التخطي إلى المحتوى الرئيسي

خيار «الديموقراطية» على المحك بعد إزاحة «الإخوان»!


جدة – عمر البدوي
الجمعة ٢٠ سبتمبر ٢٠١٣

بعد الإطاحة بحكم الإخوان المسلمين في مصر إثر ثورة شعبية ساندتها المؤسسة العسكرية، عاد إلى الجدل مدى قبول جماعات الإسلام السياسي بفكرة الديموقراطية والرهان عليها كسبيل سلمي ومدني للوصول الآمن إلى السلطة، وجدّد ذكرى العشرية السوداء التي عاشتها الجزائر بعد الانقلاب العسكري الذي نفذه جنرالات الجيش الجزائري على الجبهة الإسلامية للإنقاذ الفائزة بالانتخابات بنتيجة ساحقة، ما دفع الإسلاميين إلى انتهاج «العنف» رداً على الانقلاب وأدخل البلاد في أتون حرب أهلية ضارية تداخلت فيها المؤامرات مع الإرادات في شكل لا يكاد تتضح فيه التهمة من البراءة.
الكاتب والطبيب السعودي وليد الشرهان يرى أن الوضع في مصر أشد خطورة مما تتصوره غالبية الأطروحات التبسيطية للواقع، ويقول: «لسنا بصدد الحديث هنا عن فشل الإخوان في إدارة المرحلة الانتقالية، وقد أخفقوا بالفعل بوضع يدهم بيد الثوار لبناء واقع جديد مستندين على الشرعية الثورية، واكتفوا بتحالف هشّ مع العسكر أدى لإسقاطهم لاحقاً».
وأشار إلى أننا أمام واقع جديد يضع مصر أمام مفترق طرق بإشارات مقلقة عدة، من إزاحة الإخوان عن الحكم، واستخدام السلطة المفرطة لبعثرة تجمعاتهم لاحقاً، لن يفضي إلا لتقوية شعور العزلة والاستعداء لدى الإسلاميين، وهو الغذاء الذي أبقى القاعدة وبقية الجماعات الإسلامية المتطرفة حية حتى الآن، وللدكتور الجابري الفيلسوف المغربي قول في هذا، وهو أن التطرف مرض لايترعرع إلا في بيئات الاستبداد، ويموت عندما يسود الاعتدال فيكون هامشياً بلا شعبية». ويضيف بأن انقلاب الجيش المصري على رغم كونه مدعوماً من شرائح واسعة من الشعب إلا أنه أضعف حجية وصدقية الجناح الإسلامي الديموقراطي أمام نظرائهم الذين يرون التغلب والعنف طريقاً وحيداً لتحكيم الشرع.. ولا شك في أن عدم احتواء الإسلاميين ديموقراطياً سيدفع بهم لأحضان التطرف أو الاعتزال، وقد يكون هذا القلق مفسراً لرد فعل بعض الدول الغربية التي وقفت موقفاً سلبياً تجاه الإطاحة بمرسي، خصوصاً وأنه كان حليفاً مرناً متفاهماً مع الغرب، وكونه إسلامياً جعل منه قادراً على مخاطبة الجماعات الجهادية لتشابه المنطلقات.
واعتبر الإطاحة بمرسي عسكرياً عودة بعجلة الزمن للخلف، ولكن هذا ليس سيئاً بالضرورة في اعتقاده، إذ لو تمت إدارة المرحلة الانتقالية لإعادتها لدفة الديموقراطية، فلربما كانت هذه الفوضى قادرة على توليد حال جديد يخلخل القبضة الدينية العسكرية المسيطرة على المزاج السياسي المصري، فكأنما هم أمام خيار صوفي من الرواية الشهيرة.. لكن الوضع الحالي للإعلام المصري الذي عاد لصنعته التي يبرع بها - صناعة الطغاة -، والتضييق القضائي على ناشطين مثل وائل عباس وغنيم بدعاوى التحرك المدفوع بتمويل أجنبي، والقبضة الأمنية القوية في كل مكان يجعل مخاوف تكرار ولادة استبداد عسكري جديد شرعية للغاية!
وأضاف: «حتماً هذا هو الوقت الذي يجب أن يدرك فيه الثوار أن تجنيب مصر لهذا المصير يتطلب يقظة بالغة في هذه المرحلة، فالعسكر لن يجازفوا باستعداء كل الشرائح السياسية حتماً.. وخلق ضغط يجعل العسكر أمام حقيقة أنهم سيقابلون بثورة ثالثة لو فكروا في الاستئثار بالسلطة مجدداً، وهذا هو واجب كل مصري يرغب في المحافظة على مكاسب ثورة يناير الديموقراطية».
الباحث الشرعي والكاتب الصحافي عبدالله العلويط يرى أن الإسلاميين وخصوصاً أصحاب التوجهات الانفتاحية لن يتخلوا عن الديموقراطية كطريقة للوصول إلى السلطة، ولكنهم قد يتخلون عنها في هذا الظرف الراهن، أي يصورون الوضع على أنه استبدادي كحال الأنظمة التي انهارت، وأن حكم العسكر عاد ولن تصلح معهم الديموقراطية وإنما المظاهرات أو الثورات، فإذا وصلوا لهذه القناعة فإنهم قد يتجهون للعنف، والأسوأ من هذا بالنسبة لهم هو ألا يُعاد انتخابهم مرة أخرى بسبب الرفض الشعبي لهم، وحينها سيكفرون بالديموقراطية في شكل حقيقي، ويعودون لمبدأ الاستحواذ على السلطة بالقوة لتنفيذ شرع الله كما هو حال «طالبان».
ويؤكد أن فشل الإسلاميين متوقع لغياب المشروع الإسلامي وبسبب أخطائهم وربما بسبب الإعلام الموجه ضدهم أيضاً، ولن يتم انتخابهم مرة أخرى، لكن هذا الإقصاء العسكري لهم قبل الانتخابات القادمة يوحي للناس بأنهم جديرون بالسلطة، ولا يثبت فشلهم عملياً، فبسبب حكم العسكر المتسلط طوال الأعوام السابقة أصبح أي خصم لهم أو معارض على حق في الغالب، ويعتقد العلويط أنه قد تتشكل فصائل على هامش هذه الأحداث يتوقع منها ممارسة الإرهاب أو القتال المسلح للوصول إلى السلطة، أو يدخل «القاعدة» على الخط وإن كان هذا مستبعداً في الوقت الحالي لأنهم يرون أن الإخوان أنفسهم ليسوا على جادة الصواب.
ويصف العلويط حال الإقصاء التي يتعرض لها الإسلاميون سياسياً وإعلامياً في مصر بالسيئ، ولكنها متوقعة وبها جناية عليهم، ولكن في المقابل أسهموا بها هم أنفسهم أيضاً، فلديهم أخطاء كارثية، وعدم تريث والتسرع كما هو في الإعلان الدستوري وهذا في إقصائهم حينما كانوا في السلطة، وأما إقصاؤهم من العملية السياسية برمتها فهو جناية عليهم، ولكن حتى لا يُقصون مرة أخرى فإنه لا بد من المشروع السياسي الإسلامي، فما ينقصهم وينقص أي عمل سياسي إسلامي هو أنهم طوال الفترات السابقة ومنذ ظهور النشاطات الدينية في السبعينات لم يكن هناك وجود لبرنامج سياسي إسلامي.
واعتبر فوزهم في الانتخابات ليس لنجاعتهم أو بروزهم أو قناعة الناس بمشاريعهم، وإنما تعاطفاً معهم لأنهم كانوا مضطهدين أيام مبارك، وهذا يوحي بنقاوتهم من الفلول بخلاف الأطياف الأخرى التي يتوقع أنها مشحونة بالفلول، وكذلك العمل بمبدأ عدو عدوي صديقي، فبهذا التلازم اكتسبوا الشعبية أكثر من المشاريع المكتوبة المعروفة، أي انتخبوا باللازم كما يقول المناطقة، وهذه بكل تأكيد لا تكفي، ومع العمل السياسي الذي مارسوه وهم في السلطة ظهرت العيوب سريعاً، وبالإمكان تفادي كل ذلك بطرح المشروع الإسلامي وأخذ مزيد من الوقت في التنظير ثم الترشح مرة أخرى، فهنا تصبح العملية أكثر انتظاماً ودقة وقبولاً بالنسبة لهم.

الحيص: «الإخوان» غير ناضجين سياسياً

أوضح الكاتب والباحث في علم الاجتماع السياسي عبدالعزيز الحيص أن الحركات الإسلامية في الأصل لديها إشكال «ذاتي» مع الديموقراطية، وحركة الإخوان في مصر تعتبر من أنضج الحركات الإسلامية في هذا المسار، وقد وصلت لهذا المسار بعد تحقيق نجاح وامتداد شعبي واجتماعي يضاف إلى عمر طويل لها يعود إلى ما قبل تأسيس الدولة الجمهورية في مصر.
وتابع: «كانت هناك جدلية طويلة للتنظيم مع السلطات المصرية المتعاقبة قبل التجربة الأخيرة بعد ثورة 25 يناير. ويُعاب على الإخوان أن مراجعاتهم السابقة لم تتضمن مراجعات ديموقراطية ومدنية، وهذا مما ولّد الشك والتوجس من داخل الحركة وخارجها، من مسألة دخولهم السباق الانتخابي في العام 2012».
وتوقع أن الإخوان لو استمروا في السلطة فلربما فشلوا بسبب عدم النضج السياسي، وهو ما اتضح خلال العام الأول. وهذا الأمر كان سيرجح التباعد الذاتي عن الديموقراطية بسبب ضعف القدرة على القيام بمهماتها، لكن التدخل الانقلابي في مصر عكس كل ذلك، وقام بترجيح الأمر المقابل، وهو ارتباط والتحام الإخوان بالديموقراطية إلى حد بعيد. فكيف ذلك؟
لن تتخلى الحركة أو تتباعد عن الديموقراطية، وهذا يعود - أولاً - إلى أن الحركة اليوم تلعب في موقعها التاريخي المفضل «المعارضة»، وهو دور تجيده أكثر من السلطة، وثانياً هو أن معارضتهم وجدت اليوم أساساً متيناً لها، وهو «الديموقراطية».
إن دعوى الديموقراطية لها قبول شعبي ودولي واسع، ومسائل مثل الحاكمية أو الخلافة لا يوجد لها وجه شعبي أو سياسي اليوم، لذا فخيارات المعارضة ليس لها اليوم سوى الحكاية الديموقراطية، وسيدفع الموجودين في السلطة في مصر باتجاه الديموقراطية، وسيدفع الإخوان بكل قوة لأجل سلب شرعية هذه الديموقراطية بالتركيز على دعوى الديموقراطية ذاتها.
ويؤكد الحيص أن الإسلاميين في الأصل لم يكن خيارهم عنيفاً، وإنما وجدت أذرع وتفرعات داخل هذه الحركات والمنظومات اتبعت هذا الخيار، وبالملاحظة فالسلفية ككيان واسع لا تؤخذ بجريرة بعض التنظيمات، وكذلك «الإخوان» ككيان تاريخي. ويقول: «لا أرى أن التاريخ يشهد على أن الإخوان حركة ذات «نمط عنفي». يبقى التساؤل: هل ما حدث من إسقاط وما قد يأتي من استبعاد أو استئصال سيدفع الحركة إلى العنف؟ يوجد بعض التسرب إلى خيار العنف مستقبلاً، بخاصة من بعض الشباب الذين يحارون أمام الظلم الواقع عليهم! لكن ليس الحركة، فالقيادات في الإخوان دوماً مفصولة عن اختيارات الشباب، وهي قيادات مخضرمة تعرف أن أي خيار وطرح غير سلمي سيكون بمثابة انتحار، وسلب للشرعية السياسية والشعبية للحركة.
وعن حال إقصاء الإسلاميين في المشهد المصري بدعوى الإرهاب ونية حلّ الجماعة وحزبها السياسي، يقول الحيص: «ليس الإخوان من خسروا الديموقراطية، بل الممارسة الديموقراطية في مصر هي من خسرهم، فحركة الإخوان كيان إسلامي سياسي براغماتي ممتد في داخل الجسد المصري. وأي تمرحل للديموقراطية في مصر سيكون مشكوكاً فيه إن أسقط تنظيماً مؤثرا في مصر كالإخوان. تتم اليوم عميلة ممنهجة ومريعة في مصر، تعتمد على التخويف وبث الرعب عبر دعاوى الإرهاب ومثيلاتها. كيف يتم الانتقال من وصف شخص أنه رئيس إلى مجرم و«إرهابي محتمل» هكذا؟ كيف يروج عن الإسلاميين الذين حازوا أغلبية في مجلس الشعب بأنهم كذلك؟ هذا يعني أن هناك مشكلة على مستوى الشعب فيما لو صحت الاتهامات الأخيرة وهي بعيدة عن الصحة. إن حملات الإقصاء الشديدة لا تعني سوى تدخل سلطوي شديد. الجيش استخدم قوته ليفرض هذا النوع من السلطوية، والمؤسف أن وجود سلطوية من هذا النوع لن تؤثر في الإسلاميين فقط، بل ستؤثر في الممارسة الديموقراطية كلها في مصر وفي العالم العربي. إن فترات الانتقال والتحول الديموقراطي من أصعب فترات الأمم، وتحتاج في كل الأحوال إلى طول صبر وتأنٍ، وهذه الفترة مثلت مناخ انقلابات في تجارب مختلفة من العالم، لذا ليس مفاجئاً ما حدث في مصر، وتجاوز هذه «القنطرة» والنجاح في عبورها لا يتمثل في الاحتماء بجانب الجيش القوي، بل بتقليم أظافره ومخالبه السياسية في سبيل سيادة القوة المدنية».



الرابط : 
http://alhayat.com/Details/553624
http://alhayat.com/Details/553625





تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

السعوديون يحتفون بالذكرى السابعة لبيعة الملك سلمان

خادم الحرمين رافق مراحل التنمية على مدى 60 عاماً   الاثنين - 3 شهر ربيع الثاني 1443 هـ - 08 نوفمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15686] الرياض: عمر البدوي وبندر مسلم يحتفي السعوديون اليوم بالذكرى السابعة لتولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في 23 يناير (كانون الثاني) الموافق (3 ربيع الثاني 1436هــ) ومبايعته ملكاً للبلاد، ورائداً لمرحلة جديدة تخوضها السعودية منذ وصوله قبل ٧ سنوات، كسابع ملوك المملكة بعد إعلان توحيدها عام 1932. الملك سلمان بن عبد العزيز الذي رافق مراحل مفصلية من عمر البلاد، اختبر خلالها المفاصل التاريخية التي آلت بالسعودية إلى ما هي عليه اليوم من تنمية وازدهار، ومن موقعه سابقاً، حيث كان أميراً لمنطقة الرياض لأكثر من خمسة عقود وتسميته أميراً لها عام 1955 وهو في عقده الثاني من العمر، راقب البلاد وهي تنمو. حتى أصبح قائداً للبلاد، وشاهداً على نهضتها الجديدة، في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية والتنظيمية، والأعمال والمشاريع والمبادرات السريعة والمتلاحقة على المستويين التنموي والاجتماعي، والتي أضحت بفضلها السعودية منافساً تلقائياً ع

«تتبع الحجارة» عنوان 100 يوم من الفن المعاصر في بينالي الدرعية

السعودية تشهد اليوم واحدة من أكبر المناسبات الفنية العالمية   السبت - 7 جمادى الأولى 1443 هـ - 11 ديسمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15719] الرياض: عمر البدوي أصبح حي جاكس جاهزاً لانطلاق الدورة الأولى من بينالي الدرعية للفن المعاصر، واستقبال المتطلعين لزيارة واحدة من أكبر المناسبات الفنّية العالمية، ابتداءً من اليوم (السبت)، حتى 11 مارس (آذار) المقبل، وهو أول بينالي دولي يتطرق لموضوعات وأشكال الفن المعاصر في السعودية، ويعرض أعمالاً لفنانين عالميين ومحليين، مع مجموعة من الورش الثقافية والتجارب الممتعة. يأتي بينالي الدرعية، كتجربة استثنائية، ومنصة إبداعية تمتد لمائة يوم، تكشف جوهر الفنون السعودية بمختلف أنماطها، وتُفسح للفنانين مساحات للحوار وإثراء تجاربهم، لتعزيز المشهد الثقافي والفني، وتمكين المواهب المحلية، واستقطاب مجموعات الفنانين الدوليين لإغناء الحدث الفني المهم. وقال راكان الطوق، المشرف على الشـــؤون الثقافية والعلاقات الدولية في وزارة الثقافــــة الســـــعودية، إن استضافة المملكة لأول بينالي للفن المعاصر، يعدّ إنجازاً استثنائياً، وإن أهميته تأتي من كونــــه نقطة التقــــــاء للعالم، ومن

ماذا يخطر في بالك ( 5 ) ؟

هنا أنقل بعضاً من منشوراتي على صفحتي في ( الفيس بوك ) . راجياً لكم النفع والفائدة  . ضعف التقدير يقود إلى سوء التقرير . .................. كلما كان واقعك ثرياً وغنياً ، بارت بضاعة خيالك الواهم . …………… إذا أحببت شيئاً ثم التقيت به بعد غياب فكأن الروح ردت إليك بعد غيبة الموت ، أو العقل عاد بعد جنون ، أو الذاكرة استفاقت بعد غيبة . كل الأشياء الرمادية تسترجع ألوانها الزاهية ، والروائح الزاكية تستجرّ عنفوانها ، والمشاعر اللذيذة تستعيد عافيتها . ما يفعله الشوق بك من ذهاب العقل وغيبة الذاكرة وموات الروح ، يفعل بك الوصل أضعافه من الفرح والطرب والنشوة . لقد جُبل هذا القلب على الإلف بما يحبه والتعلق به حتى يكون بمثابة الطاقة الموصولة بألياف الكهرباء ، أو الزيت الذي يقدح النور ، والجمر الذي يستفز أعواد البخور . وإذا غاب المحبوب واستبد بك الشوق انطفأ نور الوجه وضاقت النفس وذهب الفرح حتى يعرف ذلك في حدة طبعك وانغلاق عقلك وعبوس وجهك ، فإذا التقى المحبوبان والتأم القلب عادت المياه لمجاريها وشعشع الوجه واتسع الثغر وانفرجت الأسارير . سبحان من خلق . ……………… إذا كنت تسم