمهور العميد فإن الكف ستنبسط عن جوهرة ثمينة وصورة تعبيرية رصينة ، تماماً كما حدث تلك الليلة المهيبة .
لم تخذل تلك الجماهير التي لبت نداء الوفاء والحب ، غادرت بفوز كبير ورضى عن النفس لا يطاوله شعور ، كانت تحفهم نظرات التقدير من مليار ونصف مسلم تحملوا مسؤولية التعبير عنهم ، وأنت تغادر مقعدك تتردد في أذنيك أهازيج رمز المدرج الأصفر صالح القرني وهو يفتتح مقطوعته أو يختمها بلازمته الشهيرة :
والنبي يا صلاتي عليه
وكل واحد يصلي عليه




الرابط :

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

تمجيد صدام حسين المجيد

كان يمكن للقصة الشهيرة التي تداولها عامة العرب عن صورة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين مطبوعة في كبد القمر أن تكون مجرد مزحة عابرة تذوب مثل قطعة ثلج أو تتبخر مثل بؤرة ماء، ولكن القصة المختلقة التي شاعت عشية تنفيذ حكم الإعدام في حقه من قبل الحكومة العراقية بعد إسقاط نظامه وتفكيك الدولة العراقية نتيجة حرب خاضها حلف دولي تقوده الولايات المتحدة، تمكنت في أذهان جيل بأكمله وتطورت إلى أشكال متجذرة لترميز الرئيس العراقي المخلوع. أصبح صدام ذا شعبية أكبر لدى قطاعات واسعة من الشباب العربي، فبإمكانك أن تلاحظ حجم الصور التي تنتشر له والأقوال المختلقة في محاولة لاستنطاقه بما يتمناه الشاب العربي من خطاب مشبع بالأنفة والاعتزاز ضد غطرسة الجانب الغربي من العالم أو الطائفة الشقيقة للغالبية السنية في الشرق الأوسط. لا تبدو سيرة صدام حسين مثيرة للإعجاب في التاريخ، فهو مجرد حاكم عربي عسكري يشبه أترابه ممن يقبض على سدة حكم الجمهوريات العربية المرتبكة في تقديم هوية سياسية ونظام حكم متماسك، يضاف إليه بطش أهوج وديكتاتورية مطبوعة بنزقه الشخصي وجنون العظمة الذي أودى بمستقبل العراق وشعبه في جملة من المغا...

«بيت الرشايدة».. «وقف» تحول «أكاديمية» تحتفظ بأسرار جدة

جدة – عمر البدوي   تسجل حارات وأزقة جدة القديمة، التي لا تزال تحتفظ بروحها وعبق تاريخها في الأبنية الشاهقة، وهي تقف في قلب المنطقة التاريخية، شهادة على النواة الأولى التي انبثقت منها واحدة من أهم المدن التجارية في تاريخ المملكة والشرق الأوسط. في حارة الشام، وتحديداً في شارع أبو عنبة، يقف معمار أخضر شامخاً بين أبنية المنطقة، على باب المبنى لوحة نُحتت عليها آية قرآنية، وأرّخت اللوحة في العام 1301 للهجرة. ويُسمى هذا المعمار «بيت الرشايدة»، نسبة إلى بانيه محمد عبدالرشيد، ويتكوّن من أدوار عدة، وأوقفه الرشيد علي العثماني في العام 1333هـ، بيت الرشايدة أو البيت الأخضر من أجمل البيوت التراثية وسط جدة القديمة، ويعود عمره إلى أكثر من 150 سنة. وتعود تسمية البيت إلى قبيلة الرشايدة التي ينتمي إليها بانيه وموقفه، وهي من القبائل المهاجرة من الحجاز وإليه. إلا أن ملكية البيت الآن تعود إلى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية. ولأن البيت خلال الستينات الميلادية من القرن الماضي، احتضن نشاطاً أكاديمياً، تحول الآن وبفضل أحد فنّاني جدة إلى «أكاديمية حديثة»، بعدما استأجر...