التخطي إلى المحتوى الرئيسي

في لوم حماس !




الواقعية لا تعني إلغاء مسؤوليتك أو تعطيل دورك ، لا تعني مطلقاً إلقاء اللوم على الظروف المحيطة والبيئة بحجة أن الواقع أقوى منك أو يستصعب تغييره ، هذا من الدونية وسفالة الهمم .
تغليفك الضعف والاستسلام بالواقعية من الظلم المركب ، والباطل المضاعف ، ومواجهة الظروف والتحديات ولو بأسلحة متواضعة خير من التنازل المبكر عن حقك في الحياة .
الواقعية في بعض صورها تعني إعطاء المرونة دوراً مؤثراً في المسألة ، تعني مواءمة الظروف ومقاربة الواقع ، الانثناء للعواصف ، ولا تمت إلى الاستسلام المطلق بصلة ، ولا تنحو باتجاه الرضا البائس بواقع يائس ، ولا التسليم العاجز بالظلم الناجز .
واجه واقعك القاصر بإمكاناتك المتواضعة ، ستجد هذا الواقع ينحني لكبرياء رغبتك ، يستجيب مذعناً لإرادتك الصلبة ، يخضع لجبروت قلبك وإصرارك ومضاء عزمك الذي لا يخور ولا يبور ، إمكاناتك اليسيرة نفسها ستتسع باتجاه القوة والتمكين ، قدراتك ستصبح أقوى وأكبر وأمضى مما كانت عليه سابقاً .
إنها ثنائية الصالح والمصلح المتضادة ، متقابلة المقاوم والمسالم المتنافرة ، مترادفة المقبل والمدبر المتعاكسة ، متوازية الصابر والساخط المتباعدة .
راودتني هذه الخواطر وأنا أرى حجم الخلاف الذي أخذ في التوسع حول حركة المقاومة الإسلامية " حماس " وتمسكها بخيار المقاومة في مواجة العدو الصهيوني المدجج بالترتيب الرابع عالمياً في القوة العسكرية الضاربة ، بين تيار يذهب بالحركة إلى سفح التقدير والتشجيع إلى درجة تجعل من نقدها ومناقشتها ضرباً من الخيانة والخروج عن ربقة الدين والأمة ، وتيار آخر يبالغ في التشنيع عليها والاستخفاف بها إلى مستوى الانهزام والاستسلام الكلي الذي يعطي الجلاد كل شيء ويمنع عن المظلوم حتى حقه في التعبير عن انزعاجه .
وبين التيارين تواصل الدولة المصطنعة في قلب العالم الإسلامي ابتلاع الأراضي الفلسطينية وتضيق الخناق وتسرف في انتهاك الحقوق وارتكاب المجازر ، ولا يحقق العرب والفلسطينيون إلا مزيداً من الانتكاسات ، فخيار السلم والمفاوضات الذي تتمسك به السلطة الفلسطينية ومن ورائها منظومة دولية وعربية ، لا يحقق لفلسطين وأهلها إلا أحلام يقظة سرعان ما تتبخر إلى النسيان ، ويبدأ الحلم الفلسطيني رحلته من الصفر مجدداً وكأنه يدور في حلقة مفرغة من الأمل الكاذب .
وخيار المقاومة لا يحظى إلا بمطولات الدعم الكلامي ، فضلاً عن المضايقات السياسية وتقتير الدعم اللوجستي ، واستحداث خطاب إعلامي يصنف المقامة إرهاباً ، إلى جانب الانشقاق الفلسطيني الحاد الذي توظفه إسرائيل لعرقلة نتائج خيار المفاوضات السلمي ، يضاف لذلك مناسبات الاستغلال الانتهازي للقضية الفلسطينية من أطراف دولية وإقليمية ، تزيد من الأعباء وتعكر الأجواء .
نظرياً ، وبالقياسات العسكرية البحتة ، فإن احتمال انتصار المقاومة على الترسانة الإسرائيلية مستبعد بالجملة ، ولكن على المستوى الاستراتيجي والمعنوي ، فإن المقاومة منتصرة بالثبات والصمود وانضمام الحق إليها وتعاطف الشعوب وتحريض المحيط لمناصرة الحق الفلسطيني ، ولو كانت المقاومة شوكة في حلق الاحتلال، وتخوض حرب إرهاق واستنزاف لعدوها، وتفتح جبهة قلق ومواجهة مفتوحة مع خصمها ، فهذا يكفي لتنال شرفاً يحتفظ به التاريخ في باطن المجد، كما أنها تذكر الأمة بأن خيار المقاومة مفتوح ومتاح ، وتقول ذلك بشكل أوضح لعدوها الذي ينتظر انهزامها نفسياً قبل استسلامها عسكرياً .
بقي أن الموازين مضطربة من جهة الخسائر ، فإن الفلسطينيين يسجلون رقماً عالياً من الضحايا الذين يغلب عليهم الأطفال والنساء والشيوخ في صورة مأساوية مؤسفة تتحمل وزرها عنجهية الاحتلال ودمويته ، وليس كما يروج أصحاب الواقعية المغالطة أن المقاومة تتحمل ذلك بجرها آلة الحرب القاسية ، عندما تلقي بألعابها النارية على هامات المدنيين المستضعفين في تل أبيب .
ليس من ذنب المقاوم الذي انفجر في لحظة كرامة ويأس فرمى ولو حجراً ، أن يتحمل مسؤولية تلك الدماء ، إنه يسعى ليمنع العدو عن تكرار ذلك ، ولأن الظروف قاهرة والأفق لا ينبئ بأمل ، اندفع خاوياً إلا من القهر الذي يفتك به ، وعندما يكون عارياً إلا من كرامته ، فهذا ذنب من يقصر في دعمه ، ثم يلومه على استعجاله واعتباطه .
ليس الذي يده في الماء البارد كمن يده في الماء الحار ، والذي يطأ بقدميه الجمر، ويتلظى من رمضاء الأرض؛ ليس كمن يمشي على بلاط بارد في عاصمة مثخنة بالعصرنة ، الذي يرى وطنه يتقلص أمام ناظريه، ويختطف من يديه ليس كمن يعيش آمناً بفضل التفاهمات المغتسلة بالاستسلام ، والتاريخ يقول إن المحتل يكتسب صفة " العدو " وبذلك فإنه لن يسلمك الحقوق بارتياح ، ويشير التاريخ إليك بقصص المقاومة التي كانت دائماً أقل عدداً وناصراً من خصمها المحتل ، ولكنها تجعل الأرض علقماً وعسيرة على المذاق؛ فلا يستطيبها المحتل، وينهزم أمام رجالها .
المقاومة تحتاج إلى رافعة شعبية ، ووحدة داخلية ، ونسيج متماسك ، وتأييد دولي ، وتعاضد إقليمي ، تحتاج المقاومة إلى خلق مبرراتها الشرعية والإنسانية من واقع أخلاقيتها وشرفها وعدالة قضيتها ، الشعوب العربية المحيطة وتلك الإنسانية التي تنتشر في العالم لن تكون إلا بجانب المقاومة دائماً ، ولكنها غير ممكّنة من التأثير في واقعها ، ولذا تبدو الازدواجية في المواقف والاحتراب على مستوى الخطابات ، وهذا يضاعف الحمل على المقاومة وينتقص من نتائجها ويقلب ميازين العدل والمنطق .
المقاومة معنى فاضل في صورته التجريدية والأولية ، ولكنها على مستوى الواقع والتطبيق لا يجب أن تتصف باستعلائية تنأى بها عن اللوم والنقد ، لأنها عمل بشري في النهاية ، ولكن اللوم الذي يريد منها أن تسلم بسلاحها في وجه عدو لا يعترف بها، ويستزف حقوق أهلها، ولا يبدي أي استعداد للتنازل أو الاعتراف ، فإن المعادلة تحتاج إلى إعادة نظر .
كل من يلوم المقاومة ، ويحتفل بخيار المفاوضات السلمي ، لايأتي بمثال واحد يثبت به تقدماً أحرزته المفاوضات مع المتعجرف الإسرائيلي وخدنه الأمريكي إلا مزيداً من التسويف والمماطلة ، مما يجعل المقاومة خيار المضطر وحيلة العاجز إلا من أمله باستعادة أرضه ، ودعمه واجب باسم الدين والقومية والإنسانية .


الرابط :



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

السعوديون يحتفون بالذكرى السابعة لبيعة الملك سلمان

خادم الحرمين رافق مراحل التنمية على مدى 60 عاماً   الاثنين - 3 شهر ربيع الثاني 1443 هـ - 08 نوفمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15686] الرياض: عمر البدوي وبندر مسلم يحتفي السعوديون اليوم بالذكرى السابعة لتولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في 23 يناير (كانون الثاني) الموافق (3 ربيع الثاني 1436هــ) ومبايعته ملكاً للبلاد، ورائداً لمرحلة جديدة تخوضها السعودية منذ وصوله قبل ٧ سنوات، كسابع ملوك المملكة بعد إعلان توحيدها عام 1932. الملك سلمان بن عبد العزيز الذي رافق مراحل مفصلية من عمر البلاد، اختبر خلالها المفاصل التاريخية التي آلت بالسعودية إلى ما هي عليه اليوم من تنمية وازدهار، ومن موقعه سابقاً، حيث كان أميراً لمنطقة الرياض لأكثر من خمسة عقود وتسميته أميراً لها عام 1955 وهو في عقده الثاني من العمر، راقب البلاد وهي تنمو. حتى أصبح قائداً للبلاد، وشاهداً على نهضتها الجديدة، في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية والتنظيمية، والأعمال والمشاريع والمبادرات السريعة والمتلاحقة على المستويين التنموي والاجتماعي، والتي أضحت بفضلها السعودية منافساً تلقائياً ع

«تتبع الحجارة» عنوان 100 يوم من الفن المعاصر في بينالي الدرعية

السعودية تشهد اليوم واحدة من أكبر المناسبات الفنية العالمية   السبت - 7 جمادى الأولى 1443 هـ - 11 ديسمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15719] الرياض: عمر البدوي أصبح حي جاكس جاهزاً لانطلاق الدورة الأولى من بينالي الدرعية للفن المعاصر، واستقبال المتطلعين لزيارة واحدة من أكبر المناسبات الفنّية العالمية، ابتداءً من اليوم (السبت)، حتى 11 مارس (آذار) المقبل، وهو أول بينالي دولي يتطرق لموضوعات وأشكال الفن المعاصر في السعودية، ويعرض أعمالاً لفنانين عالميين ومحليين، مع مجموعة من الورش الثقافية والتجارب الممتعة. يأتي بينالي الدرعية، كتجربة استثنائية، ومنصة إبداعية تمتد لمائة يوم، تكشف جوهر الفنون السعودية بمختلف أنماطها، وتُفسح للفنانين مساحات للحوار وإثراء تجاربهم، لتعزيز المشهد الثقافي والفني، وتمكين المواهب المحلية، واستقطاب مجموعات الفنانين الدوليين لإغناء الحدث الفني المهم. وقال راكان الطوق، المشرف على الشـــؤون الثقافية والعلاقات الدولية في وزارة الثقافــــة الســـــعودية، إن استضافة المملكة لأول بينالي للفن المعاصر، يعدّ إنجازاً استثنائياً، وإن أهميته تأتي من كونــــه نقطة التقــــــاء للعالم، ومن

ماذا يخطر في بالك ( 5 ) ؟

هنا أنقل بعضاً من منشوراتي على صفحتي في ( الفيس بوك ) . راجياً لكم النفع والفائدة  . ضعف التقدير يقود إلى سوء التقرير . .................. كلما كان واقعك ثرياً وغنياً ، بارت بضاعة خيالك الواهم . …………… إذا أحببت شيئاً ثم التقيت به بعد غياب فكأن الروح ردت إليك بعد غيبة الموت ، أو العقل عاد بعد جنون ، أو الذاكرة استفاقت بعد غيبة . كل الأشياء الرمادية تسترجع ألوانها الزاهية ، والروائح الزاكية تستجرّ عنفوانها ، والمشاعر اللذيذة تستعيد عافيتها . ما يفعله الشوق بك من ذهاب العقل وغيبة الذاكرة وموات الروح ، يفعل بك الوصل أضعافه من الفرح والطرب والنشوة . لقد جُبل هذا القلب على الإلف بما يحبه والتعلق به حتى يكون بمثابة الطاقة الموصولة بألياف الكهرباء ، أو الزيت الذي يقدح النور ، والجمر الذي يستفز أعواد البخور . وإذا غاب المحبوب واستبد بك الشوق انطفأ نور الوجه وضاقت النفس وذهب الفرح حتى يعرف ذلك في حدة طبعك وانغلاق عقلك وعبوس وجهك ، فإذا التقى المحبوبان والتأم القلب عادت المياه لمجاريها وشعشع الوجه واتسع الثغر وانفرجت الأسارير . سبحان من خلق . ……………… إذا كنت تسم