التخطي إلى المحتوى الرئيسي

زوج يحمل 60 عاماً من الذكريات إلى قبر زوجته أسبوعياً


اختار دخيل مطلق السرحاني يوم الجمعة من كل أسبوع لزيارة مقبرة قارا في منطقة الجوف لتعاهد زوجته المتوفاة منذ «رمضان الماضي» بالسلام والدعاء وقراءة القرآن، إذ لم يمنعه بعد المسافة ولا وهن الجسم من الاستمرار في هذا العهد الذي قطعه مع نفسه.
وظل «دخيل مطلق السرحاني» يكابد مرضه الذي أوقف الدم في عروقه أكثر من مرة، ويقطع مسافة تزيد على 10 كلم لزيارة المقبرة وتقبيل ترابها الذي يضم رفاة زوجته التي قاسمته ٦٠ عاماً هي مدة زواجهما لقيا فيها صنوفاً من المشقة، وتقاسما لحظات السعادة معاً قبل أن يسبق إليها الأجل ويقتطفها من حياته ويدعه وحيداً في مواجهة ما تبقى من العمر.
ويواصل رفيق العمر زياراته لقبر زوجته، وكأن لسان حاله يشير إلى أن الفقد الذي ألمّ به لا تداويه سوى سويعات الجمعة التي يقف فيها على قبر زوجته ويلهج لها بالدعاء ويقضي بعض الوقت قبل أن يقفل راجعاً إلى البيت الذي خلا من شقيقة الروح وقسيمة الليالي الخوالي. وبذلك ضرب السرحاني صورة نادرة من الوفاء، وسرت قصته مضرباً ومثلاً للناس، بدأ تداولها وتناولها بالإعجاب والتقدير عبر وسائل التواصل التي أعجبت بمثل هذا الوفاء.
ويؤكد ابنه فهد السرحاني في حديثه لـ«الحياة» أن والده يصر على زيارة القبر ولا يترك تلك العادة على رغم أوجاعه وهشاشة جسمه، مشيراً إلى أن تعلّقه بزوجته جاء نتيجة ٦٠ عاماً من العشرة الصادقة التي تشاركا فيها الهموم واستأنسا ببعضهما في تربية الأبناء وخوض غمار الحياة، إذ رافقته خلال حرب ٦٧ في الأردن وتنقلا بين الكرك ومعان الأردنيتين، ثم انتقلت بمعيّته إلى عمله بمدينة الرياض، وقضيا بقية العمر حتى جاء موعد التقاعد من «الداخلية» بمنطقة الجوف، وخلال كل ذلك كانت الزوجة الصالحة الناصحة الرؤوم الرحوم، قبل أن تنتقل إلى بارئها وكأن بضعة منه انهارت تماماً، وهو الآن يرمم بعض ذلك بزياراته كل جمعة إلى قبرها، يشم ترابه ويلملم أنفاسه ويسلي روحه التي أظلمت بين أضلاعه منذ وفاتها.



الرابط :

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

تمجيد صدام حسين المجيد

كان يمكن للقصة الشهيرة التي تداولها عامة العرب عن صورة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين مطبوعة في كبد القمر أن تكون مجرد مزحة عابرة تذوب مثل قطعة ثلج أو تتبخر مثل بؤرة ماء، ولكن القصة المختلقة التي شاعت عشية تنفيذ حكم الإعدام في حقه من قبل الحكومة العراقية بعد إسقاط نظامه وتفكيك الدولة العراقية نتيجة حرب خاضها حلف دولي تقوده الولايات المتحدة، تمكنت في أذهان جيل بأكمله وتطورت إلى أشكال متجذرة لترميز الرئيس العراقي المخلوع. أصبح صدام ذا شعبية أكبر لدى قطاعات واسعة من الشباب العربي، فبإمكانك أن تلاحظ حجم الصور التي تنتشر له والأقوال المختلقة في محاولة لاستنطاقه بما يتمناه الشاب العربي من خطاب مشبع بالأنفة والاعتزاز ضد غطرسة الجانب الغربي من العالم أو الطائفة الشقيقة للغالبية السنية في الشرق الأوسط. لا تبدو سيرة صدام حسين مثيرة للإعجاب في التاريخ، فهو مجرد حاكم عربي عسكري يشبه أترابه ممن يقبض على سدة حكم الجمهوريات العربية المرتبكة في تقديم هوية سياسية ونظام حكم متماسك، يضاف إليه بطش أهوج وديكتاتورية مطبوعة بنزقه الشخصي وجنون العظمة الذي أودى بمستقبل العراق وشعبه في جملة من المغا...

«بيت الرشايدة».. «وقف» تحول «أكاديمية» تحتفظ بأسرار جدة

جدة – عمر البدوي   تسجل حارات وأزقة جدة القديمة، التي لا تزال تحتفظ بروحها وعبق تاريخها في الأبنية الشاهقة، وهي تقف في قلب المنطقة التاريخية، شهادة على النواة الأولى التي انبثقت منها واحدة من أهم المدن التجارية في تاريخ المملكة والشرق الأوسط. في حارة الشام، وتحديداً في شارع أبو عنبة، يقف معمار أخضر شامخاً بين أبنية المنطقة، على باب المبنى لوحة نُحتت عليها آية قرآنية، وأرّخت اللوحة في العام 1301 للهجرة. ويُسمى هذا المعمار «بيت الرشايدة»، نسبة إلى بانيه محمد عبدالرشيد، ويتكوّن من أدوار عدة، وأوقفه الرشيد علي العثماني في العام 1333هـ، بيت الرشايدة أو البيت الأخضر من أجمل البيوت التراثية وسط جدة القديمة، ويعود عمره إلى أكثر من 150 سنة. وتعود تسمية البيت إلى قبيلة الرشايدة التي ينتمي إليها بانيه وموقفه، وهي من القبائل المهاجرة من الحجاز وإليه. إلا أن ملكية البيت الآن تعود إلى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية. ولأن البيت خلال الستينات الميلادية من القرن الماضي، احتضن نشاطاً أكاديمياً، تحول الآن وبفضل أحد فنّاني جدة إلى «أكاديمية حديثة»، بعدما استأجر...