التخطي إلى المحتوى الرئيسي

إهمال العقل



يبلى أو يخلق أو يضمر هذا العقل إذا أنت أهملته ، يتعطل ولا يعود يعمل إذا ما شغّلته ، مثل ماء إذا ركد أسِن وآلة إذا تركتها لحقها الصدأ ، مثل جرح إذا تركته تجرثم ومثل بئر إذا تجاهلته انردم وبيت خرِب إذا لم ترممه انهدم .
مثل أي شيء يضيق ذرعاً إذا أسلمته للتجاهل ، بل أبعد من ذلك وأنكى ، أعظم من هذا وأشقى .
 من الذي لا يستفيد من ثمرات عقله إلا خائب ؟ ومن الذي لا ينتفع من فيوض آلة ذكائه إلا محروم ؟
أنت إنسان أبرع من أن تكون تابعاً لمخلوق ، أو خاضعاً لأغيار يتاجرون بالحقائق ويبتاعون الزيف ، وأنت رجل مؤمن مشدود بحبل اليقين باتجاه ملكوت السماء ، لا تسجد جبهتك الطاهرة لغير إلهك الفرد الأوحد ، الذي منحك الحرية والاستقلال ، ومكّنك في الأرض ، وجعلك خليفته الفذّة ، معبوديتك حرية ، واستسلامك انعتاق من قبضة أهوائك وأصنامك وضلالاتك ، وانسياب في هذا الكون المتجه بكليّته إلى الفضاء والسماء والفناء .
حقيق بك ألا تبيع عقلك لزيف النخبة ، وألا تؤجر ممتلكاتك بثمن بخس ، ولا تقتطع من فضاءاتك لمستثمر نصّاب .
اختر من الحق ما يشهد لنفسه بالصدقية ، وانغمس في اليقين الذي يلهمك ، وانبعث مع الحقيقة المظلومة وقد انتصفت لنفسها في محكمة الحياة ، كن ثائراً ولا تخشى وقيعة الفتنة التي يروج لها الخانعون ، لا تشتري الهوان الذي يباع في أسواق السلاطين ولا تتزلف على عتباتهم الملطخة بدماء الحق وقد فقد عذريته المسفوكة .
أوصيك أن تؤمن بعقلك ، لا تكفر بفاعليته ، لا تجحد نعمة الله عليك ، كيف لإنسان اختاره الله من بين مخلوقاته الثرة أن يكون خليفته في الأرض ، وشاهداً على نفسه ، وأن يسجد له ملائكته ، ويختار من جنسك مرسول توحيده ، وأن يكون سيدنا إبراهيم خليله وهو إنسان ، ثم تستجيب لنعيق ثلة تراك ضعيفاً ، خائراً ، زائغاً ، منحرفاً ، أضعف من أن تستند على عقلك وتتكأ على ذهنك وتعتد بنفسك .
أتحسب أنك جرم صغير.                    وفيك انطوى العالم الأكبر
لا تدفن هذه الآلة ، لا تقبرها ، لا تعطلها ، لا تهملها .
لعقلك الآن أن ينبعث من لحده القفر ، له أن يستيقظ من ضمة القبر ، أن يضيء لك مكنونك ويغسل عيونك ، أن يلهم بصيرتك ويفك عسيرتك ، أن يقودك للنور والخير والسرور ، أن يتخلص من سجّانه الغليظ ومن سلطان التقليد البغيض .

تعليقات

  1. لو تركنا العقل يسيطر علينا لصرنا عباد للماديات(الملحدين) , التفكير بالعقل مع اليقين هذا هو الصواب ,,,ابدعت اخي عمر

    ردحذف
    الردود
    1. أهلا أمل
      استبعد فكرة السيطرة فهي لغة مستهجنة ولا تجري إلا على ألسنة الباغين والظالمين والجشعين
      العقل والقلب يتسالمان لصلاح الإنسان وخير دنياه وأخراه
      شكراً لوجودك

      حذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

تمجيد صدام حسين المجيد

كان يمكن للقصة الشهيرة التي تداولها عامة العرب عن صورة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين مطبوعة في كبد القمر أن تكون مجرد مزحة عابرة تذوب مثل قطعة ثلج أو تتبخر مثل بؤرة ماء، ولكن القصة المختلقة التي شاعت عشية تنفيذ حكم الإعدام في حقه من قبل الحكومة العراقية بعد إسقاط نظامه وتفكيك الدولة العراقية نتيجة حرب خاضها حلف دولي تقوده الولايات المتحدة، تمكنت في أذهان جيل بأكمله وتطورت إلى أشكال متجذرة لترميز الرئيس العراقي المخلوع. أصبح صدام ذا شعبية أكبر لدى قطاعات واسعة من الشباب العربي، فبإمكانك أن تلاحظ حجم الصور التي تنتشر له والأقوال المختلقة في محاولة لاستنطاقه بما يتمناه الشاب العربي من خطاب مشبع بالأنفة والاعتزاز ضد غطرسة الجانب الغربي من العالم أو الطائفة الشقيقة للغالبية السنية في الشرق الأوسط. لا تبدو سيرة صدام حسين مثيرة للإعجاب في التاريخ، فهو مجرد حاكم عربي عسكري يشبه أترابه ممن يقبض على سدة حكم الجمهوريات العربية المرتبكة في تقديم هوية سياسية ونظام حكم متماسك، يضاف إليه بطش أهوج وديكتاتورية مطبوعة بنزقه الشخصي وجنون العظمة الذي أودى بمستقبل العراق وشعبه في جملة من المغا...

«بيت الرشايدة».. «وقف» تحول «أكاديمية» تحتفظ بأسرار جدة

جدة – عمر البدوي   تسجل حارات وأزقة جدة القديمة، التي لا تزال تحتفظ بروحها وعبق تاريخها في الأبنية الشاهقة، وهي تقف في قلب المنطقة التاريخية، شهادة على النواة الأولى التي انبثقت منها واحدة من أهم المدن التجارية في تاريخ المملكة والشرق الأوسط. في حارة الشام، وتحديداً في شارع أبو عنبة، يقف معمار أخضر شامخاً بين أبنية المنطقة، على باب المبنى لوحة نُحتت عليها آية قرآنية، وأرّخت اللوحة في العام 1301 للهجرة. ويُسمى هذا المعمار «بيت الرشايدة»، نسبة إلى بانيه محمد عبدالرشيد، ويتكوّن من أدوار عدة، وأوقفه الرشيد علي العثماني في العام 1333هـ، بيت الرشايدة أو البيت الأخضر من أجمل البيوت التراثية وسط جدة القديمة، ويعود عمره إلى أكثر من 150 سنة. وتعود تسمية البيت إلى قبيلة الرشايدة التي ينتمي إليها بانيه وموقفه، وهي من القبائل المهاجرة من الحجاز وإليه. إلا أن ملكية البيت الآن تعود إلى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية. ولأن البيت خلال الستينات الميلادية من القرن الماضي، احتضن نشاطاً أكاديمياً، تحول الآن وبفضل أحد فنّاني جدة إلى «أكاديمية حديثة»، بعدما استأجر...