التخطي إلى المحتوى الرئيسي

لقمان .. الصمت مدرسة الحكمة






مولع أنا بالصمت كثيراً ، ويقيني يزداد كل مرة بقيمة هذا المكون العميق وأثره على الفرد وعلى المعرفة وعلى الكون كذلك ، بالمناسبة ألا ترون هذا الكون كله يعمل ويتحرك ويتنقل وينبت ويشرق ويموج بصمت دون صخب أو ضوضاء .
الصمت أستاذ ، أو هو مدرسة ، الحياة فيها مجرد منهج ، كان علينا نحن المسلمين أن نتعلم فن الصمت كما نتعلم فن الحديث ، إننا أمة تؤجر على الكف عن الحديث السيء ( الصمت ) كما تؤجر على الكلام الحسن .
أوف ! عذراً .. إن الصمت ليس مجرد كف عن الكلام أو اشتغال في التفكير ، هذا ما يبدو للآخرين ، وآه من الآخرين !! قد يظنون أنه عييّ أحمق أو أعجم أبكم لا يحسن حديثاً ولا يجيد الثرثرة .
الصمت يا قارئي هو عملية مخاض ، هو مسألة انهماك عقل وإعمال فكر واستبصار ذهن واستظهار قلب وتفتيش في الكون وتقليب لصفحات الحياة واستلهام ماضي واستشراف مستقبل واجتلاء حقائق واستكناه كون وسبر غور وإبحار عمق وغوص في لج واستزادة معرفة .
إنه ضوضاء مؤدبة ، وفوضى خلاّقة ، وإزعاج محترم ، وورشة هادئة ، وحديث صامت ، إذاً فرق بين أن تسكت وأن تصمت ، وإن كان ثمة شبه .


أما لقمان فلم يكن إلا آية بشرية فذة لمبلغ الإنسان في العقل والحكمة والرشاد ، يحفظ له التاريخ ذكره ويشهد له الله بفضله وتتناقل الأجيال خبره ، حتى كان أسطورة في التاريخ والعظمة والحكمة .
لقد تدبرت أمر هذا الحكيم ، وفكرت في صفاته وطباعه وتخلقه وتدربه ، لأكشف شيئاً من أسرّ أسراره وأخص أنواره التي أصبح بها مذكوراً في الآخرين ومشكوراً في العالمين .
ووجدت الصمت ، واحداً من أوضح سجاياه وأكشف مزاياه ، وقد أورثه هذه الحكمة الكبيرة والدراية المستنيرة .


جاء في صفاته أنه ( كان عبداً كثير التفكر ، حسن الظن ، كثير الصمت ، أحب الله فأحبه الله تعالى ، فمنّ عليه بالحكمة ) .


( قال له سيده : اذبح هذه الشاة ، وهات أطيب ما فيها ، واذبح الأخرى وأخرج منها أخبث ما فيها . فقام لقمان بذبح الأولى ، وأتى باللسان والقلب ، وذبح الثانية ورمى لسانها وقلبها !
فقال مولاه : عجباً لك .. ما الذي تفعله ؟
فقال لقمان حكمته الأولى : 
إنه ليس شيء أطيب منهما إذا طابا ، ولا أخبث منهما إذا خبثا ) . 


( رآه أحدهم – بعد سنوات – والناس حوله يستمعون لقوله .. 
فقال : ألست الذي كنت ترعى الغنم ؟
قال : نعم . 
قال : فما بلغ بك ما أرى ؟
قال : صدق الحديث ، والصمت عمّا لا يعنيني ) .


عجباً لهذا الصمت كيف يورث مثل هذه النباغة ؟ وكيف يصنع هذه البلاغة ؟ وكيف ينبت مثل هذا الجمال ؟ ويبعث هذا السحر الحلال ؟
لقد أجرى على لسانه الحكمة ، وأقر في قلبه اليقين ، وأورق في عقله المعرفة والعلم المبين .


وفي مجموع وصاياه النيره وتوجيهاته الخيّرة ، لا ينسى أن يبين عن قيمة الصمت ولا يفوت عليه أن يوصي ابنه بحفظ لسانه والكف عن السرف في بيانه ، فإنه مجلبة للنفع والمسرّة ومدفعة عن الشر والمضرّة . 


( يا بني : ما ندمت على الصمت قط ، وإن كان الكلام من الفضة كان السكوت من الذهب .
يا بني : امتنع مما يخرج من فيك ، فإنك ما سكتَّ سالم وإنما ينبغي لك من القول ما ينفعك .
يا بني : لا تضحك من غير عجب ، ولا تسأل عما لا يعنيــك .
يا بني : إنه من يرحم يُرحم ، ومن يصمت يسلم ، ومن يفعل الخير يغنم ، ومن لا يملك لسانه يندم .
يا بني : إذا افتخر الناس بحسن كلامهم فافتخر بحسن صمتك .
يا بني : ألا إن يد الله على أفواه الحكماء لا يتكلم أحدهم إلا ماهيأ الله له .
يا بني : إذا كنت في الصلاة فاحفظ قلبك ، وإن كنت على الطعام فاحفظ حلقك ، وإن كنت في بيت الغير فاحفظ بصرك ، وإن كنت بين الناس فاحفظ لسانك ) .


بقي أن تعرف أن هذا الكنز العظيم من الوصايا والحكم البالغة ما كانت لتبلغنا لولا تدوينها ، فعليك بالورقة والقلم إنها تحفظ بعض أثرك وتبقي شيئاً من ذكرك .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

السعوديون يحتفون بالذكرى السابعة لبيعة الملك سلمان

خادم الحرمين رافق مراحل التنمية على مدى 60 عاماً   الاثنين - 3 شهر ربيع الثاني 1443 هـ - 08 نوفمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15686] الرياض: عمر البدوي وبندر مسلم يحتفي السعوديون اليوم بالذكرى السابعة لتولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في 23 يناير (كانون الثاني) الموافق (3 ربيع الثاني 1436هــ) ومبايعته ملكاً للبلاد، ورائداً لمرحلة جديدة تخوضها السعودية منذ وصوله قبل ٧ سنوات، كسابع ملوك المملكة بعد إعلان توحيدها عام 1932. الملك سلمان بن عبد العزيز الذي رافق مراحل مفصلية من عمر البلاد، اختبر خلالها المفاصل التاريخية التي آلت بالسعودية إلى ما هي عليه اليوم من تنمية وازدهار، ومن موقعه سابقاً، حيث كان أميراً لمنطقة الرياض لأكثر من خمسة عقود وتسميته أميراً لها عام 1955 وهو في عقده الثاني من العمر، راقب البلاد وهي تنمو. حتى أصبح قائداً للبلاد، وشاهداً على نهضتها الجديدة، في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية والتنظيمية، والأعمال والمشاريع والمبادرات السريعة والمتلاحقة على المستويين التنموي والاجتماعي، والتي أضحت بفضلها السعودية منافساً تلقائياً ع

«تتبع الحجارة» عنوان 100 يوم من الفن المعاصر في بينالي الدرعية

السعودية تشهد اليوم واحدة من أكبر المناسبات الفنية العالمية   السبت - 7 جمادى الأولى 1443 هـ - 11 ديسمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15719] الرياض: عمر البدوي أصبح حي جاكس جاهزاً لانطلاق الدورة الأولى من بينالي الدرعية للفن المعاصر، واستقبال المتطلعين لزيارة واحدة من أكبر المناسبات الفنّية العالمية، ابتداءً من اليوم (السبت)، حتى 11 مارس (آذار) المقبل، وهو أول بينالي دولي يتطرق لموضوعات وأشكال الفن المعاصر في السعودية، ويعرض أعمالاً لفنانين عالميين ومحليين، مع مجموعة من الورش الثقافية والتجارب الممتعة. يأتي بينالي الدرعية، كتجربة استثنائية، ومنصة إبداعية تمتد لمائة يوم، تكشف جوهر الفنون السعودية بمختلف أنماطها، وتُفسح للفنانين مساحات للحوار وإثراء تجاربهم، لتعزيز المشهد الثقافي والفني، وتمكين المواهب المحلية، واستقطاب مجموعات الفنانين الدوليين لإغناء الحدث الفني المهم. وقال راكان الطوق، المشرف على الشـــؤون الثقافية والعلاقات الدولية في وزارة الثقافــــة الســـــعودية، إن استضافة المملكة لأول بينالي للفن المعاصر، يعدّ إنجازاً استثنائياً، وإن أهميته تأتي من كونــــه نقطة التقــــــاء للعالم، ومن

ماذا يخطر في بالك ( 5 ) ؟

هنا أنقل بعضاً من منشوراتي على صفحتي في ( الفيس بوك ) . راجياً لكم النفع والفائدة  . ضعف التقدير يقود إلى سوء التقرير . .................. كلما كان واقعك ثرياً وغنياً ، بارت بضاعة خيالك الواهم . …………… إذا أحببت شيئاً ثم التقيت به بعد غياب فكأن الروح ردت إليك بعد غيبة الموت ، أو العقل عاد بعد جنون ، أو الذاكرة استفاقت بعد غيبة . كل الأشياء الرمادية تسترجع ألوانها الزاهية ، والروائح الزاكية تستجرّ عنفوانها ، والمشاعر اللذيذة تستعيد عافيتها . ما يفعله الشوق بك من ذهاب العقل وغيبة الذاكرة وموات الروح ، يفعل بك الوصل أضعافه من الفرح والطرب والنشوة . لقد جُبل هذا القلب على الإلف بما يحبه والتعلق به حتى يكون بمثابة الطاقة الموصولة بألياف الكهرباء ، أو الزيت الذي يقدح النور ، والجمر الذي يستفز أعواد البخور . وإذا غاب المحبوب واستبد بك الشوق انطفأ نور الوجه وضاقت النفس وذهب الفرح حتى يعرف ذلك في حدة طبعك وانغلاق عقلك وعبوس وجهك ، فإذا التقى المحبوبان والتأم القلب عادت المياه لمجاريها وشعشع الوجه واتسع الثغر وانفرجت الأسارير . سبحان من خلق . ……………… إذا كنت تسم