التخطي إلى المحتوى الرئيسي

مطار القنفذة .. مطلب شعبي بهوية استراتيجية!

مشاريع المطارات التي تنشئها الدول على امتداد أصقاعها وفي أطرافها تعبر عن الخطة الوطنية الاستراتيجية التي تعنى بالجوانب الاقتصادية والاجتماعية والاستثمارية التي تحققها وتهدف إليها .

حتى وإن كنا نعيش على ثرى وطن معطاء مثل هذا لا يبخل على مواطنيه بالخير العميم وإجراء المشاريع التي يكون فيها نفعهم وفائدتهم وغناهم ورضاهم ، ولكن لا تعتبر مثل هذه المشاريع الوطنية هبات ترجى فتعطى ، وليست هدايا تعبر عن وفرة المال واكتناز الذهب ، ولكن يدفعها الجدوى الاقتصادية والحاجة الاجتماعية الملحّة .

وهذا ما ينطبق تماماً على مطلب إنشاء قواعد المطار في محافظة القنفذة وتسيير الرحلات منها وإليها ، وهذا ما يجب أن ينساب في أعماق خطابات المطالبة التي تستبصر جوانب الحاجات الاقتصادية والاستثمارية التي تلحّ على مواطني القنفذة وتجنّب لغة الاستجداء الفارغ والاستعطاف الذي لا يحقق نفعاً ولا يؤتي أكلاً .

كلما زادت الحركة الثقافية المنتجة وارتفع منسوب العطاء الاجتماعي والفاعلية الفردية لأبناء القنفذة ، أصبحت المطالبة بالمطار أكثر صدقاً وأثراً ، كلما توسعت رقع المشاريع الاقتصادية والفرص الاستثمارية وانتعشت الحركة التجارية والسياحية جاء المطلب مذعناً إلى باحات القنفذة ، فضلاً عن مناحي المجتمع الطبية والتعليمية الأخرى التي تحفز الجوانب الأصيلة .

محافظة القنفذة يوم كان البحر سبيل التواصل الأممي وبوابة الاتصال بالعالم الخارجي كانت في صدر المناطق الفاعلة والنشطة في خارطة الجزيرة العربية واستطاعت عبر حراكها الاجتماعي والتجاري الناضج أن تنتج قامات وطنية عملاقة تركت أثراً واضحاً في الحركة الثقافية والاجتماعية والتجارية على مستوى البلاد ، وليس محمد سرور الصبان عن الذاكرة ببعيد . غير أنه يوم أصبح الفضاء بوابة السماء إلى الانفتاح قصرت إمكاناتها وتراجع دورها .

عندما ترسم خطط الملتقيات الثقافية والتعليمية يكف رموز البلاد وقاماتها عن الحضور إلى أرض القنفذة بحجة رهق الطريق وطول المسافة ، يوم يهمّ مريض السرطان أنيؤمّ شطر المراكز الطبية خارج المنطقة فإنه يضيف إلى ألم الجسد همّ السفر ، وعندما يريد تاجر وطني مخلص أن يوسع على الناس ويزيد في مشروعه يكلفه النقل البري مبالغ باهظة بما يكفي ليقصر عن حلمه ، ويوم تريد القنفذة أن تتزين لسوّاحها وزوّارها تتأبى عليهم الطرق وعسف السفر عن الزيارة فتعود الغادة كسيرة حسيرة تتلوى من شدة الفقد ، ويوم يريد جهازها الإداري وحكومتها المحلية أن تمد بجسر من التواصل مع مراكز القوى يشقّ عليهم الطريق إلى التنمية وتنقطع أنفاس الحماس في منتصف المشوار ، وكل هذا يمكن أن ينتهي عند لحظة الإمضاء على قرار المطار فتتعافى القنفذة من أدوائها وتعود للقيام بدورها المحوري في تنمية الوطن وإثراء البلاد .

لا ينبغي أن يبلغ بنا الإياس إلى الكف عن المطالبة بحق مشروع ، ولكن مع المطالبة بذلك علينا أن نرفع من أسهمنا الثقافية والاجتماعية والتعليمية والتجارية والسياحية ، لا يجب أن نتوقف عن العمل ونسرف في الانتظار لأنه لا يحقق كسباً ولن نحصل به على نتيجة .




الرابط :

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

تمجيد صدام حسين المجيد

كان يمكن للقصة الشهيرة التي تداولها عامة العرب عن صورة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين مطبوعة في كبد القمر أن تكون مجرد مزحة عابرة تذوب مثل قطعة ثلج أو تتبخر مثل بؤرة ماء، ولكن القصة المختلقة التي شاعت عشية تنفيذ حكم الإعدام في حقه من قبل الحكومة العراقية بعد إسقاط نظامه وتفكيك الدولة العراقية نتيجة حرب خاضها حلف دولي تقوده الولايات المتحدة، تمكنت في أذهان جيل بأكمله وتطورت إلى أشكال متجذرة لترميز الرئيس العراقي المخلوع. أصبح صدام ذا شعبية أكبر لدى قطاعات واسعة من الشباب العربي، فبإمكانك أن تلاحظ حجم الصور التي تنتشر له والأقوال المختلقة في محاولة لاستنطاقه بما يتمناه الشاب العربي من خطاب مشبع بالأنفة والاعتزاز ضد غطرسة الجانب الغربي من العالم أو الطائفة الشقيقة للغالبية السنية في الشرق الأوسط. لا تبدو سيرة صدام حسين مثيرة للإعجاب في التاريخ، فهو مجرد حاكم عربي عسكري يشبه أترابه ممن يقبض على سدة حكم الجمهوريات العربية المرتبكة في تقديم هوية سياسية ونظام حكم متماسك، يضاف إليه بطش أهوج وديكتاتورية مطبوعة بنزقه الشخصي وجنون العظمة الذي أودى بمستقبل العراق وشعبه في جملة من المغا...

«بيت الرشايدة».. «وقف» تحول «أكاديمية» تحتفظ بأسرار جدة

جدة – عمر البدوي   تسجل حارات وأزقة جدة القديمة، التي لا تزال تحتفظ بروحها وعبق تاريخها في الأبنية الشاهقة، وهي تقف في قلب المنطقة التاريخية، شهادة على النواة الأولى التي انبثقت منها واحدة من أهم المدن التجارية في تاريخ المملكة والشرق الأوسط. في حارة الشام، وتحديداً في شارع أبو عنبة، يقف معمار أخضر شامخاً بين أبنية المنطقة، على باب المبنى لوحة نُحتت عليها آية قرآنية، وأرّخت اللوحة في العام 1301 للهجرة. ويُسمى هذا المعمار «بيت الرشايدة»، نسبة إلى بانيه محمد عبدالرشيد، ويتكوّن من أدوار عدة، وأوقفه الرشيد علي العثماني في العام 1333هـ، بيت الرشايدة أو البيت الأخضر من أجمل البيوت التراثية وسط جدة القديمة، ويعود عمره إلى أكثر من 150 سنة. وتعود تسمية البيت إلى قبيلة الرشايدة التي ينتمي إليها بانيه وموقفه، وهي من القبائل المهاجرة من الحجاز وإليه. إلا أن ملكية البيت الآن تعود إلى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية. ولأن البيت خلال الستينات الميلادية من القرن الماضي، احتضن نشاطاً أكاديمياً، تحول الآن وبفضل أحد فنّاني جدة إلى «أكاديمية حديثة»، بعدما استأجر...