التخطي إلى المحتوى الرئيسي

اليمن: قصة تزوير القواسم بين الزيدية و« الخمينية»

مرّت الذكرى الثالثة لانقلاب الحوثيين، الذي مكنهم من القبض على اليمن وخنقه بتاريخ ٢١ أيول (سبتمبر)، فاحتفلوا في صنعاء بسيطرتهم على السلطة وبما سموه «ثورة الولاية».

في المسيرة رفعت لافتات وشعارات المناسبة، وصُور ما سمي قائد ثورة 21 سبتمبر عبدالملك بدرالدين الحوثي، وهتفوا بشعاراتهم التقليدية. حدث ذلك على بعد أيام قليلة من انطلاق الاحتفال بالذكرى الـ55 لثورة ٢٦ سبتمبر وقيام الجمهورية وهي في أسوء حالاتها على الإطلاق، استبق الحوثيون ذلك باحتفال الذكرى الثالثة لاستيلائهم على العاصمة صنعاء، وفي ميدان السبعين نفسه، أكبر ساحات العاصمة اليمنية، كان الحوثيون يقبضون على المشهد هناك، كما يقبضون على اليمن كلية.

واعتبره معلقون أنه يصب ان محاولات الحوثيين الرمزية والعملية لتهميش «ثورة 26 سبتمبر»، واهتمامهم بانقلاب 21 سبتمبر، وكأنها لحظة لإعادة تأسيس المنطلق التاريخي لمستقبل اليمن، يواري بثياب الأئمة، جسداً طهرانياً خالصاً، أو في أحسن الأحوال إيجاد علاقة منطقية بين «الزيدية» و«الاثنى عشرية»، تكون نتائجها في نهاية المطاف مولوداً فارسياً خمينياً، وإن كان بلسان عربي مبين، على طريقة حزب الله اللبناني.


بيد أن اللحظة التي يوهم الحوثيون الجماهير اليمنية والعربية باستعادتها، كانت مغايرة تماماً. اللحظة التي كان فيها اليمن يحكم عبر الإمام أحمد حميد امتداداً لأجداده قبل ما سمي ثورة ٢٦ من سبتمبر ١٩٦٢ على أيدي ما عرف بالضباط الأحرار، ضد الحكم الملكي بمساعدة من مصر وقتل الإمام أحمد وقيام الجمهورية العربية اليمنية برئاسة عبدالله السلال، واشتعال حرب أهلية بين الجمهوريين الذين تساندهم مصر والملكيين الذين تساندهم السعودية، فكان شنّ الحوثيين حروبهم على السعوديين، أحد البراهين على أنهم ليسوا امتداداً وفياً لحكم الأئمة الذي كانت له علاقات راسخة مع السعودية، ناهيك عن المضمون المذهبي، الذي يراه أكثر اليمنيين لا يستهدف أكثر من هتك النسيج اليمني الفكري بعد استباحة كل الحرمات الأخرى.

التحولات الفكرية الجديدة في خطاب الحوثيين، وفق الحقوقي اليمني حسين المشدلي، تبرهن على أن المذهب الزيدي والنسب الإمامي ليس إلا غطاء للمشروع الفارسي الخميني الحقيقي، الذي لا علاقة له بالحكم الإمامي ولا بالزيدية القريبة نسباً وفقها إلى المجاميع السنية الكبرى، فكيف تم تزوير القواسم المشتركة بين المذهبين «الزيدي والاثنى عشري»؟

اليمن كما توثق الإحصاءات اليمنية نفسها بلد يعتنق المذهب السني، أي أن غالب الشعب اليمني هم من السنة، ولا يشكل الزيدية به أكثر من 5 في المئة، وحتى على أكثر الإحصاءات مبالغة لأعداد الزيدية، فانهم لا يزيدون على 18 في المئة، والحوثيون ينتمون إلى طائفة من الزيدية تعرف بالجارودية، وهي لا تزيد في الحقيقة على 3 في المئة من الطائفة الزيدية.

الإمبراطورية الفارسية والزيدية!

المذهب الزيدي هو أقرب المذاهب الشيعية إلى السنة، ذلك أنهم في الفروع يميلون إلى المذهب الحنفي، وفي الأصول يجنحون إلى الاعتزال، ومع ذلك فهم يقرون بخلافة أبي بكر وعمر ولا يلعنونهما، كما توثق المدونات التراثية.

الجارودية كانت في البداية فرقة زيدية متشددة، لكنها أخذت في الغلو في المذهب الزيدي حتى تحولت إلى «الخمينية»، فكيف تم تحولهم؟ ومن ساهم في ذلك؟

عضو نقابة المحامين اليمنيين واتحاد المحامين العرب المحامي حسين عمر المشدلي، يعتقد في حديثه لـ«الحياة»، أنه من الممتنع منطقياً الجمع بين المذهب الزيدي والمذهب الاثنى عشري في قالب واحد، أو حتى محاولة التقريب بينهما، نظراً إلى اتساع الفروق في الأصول بين المذهبين، ومن هنا أعتقد أنه يبرز مقدار انفضاح الحركة الحوثية في محاولتها التستر بغطاء المذهب الزيدي، لتمرير عقائد وطقوس الإمامية وتعميمها على عناصره في صور عدة، مثل اللطم، أو الاحتفال بالمولد النبوي الذي يعتبر بدعة وفقاً لأحكام المذهب الزيدي، الذي روى لنا التاريخ وفي أكثر من مؤلف أن أئمة المذهب الزيدي كانوا يحرّمون الاحتفال به، ويعتبرون ذلك من البدع، بل وعاقبوا بعض دعاة الصوفية الذين احتفلوا به في صنعاء كما فعل الإمام يحيى.

الفقر للمرجعية استوجب التزوير!

وإذا ما أخذنا في الاعتبار أن الحركة الحوثية تفتقر إلى أي رصيد فكري ديني اجتهادي أو حتى معرفي، وأنها مجرد حركة عسكرية ﻻ تختلف في تشكيلتها عن العصابات أو الميليشيات، وأنها وفي أفضل الأحوال قد تصل إلى مستوى الحركة السياسية فقط، ولا يوجد ضمن قيادتها أي علماء دين فعليين يمتلكون معرفة فقهية تمكّنهم من الاجتهاد والتنظير للحركة، وأن أياً من علماء الزيدية المعتبرين لم ينضم إليها (منهم من يكفرها مثل العلامة محمد عبدالعليم الحوثي، الذي جاهر بتكفير الحركة عبر أكثر من محاضرة ألقاها)، فمن المؤكد وبعد معرفة كل هذه الحقائق أنه يمكننا الخلوص إلى نتيجة واضحة، مفادها أن الحركة الحوثية لم تحدث ولن تحدث أي تحول في المذهب الزيدي، الذي لا علاقة له لا من قريب ولا من بعيد بالحركة الزيدية، وأن هذه الحركة ستنتهي بمجرد انتهاء آلتها العسكرية ووقف الدعم عنها من المصادر التي تموّلها من إيران وغيرها.

من جهته، يتحدث الباحث السعودي الدكتور ياسين الغانمي لـ«الحياة» عن المشروع الإثني عشري، الذي اعتبره يقوم على سياسة التمدد التوسعي، عن طريق تصدير مذهب التشيع إلى سائر البلدان السنية، تمهيداً للسيطرة الكاملة، وإعادة الإمبراطورية الفارسية الكبرى كما يحلمون بها، واليمن يحتل رتبة الأولوية في هذا المشروع التشيعي الاستعماري الجديد، ويسيل لهذا البلد لعاب المطامع الباطنية منذ القدم، ناهيك عن كونه البلد الوحيد الذي حفظ به المذهب الزيدي أو الهادوي الشيعي دون سائر البلدان حتى اليوم، وتعاقب أئمته على حكم اليمن زهاء عشرة قرون من الزمن، وعلى رغم وجود الفروقات الجوهرية، وتباين طرق الالتقاء بين المذهبين الزيدي والاثنى عشري، إلا أن الأخير لم تنقطع محاولاته المتكررة قديماً وحديثاً لاختراق الزيدية واحتوائها، من دون أن يعير تلك الفروقات بالاً.

وبعد انتصار الثورة الخمينية أواخر القرن الماضي، واضطلاع الدولة بتصدير مشروع التشيع داخل العالم الإسلامي وخارجه، تنفيذاً للخطة الخمسينية التي وضعوها لتشييع العالم، واكتمال الهلال الشيعي كمرحلة أولى للمشروع، يقول الغانمي: «كان اليمن ضمن الصدارة في المجموعة الأولى على مستوى دول المنطقة، وكانت الفئة الأولى المستهدفة هم أبناء الزيدية». ساعدت الخمينيين على اختراق اليمن في نظر الغانمي، عوامل مهمة، منها: عامل التشيع المشترك بين المذهبين، وإن كان المذهب الزيدي أخفَّ مذاهب الشيعة تشدداً، وأقربها إلى مذهب أهل السنة اعتدالاً.

ومنها: استغلال جهل أبناء الزيدية بحقيقة مذهبهم، وانحسار دور علمائهم في التحصين والحراسة، ومنها: استغلال أوضاع الحاجة المعيشية السائدة في اليمن على وجه العموم، وفي المناطق الزيدية على وجه الخصوص، كونها أشد المناطق حاجة وفقراً.

ثلاثي الأئمة والحاجة والابتعاث

ومن العوامل أيضاً: استغلال الرغبة الجامحة عند أغلب أبناء المذهب الزيدي لإعادة الإمامة الزيدية للحكم، وخصوصاً أبناء الأسرة الهاشمية، لما كانوا يمتازون به من الزعامة الدينية والدنيوية، على حد قوله.

الباحث الغانمي لا يجد غرابة في أولئك الجامحين لتحقيق هذا الحلم ولو على ظهر المذهب الاثنى عشري الفارسي! وقد استغل المشروع الخميني في اليمن كل الوسائل المساعدة له في اختراق الزيدية على حين غفلة من حراسة علماء الزيدية وعقلائهم، وعلى حين غفلة من الدولة التي لا يهمها في الأصل شأن مواطنيها، أو تمالؤاً منها أحياناً.

وكان من أنجح الوسائل تأثيراً في هذا الجانب بحسب الغانمي، وسيلة الابتعاث الدراسي لكل من إيران والعراق ولبنان، لغسل عقول المبتعثين وحشوها بأفكار الاثنى عشرية، وإعادتهم دعاة مبشرين لهذا المذهب الوافد، كما ساهمت البعثات التعليمية القادمة من سورية والعراق، والطبية الوافدة من إيران ولبنان، في توسيع رقعة الاختراق والتشيع، الذي كان من أوائل نتاجه تأسيس حزب الشباب المؤمن بصعدة، اللبنة والنواة الأولى للحركة الحوثية، وكان لعلماء المذهب الزيدي موقف مباين من حركة الشباب المؤمن عند بداية نشأتها، كما كان لهم الموقف نفسه من الحركة الحوثية في بداية الحرب الأولى، الذي اتسم بالتحذير والتنفير منهما ونفيهما من الزيدية وخطورتهما على الوطن.

لكن ذلك الموقف في تقدير الغانمي لم يلبث إلا قليلاً حتى تلاشى وخفت صوته، إلى أن توارى وانقلب إلى مدافع ومبرر لجرائم الحوثية، جاعلاً التعرض لهم تعرضاً وقدحاً بالمذهب الزيدي، أو كما جاء في ذلك البيان الذي نسبته لهم صحيفة «البلاغ»! وهذا التغير في الموقف جاء بعد أن فرض (الحوثيون) سيطرتهم على محافظة صعدة، وأصبحوا حركة واقعية، وقوة حقيقية لها حجمها وخطرها، وللقارئ أن يقارن بين البيانين الصادرين عن علماء الزيدية، الأول صدر في الحرب الأولى 25 حزيران (يونيو) 2004، والثاني صدر بعد الحرب السادسة نهاية 2011، التي خرج منها الحوثي منتصراً على الدولة، في مسرحية هزلية ما زالت أوراقها تتكشف يوماً بعد الآخر، ومن خلال البيانين المتناقضين، ندرك الفرق الواضح في تغيّر الوجهة واختلاف الموقف الديني والسياسي عند القوم، ومدى تواطؤ الجميع أو تسليمهم بالأمر الواقع! وفي تنقيب عن الظاهرة الحوثية وأفكارها، كشفت وزارة الشؤون الإسلامية السعودية، أنها خلصت في بحث كلفت به باحثها الدكتور سليمان الغصن، أن الحوثيين درجوا في وقت مبكر من نشأتهم على تبني خطاب مغالٍ في نبذ المرجعيات الإسلامية في التفسير وأصول الفقه، وإكبار الثقافة الإيرانية الاثنى عشرية، وخصوصاً ثورة الخميني، واعتبارها نموذجاً ينبغي أن يحتذى.

وأضاف: «يقرر حسين الحوثي أن شر بيعة أبي بكر والمعاناة من آثارها لا يزال مستمراً إلى الآن، وأنها سبب المشكلة وتسلط الأعداء (...) كما يدعو إلى الأخذ بالقرآن فحسب وترك العلوم الشرعية، بسبب عدم ثقتهم بنقلة السنة النبوية من الصحابة وأتباعهم (...)، ولهذا يطعنون صراحة في صحيحَي البخاري ومسلم. ويطالبون بعدم الأخذ من المراجع السنية في التفسير وأصول الفقه».

حتمية المعركة والضجر من الزيدية!

كان بين الأصول الحوثية التي وثقها الغصن، تحريضهم الناس على «الخروج على الحكام، والتقرب إلى الله بجهادهم لأنهم أتباع لأعداء الله، والعمل على تهيئة أفراد التنظيم والموالين له لحتمية المعركة، ودعوتهم لشراء الأسلحة والإكثار من الذخيرة».

وفي وقت يشير فيه الباحث إلى استمراء الحوثي في خطابهم ذم أهل السنة، بحجة أنهم يعلِّمون الناس عقائد باطلة، لفت إلى أنهم في الوقت نفسه «يمجدون الثورة الإيرانية الخمينية وحزب الله في لبنان، ويعتبرانهما المثال الذي يجب أن يحتذى للوصول إلى العزة والكرامة والنجاة، وترديد شعارات مستوردة من إيران، مثل الموت لأميركا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام».

في مقابل ذلك، كشف الباحث أن الحوثيين منذ وقتر مبكر بدوا غير راضين عن مواطنيهم الزيدية الذين يدعون الانتماء إليهم، فأكد الغصن أن بين سمات الحوثيين في خطابهم «نقد وضع الزيدية، والتباكي على ما آلت إليه حالهم، ودعوتهم للثورة وعدم الخنوع، وتحريضهم على مفاصلة أهل السنة، الذين يسمونهم (الوهابية)، وتطهير أرض الحرمين منهم، والقول بأن من الحماقة التفكير في الاتحاد مع أهل السنة».




الرابط :
http://www.alhayat.com/article/4576207



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

السعوديون يحتفون بالذكرى السابعة لبيعة الملك سلمان

خادم الحرمين رافق مراحل التنمية على مدى 60 عاماً   الاثنين - 3 شهر ربيع الثاني 1443 هـ - 08 نوفمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15686] الرياض: عمر البدوي وبندر مسلم يحتفي السعوديون اليوم بالذكرى السابعة لتولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في 23 يناير (كانون الثاني) الموافق (3 ربيع الثاني 1436هــ) ومبايعته ملكاً للبلاد، ورائداً لمرحلة جديدة تخوضها السعودية منذ وصوله قبل ٧ سنوات، كسابع ملوك المملكة بعد إعلان توحيدها عام 1932. الملك سلمان بن عبد العزيز الذي رافق مراحل مفصلية من عمر البلاد، اختبر خلالها المفاصل التاريخية التي آلت بالسعودية إلى ما هي عليه اليوم من تنمية وازدهار، ومن موقعه سابقاً، حيث كان أميراً لمنطقة الرياض لأكثر من خمسة عقود وتسميته أميراً لها عام 1955 وهو في عقده الثاني من العمر، راقب البلاد وهي تنمو. حتى أصبح قائداً للبلاد، وشاهداً على نهضتها الجديدة، في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية والتنظيمية، والأعمال والمشاريع والمبادرات السريعة والمتلاحقة على المستويين التنموي والاجتماعي، والتي أضحت بفضلها السعودية منافساً تلقائياً ع

«تتبع الحجارة» عنوان 100 يوم من الفن المعاصر في بينالي الدرعية

السعودية تشهد اليوم واحدة من أكبر المناسبات الفنية العالمية   السبت - 7 جمادى الأولى 1443 هـ - 11 ديسمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15719] الرياض: عمر البدوي أصبح حي جاكس جاهزاً لانطلاق الدورة الأولى من بينالي الدرعية للفن المعاصر، واستقبال المتطلعين لزيارة واحدة من أكبر المناسبات الفنّية العالمية، ابتداءً من اليوم (السبت)، حتى 11 مارس (آذار) المقبل، وهو أول بينالي دولي يتطرق لموضوعات وأشكال الفن المعاصر في السعودية، ويعرض أعمالاً لفنانين عالميين ومحليين، مع مجموعة من الورش الثقافية والتجارب الممتعة. يأتي بينالي الدرعية، كتجربة استثنائية، ومنصة إبداعية تمتد لمائة يوم، تكشف جوهر الفنون السعودية بمختلف أنماطها، وتُفسح للفنانين مساحات للحوار وإثراء تجاربهم، لتعزيز المشهد الثقافي والفني، وتمكين المواهب المحلية، واستقطاب مجموعات الفنانين الدوليين لإغناء الحدث الفني المهم. وقال راكان الطوق، المشرف على الشـــؤون الثقافية والعلاقات الدولية في وزارة الثقافــــة الســـــعودية، إن استضافة المملكة لأول بينالي للفن المعاصر، يعدّ إنجازاً استثنائياً، وإن أهميته تأتي من كونــــه نقطة التقــــــاء للعالم، ومن

ماذا يخطر في بالك ( 5 ) ؟

هنا أنقل بعضاً من منشوراتي على صفحتي في ( الفيس بوك ) . راجياً لكم النفع والفائدة  . ضعف التقدير يقود إلى سوء التقرير . .................. كلما كان واقعك ثرياً وغنياً ، بارت بضاعة خيالك الواهم . …………… إذا أحببت شيئاً ثم التقيت به بعد غياب فكأن الروح ردت إليك بعد غيبة الموت ، أو العقل عاد بعد جنون ، أو الذاكرة استفاقت بعد غيبة . كل الأشياء الرمادية تسترجع ألوانها الزاهية ، والروائح الزاكية تستجرّ عنفوانها ، والمشاعر اللذيذة تستعيد عافيتها . ما يفعله الشوق بك من ذهاب العقل وغيبة الذاكرة وموات الروح ، يفعل بك الوصل أضعافه من الفرح والطرب والنشوة . لقد جُبل هذا القلب على الإلف بما يحبه والتعلق به حتى يكون بمثابة الطاقة الموصولة بألياف الكهرباء ، أو الزيت الذي يقدح النور ، والجمر الذي يستفز أعواد البخور . وإذا غاب المحبوب واستبد بك الشوق انطفأ نور الوجه وضاقت النفس وذهب الفرح حتى يعرف ذلك في حدة طبعك وانغلاق عقلك وعبوس وجهك ، فإذا التقى المحبوبان والتأم القلب عادت المياه لمجاريها وشعشع الوجه واتسع الثغر وانفرجت الأسارير . سبحان من خلق . ……………… إذا كنت تسم