التخطي إلى المحتوى الرئيسي

كيف تأخرت الدعوة عندنا ؟



لا أحسب أنني خير من يتكلم في هذا الشأن ، ولا أولى الناس به ، فهو مضمار ضخم ينخرط فيه عموم الرجال التي تبنت هذا الهم المقدس والعمل المعظم وقد امتدح الله سبحانه أهله في نص كتابه الكريم .


لقد بدى لي بعد عمر متواضع في الدعوة أن عموم العاملين في منطقتنا يغيب عنهم المعنى الحقيقي لمهمتهم الربانية ، لقد احتكروا مشروعهم في تخريج مجموعة من " المطاوعة " يسيرون سيرتهم في المجتمع ، ينقطعون عن العامة ولا يتماهون في داخلهم في سبيل الحفاظ على عذرية تدينهم أن تتلطخ بمساوئ الخلطة وتتكدر بشائبة الحياة العامة .
لقد نسوا أن الإسلام رسالة عامة ، جاء ليبني الإنسان بكل حاجاته ومكوناته ويستجيب لرغباته كما يستحثه لغاياته ، وتمثّل فيه الدعوة " النظام التربوي " أو الفلسفة الاجتماعية .
بمعنى : أن الدعوة هي أكبر نقطة التقاء بين الفكرة الإسلامية والمجتمع ، حينها لا قيمة للعزلة والتمترس وراء أستار التدين ، حتى أصبحت أكبر أهداف الدعوة في حلي " كسر حاجز القطيعة بين المؤسسة الدعوية والمجتمع سيما الشباب " .


ولأن فهمهم للدعوة توقف عند تمتين الجانب الديني لدى الإنسان . ذهب مجمل جهدهم في تكثيف الخطاب الوعظي بكافة الأساليب سيما عبر المحاضرات الجماهيرية أو المخيمات الشبابية كأساليب تقليدية للدعوة .
وهنا انخفضت استجابة المجتمع لمشروعات الدعوة على اعتبار أنها تقوم بتكرار ممجوج ولا تستثير رغبتهم عبر " تجديد الخطاب - أو تقديم ما ينفع حسب منظور الدنيا - أو توسيع دائرة الاهتمام الدعوي " .


الدعوة في وادي حلي هو نتاج طبيعي للصحوة الدينية التي عمّت بلادنا وانتقلت عبر نفس العقليات والذوات التي تشترك مع أشباهها في أطراف المملكة ، غير أن الصحوة ورموزها عاشت مخاض مراجعات وخضعت لموجة نقد وتطوير وتحديث لأدواتها وتكويناتها الفكرية بينما نحن نعيش في لحظة متأخرة من الصحوة هي ذات الفورة الأولى لها قبل عشرات السنين .


جزء من تمظهرات النسخة القديمة للصحوة التي ما فتئنا نزاولها ، هي اعتماد " الحماس الديني " دافعاً ومحرّضاً للانخراط في العمل التطوعي وتمثل قيم الصحوة والاستقامة الفردية بينما تجاوز المجموع الدعوي العام هذه المرحلة إلى أبعد من ذلك .
أصبح العمل الدعوي يقوم على التوظيف المأجور ، والعمل الاحترافي كمهنة ملزِمة ، والتطوع غير المشروط بمسبّقات دينية ، ولعل المشهد نفسه من حشود الملتزمين وأصحاب " اللحى الطويلة والثياب القصيرة " هم من يتولى مهام الدعوة .


وهذا ما أسس لمعضلة الارتجال ، إذ اتجه الاهتمام إلى الشروط الظاهرة دون المضامين الموضوعية التي تكفُل نجاح أي مشروع حديث لتحقيق هدف ما ، حيث ترك الأمر في قبضة التسطيح وهوّن من شأن التعمق العلمي والدربة العملية الكافية وسيولة الإبداع كشروط حضارية لأي عمل اجتماعي يرمي لبناء القيم ، وجعل المسألة رهن مقدار من الاستقامة يكفي للعمل .


إني أهيب بالمعنيين أن يلتفتوا لثلاث : ( المعرفة الشمولية - والتوظيف الذكي - وتجديد الخطاب ) على اعتبار أن المشروعات الحضارية تبنى بالعمل على تطوير وتفعيل جوانب ثلاث هي ( الفكر - السلوك - الخطاب ) .


وأسأل الله ألا يعاقبني بالخذلان ،،،

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

تمجيد صدام حسين المجيد

كان يمكن للقصة الشهيرة التي تداولها عامة العرب عن صورة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين مطبوعة في كبد القمر أن تكون مجرد مزحة عابرة تذوب مثل قطعة ثلج أو تتبخر مثل بؤرة ماء، ولكن القصة المختلقة التي شاعت عشية تنفيذ حكم الإعدام في حقه من قبل الحكومة العراقية بعد إسقاط نظامه وتفكيك الدولة العراقية نتيجة حرب خاضها حلف دولي تقوده الولايات المتحدة، تمكنت في أذهان جيل بأكمله وتطورت إلى أشكال متجذرة لترميز الرئيس العراقي المخلوع. أصبح صدام ذا شعبية أكبر لدى قطاعات واسعة من الشباب العربي، فبإمكانك أن تلاحظ حجم الصور التي تنتشر له والأقوال المختلقة في محاولة لاستنطاقه بما يتمناه الشاب العربي من خطاب مشبع بالأنفة والاعتزاز ضد غطرسة الجانب الغربي من العالم أو الطائفة الشقيقة للغالبية السنية في الشرق الأوسط. لا تبدو سيرة صدام حسين مثيرة للإعجاب في التاريخ، فهو مجرد حاكم عربي عسكري يشبه أترابه ممن يقبض على سدة حكم الجمهوريات العربية المرتبكة في تقديم هوية سياسية ونظام حكم متماسك، يضاف إليه بطش أهوج وديكتاتورية مطبوعة بنزقه الشخصي وجنون العظمة الذي أودى بمستقبل العراق وشعبه في جملة من المغا...

«بيت الرشايدة».. «وقف» تحول «أكاديمية» تحتفظ بأسرار جدة

جدة – عمر البدوي   تسجل حارات وأزقة جدة القديمة، التي لا تزال تحتفظ بروحها وعبق تاريخها في الأبنية الشاهقة، وهي تقف في قلب المنطقة التاريخية، شهادة على النواة الأولى التي انبثقت منها واحدة من أهم المدن التجارية في تاريخ المملكة والشرق الأوسط. في حارة الشام، وتحديداً في شارع أبو عنبة، يقف معمار أخضر شامخاً بين أبنية المنطقة، على باب المبنى لوحة نُحتت عليها آية قرآنية، وأرّخت اللوحة في العام 1301 للهجرة. ويُسمى هذا المعمار «بيت الرشايدة»، نسبة إلى بانيه محمد عبدالرشيد، ويتكوّن من أدوار عدة، وأوقفه الرشيد علي العثماني في العام 1333هـ، بيت الرشايدة أو البيت الأخضر من أجمل البيوت التراثية وسط جدة القديمة، ويعود عمره إلى أكثر من 150 سنة. وتعود تسمية البيت إلى قبيلة الرشايدة التي ينتمي إليها بانيه وموقفه، وهي من القبائل المهاجرة من الحجاز وإليه. إلا أن ملكية البيت الآن تعود إلى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية. ولأن البيت خلال الستينات الميلادية من القرن الماضي، احتضن نشاطاً أكاديمياً، تحول الآن وبفضل أحد فنّاني جدة إلى «أكاديمية حديثة»، بعدما استأجر...