التخطي إلى المحتوى الرئيسي

لماذا نموت ؟



نموت من أجل الحساب ، فلا يعقل أن تحدث هذه المظالم في أرض الدنيا فيموت الجلادون ولا ينتهون إلى عدالة الله المطلقة ويعرضون على مقصلة الحساب ، نموت ليأخذ كل عامل جزاءه ، لأجل أن ترتهن كل يد بما كسبت وتزر كل وازرة وزرها .


نموت لأن فرصتنا انتهت ، ولأجل أننا نعيش هذه الحياة مرة واحدة ، فإما كيس أخذها بحقها وسار فيها خير سيرة فيجزاه الجزاء الأوفى ، أو خامل فاشل غير موفق فيلقى شر فعاله وسوء أعماله ونهاية مكره وشره .


نموت لأن مقعدنا من الحياة اضطر له شخص آخر ، فالأرزاق مقسومة والله غني لا يحتاج معيناً ولا نصيراً قادر لا يضطر ولا يعنته شيء ، ولكنه - سبحانه - أجرى هذه الحياة الواسعة على الضيق والإبدال والترتيب والتناوب .


نموت لأن القدرة الحياتية فينا قد انطفت ، لقد أعطبها المرض أو فتك بها القدر أو لطف بها الله ، المهم أن الجسد تداعى وانهار وخسر مخزون طاقته وانعدم تماماً عن القدرة على الحياة ، فتوقف القلب وانشلت الأعضاء وتجمد الدم وسرت البرودة في الأطراف وشخص البصر للسماء وأرسلت الروح إلى بارئها فإما سعيدة فتنعم وإما شقية فتندم .




لقد أدرك الشيطان تعلق الإنسان بالحياة وكراهيته للموت ، ولذلك كان أكبر إغراء لآدم لافتعال الخطيئة " حب الخلود " وأن طريقه لذلك يبدأ من أكل هذه الشجرة المحرمة .
وأصبح الموت بعد ذلك يلاحق الإنسان كأكبر تحدي وأعظم مفوّت لهذه الرغبة الجامحة لديه " الرغبة في البقاء حياً " .


يحاول المتصوفة وبعض مفسدي الأديان أن يولدوا أفكاراً تخفف من وطأة حقيقة الموت على الإنسان ، وذلك في سبيل التبرير على أن الدين فيه خلاص الإنسان من الهواجس والمخاوف ، استصدروا فكرة التناسخ أو استحضار الأرواح أو غيرها في مواجهة الموت .


وفي نفس السياق تأتي جائزة الشهادة في القرآن هي استكمال الحياة " ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً . بل أحياء " ، وعلى الرغم من قلة المعلومات وانعدام الوضوح حول تفاصيل هذه الحياة ولكن يبدو أنها لا تختلف كثيراً عن الحياة الدنيوية بدليل أنهم " عند ربهم يرزقون " .




نعرف أن الموت ليس النهاية ، وهذا مفطور في تركيبنا النفسي والذهني ، وأنه بداية نحو عالم غيبي لا نعرف عنه سوى شتات أخبار وظنون ، وأن الموت بمثابة نومة يطول أمدها بعض الشيء لكن ما يلبث أن يستيقظ الإنسان ليستقبل حياة من نوع آخر وعالماً تملؤه الغيبيات .

تعليقات

  1. شكر الله لك
    صادفت هذا الموضوع فتذكرت موضوعا آخر
    http://www.p7r-ar.com/?p=1342
    تقبل تحياتي

    ردحذف
  2. الاستاذ حسن بن مريع
    شكراً لوجودك واتشرف بمشاركتك

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

تمجيد صدام حسين المجيد

كان يمكن للقصة الشهيرة التي تداولها عامة العرب عن صورة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين مطبوعة في كبد القمر أن تكون مجرد مزحة عابرة تذوب مثل قطعة ثلج أو تتبخر مثل بؤرة ماء، ولكن القصة المختلقة التي شاعت عشية تنفيذ حكم الإعدام في حقه من قبل الحكومة العراقية بعد إسقاط نظامه وتفكيك الدولة العراقية نتيجة حرب خاضها حلف دولي تقوده الولايات المتحدة، تمكنت في أذهان جيل بأكمله وتطورت إلى أشكال متجذرة لترميز الرئيس العراقي المخلوع. أصبح صدام ذا شعبية أكبر لدى قطاعات واسعة من الشباب العربي، فبإمكانك أن تلاحظ حجم الصور التي تنتشر له والأقوال المختلقة في محاولة لاستنطاقه بما يتمناه الشاب العربي من خطاب مشبع بالأنفة والاعتزاز ضد غطرسة الجانب الغربي من العالم أو الطائفة الشقيقة للغالبية السنية في الشرق الأوسط. لا تبدو سيرة صدام حسين مثيرة للإعجاب في التاريخ، فهو مجرد حاكم عربي عسكري يشبه أترابه ممن يقبض على سدة حكم الجمهوريات العربية المرتبكة في تقديم هوية سياسية ونظام حكم متماسك، يضاف إليه بطش أهوج وديكتاتورية مطبوعة بنزقه الشخصي وجنون العظمة الذي أودى بمستقبل العراق وشعبه في جملة من المغا...

«بيت الرشايدة».. «وقف» تحول «أكاديمية» تحتفظ بأسرار جدة

جدة – عمر البدوي   تسجل حارات وأزقة جدة القديمة، التي لا تزال تحتفظ بروحها وعبق تاريخها في الأبنية الشاهقة، وهي تقف في قلب المنطقة التاريخية، شهادة على النواة الأولى التي انبثقت منها واحدة من أهم المدن التجارية في تاريخ المملكة والشرق الأوسط. في حارة الشام، وتحديداً في شارع أبو عنبة، يقف معمار أخضر شامخاً بين أبنية المنطقة، على باب المبنى لوحة نُحتت عليها آية قرآنية، وأرّخت اللوحة في العام 1301 للهجرة. ويُسمى هذا المعمار «بيت الرشايدة»، نسبة إلى بانيه محمد عبدالرشيد، ويتكوّن من أدوار عدة، وأوقفه الرشيد علي العثماني في العام 1333هـ، بيت الرشايدة أو البيت الأخضر من أجمل البيوت التراثية وسط جدة القديمة، ويعود عمره إلى أكثر من 150 سنة. وتعود تسمية البيت إلى قبيلة الرشايدة التي ينتمي إليها بانيه وموقفه، وهي من القبائل المهاجرة من الحجاز وإليه. إلا أن ملكية البيت الآن تعود إلى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية. ولأن البيت خلال الستينات الميلادية من القرن الماضي، احتضن نشاطاً أكاديمياً، تحول الآن وبفضل أحد فنّاني جدة إلى «أكاديمية حديثة»، بعدما استأجر...