التخطي إلى المحتوى الرئيسي

وحدنا في مواجهة الموت





في مخيم الزعتري بالأردن الذي يحتضن جموع اللاجئين السوريين المشردين من ويلات الحرب المقدسة من أجل الحرية ، وفي الزاوية القصوى من المخيم تنتصب خيمة عائلة منكوبة ، يحاصرها فائض الماء الذين يزيد الموقف حرجاً .
الماء يهطل بغزارة من السماء ، والثلج لا يكاد يتوقف ، والعائلات تولول من قسوة البرد الذي يكاد يهشم عظام الأطفال الذين تلفهم البطاطين الهزيلة ، جاد بها عرب مثخنون بالانكسارات والهزائم .

أمام مدخل الخيمة التي بدأت تتهاوى أمام عاصف الهواء تقف طفلة سورية شاحبة الوجه إلى جانب شقيقها الأصغر الذي تاهت ملامحه الطرية وهو يطلق ناظريه في هذا الموقف الرهيب : جموع جيرانه في المخيم يتدافعون بشكل هستيري إلى قافلة مساعدات جديدة تحمل لهم القليل من الزاد ، كاميرات النقل التفلزيوني تعج في المخيم بأكثر من لقمات الطعام التي يتناولها اللاجئ السوري في هذا المكان .

يحاول الطفل المشدوه أن يفسر الموقف ، ولكنه يملك معلومات بسيطة تعلمها في مدرسة سورية هزيلة كان قد تركها قبل وقت طويل ، وذهنه الغض لا يملك صورة مشابهة يمكن أن يقارن بينهما ليفهم الموقف .
بدأت أخته التي يفتك بها البرد تحدثه بصوت تملؤه البراءة ، أخذت تسرّ إليه باستفهاماتها البسيطة ، وتسائله عن هذه الحال .
ما هذا الزمن النكرة الذي نعيشه ؟ أين الطفولة التي غادرتنا منذ سنتين ؟ لماذا تركنا العالم نواجه مصير الموت وحدنا ؟

تبدو الأسئلة كبيرة ومهولة لا تليق بعقول الصغار ، ولكن العيشة التي يعيشونها كذلك لا تليق بهم ولا بإنسان كريم قليلاً ما يصبر أمام امتحانات الحياة ، فكيف بقلب صغير يسكن جسداً شفافاً لا يقوى مغالبة البرد ولا قسوة الطبيعة .
شقيقها الأصغر بدأ يحاول لملمة إجابات متواضعة يشفي بها غليل أخته التي ترتجف : جيء بنا إلى هنا لأننا نزعج الرئيس ؟ إنه لا يحب رؤية وجوهنا ؟ قتل أبونا وهدم منزلنا وأهان جدتنا .....

بينما يتحدث الطفلان لبعضهما نادت أمهما من الخيمة الخلفية : تعالا لتناول الطعام ،  القليل من الطعام يتناولونه يومياً من يد ذلك الشاب الصامت الذي أخذ دور والدهم المقتول .
لكم الله يا أطفال سوريا !!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

تمجيد صدام حسين المجيد

كان يمكن للقصة الشهيرة التي تداولها عامة العرب عن صورة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين مطبوعة في كبد القمر أن تكون مجرد مزحة عابرة تذوب مثل قطعة ثلج أو تتبخر مثل بؤرة ماء، ولكن القصة المختلقة التي شاعت عشية تنفيذ حكم الإعدام في حقه من قبل الحكومة العراقية بعد إسقاط نظامه وتفكيك الدولة العراقية نتيجة حرب خاضها حلف دولي تقوده الولايات المتحدة، تمكنت في أذهان جيل بأكمله وتطورت إلى أشكال متجذرة لترميز الرئيس العراقي المخلوع. أصبح صدام ذا شعبية أكبر لدى قطاعات واسعة من الشباب العربي، فبإمكانك أن تلاحظ حجم الصور التي تنتشر له والأقوال المختلقة في محاولة لاستنطاقه بما يتمناه الشاب العربي من خطاب مشبع بالأنفة والاعتزاز ضد غطرسة الجانب الغربي من العالم أو الطائفة الشقيقة للغالبية السنية في الشرق الأوسط. لا تبدو سيرة صدام حسين مثيرة للإعجاب في التاريخ، فهو مجرد حاكم عربي عسكري يشبه أترابه ممن يقبض على سدة حكم الجمهوريات العربية المرتبكة في تقديم هوية سياسية ونظام حكم متماسك، يضاف إليه بطش أهوج وديكتاتورية مطبوعة بنزقه الشخصي وجنون العظمة الذي أودى بمستقبل العراق وشعبه في جملة من المغا...

«بيت الرشايدة».. «وقف» تحول «أكاديمية» تحتفظ بأسرار جدة

جدة – عمر البدوي   تسجل حارات وأزقة جدة القديمة، التي لا تزال تحتفظ بروحها وعبق تاريخها في الأبنية الشاهقة، وهي تقف في قلب المنطقة التاريخية، شهادة على النواة الأولى التي انبثقت منها واحدة من أهم المدن التجارية في تاريخ المملكة والشرق الأوسط. في حارة الشام، وتحديداً في شارع أبو عنبة، يقف معمار أخضر شامخاً بين أبنية المنطقة، على باب المبنى لوحة نُحتت عليها آية قرآنية، وأرّخت اللوحة في العام 1301 للهجرة. ويُسمى هذا المعمار «بيت الرشايدة»، نسبة إلى بانيه محمد عبدالرشيد، ويتكوّن من أدوار عدة، وأوقفه الرشيد علي العثماني في العام 1333هـ، بيت الرشايدة أو البيت الأخضر من أجمل البيوت التراثية وسط جدة القديمة، ويعود عمره إلى أكثر من 150 سنة. وتعود تسمية البيت إلى قبيلة الرشايدة التي ينتمي إليها بانيه وموقفه، وهي من القبائل المهاجرة من الحجاز وإليه. إلا أن ملكية البيت الآن تعود إلى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية. ولأن البيت خلال الستينات الميلادية من القرن الماضي، احتضن نشاطاً أكاديمياً، تحول الآن وبفضل أحد فنّاني جدة إلى «أكاديمية حديثة»، بعدما استأجر...