التخطي إلى المحتوى الرئيسي

مواطن من محافظة القنفذة






أنا مواطن من محافظة القنفذة ، وهي جزء من هذه البلاد العامرة الواقعة تحت ظل حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود ، رجل الاستثناء والعطاء ، على الرغم من الحمم البركانية الثائرة التي تحيط بنا بقيت هذه البلاد مستقرة آمنة تؤكد في كل فرصة التحام شعبها بقيادتها من أجل مصلحة الجميع وبناء الوطن والمستقبل .
وعندما كانت الشعوب العربية النبيلة بين ثائر يطرد رئيسه الشين ، وغاضب يحرق قائده في مصلاه ، ومظلوم يزج بجلاده في السجن ، ومغبون يغرز في صدر غابنه طلقات الخلاص ، كان أهل هذه البلاد يضجون بالفرح ويغصّون بالنشوة لعودة ملك البلاد سالماً غانماً إلى أحضان هذه الأرض الطيبة المباركة .
لم تكن القنفذة ، غادة الجنوب ، المتوسدة على ضفاف شواطئها الفذة ، خارج منظومة الفرح الوطني ، كانت سبّاقة إلى هذا الكرنفال الأخضر ، لم يقتصر الفرح على دوائر حكومية رسمية ، لقد كان ثمة شعور أهلي بين النساء والشباب والرجال والأطفال ، لقد تنادت القرى البسيطة في القنفذة للاحتفال بعيداً عن عيون الإعلام ومرآة الصحافة ، لكن ثمة إحساس وطني عفوي لديهم ترجموه إلى فرحة عامرة بعودة الملك .
امرأة متقاعدة صاحت في نساء قريتي لإقامة احتفال وطني نسائي لأجل الفرحة بهذه المناسبة السعيدة ، لا أنسى ما فعله أهالي بلدة كياد والحبيل والقنفذة ودواليك من أرجاء المحافظة .

هكذا كانت المحافظة تنام كل ليلة وهي تعقد ناصية الولاء الغليظ لهذا الوطن الكبير ، تتوسد أحلامها الوردية في مستقبل أبنائها الزاخر بعطاءات الوطن الكريم .
فجأة !!! تصحو على نذير يفرقع في أذنها مفاجآت جمة ، من الذي حول هذا الشعور الوطني العفوي إلى تساؤل كبير ؟ من الذي زلزل هذا الإحساس العميق بالفرح إلى استفهام حول موقعنا من خارطة التنمية الرائدة التي يريدها الملك عبد الله بن عبد العزيز لوطننا ؟

أنا مواطن من محافظة القنفذة لا يحق لي أن أحلق كثيراً بأحلامي لأن إقامة مطار عندنا يُقلّ هذه الأحلام صعب ، ويكفيني من أجل هذا مشقة السفر إلى مدن أخرى .

أنا مواطن من محافظة القنفذة عندما يتعرض أحدنا لحادث في عرض الطريق سيكون عليه الانتظار طويلاً لمجيء إسعاف مرهق لتباعد مراكزه ، وربما يلزمه النزف حتى الموت .

أنا مواطن من محافظة القنفذة عندما تحميني الأقدار للبقاء حياً على قارعة الطريق فإنني سأتوجه إلى مستشفى القنفذة العام وأنا أذوق ألم الوجع وطعم الخوف ومقدمات الموت السريري .

أنا مواطن من محافظة القنفذة عندما تريد أسرتي التنزه فعليها أن تتسكع في شواطئ بالية أو حدائق يقتلها الجفاف ، أما الشباب فلا حظ لهم سوى المخططات التي بنيت للإسكان المؤجل وأصبحت مباءات للإفساد والشائهات .

أنا مواطن من محافظة القنفذة عندما أفكر بمجرد الاتصال بالعالم الافتراضي الحر فإن إمكانات الاتصال ضعيفة والكيابل تقليدية والشبكات مقطوعة والخدمات مرجوعة .

أنا مواطن من محافظة القنفذة عندما يتجرأ طموحي في دراسة تخصصات دقيقة ومتقدمة فلزام على مثلي دفع ثمن هذه الجرأة إلى جانب تكاليف الغربة ، وإلا اصطبار المأساة في كلية جامعية مستأجرة وتخصصات منقوصة ، وأسوا من هذا إذا فكرت أختي في مثل هذا مما يضاعف المأساة .

أنا مواطن من محافظة القنفذة عندما يعود والدي من مشقة العمل وإخوتي من تكاليف الدراسة في عز الظهيرة الحارقة ليأخذ قيلولة الراحة وقسطه من نعيم أجهزة التبريد ، فإن الكهرباء تبادره إلى الانقطاع وتزيد من ضيقه لأنه ليس أكرم من موجوع في العناية المشددة تفجأه انقطاعات الكهرباء التي تمده بالغذاء والهواء والحياة .

أنا مواطن من محافظة القنفذة عندما أشرئب إلى لمسة تنموية ما فإنها تزهق أرواح أبنائنا دون حساب ، فكثير من التقاطعات والتواءات الطريق التهمت شباباً في عمر الزهور ، وكثير من المهرجانات الشعبية تحولت إلى مسالخ لقصم الظهور ، ومطاعم لتسميم البطون والتحالف مع الدهون ، والمستشفيات تزورها الصراصير متخفية لأجل أغراض تجسسية لصالح هيئة مكافحة الفساد ، وهي تصرف أدوية منتهية الصلاحية تقدم الراحة الأبدية للموجوعين .


أنا مواطن من محافظة القنفذة عندما أقلب صفحات الجرائد في مدن الغربة لأجد ما أفاخر به بين أبناء بلدي العظيم ، أجد اسم محافظتي محشوراً في زاوية المحليات تنبعث من حروف مراسليها أوجاع المكلومين وعفن المجاري وصرخات الشكاية والنكاية من فساد المسؤولين وكسلهم .

أنا مواطن من محافظة القنفذة .. أشعر بكثير من الضيم وكفى !

عمر
24 / 11 / 1433 هـ

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

تمجيد صدام حسين المجيد

كان يمكن للقصة الشهيرة التي تداولها عامة العرب عن صورة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين مطبوعة في كبد القمر أن تكون مجرد مزحة عابرة تذوب مثل قطعة ثلج أو تتبخر مثل بؤرة ماء، ولكن القصة المختلقة التي شاعت عشية تنفيذ حكم الإعدام في حقه من قبل الحكومة العراقية بعد إسقاط نظامه وتفكيك الدولة العراقية نتيجة حرب خاضها حلف دولي تقوده الولايات المتحدة، تمكنت في أذهان جيل بأكمله وتطورت إلى أشكال متجذرة لترميز الرئيس العراقي المخلوع. أصبح صدام ذا شعبية أكبر لدى قطاعات واسعة من الشباب العربي، فبإمكانك أن تلاحظ حجم الصور التي تنتشر له والأقوال المختلقة في محاولة لاستنطاقه بما يتمناه الشاب العربي من خطاب مشبع بالأنفة والاعتزاز ضد غطرسة الجانب الغربي من العالم أو الطائفة الشقيقة للغالبية السنية في الشرق الأوسط. لا تبدو سيرة صدام حسين مثيرة للإعجاب في التاريخ، فهو مجرد حاكم عربي عسكري يشبه أترابه ممن يقبض على سدة حكم الجمهوريات العربية المرتبكة في تقديم هوية سياسية ونظام حكم متماسك، يضاف إليه بطش أهوج وديكتاتورية مطبوعة بنزقه الشخصي وجنون العظمة الذي أودى بمستقبل العراق وشعبه في جملة من المغا...

«بيت الرشايدة».. «وقف» تحول «أكاديمية» تحتفظ بأسرار جدة

جدة – عمر البدوي   تسجل حارات وأزقة جدة القديمة، التي لا تزال تحتفظ بروحها وعبق تاريخها في الأبنية الشاهقة، وهي تقف في قلب المنطقة التاريخية، شهادة على النواة الأولى التي انبثقت منها واحدة من أهم المدن التجارية في تاريخ المملكة والشرق الأوسط. في حارة الشام، وتحديداً في شارع أبو عنبة، يقف معمار أخضر شامخاً بين أبنية المنطقة، على باب المبنى لوحة نُحتت عليها آية قرآنية، وأرّخت اللوحة في العام 1301 للهجرة. ويُسمى هذا المعمار «بيت الرشايدة»، نسبة إلى بانيه محمد عبدالرشيد، ويتكوّن من أدوار عدة، وأوقفه الرشيد علي العثماني في العام 1333هـ، بيت الرشايدة أو البيت الأخضر من أجمل البيوت التراثية وسط جدة القديمة، ويعود عمره إلى أكثر من 150 سنة. وتعود تسمية البيت إلى قبيلة الرشايدة التي ينتمي إليها بانيه وموقفه، وهي من القبائل المهاجرة من الحجاز وإليه. إلا أن ملكية البيت الآن تعود إلى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية. ولأن البيت خلال الستينات الميلادية من القرن الماضي، احتضن نشاطاً أكاديمياً، تحول الآن وبفضل أحد فنّاني جدة إلى «أكاديمية حديثة»، بعدما استأجر...