التخطي إلى المحتوى الرئيسي

هادي الأمين: الميليشيات المسؤول الثقافي الوحيد لتثقيف الشباب الشيعي!






المناسبة السعيدة التي تَبتَدرُ إلى ذهن الدكتور هادي الأمين على نحوٍ دائم، هي اليومِ الذي كانَ مُعيّناً - قبل سنوات - لجلسة الدفاع عن أطروحة الدكتوراه أمام لجنة الفحص والتحكيم في المملكة المتحدة.

بات ليلته، خائفاً ومضطرباً، وهذا شعورٌ يشتركُ فيه جميع المرشحين، إلاَّ أنه، وعلى نحوٍ غير متوقع، استيقظ مبتسماً ومطمئناً وراضياً وهادئاً.

يومها، وأثناء مسيره من الكليّة التي كان يسكنُ فيها، إلى مدرسة العلوم السياسية والدراسات الحكومية، هاتف والديه، فازداد طمأنينة ورضا.


بعد مرور ساعاتٍ على نقاشٍ مُخيفٍ ومُضنٍ وثري ورائعٍ في آنٍ معاً، خرج من القاعةِ إلى الفضاء الأوسع، وفي جعبتي نجاحٌ وكمٌّ هائلٌ من المشاعر التي لم يستطع فهمها أو تصنيفها، ولم يكترث - حتى اللحظة - لتصنيفها أو فهمها إحتفالٌ وفرحٌ وبكاءٌ وتحديقٌ بالسماء لساعات طويلة.

من ثم انطلق في فضاء البحث والطرح والتفكير والعمل متسلحاً بأفكاره التي تبدد السائد وتنتصر لبقايا العقل والحكمة في واقع العرب والمسلمين.




> تنهل دائماً من خالك ووالدك الكريم، وكأنك نهر يتسع بهذه المصبات؟

- بالفعل، أنهلُ منهما من غيرِ توقّف. كلُّ توجيهٍ وربتةٍ على كتفي من والدي حفظهُ الله، تعنيانِ لي الكثير الكثير، وكلُّ وصيةٍ كنتُ أسمعها من خالي رحمه الله، كانت وما زالت تزنُ عندي الكثير.

أنهلُ منهُما لأنهما كانا - وما زالا - على اتفَاقِهِما واخْتِلافِهما وَتَماثُلِهِمَا وتَبَايُنِهِما، المتراسَ الحصينَ الذي حماني من الغلوِّ والانغلاق، وانهمرا عليَّ، في مراحلَ مختلفة، ليسقياني قبولَ الآخر وحبَّه، وإفهامي، من غير إكراهٍ ولا ترهيبٍ ولا جَبْر، بأنَّ الاختلافَ عنهُ ليسَ سقوطاً أو تُهْمَة، وبأنَّ انتماءَ الفردِ إلى دينٍ معيّن أو مذهبٍ معين أو سُلالةٍ معينّة، لا يُنزِلُهُ منازلَ العظماء، بل ما يفعل، هو حيازتهُ لعقلٍ يفهمُ ويُقدِّرُ ويؤصِّلُ قيمَ الاختلافِ والتنوعِ ويتبناها، فلا يمنعُ على الآخرين حقّهم في أن يكونوا مختلفين، ولا حقهم بما يرونه جامعاً لهُم مع غيرهم.

خلال مرحلة دراستي الثانوية، بعثني أهلي لمتابعة دراستي بعيداً عنهم، فسكنتُ لسنواتٍ طويلةٍ في بيتِ جدّي لأمي، الشيخ عبدالكريم شمس الدين رحمه الله، وهذا ما أعطاني فرصةً للتردد، بشكلٍ شبهِ يومي، على خالي الشيخ محمد مهدي شمس الدين رحمه الله، لأصلّي خلفه، واستمعَ لمحاضراته وإرشاداته ونصائحه، فتأثرت به، وتحصّنت من أمور كثيرة.

ولعلَّ دورهما الأهم كان في أنهما قدّما إليّ، كلٌّ على طريقته وفرادته، خلاصة تجربةٍ طويلة وثريّة وشاقة، حمتني من التطرّف والتحزّب، وجعلت مني فرداً متحرراً من الوصايات الحزبية، حريصاً على التمسّك بما آمنا به، من ضرورة الدعوة الدائمة إلى انخراط الشيعة المعافى في اجتماعاتهم الوطنية ونبذهم للمذهبية والطائفية، وإيمانهم بمشاريع دولهم، ورفضهم محاولات النظام الإيراني تحويلهم إلى خشبِ السُلّم الذي يتخطّى عليه، لغرض تحقيق مشاريعه التي تتعارض واندماجهم المُعافى في أوطانهم ومجتمعاتهم.

> لماذا يخبو صوت التأثير لأعلام مثل محمد مهدي شمس الدين وعلي الأمين في واقع الشيعة عموماً واللبنانيين خصوصاً، ما هو التفسير؟

- الأسبابُ متعددة، ولعلَّ أولها هو قدرةُ المتطرفين، على قلّتهم، من غير مَشَقَّة ولا دأبٍ أو ضَنَك، على إفساد قضيةِ الأكثرية وتشويهها في الدول التي يغيبُ فيها الرادع وتغيب عنها سلطة القانون،ومنها لبنان وسورية والعراق واليمن، الذين وبسبب الميليشيات وسلاحها، يخرجون بحصاد مفجع وبائس على صعيد فاعلية الدولة واستقرارها. وثانيها، أنّه في أيِّ اجتماعٍ تكون المرجعية فيه لمراكز الفتوى الحزبية، تنتشر الفوضى ويغدو الظهور في الساحةِ للحشودِ التي تكفّر وتعتدي وتُرهبُ وتقتلُ تلبيةً لنفيرٍ حزبي، وتغدو الغلبةَ لمن يريدُ للحشود أن تستحيل شرسةً على الصعيد المذهبي والطائفي، ولمن يغذّي ويُغطّي انفعالاتها الأشد فتكاً وعُنفاً ودموية.

أمّا السبب الثالث، فيعود إلى إمكانات الرعاية والاحتضان التي يوّفرها النظام الإيراني لجماعاته المتطرفة، وعلى رأسهم ميليشيات «حزب الله»، مالاً وإعلاماً وسلاحاً، وهذا ما أضعف مرجعيات دينية معتدلة وأظهر مرجعيات دينية وسياسية متطرفة موالية لإيران. يُضاف إلى ذلك، استسلام الحكومات اللبنانية المتعاقبة أمام مشاريع تلك الميليشيات، وكَسَلهَا المُقْذِع في دعم الاعتدال ورفد حالاته، وهذا، أدى حتماً، وبلا أي اهتجاس نظري، إلى خراب مضاعف ومستمر ومفتوح على احتمالات النيّل تماماً من الاعتدال وفاعليته، لا بل النيل من الدولة اللبنانية على النحو الذي يشلُّ قدرتها من العمل وفق موجبات القانون.

> هذا يذكرنا بثنائية التطرف والاعتدال، رغم كم المبادرات والرغبات التي تدعم الاعتدال، لكن صوت التطرف هو الطاغي وواقعه هو السائد؟

- لعلني ذكرتُ قبلاً بأنَّ المتطرفين،على قلّتهم، يستطيعونَ إفساد قضيةِ الأكثرية من المعتدلين، إلاَّ أننا يجبُ ألاَّ نُغفلَ الجهدَ الجبّار الذي تقوم به كلٌّ من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية مصر العربية ومملكة البحرين، وتَقَدُّمِهم الصفوف في دعم مبادرات كثيرة تُشيعُ الاعتدال والتسامح بين المسلمين أنفسهم، وبين المسلمين والمسيحيين في الشرق والغرب، من خلال «الأزهر الشريف»، و«رابطة العالم الإسلامي»، و«مجلس حكماء المسلمين»، و«مركز الملك عبدالله العالمي للحوار بين أتباع الأديان» وغيرهم.

ما تفعله هذه المبادرات، أو ما ستفعلهُ مع الوقت، هو قيامها ببناء الأساس التحتي لمدرسةٍ فكريةٍ وفقهيةٍ جديدة، وقيامها برسم صورةٍ تناسبنا عن أنفسنا ومجتمعاتنا ودولنا، تخالف تلك التي رسمها لنا وعنّا المتطرفون من كل المذاهب.إذاً، المسألة تحتاجُ إلى وقت وصبر، وكلّي ثقة بأننا سنصيرُ إلى أفضلَ مما نحنُ عليه الآن.

> إلى أي درجة يلتقي نظام الخميني بالإخوان المسلمين؟

- كلاهما يعاكسُ مُعاكسةً رأسيةً فكرةَ الدولةِ المدنيةِ بوصفها ضرورةً إجتماعية عقلائية، تكتسبُ شرعيتها من الواقع اللازم المشتملِ على حاجة الاجتماعات الأهلية لتنظيم مصالحها، وكلاهما يؤمن بـ«حاكمية الإسلامِ» وحدها ناظمةً لحياة الناس، وبأنَّ البلادَ التي لا تكونُ فروعُ الإسلامِ بالفهمِ «الخميني والقطبي» فيها «حزباً قائداً» للدولة والمجتمع، هي إماَّ جاهليةٌ من جاهليات القرن العشرين، كما جاء على لسان محمد قطب، وإمّأ غير شرعية إن لم تكن تحت «قيادة الفقيه العادل المتقي العارف بأمور زمانه، الشجاع الكفء في الإدارة والتدبير»، كما جاء على لسان الخميني.

وهما على ما تقدَّم يلتقيان، تماماً كما يلتقيان على ظنهما بمُداواةِ بلادنا واجتماعاتها عبر العمل على أسلمةِ أنظمتها السياسية، أو في الحدِّ الأدنى، تحويل العمل الحركي والحزبي فيها إلى سلطانٍ حِسِّي يقومُ مقام الدولةِ ومؤسساتها في كل شيء في التعليم والفتوى والاقتصادِ والتشريع وتنظيم الحياة الإجتماعية والسياسية وغيرها. ويلتقيان على ما هو أخطرُ من هذا، وهو تورطهما في تحويل الدين الإسلاميِّ العام والكليِّ - بحسب فهمها المشترك وإن اختلفها في المذهب - إلى إسلامٍ سياسي خاصٍ وحزبي، وإلى أداةٍ سياسية لبلوغِ الحكم والسلطة.

وقد أدّت هذه النظرة فيما أدّت إليه، إلى بروز حالاتٍ فرز ٍ كثيرة داخل البُنية الوطنية الواحدة والبُنيةِ الإسلامية العامة، وتحويلهما إلى تنظيماتٍ ومجموعات حركيةٍ وحزبيةٍ متصارعة، مرة تتصارع فيما بينها، ومرة تتصارع مع الحكومات القائمة وعليها، ومرة تتصارع مع المجتمع المُختلِفِ عنها. طبعاً، هذه من جملة الأمور المُهْلِكة التي تورط بها نظامُ الخميني والأخوان معاً، وهذا زَعْمٌ تؤكدهُ أَمثلةٌُ كثيرة، ليس أولّها الفتنُ المتنقلةُ في طول العالم الإسلامي وعرضه، ولا آخرها سلطةٌ أُسيء استخدامها وتدبيرها باسم الدين في إيران منذ العام ١٩٧٩، وفي مصر كذلك، إبان مرحلةِ حُكم تنظيم الإخوان.

> مصطلحات مثل المقاومة والممانعة، استهلكت بدرجة بالغة، لكنها ما زالت فاعلة ومتداولة بطريقة يصدق بها كثير؟

- لعلها تكونُ فاعلةً ومتداولةً ومُستلطفةً بين ما تبقى من أهلها المرتبطين بتلك الميليشيات والجماعات ورعاتهم، أمّا عند غيرهم، فغدت مصطلحات مرادفة للقتل والارتكاب والخروج على القانون، وللعضلاتِ المنتفخةِ بلا عقلٍ ولا حِجى ولا بصيرة، وتعبيراً يؤشرُّ بإصبعٍ كبير على العبث الدموي والجريمة الكبرى التي ارتكبها - وما زال - هذا المحور بحق مئات الألوف من السوريين والعراقيين واليمنيين وغيرهم، ويؤشرُّ أيضاً على دورهم التخريبي والتقويضي والإعطابي لمشروع الدولة الوطنية في لبنان والبحرين وغيرهما من الدول التي يوجدون فيها.

> في المقابل كيف تمكنت إيران من اختراق بعض مجاميع الشباب العربي وجندتهم لسياستها التوسعية وخطابها المبطن؟

- تمكن النظام الإيراني المسكونُ مُذ تأسس بهاجس التوّسع عبرَ عَضَلةٍ شيعيةٍ خمينية من إحداث اختراقٍ من خلال ميليشياتٍ وجمعياتٍ استطاع إنتاجها، في مجتمعاتٍ تغيبُ عنها رعاية الدولّة ومؤسساتها. فعلى سبيل المثال لا الحصر، لو استحضرنا نموذج لبنان - والعراق واليمن لاحقاً - سنجدُ أنَّ النظام المذكور استطاعَ نفخَ مشروعهِ في ميليشياتٍ تابعة له، وعلى رأسها «حزب الله»، الذي تمَّ تزويده بالمال والسلاحِ حتى أصبح ذراعَ النظام الأهمَّ في المنطقة، انطلاقاً من لبنان، وهذا ما أعطاه القوة والتأثير في الوصول إلى مواقع الحكم والسلطة.

وقد غدت تلك الميليشيات، بفعل ضعف الدولة اللبنانية، وبعد خوضها حروباً داخل الطائفة الشيعية وخارجها، المسؤول الثقافي الوحيد لتثقيف الشباب الشيعي في لبنان، خصوصاً بعد تدخل النظام الإيراني مباشرة في المؤسسات الدينية والحوزات العلمية، التي تحوّلت إلى معمل لتخريج جيوش من رجال الدين الحزبيين، لغرضِ نشرهم في المدن والقرى والمدارس.

في المقابل لم تعمل الدولة اللبنانية ولا غيرها من الدول العربية، في تلك الحقبة، على القيام بدورها في عملية التثقيف ، ولا على دعم قيام مرجعيات دينية لبنانية أو عربية في الطائفة الشيعية، لتقوم بدورها في البناء الثقافي الذي يظهر مساوئ مشروع النظام الإيراني الذي تحمله ميليشيات «حزب الله»، والتي اخترقت من خلاله مجاميع من الشباب العربي وجندتهم لصالح ذلك المشروع.

وخلاصة القول هي بأن النظام الإيراني، خشَّ إلى اجتماعاتنا عبر نوافذَ عديدة، أهمها نشر ثقافته الدينية التي يحمي بها مشروعه السياسي، وقد استعملَ لهذه الغاية رافعاتٍ دينية، بعضها كان موجوداً وأوجد بعضها الآخر، فعلت فعلها في التأثير على سلوك بعض الناس الثقافي والنفسي والاجتماعي. ولم يغفل النظام الإيراني نافذة الاقتصاد، فهو أسّس لذلك اقتصاداً تحتياً رديفاً، وراح يوزع مغانمه على أتباعه، وذلك عبر المصالح الاقتصادية الكبرى التي أنشأها بحجة دمج فئات المكتدحين من الناس وإدخالهم في دورة «اقتصاد حلال» يستفيدون من خلالها.

إذاً، هي حركةُ ثقافةٍ ومالٍ وسلاح معاً، عملت على نخر عقولَ الكثرة العربية، وزرعت في نفوس الأتباع، وعن قصد طبعاً، جواً معادياً لمشروع الدولة الوطنية، واستيلاءً كاملاً عليها، ورسّخت وعياً اجتماعياً وثقافياً وسياسياً وأمنياً جديداً، صارت بمثابة تجسيدٍ لهوية لقيطة هويةٌ، علينا ألاّ نتأخر ولا نتوقفَ ولا نتراجع عن مواجهتها بصلابةٍ وحكمةٍ في آن معاً.

> ماذا تبقى من أحلام ١٤ مارس (آذار) بوطن ملتحم لا يرتهن لظروف الخارج وشروطه؟

- باختصارٍ وألم، لم يبقَ شيء. لقد تفككنا وانهارت أحلامنا علينا. وللحديث تتمة في يومٍ ما.

> الطائفية اليوم في أوج اشتعالها، ما التفسير والمصير حيالها؟

- قبل استحواذ النظام الخميني في إيران على السلطة، كان المسلمون على اختلاف مذاهبهم، ولا سيما في العالم العربي، قريبين جداً من مواقع الاعتدال في اجتماعاتهم، وميّالين أكثر، إلى الاندماج في نظام المصالح العام في أوطانهم، لا على أساس مذهبي وطائفي وإنما على أساس وطني يتلاءم وطبيعة الحياة في تلك الأوطان.

وكان تديُّن الكثرة الكاثرة منهم، في كل وطن من أوطانهم، تديّنا طبيعياً ووقراً ولَيّناً ورزيناً من دون أي إمهانٍ لتديّنهم في إرفادِ مشاريع حزبية. ولكن الذي حصل عام ١٩٧٩، أي بعد إمساك النظام الخميني بالسلطة، هو قيامه بتأسيس نظامٍ طائفي ومذهبي من رأسه حتى أخمص قدميه، وقيامه بإشاعة خطابٍ سياسي إقصائي وتعبوي، مشحوناً بعناصر الإثارة المذهبية والاستفزاز، ودواعي العداء والتباغض والمنازعة، وعوامل الفرقة والانقسام.

هذا الخطاب، أدى في شتّى مظاهره وتجلياته، مع الوقت، إلى بروز حالات من التكفير باسم الدين، عند أطرافٍ متعددة، وإشعال الحروب الطائفية والمذهبية وتغليب العنف في طول العالم الإسلامي وعرضه. ولعلَّ أحدَ أوضح تجليّات هذا الخطاب وأخطرها ترجمةً، المشاركة الدموية، مباشرة ومن خلال ميليشياته التي ربّاها وحامى عنها، في حربٍ كريهة ولئيمة، كضد ساحق للشعب السوري، في واحدة من أكثر الجرائم الأخلاقية فظاعة عبر التاريخ، وفي رفعِ شعاراتٍ مذهبية وطائفية، كشعار «يا لثارات الحسين»، وحماية المقامات الدينية وغيرها.

- هذا في التفسير، أما في ما خصَّ التعامل معها، فيكون، وهذا أغلب الظن، لا عبر استرذالها واسترذال مروجيها ورفضِ تحوّلها إلى قيمة تهيمنُ علينا وعلى سلوكنا وعلى عقولنا فحسب، بل عبر رفضِ تميّز الطوائف والمذاهب تحتَ أيِّ ستار من العناوين، والعمل على إعادتها، أو من شرد منها، إلى مساحاتها الوطنية، بوصفها وحداتٍ اجتماعية تمارسُ طقوسها وأشكال تديُّنها باعتدال وتسامح وهدوء، ويتنافس أفرادها من غير اعتصاب مذهبي وطائفي، على الخير العام وتعزيز الشراكات والمشتركات فيما بينهم بوصفهم مواطنين، لا وحداتٍ سياسية تتعيّش عليها، من خلال الاتجار بها، دولٌ وأحزابٌ وجمعيات ومرجعيات متطرفة.

> لقد أوهنَ الحزبُ من سِعَةِ المذهب، ما صحة هذه العبارة؟

- لا شكَّ بأنَّ الأحزاب ذو النسبِ المذهبي اللاَّحِب، تساهم بحصة وازنة في انكماش المذاهب التي تزعم استيلائها عليها، من خلال عملها على تحويل تلك المذاهب إلى مذاهب حزبية، وإلى تَكتُّل عصبي ينساسب صورتها عن نفسها، وإلباسها مثلاً، في حالة «حزب الله»، زيَّ «ولاية الفقيه»، وفي حالة «الاخوان المسلمين»، زيَّ «الحاكمية»، لتبدو ضيّقة ومظلمةً ومنعزلة، ومساحةً مخيفة للناظرين إليها من خارجها.

إلاَّ أنَّ محاولات الأحزاب المتكررة للتصرّف بالمذاهب كما يتصرّف المالك بمُلكه، واستعمالها خشَبَ سُلّم لبلوغ الحكم والسلطة، لا يعني أنَّ في تلك المذاهب أكثريات حقيقية أو نهائية، توافق على المسلك الإيراني أو على المسلك الإخواني مثلاً، وعلى محاولة اختزالهما لمذاهبهما أو للإسلام العام والكلّي. المذاهب أوسعُ وأكبرُ من أن تكونَ أو تصيرَ أحزاباً، وهي وُجِدت قبل «حزب الله» و «الاخوان» وغيرهم، وتبقى بعدهم.

> ما هي نصيحتك بخصوص الحل الأنسب للتعامل مع إيران، الاحتواء أم مواصلة المواجهة؟

- لقد اختبرت الدول العربية، خصوصاً دول الخليج العربي، احتواء النظام الإيراني على مدى سنواتٍ طويلة، إلاًّ أنَّ ردَّ النظام المذكور، كان واضحاً من خلال الاستمرار، عن قصدٍ وخُبث وزغل، في صنع شرورٍ كان يتقصّد من خلال صناعتها، تصديع دولنا واجتماعاتنا الأهلية وتفريقها مجموعاتٍ وفرقاً وملل، وكان واضحاً أيضاً من خلال محاولاته إعادة تفريخ الإرهاب وانتاجه وتحويله إلى أمرٍ واقعٍ يفرض علينا من خلاله دفتر شروط مذل، ويتحكّم ويعيد رسم حياتنا وفق ما يتصورّه ويراه صالحاً لنا.

هذا السلوك، فرضَ، بعد صبرٍ طويل، على بعض الدول العربية، وعلى رأسها دول الخليج العربي، القيام بتشكيل تحالف، أو «توازن تهديد»، بحسب واحدة من نظريات العلاقات الدولية، ليكونَ رداً عملياً ورادعاً على تهديدات النظام الإيراني وسلوكه العدواني، تماماً كما تحالفت الدول الأوروبية قبل وأثناء الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية ضد التهديد الذي أصابها بسبب التوسع النازي آنذاك. ولهذا، أجدني واحداً من أهل المواجهة والمنظرين لها والداعين لاستمرارها، ما دام هذا النظام يعملُ على استدراج أزماتٍ مُفتعلة خطيرة وكبرى، منها تلك المتعلقة بالولاء الوطني والانقلاب على نظام الحكم (مملكة البحرين والمملكة العربية السعودية)، والأخرى المتعلقة باحتلال الأرض (الإمارات العربية المتحدة)، والثالثة المتعلقة بانتهاك سيادة الدولة الوطنية ودعم ميليشيات مسلحة (لبنان، العراق، فلسطين، اليمن، مصر) ومشاركة السلطات الحاكمة حكمها (لبنان، سوريا، العراق).




رسائل إلى:

المجتمع اللبناني

- ألاَّ يستمر في سكوته عن تحويل لبنان من ساحة لحروب الآخرين إلى مركز العمليات الرئيسي للنظام الإيراني في المنطقة.

سعد الحريري

- أن يُعيـــــنَ الدولة ومؤسساتها على النهوض بنفسها، ويدفعها إلى القيام بخلاف ما تحسبه ميليشيات «حزب الله» لنفسها من دور في لبنان والعالم العربي.

عموم الشيعة

- ألاَّ يُنشئوا لأنفُسهم نظام مصالح خاص على ما أوصى به الشيخ شمس الدين، وأن يعوا أنَّ شيعية الحاكم لا تعني عدالته وأنَّ مشاركة الشيعة في الحكم، لا تعيد لهم اعتبارهم ولا تحميهم. ما يحميهم هو اندماجهم المُعافى في أوطانهم واجتماعاتهم الوطنية.

الإسلاميون

- أن يتوقفوا عن تحميل النصوص الدينية المعنى السياسي للولاية والحاكمية، وأن يقبلوا بمشروع الدولة الوطنية، التي تحافظ وتعبّر عن هويتها المدنية في الثقافة ونسق القيم وحقوق الإنسان.

الخليج العربي

- أن تتوفق دُوَلُهُ بالاستمرار في ما هي عليه من تأثيرٍ بحركة الحاضر والمستقبل على المستويين الثقافي والسياسي.

شباب «داعش»

- ألاَّ يصدقوا «خليفتهم»، إذ إنَّ له ولمشروعه الشرير نهاية مرئيّة ومقدرّة ... وقريبة.

ملامح:

- هادي الأمين حاصل على شهادة الدكتوراه في اختصاص العلوم السياسية والدراسات الحكومية من المملكة المتحدة حيث عمل زميلا ما بعد الدكتوراة وباحثاً وأستاذاً مساعداً في إحدى جامعاتها.

- له العديد من المقابلات التلفزيونية والأوراق البحثية والمقالات المنشورة باللغات العربية والإنكليزية والفرنسية والإيطالية.

- هو واحد من المعارضين للمشروع الإيراني في المنطقة.

- يتحدر الأمين من عائلة لبنانية، وهو نجل المرجع اللبناني السيد علي الأمين، المعروف بصدارته في مناهضة المشروع الإيراني في المنطقة، ودعوته عموم الشيعة إلى أن يلتزموا بنظام المصالح العام في أوطانهم، وألا يكون لديهم مشروع خاص، وأن «ولاية الفقيه» ليست معتقداً دينياً أو مذهبياً للشيعة، ولكنها نظرية سياسية إيرانية فى السلطة والحكم.

- معروف باعتداله الديني أيضاً، وسعيه للتجديد داخل المذهب الشيعي، فهو لا يرى في الإمامة أصلاً يُخرجُ من لا يؤمن بها من الإسلام، وبأن الخلفاء كانوا مسلمين بلا مذاهب، إذ لم يكن الخليفة أبو بكر مالكياً، ولم يكن الإمام علي شيعياً، ولا الخليفة عمر بن الخطاب حنفياً، وبأنَّ السيدة عائشة هي أم المؤمنين بنص القرآن الكريم.

- كما أن خال الأمين هو الإمام الراحل الشيخ محمد مهدي شمس الدين، رئيس المجلس الإسلامي الشيعي في لبنان، صاحب كتاب «الوصايا»، الذي أوصى فيه الشيعة بألا ينجرّوا وألا يندفعوا وراء كل دعوة تريد أن تميزهم تحت أي ستار من العناوين، من قبيل إنصافهم ورفع الظلامة عنهم، ومن قبيل كونهم أقلية من الأقليات لها حقوق غير تلك الحقوق التي تتمع بها سائر الأقليات، وبأن هذه الدعوات كانت ولا تزال شراً مطلقاً. كما أوصاهم في كل وطن من أوطانهم، أن يرفضوا شعار حقوق الطائفة والمطالبة بحصص في النظام وبألا يسعى أي منهم إلى أن ينشئ مشروعاً خاصاً للشيعة في وطنه ضمن المشروع العام، لا في المجال السياسي أو الاقتصادي أو التنموي وبأن يندمجوا في نظام المصالح العام، وفي النظام الوطني العام، وأن يكونوا متساوين في ولائهم للنظام، والقانون، وللاستقرار، وللسلطات العامة.





الرابط :
http://www.alhayat.com/article/4578025


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

السعوديون يحتفون بالذكرى السابعة لبيعة الملك سلمان

خادم الحرمين رافق مراحل التنمية على مدى 60 عاماً   الاثنين - 3 شهر ربيع الثاني 1443 هـ - 08 نوفمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15686] الرياض: عمر البدوي وبندر مسلم يحتفي السعوديون اليوم بالذكرى السابعة لتولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في 23 يناير (كانون الثاني) الموافق (3 ربيع الثاني 1436هــ) ومبايعته ملكاً للبلاد، ورائداً لمرحلة جديدة تخوضها السعودية منذ وصوله قبل ٧ سنوات، كسابع ملوك المملكة بعد إعلان توحيدها عام 1932. الملك سلمان بن عبد العزيز الذي رافق مراحل مفصلية من عمر البلاد، اختبر خلالها المفاصل التاريخية التي آلت بالسعودية إلى ما هي عليه اليوم من تنمية وازدهار، ومن موقعه سابقاً، حيث كان أميراً لمنطقة الرياض لأكثر من خمسة عقود وتسميته أميراً لها عام 1955 وهو في عقده الثاني من العمر، راقب البلاد وهي تنمو. حتى أصبح قائداً للبلاد، وشاهداً على نهضتها الجديدة، في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية والتنظيمية، والأعمال والمشاريع والمبادرات السريعة والمتلاحقة على المستويين التنموي والاجتماعي، والتي أضحت بفضلها السعودية منافساً تلقائياً ع

«تتبع الحجارة» عنوان 100 يوم من الفن المعاصر في بينالي الدرعية

السعودية تشهد اليوم واحدة من أكبر المناسبات الفنية العالمية   السبت - 7 جمادى الأولى 1443 هـ - 11 ديسمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15719] الرياض: عمر البدوي أصبح حي جاكس جاهزاً لانطلاق الدورة الأولى من بينالي الدرعية للفن المعاصر، واستقبال المتطلعين لزيارة واحدة من أكبر المناسبات الفنّية العالمية، ابتداءً من اليوم (السبت)، حتى 11 مارس (آذار) المقبل، وهو أول بينالي دولي يتطرق لموضوعات وأشكال الفن المعاصر في السعودية، ويعرض أعمالاً لفنانين عالميين ومحليين، مع مجموعة من الورش الثقافية والتجارب الممتعة. يأتي بينالي الدرعية، كتجربة استثنائية، ومنصة إبداعية تمتد لمائة يوم، تكشف جوهر الفنون السعودية بمختلف أنماطها، وتُفسح للفنانين مساحات للحوار وإثراء تجاربهم، لتعزيز المشهد الثقافي والفني، وتمكين المواهب المحلية، واستقطاب مجموعات الفنانين الدوليين لإغناء الحدث الفني المهم. وقال راكان الطوق، المشرف على الشـــؤون الثقافية والعلاقات الدولية في وزارة الثقافــــة الســـــعودية، إن استضافة المملكة لأول بينالي للفن المعاصر، يعدّ إنجازاً استثنائياً، وإن أهميته تأتي من كونــــه نقطة التقــــــاء للعالم، ومن

ماذا يخطر في بالك ( 5 ) ؟

هنا أنقل بعضاً من منشوراتي على صفحتي في ( الفيس بوك ) . راجياً لكم النفع والفائدة  . ضعف التقدير يقود إلى سوء التقرير . .................. كلما كان واقعك ثرياً وغنياً ، بارت بضاعة خيالك الواهم . …………… إذا أحببت شيئاً ثم التقيت به بعد غياب فكأن الروح ردت إليك بعد غيبة الموت ، أو العقل عاد بعد جنون ، أو الذاكرة استفاقت بعد غيبة . كل الأشياء الرمادية تسترجع ألوانها الزاهية ، والروائح الزاكية تستجرّ عنفوانها ، والمشاعر اللذيذة تستعيد عافيتها . ما يفعله الشوق بك من ذهاب العقل وغيبة الذاكرة وموات الروح ، يفعل بك الوصل أضعافه من الفرح والطرب والنشوة . لقد جُبل هذا القلب على الإلف بما يحبه والتعلق به حتى يكون بمثابة الطاقة الموصولة بألياف الكهرباء ، أو الزيت الذي يقدح النور ، والجمر الذي يستفز أعواد البخور . وإذا غاب المحبوب واستبد بك الشوق انطفأ نور الوجه وضاقت النفس وذهب الفرح حتى يعرف ذلك في حدة طبعك وانغلاق عقلك وعبوس وجهك ، فإذا التقى المحبوبان والتأم القلب عادت المياه لمجاريها وشعشع الوجه واتسع الثغر وانفرجت الأسارير . سبحان من خلق . ……………… إذا كنت تسم