التخطي إلى المحتوى الرئيسي

تسرّع بايدن يصطدم بتعقيدات الشرق الأوسط

 

ذكر وثيقة إستراتيجية الأمن القومي للصين وروسيا أكثر من ذكر الشرق الأوسط وإيران يشير إلى أن واشنطن متعجلة للخروج من المنطقة تاركة خلفها فوضى وسياسات مشوهة كانت هي واحدة من أسبابها.

الثلاثاء 2021/03/23

انقضى شهران حتى الآن على وصول الرئيس الديمقراطي جو بايدن إلى البيت الأبيض، وهو مستمر في توزيع التصريحات والإعلان عن سياسات وخطوط عريضة سيتبناها خلال المرحلة المقبلة بخصوص عدد من الملفات يتفاوت تعقيدها من منطقة جغرافية إلى أخرى.

العنوان الأبرز الذي تنتظم تحته كل التصريحات السياسية التي أدلى بها بايدن أو أحد أعضاء حكومته، التي تقول الكثير ولا تقول شيئاً، هو إعادة ضبط العلاقات وتتويج ما يسمونه القيم الأميركية على رأس كل المواقف المتوخاة بعد ولاية ترامب العاصفة والمشككة. لكن واقع الحال أن بايدن زاد من حالة التشكك والتردد والحيرة من دقة ما تريده واشنطن من وراء تصريحاتها ومن حلفائها أو حتى أعدائها المفترضين.

التحليلات السياسية التي استبقت وصول بايدن إلى سدة حكم، على الأقل حتى الآن، كانت مبالغة في تحوطها وتوقعاتها. ولا تبدو واشنطن مستعدة أو جاهزة للمضيّ بعيداً في بعض الخيارات التي أجزلت عليها الكثير من الكلام والوعود، سواء كان ذلك نتيجة سوء تقدير لقوة وحيوية الدور الأميركي، أو لضعف بنيوي في إمكانات التدخل التي لا يزال بمقدور واشنطن بذلها في مناطق ساخنة حول العالم، أو نتيجة مخاض تعيش معمعته لتدبير الشأن الخارجي وإعادة ترتيب أوراقها وأولوياتها تجاه مناطق الخطر والتهديد والفرص.

يعتقد فريق بايدن بجدوى سياسية الإدارة من الخلف، بمعنى أنه يحسن بالدور الأميركي أن يكون مؤثراً لكن غير موجود

هناك إجماع بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي على ضرورة إعادة تصور الدور الأميركي الخارجي وقولبته من جديد. شجّع تقرير لمركز راند في فبراير الماضي على تبني تصور جديد في الشرق الأوسط يتم فيه التقليل من الأدوات العسكرية الموضوعة في خدمة الأجندة الأميركية، والتركيز على دعم المعايير الإنسانية والديمقراطية والضغط على الشركاء في هذا الاتجاه، والتخفيف من حدة الصراع والتكيف مع الحقائق الإقليمية الجديدة.

في وثيقة إستراتيجية الأمن القومي المؤقتة التي أصدرتها إدارة بايدن في أول مارس الجاري كان لافتاً ذكر الصين وروسيا أكثر من ذكر الشرق الأوسط وإيران، ما يشير إلى أن واشنطن متعجلة للخروج من المنطقة تاركة خلفها الكثير من الفوضى والسياسات المشوهة التي كانت هي واحدة من أسبابها.

التقطت دول المنطقة الإشارة، أو بالأحرى واجهت الواقع الجديد الذي يشهد رغبة أميركية متزايدة للانسحاب مخلفة فراغا هائلا وحيرة في دول المنطقة. ويبدو الشرق الأوسط في مخاض هو الآخر لترتيب اصطفافاته في ظل هذه التبدلات العالمية؛ الكثير من العداوات أخذت تتلاشى في ظل الواقع المتبلور، ومثلها بعض الصداقات التي استجدت واستجابات لاستحقاقات المرحلة وما تشهده من تغير.

في اليمن، إيران، سوريا، الخليج، إسرائيل، تركيا، مصر، وليبيا نسمع الكثير من التصريحات البرّاقة والقليل من الأفكار العملية، وكأنما قدرة واشنطن قد شحّت عن بلورة موقف واضح في كل هذا الكمّ المتناقض والمتعارض من المصالح والشراكات والواجبات. إنها حروب لا نهائية بالفعل تخيّم على الشرق الأوسط.

يعتقد فريق بايدن بجدوى سياسية الإدارة من الخلف، بمعنى أنه يحسن بالدور الأميركي أن يكون مؤثراً لكن غير موجود. يدلي بما ينبغي على الجميع فعله، ويقدم الكثير في سبيل ما يفكر بشأنه تجاه كل هذه الأزمات والواجبات.

عندما يتعلق الأمر بدول الخليج هناك موقف مرتجل بسبب المعاملة التفضيلية التي كان يبديها ترامب تبدو بسببها خطوات إدارة بايدن بمثابة انتقام بأثر رجعي تشبه ما فعله دونالد ترامب بإرث سلفه باراك أوباما عندما كان يمحو خطواته على أرض السياسات والقرارات الرئاسية.

وعندما يتعلق بدول أخرى هناك تفسير اعتباطي لقضايا حقوق الإنسان يتم استخدامه لتحقيق طلبات أميركية من شأنها أن تحقق المصالح بأقل التكاليف وبأقل الالتزامات.

في اليمن الجميع يرى ضرورة إنهاء الحرب لكن الأزمة عالقة، والشيطان يسكن في التفاصيل. حيث لا تجد واشنطن سوى سيل التصريحات الموزعة على مدى الشهرين الماضيين. هناك تواصل فوق الطاولة وتحتها، لكن لا ضمانات ولا ضغوط كافية لتشجيع الطرف الحوثي المتعنت والمتشبث بتحقيق مآرب الرعاة في طهران.

مع إيران الأطراف متحمسة لعودة الاتفاق السابق، لكن لا أحد مستعدا ليأخذ الخطوة الأولى في هذا الاتجاه، بل إن طهران تمضي بعيداً في تعقيد المسألة ورفع الثمن.

بايدن زاد من حالة التشكك والتردد والحيرة من دقة ما تريده واشنطن من وراء تصريحاتها ومن حلفائها أو حتى أعدائها المفترضين

هناك فكرة رئيسة ينبغي أن تكون في صدر اهتمامات النخب العربية وهي أن لدى واشنطن وجهة نظر تجاه المنطقة أو تصور جديد لتسيير شؤونها، ولدى روسيا نية أخرى للاستفادة من ارتخاء الممانعة لتوسعها في المنطقة، وتشاركها الصين نفس الرغبة للتوسع ولكن عبر أدوات ناعمة اقتصادية واستثمارية، وأخرى صلبة للتأثير في محيطها الحيوي مستفيدة من فرص واعدة لدى لاعبين إقليميين مثل إيران وتركيا وإسرائيل. وتطمح بريطانيا وفرنسا وعدد من دول أوروبا لانتزاع نصيب من صناعة السياسات وحيازة المكاسب الاقتصادية أيضا.

أمام هذا التداعي الدولي والإقليمي تكتفي دول المنطقة برد الفعل، والتوقف عند إبداء التعاون مع الحلفاء الأقل كلفة وضرراً على مصير المنطقة. لا يوجد تصور واضح لمشروع يتبنى مبادرات وأفعال تحصين المنطقة من الاختراق ويعطي وجهة نظر عربية خالصة الأولوية في توجيه رياح السياسات والشأن العام. هذا بحد ذاته نقطة ضعف وموقف رخو تنفذ من خلاله المشاريع الأكثر جرأة في استقطاب المنطقة واختطافها من يد أصحابها الأصليين.

لمواجهة ذلك ينبغي التوقف عن ترك المنطقة مستباحة لهذه التصورات الخارجية، وبناء معمار سياسي وإستراتيجي يكون استجابة أصيلة لحاجاتها المحلية، وحماية لها من أمواج سياسات تغمرها بالفوضى وتستنزف مقدراتها وتسلب أجيالها حق العيش بسلام واستقرار.



الرابط:




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

تمجيد صدام حسين المجيد

كان يمكن للقصة الشهيرة التي تداولها عامة العرب عن صورة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين مطبوعة في كبد القمر أن تكون مجرد مزحة عابرة تذوب مثل قطعة ثلج أو تتبخر مثل بؤرة ماء، ولكن القصة المختلقة التي شاعت عشية تنفيذ حكم الإعدام في حقه من قبل الحكومة العراقية بعد إسقاط نظامه وتفكيك الدولة العراقية نتيجة حرب خاضها حلف دولي تقوده الولايات المتحدة، تمكنت في أذهان جيل بأكمله وتطورت إلى أشكال متجذرة لترميز الرئيس العراقي المخلوع. أصبح صدام ذا شعبية أكبر لدى قطاعات واسعة من الشباب العربي، فبإمكانك أن تلاحظ حجم الصور التي تنتشر له والأقوال المختلقة في محاولة لاستنطاقه بما يتمناه الشاب العربي من خطاب مشبع بالأنفة والاعتزاز ضد غطرسة الجانب الغربي من العالم أو الطائفة الشقيقة للغالبية السنية في الشرق الأوسط. لا تبدو سيرة صدام حسين مثيرة للإعجاب في التاريخ، فهو مجرد حاكم عربي عسكري يشبه أترابه ممن يقبض على سدة حكم الجمهوريات العربية المرتبكة في تقديم هوية سياسية ونظام حكم متماسك، يضاف إليه بطش أهوج وديكتاتورية مطبوعة بنزقه الشخصي وجنون العظمة الذي أودى بمستقبل العراق وشعبه في جملة من المغا...

«بيت الرشايدة».. «وقف» تحول «أكاديمية» تحتفظ بأسرار جدة

جدة – عمر البدوي   تسجل حارات وأزقة جدة القديمة، التي لا تزال تحتفظ بروحها وعبق تاريخها في الأبنية الشاهقة، وهي تقف في قلب المنطقة التاريخية، شهادة على النواة الأولى التي انبثقت منها واحدة من أهم المدن التجارية في تاريخ المملكة والشرق الأوسط. في حارة الشام، وتحديداً في شارع أبو عنبة، يقف معمار أخضر شامخاً بين أبنية المنطقة، على باب المبنى لوحة نُحتت عليها آية قرآنية، وأرّخت اللوحة في العام 1301 للهجرة. ويُسمى هذا المعمار «بيت الرشايدة»، نسبة إلى بانيه محمد عبدالرشيد، ويتكوّن من أدوار عدة، وأوقفه الرشيد علي العثماني في العام 1333هـ، بيت الرشايدة أو البيت الأخضر من أجمل البيوت التراثية وسط جدة القديمة، ويعود عمره إلى أكثر من 150 سنة. وتعود تسمية البيت إلى قبيلة الرشايدة التي ينتمي إليها بانيه وموقفه، وهي من القبائل المهاجرة من الحجاز وإليه. إلا أن ملكية البيت الآن تعود إلى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية. ولأن البيت خلال الستينات الميلادية من القرن الماضي، احتضن نشاطاً أكاديمياً، تحول الآن وبفضل أحد فنّاني جدة إلى «أكاديمية حديثة»، بعدما استأجر...