التخطي إلى المحتوى الرئيسي

طفولة شريدة




أحدثنا جلبة أمام طاولة الحساب في واحد من مطاعم جدة الفاخرة ، أنا واثنان من أصدقائي نتعارك حول دفع الحساب على عادتنا الاجتماعية النبيلة والكريهة أحياناً .
انتهى العراك الملحمي على نتيجة ارتضيناها وخرجنا من المطعم متخمين وبخطوات متثاقلة من شدة ما أكلنا وطعمنا ، وفوق هذا نتبادل كلمات الكراهة لمذاق الطعام وطريقة طبخه التي لم ترق لنا ، ولكن " تورّطنا " !
خرجنا غير آبهين والوقت يقترب من ساعات الفجر الأولى ، فما زال في الوقت بقية ، والجدول يزدحم بالمشاوير التي نقضيها تزجية للوقت وقتلاً للفراغ .
خطوات قليلة تفصل بين باب المطعم والسيارة ، وما كدنا نصل حتى استوقفنا مشهد يقطر ألماً ، توقفت لحظات طويلة وأنا أرمق ذلك الطفل المسجى على عتبة محل تجاري .
طفل ممدد على جانب الطريق وغارق في نوم عميق ، وفي يده بقايا بضاعته التي يرتزق منها ، حلاوة الإسفنج المصبوغة بلون وردي صناعي ، اعتاد الأطفال بيعها أمام الإشارات ، تسد شيئاً من رمقهم وتكفيهم ذل السؤال ، وربما اشتراها بعضنا رأفة بحال الطفل لا رغبة في بضاعته .
بطريقة أقل ما يقال عنها أنها خلاف الإنسانية التي يتطلبها الموقف ، أسرعت إلى جيبي والتقطت صورة ساخنة لهذا المشهد من كاميرا الجوال ، رمقتني امرأة تجلس في سيارة مجاورة بانتظار زوجها ، شعرت بكثير من الخجل ، يبدو أن المرأة كانت تنظر بعين أمومتها العميقة بينما أمارس إلى جانب أصدقائي دوراً سطحياً ساذجاً .
كان الطفل مستغرقاً في النوم وقابضاً بكلتا يديه على بضاعته التي فيها معاشه ، لا أعرف إذا كانت هذه نومته كل مساء ، إذ لا مأوى ولا قرار ، أم ابتلعه الإرهاق والإنهاك وجعله ينام كيفما تيسر له .
المطعم الذي قصدناه يقطن في واحد من أحياء جدة الراقية ، والحقيقة في جدة لا تعني كلمة " حي راقي " المعنى المعروف لها ، ولكن يسكنه غالبية ذات دخل عالي ، بمعنى أنك تقف على حجم تناقض صارخ يمكن أن يفتعله الإنسان على وجه الأرض ، يمكن أن يكون راقياً وبشعاً ، سعيداً وشقياً في آن ، لطيفاً وبشعاً ربما .
دار في خلدي كثير من الأفكار وجال بخاطري عديد من الكلمات والمشاهد ، وأنا أمام مشهد طفولي تحمّل مسؤولية تجاهل الإنسان لأخيه الإنسان ، لمع في قلبي شعور ينطوي على تأنيب داخلي ، شيء من تقريع الضمير ، شعرت بحجم تضاؤل مشتهياتي أمام هذه القسوة التي يعانيها طفل مثل هذا .
كتبت غير مرة في شأن المغلوبين ، أحياناً نكتب من أجل أن نتخلص من الشعور بالتقصير تجاه غيرنا ، نتجاوز سؤال الأخلاق في داخلنا ، نخوض عملية تسوية مع مبادئنا الفاضلة الأولية والمثالية ، ثم نستعيد جموحنا الإنساني ونمارس تجاهلنا للحقائق المزعجة .
أيها الأصدقاء : كونوا نصيراً للمغلوبين !

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

السعوديون يحتفون بالذكرى السابعة لبيعة الملك سلمان

خادم الحرمين رافق مراحل التنمية على مدى 60 عاماً   الاثنين - 3 شهر ربيع الثاني 1443 هـ - 08 نوفمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15686] الرياض: عمر البدوي وبندر مسلم يحتفي السعوديون اليوم بالذكرى السابعة لتولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في 23 يناير (كانون الثاني) الموافق (3 ربيع الثاني 1436هــ) ومبايعته ملكاً للبلاد، ورائداً لمرحلة جديدة تخوضها السعودية منذ وصوله قبل ٧ سنوات، كسابع ملوك المملكة بعد إعلان توحيدها عام 1932. الملك سلمان بن عبد العزيز الذي رافق مراحل مفصلية من عمر البلاد، اختبر خلالها المفاصل التاريخية التي آلت بالسعودية إلى ما هي عليه اليوم من تنمية وازدهار، ومن موقعه سابقاً، حيث كان أميراً لمنطقة الرياض لأكثر من خمسة عقود وتسميته أميراً لها عام 1955 وهو في عقده الثاني من العمر، راقب البلاد وهي تنمو. حتى أصبح قائداً للبلاد، وشاهداً على نهضتها الجديدة، في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية والتنظيمية، والأعمال والمشاريع والمبادرات السريعة والمتلاحقة على المستويين التنموي والاجتماعي، والتي أضحت بفضلها السعودية منافساً تلقائياً ع

«تتبع الحجارة» عنوان 100 يوم من الفن المعاصر في بينالي الدرعية

السعودية تشهد اليوم واحدة من أكبر المناسبات الفنية العالمية   السبت - 7 جمادى الأولى 1443 هـ - 11 ديسمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15719] الرياض: عمر البدوي أصبح حي جاكس جاهزاً لانطلاق الدورة الأولى من بينالي الدرعية للفن المعاصر، واستقبال المتطلعين لزيارة واحدة من أكبر المناسبات الفنّية العالمية، ابتداءً من اليوم (السبت)، حتى 11 مارس (آذار) المقبل، وهو أول بينالي دولي يتطرق لموضوعات وأشكال الفن المعاصر في السعودية، ويعرض أعمالاً لفنانين عالميين ومحليين، مع مجموعة من الورش الثقافية والتجارب الممتعة. يأتي بينالي الدرعية، كتجربة استثنائية، ومنصة إبداعية تمتد لمائة يوم، تكشف جوهر الفنون السعودية بمختلف أنماطها، وتُفسح للفنانين مساحات للحوار وإثراء تجاربهم، لتعزيز المشهد الثقافي والفني، وتمكين المواهب المحلية، واستقطاب مجموعات الفنانين الدوليين لإغناء الحدث الفني المهم. وقال راكان الطوق، المشرف على الشـــؤون الثقافية والعلاقات الدولية في وزارة الثقافــــة الســـــعودية، إن استضافة المملكة لأول بينالي للفن المعاصر، يعدّ إنجازاً استثنائياً، وإن أهميته تأتي من كونــــه نقطة التقــــــاء للعالم، ومن

ماذا يخطر في بالك ( 5 ) ؟

هنا أنقل بعضاً من منشوراتي على صفحتي في ( الفيس بوك ) . راجياً لكم النفع والفائدة  . ضعف التقدير يقود إلى سوء التقرير . .................. كلما كان واقعك ثرياً وغنياً ، بارت بضاعة خيالك الواهم . …………… إذا أحببت شيئاً ثم التقيت به بعد غياب فكأن الروح ردت إليك بعد غيبة الموت ، أو العقل عاد بعد جنون ، أو الذاكرة استفاقت بعد غيبة . كل الأشياء الرمادية تسترجع ألوانها الزاهية ، والروائح الزاكية تستجرّ عنفوانها ، والمشاعر اللذيذة تستعيد عافيتها . ما يفعله الشوق بك من ذهاب العقل وغيبة الذاكرة وموات الروح ، يفعل بك الوصل أضعافه من الفرح والطرب والنشوة . لقد جُبل هذا القلب على الإلف بما يحبه والتعلق به حتى يكون بمثابة الطاقة الموصولة بألياف الكهرباء ، أو الزيت الذي يقدح النور ، والجمر الذي يستفز أعواد البخور . وإذا غاب المحبوب واستبد بك الشوق انطفأ نور الوجه وضاقت النفس وذهب الفرح حتى يعرف ذلك في حدة طبعك وانغلاق عقلك وعبوس وجهك ، فإذا التقى المحبوبان والتأم القلب عادت المياه لمجاريها وشعشع الوجه واتسع الثغر وانفرجت الأسارير . سبحان من خلق . ……………… إذا كنت تسم