التخطي إلى المحتوى الرئيسي

تحديث المناهج جزء أصيل من إصلاحات السعودية

ترغب السعودية بزيادة إدماج القيم العلمية والعصرية في التعليم بما يعالج قصوره وضعفه ويساعد في وصل المجتمع والأجيال الناشئة بحراك العالم في المجالات الوظيفية وضرورات المنافسة على الفرص الكبرى.
الخميس 2020/12/31

حتى مسألة داخلية مثل تغيير المناهج الدراسية في التعليم السعودي لم تسلم من حالة الاستقطاب الذي تعيشه المنطقة، بين طرف يعيد الخطوة إلى مناخ التقارب العربي الإسرائيلي أو الرضوخ لضغوط غربية ودولية، وبين طرف يعتقد أنها تسعى لتفكيك الطبيعة الدينية والمحافظة للمجتمع السعودي، رغم أنها حسب ما يشير المنطق وتصريحات المسؤولين مجرد خطوة إجرائية واستجابة واعية لتحولات البلاد في إطار سعيها نحو التغير الجاد والجريء.

آخر ما جرى اتخاذه في مسألة المناهج الدراسية، ‏هو دمج مواد التربية الإسلامية في مقرر واحد تحت مسمى “الدراسات الإسلامية” ابتداء من الفصل القادم. وقبله، السماح بتدريس مواد الفكر النقدي والفلسفي في مناهج التعليم العام، كما قامت وزارة الثقافة بالحث على إدراج مادة الفنون ضمن المناهج الدراسية.

ترغب الحكومة السعودية حسب توجهاتها الجديدة، في زيادة إدماج القيم العلمية والعصرية في التعليم بما يعالج قصوره وضعفه من جهة، ويساعد في وصل المجتمع والأجيال الناشئة بحراك العالم في المجالات الوظيفية وضرورات المنافسة على الفرص الكبرى من جهة أخرى.

يتغير نمط السعودية في الكثير من المجالات، تستهدف خلال السنوات القادمة أن تكون لاعبا إقليميا ودوليا في المجالات العلمية والصناعية والتقنية والعسكرية المتطورة، الأمر الذي يتطلب رفع كفاءة واستعداد الجيل المتعلم لديها لتبنّي متطلبات الدخول في المنافسة والاحتكاك بشروط التحول، ويبدأ ذلك من مقاعد الدراسة وتصميم المناهج لدعم هذه التوجهات.

فضلا عن إصلاح حقيقي بدأته منذ سنوات سابقة لتبني قيم التسامح وتطوير الوعي الاجتماعي والجاهزية النفسية للأجيال الناشئة لتقبل الآخر ونبذ الأفكار المتشددة والتخفّف من أعباء التفسيرات المنغلقة والعتيقة، إذ كان المجتمع أول من عانى من تبعات التعليم المرتبك الذي لم يكن الخطأ يعود فيه إلى المناهج بالأساس، بل إلى تأثير بعض الأفكار الدخيلة التي تنتجها جماعات مؤدلجة على بعض كوادر التعليم، فيما كانت المناهج تحاذر في مقارباتها بما يعطي ليونة وتساهلا مع بعض الأفكار المتطرفة، تسمح بإعادة توظيفها في الأعمال التي ترفضها النسخة الأصيلة من الدين قبل أن تطاله الشوائب وتعكر صفوه المدخلات الأيديولوجية للجماعات المشبوهة.

قطعت السعودية الطريق على تنامي هذه الظاهرة، بالتفاتة جادة على حالة التعليم لديها، وباتخاذها مجموعة من الإجراءات ضمن مساعي تطبيق رؤية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بتحويل البلاد إلى مجتمع أكثر تسامحا وإنتاجية، من خلال تحديث المناهج الدراسية لمحاربة التشدد في المدارس وتبني قيم عصرية تؤهل المجتمع لتحديات المستقبل الوظيفية والثقافية. 

كما أن المجتمع نفسه تغيّر، وفرت له منصات الاتصال الاجتماعي وقبل ذلك الفضائيات العربية والأجنبية، والقدرة على السفر المستمر خارج البلاد، مناطق احتكاك مع تنوعات العالم، ولا يمكن أن تبقى المناهج خاضعة لظروف مرحلة تاريخية قديمة، لم تتشوق إلى ما يمكن أن ينطوي عليه المستقبل والمجتمع من تحديات وتحولات عميقة في بنيته وتصوراته، وبذلك يجري إخضاع المناهج ونمط التعليم إلى التحديث المستمر وجعله مواكبا وخاليا من منغصات التطور.

وأكد وزير التعليم السعودي أن المناهج التعليمية في بلاده تنتقل قدما وفق “رؤية 2030” المعتمدة على تعزيز التسامح والوسطية. وقال الدكتور حمد آل الشيخ، وزير التعليم “من يردد من خارج المملكة بوجود تلك الأفكار المتطرفة في مناهجنا، فهم ينظرون إلى النسخ القديمة ولا ينظرون أو يسألوننا عن المناهج الحالية”.

ما قيمة أن تتخذ السعودية بدورها المحوري والمفصلي ثقافيا وسياسيا في الإقليم خيار الإصلاح الديني وتصحيح المناهج، على بقية دول وشعوب المنطقة؟

تلعب السعودية أهمية كبيرة عندما تتبنى التسامح وتخضع منابر التعليم الديني والمدرسة لعمليات إصلاح وتحديث عميقة في بنيتها التكوينية، تملك السعودية تأثيرا متفاوتا على قرابة 40 بلدا يقطنها الملايين من المسلمين والعرب، وسيكون لخيارها في نبذ مشاريع أدلجة الإسلام وإقحامه في المنافسة السياسية على نحو ما تفعل الجماعات الأيديولوجية المتشددة، تأثير واسع في بناء قاعدة اجتماعية وثقافية تتبنى قيما حضارية وإنسانية مهمة.

عندما حاولت جماعات أيديولوجية متشددة أن تستهدف بنية المجتمعات العربية لتتحكم في مزاجها بما يضمن استسلامها لأجندة الجماعة ورضوخها لأيديولوجيتها، حاولت اختراق مؤسسات التعليم، شرعت في ذلك منذ الستينات واستطاعت السيطرة على المشهد والتحكم به من هذه النقطة العميقة في هيكلية المجتمع، بقيت بعض الندوب ماثلة في تفكير المجتمعات العربية والإسلامية وسلوكها.

ولإعادة هندسة المجتمعات بما يتوافق والتوجهات العصرية وضرورات المرحلة، ينبغي أن يبدأ ذلك من التعليم، بتخليصه من آثار رياح التشدد التي عصفت فيه وتجاوز هذا الإرث الدفين، وإعادة موضعة القيم العصرية والمضامين الحديثة لخدمة أهداف البلاد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتوجّهها العام نحو التغيير والإصلاح.


الرابط:




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

السعوديون يحتفون بالذكرى السابعة لبيعة الملك سلمان

خادم الحرمين رافق مراحل التنمية على مدى 60 عاماً   الاثنين - 3 شهر ربيع الثاني 1443 هـ - 08 نوفمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15686] الرياض: عمر البدوي وبندر مسلم يحتفي السعوديون اليوم بالذكرى السابعة لتولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في 23 يناير (كانون الثاني) الموافق (3 ربيع الثاني 1436هــ) ومبايعته ملكاً للبلاد، ورائداً لمرحلة جديدة تخوضها السعودية منذ وصوله قبل ٧ سنوات، كسابع ملوك المملكة بعد إعلان توحيدها عام 1932. الملك سلمان بن عبد العزيز الذي رافق مراحل مفصلية من عمر البلاد، اختبر خلالها المفاصل التاريخية التي آلت بالسعودية إلى ما هي عليه اليوم من تنمية وازدهار، ومن موقعه سابقاً، حيث كان أميراً لمنطقة الرياض لأكثر من خمسة عقود وتسميته أميراً لها عام 1955 وهو في عقده الثاني من العمر، راقب البلاد وهي تنمو. حتى أصبح قائداً للبلاد، وشاهداً على نهضتها الجديدة، في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية والتنظيمية، والأعمال والمشاريع والمبادرات السريعة والمتلاحقة على المستويين التنموي والاجتماعي، والتي أضحت بفضلها السعودية منافساً تلقائياً ع

«تتبع الحجارة» عنوان 100 يوم من الفن المعاصر في بينالي الدرعية

السعودية تشهد اليوم واحدة من أكبر المناسبات الفنية العالمية   السبت - 7 جمادى الأولى 1443 هـ - 11 ديسمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15719] الرياض: عمر البدوي أصبح حي جاكس جاهزاً لانطلاق الدورة الأولى من بينالي الدرعية للفن المعاصر، واستقبال المتطلعين لزيارة واحدة من أكبر المناسبات الفنّية العالمية، ابتداءً من اليوم (السبت)، حتى 11 مارس (آذار) المقبل، وهو أول بينالي دولي يتطرق لموضوعات وأشكال الفن المعاصر في السعودية، ويعرض أعمالاً لفنانين عالميين ومحليين، مع مجموعة من الورش الثقافية والتجارب الممتعة. يأتي بينالي الدرعية، كتجربة استثنائية، ومنصة إبداعية تمتد لمائة يوم، تكشف جوهر الفنون السعودية بمختلف أنماطها، وتُفسح للفنانين مساحات للحوار وإثراء تجاربهم، لتعزيز المشهد الثقافي والفني، وتمكين المواهب المحلية، واستقطاب مجموعات الفنانين الدوليين لإغناء الحدث الفني المهم. وقال راكان الطوق، المشرف على الشـــؤون الثقافية والعلاقات الدولية في وزارة الثقافــــة الســـــعودية، إن استضافة المملكة لأول بينالي للفن المعاصر، يعدّ إنجازاً استثنائياً، وإن أهميته تأتي من كونــــه نقطة التقــــــاء للعالم، ومن

ماذا يخطر في بالك ( 5 ) ؟

هنا أنقل بعضاً من منشوراتي على صفحتي في ( الفيس بوك ) . راجياً لكم النفع والفائدة  . ضعف التقدير يقود إلى سوء التقرير . .................. كلما كان واقعك ثرياً وغنياً ، بارت بضاعة خيالك الواهم . …………… إذا أحببت شيئاً ثم التقيت به بعد غياب فكأن الروح ردت إليك بعد غيبة الموت ، أو العقل عاد بعد جنون ، أو الذاكرة استفاقت بعد غيبة . كل الأشياء الرمادية تسترجع ألوانها الزاهية ، والروائح الزاكية تستجرّ عنفوانها ، والمشاعر اللذيذة تستعيد عافيتها . ما يفعله الشوق بك من ذهاب العقل وغيبة الذاكرة وموات الروح ، يفعل بك الوصل أضعافه من الفرح والطرب والنشوة . لقد جُبل هذا القلب على الإلف بما يحبه والتعلق به حتى يكون بمثابة الطاقة الموصولة بألياف الكهرباء ، أو الزيت الذي يقدح النور ، والجمر الذي يستفز أعواد البخور . وإذا غاب المحبوب واستبد بك الشوق انطفأ نور الوجه وضاقت النفس وذهب الفرح حتى يعرف ذلك في حدة طبعك وانغلاق عقلك وعبوس وجهك ، فإذا التقى المحبوبان والتأم القلب عادت المياه لمجاريها وشعشع الوجه واتسع الثغر وانفرجت الأسارير . سبحان من خلق . ……………… إذا كنت تسم