التخطي إلى المحتوى الرئيسي

طفولة لا تشيخ !







أعيش أغلب أوقاتي " كطفل " ، تجدني أجري ، ألعب ، أقفز ، أشاغب ، أستطلع ، أستملح .
يهمني كثيراً أن أزيد من مدة الطفولة ، وإذا أجبرني موقف على صنيعة الكبار فعلت ، ثم أرتد إلى طفولتي المتصنعة مسرعاً فرحاً .
أختفي عن أنظار هذا المجتمع القاسي ، لأنه لا يعرف بعقل العرف ولا العلم تفسيراً لحالي سوى " تافه ، سخيف ، مخروم المروءة ، فاسد ، وربما شاذ منحرف " .
وسوى هذه التعبيرات البذيئة لا يعرف مخرجاً باتجاه البساطة والعفوية وحب الدنيا بأكثر معانيها براءة وسذاجة وحلاوة .
ألا ترى جحافل الرجال المزيفين ، خطوط الشعر اليابس تقفز أدنى الأنوف ، وأسفل منه لا تجد سوى ذلك الفاه المتدلي إلى أسفل - مغضباً - بينما تعبيرات الجدية والانهماك في عظائم الأمور تشد بقايا الملامح بقسوة .
إذا صافحته يكاد يقضم أصابعك أو يحرف مفاصلك عن مواضعها ، ويغمرك بمقطوعات مكرورة ثقيلة من التراحيب التي يقولها أكثر من أوراد الصلاة ، بينما تضطرم في صدره عشرات التناقضات من المشاعر .
مرة حلف اثنان على أمر ما ، وطفق أحدهما يكرر ( تراني طلقت ) بينما تقف زوجته باضطراب خلفه ، وابنه بين يديها يشعر لوهلة أن مستقبله في خطر ووالده ينوي الفراق عن أمه لمجرد فنجان قهوة يثير السعال ويسوء الحال .
هل عرفتم أرتال الرجال الذين يلعقون مؤخرات الصحون بشهوة بالغة بينما يخفقون كثيراً في منازلات منتصف الليل لأنهم خائرون وباردون ، تشغلهم المظاهر الزائفة وينهمكون في مهام سخيفة تنأى عنها النساء ويزهد فيها الأطفال .
لا يثيرني هذا النوع من الاستفحال الذي تمارسه التيوس بأفضل من بعض الرجال ، إنما يعنيني كثيراً القيام بالواجب وخدمة الآخرين ، يعجبني إحقاق الحق وإسداء الفضل وتحمل المسؤولية ، لا يعزب عن بالي ضيافة النزلاء ولا مرافقة الأصفياء ولا يغيب عني القيام بالواجب وإجابة الطالب .
أما لماذا أحتفظ بطفولتي ؟ فلأنني أتذوق بها الحياة وأحافظ معها على شبابي وأستبقي على صحة جسدي ونظارة وجهي وخفة قلبي وسعة صدري ونباهة عقلي وأنس روحي ، أصحابي هم أقرب إلى الطفولة عمراً ومذهباً تكاد الضحكة تشق أفواههم والأنس يتفجر من قلوبهم في غير صبيانية مضرّة ولا استخفاف مؤذي .
لا غنى عن حياة الجد فإنها موطن الإنجاز والنجاح ، وحياة الاستخفاف مدعاة للتسفل والتنزل ، وهي في غير محلها مجلبة لمقت الناس واستصغارهم لك ، ولكن المبالغة في كل شيء مجلبة للسأم والقسوة والغلظة وهذا ما يفعله بعض الرجال المزيفين .
أطلق الطفل الذي في داخلك ، لا تحتبس رغبتك في الانطلاق والتمتع بالحياة ، البس ما يحلو لك واجري كما تشاء في أطراف هذه الأرض وصاحب من أحببت فإنك مفارقه وجالس من يبهجك ويوسّع صدرك ، ليس في الناس مخلوق يحبس عنك هذه الفرحة مثل غلظة الفحولة الزائفة التي تستبد بك .

تعليقات

  1. في صباح الاحد الباكر 6 / 7 / 1433هـ وبعد اداء فريضة الفجر الواجبة واستمتاعي بتلاوة سورة يس .
    أخذت أتصفح مشروعي الذي لطالما حلمت وسعيت إلى تحقيقه(خطوة) بمساعدة وتوجيه من فكركم النير والذي وان عزمتم على تلبيس الطفولة به او تلبيسه بالطفولة يبقى فكرا نيرا ارجع إليه في كثيرا من قراراتي وتتفتح معه افكاري.

    طالعت مدونتكم ونثرت بصري بين اسطر طفولتكم التي شدتني الى الوراء كثيرا وان كنت لست بعيدا عن الطفولة جدا لاني لست بذلك الكهل المنهك من عبء الحياة ولكن الحياة هي من زجتني على متوسط أعتابها او آخرها حتى .
    أعجبني تمسككم بطفولتكم وزاد من إصراري على إتاحة الفرصة كثيرا لولي عهدي والذي قد فكرت يوما ان أكبله بمسئوليات تعبر الزمان والمكان بعيدا عن حقوق طفولته المستحقة .

    اتمنا لكم مزيدا من البهجة والسعادة واشد على يديكم بان تعيشوا الطفولة بطولها وعرضها بعيدا عن سياسات الحياة والمجتمع التي لم ينزل بها من سلطان غير سخافات تلك الفحالات .

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

تمجيد صدام حسين المجيد

كان يمكن للقصة الشهيرة التي تداولها عامة العرب عن صورة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين مطبوعة في كبد القمر أن تكون مجرد مزحة عابرة تذوب مثل قطعة ثلج أو تتبخر مثل بؤرة ماء، ولكن القصة المختلقة التي شاعت عشية تنفيذ حكم الإعدام في حقه من قبل الحكومة العراقية بعد إسقاط نظامه وتفكيك الدولة العراقية نتيجة حرب خاضها حلف دولي تقوده الولايات المتحدة، تمكنت في أذهان جيل بأكمله وتطورت إلى أشكال متجذرة لترميز الرئيس العراقي المخلوع. أصبح صدام ذا شعبية أكبر لدى قطاعات واسعة من الشباب العربي، فبإمكانك أن تلاحظ حجم الصور التي تنتشر له والأقوال المختلقة في محاولة لاستنطاقه بما يتمناه الشاب العربي من خطاب مشبع بالأنفة والاعتزاز ضد غطرسة الجانب الغربي من العالم أو الطائفة الشقيقة للغالبية السنية في الشرق الأوسط. لا تبدو سيرة صدام حسين مثيرة للإعجاب في التاريخ، فهو مجرد حاكم عربي عسكري يشبه أترابه ممن يقبض على سدة حكم الجمهوريات العربية المرتبكة في تقديم هوية سياسية ونظام حكم متماسك، يضاف إليه بطش أهوج وديكتاتورية مطبوعة بنزقه الشخصي وجنون العظمة الذي أودى بمستقبل العراق وشعبه في جملة من المغا...

«بيت الرشايدة».. «وقف» تحول «أكاديمية» تحتفظ بأسرار جدة

جدة – عمر البدوي   تسجل حارات وأزقة جدة القديمة، التي لا تزال تحتفظ بروحها وعبق تاريخها في الأبنية الشاهقة، وهي تقف في قلب المنطقة التاريخية، شهادة على النواة الأولى التي انبثقت منها واحدة من أهم المدن التجارية في تاريخ المملكة والشرق الأوسط. في حارة الشام، وتحديداً في شارع أبو عنبة، يقف معمار أخضر شامخاً بين أبنية المنطقة، على باب المبنى لوحة نُحتت عليها آية قرآنية، وأرّخت اللوحة في العام 1301 للهجرة. ويُسمى هذا المعمار «بيت الرشايدة»، نسبة إلى بانيه محمد عبدالرشيد، ويتكوّن من أدوار عدة، وأوقفه الرشيد علي العثماني في العام 1333هـ، بيت الرشايدة أو البيت الأخضر من أجمل البيوت التراثية وسط جدة القديمة، ويعود عمره إلى أكثر من 150 سنة. وتعود تسمية البيت إلى قبيلة الرشايدة التي ينتمي إليها بانيه وموقفه، وهي من القبائل المهاجرة من الحجاز وإليه. إلا أن ملكية البيت الآن تعود إلى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية. ولأن البيت خلال الستينات الميلادية من القرن الماضي، احتضن نشاطاً أكاديمياً، تحول الآن وبفضل أحد فنّاني جدة إلى «أكاديمية حديثة»، بعدما استأجر...