التخطي إلى المحتوى الرئيسي

في الخلاص من العبودية



لا يؤذي الشعور الإنساني شيء مثل الاستعباد ، يخترق المثل الراقية ، ويهين الكرامة العالية ، ويطفئ نور النفس وجذوة العقل وحرارة القلب ورهافة الحس ، هكذا يطمر كل منفذ ومتنفس ويحجب كل بصيرة وبصر ويغذي الفساد ويطيل عمر الاستبداد .
الفرد له عبوديته الخاصة تجاه ظالمه وقاصمه ومنتهب حقوقه ، الشعوب كذلك يغرقها الانبطاح الجمعي في سلوك مهين مشين يسوّل للحاكم أن يتمادى في غيه وبهوه ، العقول والصفوة من الأمة لها صورتها من الاستعباد وهي إن لم تروج له وتعين الحاكم المستبد على شعبه فإنها تقع في خطيئة الصمت وتدفع جريرة السكوت وترسف في وحل الرضى والقناعة والتجاهل المميت .

- كيف يحصل الاستعباد ؟
( الخوف - الجوع - الجهل )

" الصفوة " بالترويض والإغراء لمن كان منهم سيء السريرة لين العريكة غير مكترث بقيمة ما يملك من علم ووعي ، يبيع قلمه ولسانه عند أول هدية ثمينة أو جلسة قمينة ، وهكذا يؤسس للخنوع ويجند لبث الخضوع وإشاعة رذيلة الركوع .
ومن كان منهم ثابت الجنان وحاد السنان وسليط اللسان ، معنياً بما يقول ومؤمناً ومسؤول تجاه الأمة والبلاد والعقول فإنه يتعرض لأبشع أنواع القمع وأقسى صنوف التنكيل حتى يموت حماسه ويفتر إخلاصه وييأس من خلاصه .

و" العامة " بالجهل والتسطيح فإن أقوى أدوات إدامة الاستعباد هو قلة الوعي وخفوت الاستنارة واستمراء سلوكات الإهانة والرضى المقنّع ، يتناول أبناء الطبقة المتوسطة محاضن التربية العبودية فمن منزل يؤسس للتربية الأبوية ، إلى مدارس تمجد الطغاة وتمارس التلقين سبيلاً للتعليم ، إلى وظائف تنال بالواسطة لا الكفاءة ، إلى كهولة التقاعد في أشد صنوف الحاجة واستنزاف الكرامة .

و" المطحونين " بالخوف والتجويع ، وإن كان الوعي من جنود التحرر فإن الخوف قائد الحرس القديم للاستعباد وهو المؤتمن على قلوب العبيد لا العباد ، يصور لهم الطاغوت في جثمان إله جبار متكبر ، والسجون قطع من جهنم الحمراء ، ومطالب الحق غضب السماء وفتنة الأرض ، وهكذا يتناولهم الخوف حتى يكاد يخنقهم .


- أخلاق الاستعباد ؟ 

نمو الفساد واستشراء هذا الداء في أجزاء البلاد واختناق العباد ومباءة البلاء والموت والنفاد ، والتزلف أقوى ما ينيل الناس حقوقهم وامتهان الكرامة أسرع الطرق لتمتين المكاسب وتحصيل المراتب ، ينتشر الفساد مثل غاز كيماوي صدّامي يسمم الأجواء ويفتك بالخلق ويشوه الأجنة ويهدد مستقبل الأجيال .

والطغاة في غيّهم يعمهون ، والدعاة في هذيانهم يسرحون ، والصفوة في مهاتراتهم ينشغلون ، بينما تنمو الأخطاء ويتسع الخرق على الراتق ، وينمو المتكسبون على جسد الوطن مثل بكتيريا قذرة على جلد متورم يطفح بالانتفاخات والاحتقانات أقرب منه للتسرطن .

الشعور بالمسؤولية يضعف ويتهاوى ، والحلول المؤقتة والجزئية والشكلية تشيع مثل عمليات تجميل يقوم بها طبيب بيطري في خلقة امرأة هوليودية حسناء بالفطرة ، ويبدأ مستوى الأمانة في الانخفاض ولا يزيده الضخ الديني إلا مراوغة ، والنفخ الوطني إلا نفاقاً ، والمثالية الفكرية إلا حجاباً غليظاً دون مواجهة الحقيقة والاعتراف بالخطيئة .

كل شيء يتبدل ، الأخلاق الحقيقية نفسها تتحول إلى مسخ مشوه مخيف ومروع ، ومنطقة المسؤولية والأمانة أطلالاً دارسة وبيتاً مهجوراً تنفخ فيه الأشباح همهماتها المؤذية ، ويموت الصالحون غيظاً أو خوفاً من طامة عظمى لا ينجو منها سوى المصلحون .
يؤتمن الخائن ويكذب الصادق ، يسيد الجاهل ويهمل الكفؤ ، تبور الأخلاق وتضيق الأرزاق ، تنمو الأموال ويزيد الفقراء ، الراضون هم الوطنيون والقانعون متعبدون مطيعون والمتأففون عصاة وعملاء مأجورون ، تبدد الأموال وتسوء الأحوال وتضيع الأجيال وتفسد أخلاق العيال ويسحق العمال ويتأنث الرجال ويخون الأبطال وتقتل الآمال .


- في الخلاص من الاستعباد ؟

مداواة أسباب الاستعباد ( الخوف - الجوع - الجهل ) والرغبة في التغيير والضيق مما بلغه الحال وانتهى إليه المآل ، والاستعداد الكافي لدفع فاتورة الانتقال وتحمل مسؤولية العمل على الإصلاح الجذري والتعاضد ليصبح المجتمع أمام مسؤوليته دون تخاذل أو انسحاب ، لأن الانسحاب في غير وقته يكتب ورقة الأبدية في حق هذا الشعب وربما يحرض الطاغية على الإيغال في الاستعباد والدموية وسحق الشعب .

الصدق والأمانة والنزاهة ، فإنه لا يصلح الأمر بغيرها ، وتجار الحرب وسراق الثورات وصنوف المستغلين لكل بادرة فتنة أو سانحة فوضى هم أكثر من يؤذي المجتمعات التي لن تتخلص بسوى هذه المبادئ الأخلاقية الفاضلة وإلا فإنها تستحق ما وقعت فيه من ظلم وفساد واستعباد .

اجتثاث كل ما يمت إلى الماضي بصلة ، يجب أن تغتسل الأرض من جموع الخائفين والجائعين والجهلة ، ليس الجهل والخوف والجوع هو العيب الحقيقي ولكن ما تورث من تقاليد وأخلاق تشيد للفساد بنياناً وللاستعباد عمراناً ، وفي الاجتثاث لا بد من ( عفو المقدرة وتسامح المنتصر وعدالة الحق ) أن تحضر فإنها الضمان من الظلم والخلاص من الطغيان والتعافي من الاستكبار والديكتاتورية .

غير متناسين أنه لا بد من مخلّص يأخذ بزمام المبادرة حتى يحترق جسده ، وحنجرة تصرخ بالحق حتى تقتلع من مكانها ، ونفس حرة تشيع قوة الحق حتى تحتبس في سجون الطغيان ، وقلم واثق يشق ظلام الاستعباد ثم يلتف حول رقبته حبل الإعدام حتى ينتثر حبره مسفوكاً على عتبة الحرية .

ولابد من ضحايا فإن فتنة القتل طالع الحرية ، والإيغال في الدماء حيلة العاجزين من الطغاة ، وجنّة الأغبياء من الحكام الفاسدين ، والحق منتصر لا محالة .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

السعوديون يحتفون بالذكرى السابعة لبيعة الملك سلمان

خادم الحرمين رافق مراحل التنمية على مدى 60 عاماً   الاثنين - 3 شهر ربيع الثاني 1443 هـ - 08 نوفمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15686] الرياض: عمر البدوي وبندر مسلم يحتفي السعوديون اليوم بالذكرى السابعة لتولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في 23 يناير (كانون الثاني) الموافق (3 ربيع الثاني 1436هــ) ومبايعته ملكاً للبلاد، ورائداً لمرحلة جديدة تخوضها السعودية منذ وصوله قبل ٧ سنوات، كسابع ملوك المملكة بعد إعلان توحيدها عام 1932. الملك سلمان بن عبد العزيز الذي رافق مراحل مفصلية من عمر البلاد، اختبر خلالها المفاصل التاريخية التي آلت بالسعودية إلى ما هي عليه اليوم من تنمية وازدهار، ومن موقعه سابقاً، حيث كان أميراً لمنطقة الرياض لأكثر من خمسة عقود وتسميته أميراً لها عام 1955 وهو في عقده الثاني من العمر، راقب البلاد وهي تنمو. حتى أصبح قائداً للبلاد، وشاهداً على نهضتها الجديدة، في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية والتنظيمية، والأعمال والمشاريع والمبادرات السريعة والمتلاحقة على المستويين التنموي والاجتماعي، والتي أضحت بفضلها السعودية منافساً تلقائياً ع

«تتبع الحجارة» عنوان 100 يوم من الفن المعاصر في بينالي الدرعية

السعودية تشهد اليوم واحدة من أكبر المناسبات الفنية العالمية   السبت - 7 جمادى الأولى 1443 هـ - 11 ديسمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15719] الرياض: عمر البدوي أصبح حي جاكس جاهزاً لانطلاق الدورة الأولى من بينالي الدرعية للفن المعاصر، واستقبال المتطلعين لزيارة واحدة من أكبر المناسبات الفنّية العالمية، ابتداءً من اليوم (السبت)، حتى 11 مارس (آذار) المقبل، وهو أول بينالي دولي يتطرق لموضوعات وأشكال الفن المعاصر في السعودية، ويعرض أعمالاً لفنانين عالميين ومحليين، مع مجموعة من الورش الثقافية والتجارب الممتعة. يأتي بينالي الدرعية، كتجربة استثنائية، ومنصة إبداعية تمتد لمائة يوم، تكشف جوهر الفنون السعودية بمختلف أنماطها، وتُفسح للفنانين مساحات للحوار وإثراء تجاربهم، لتعزيز المشهد الثقافي والفني، وتمكين المواهب المحلية، واستقطاب مجموعات الفنانين الدوليين لإغناء الحدث الفني المهم. وقال راكان الطوق، المشرف على الشـــؤون الثقافية والعلاقات الدولية في وزارة الثقافــــة الســـــعودية، إن استضافة المملكة لأول بينالي للفن المعاصر، يعدّ إنجازاً استثنائياً، وإن أهميته تأتي من كونــــه نقطة التقــــــاء للعالم، ومن

ماذا يخطر في بالك ( 5 ) ؟

هنا أنقل بعضاً من منشوراتي على صفحتي في ( الفيس بوك ) . راجياً لكم النفع والفائدة  . ضعف التقدير يقود إلى سوء التقرير . .................. كلما كان واقعك ثرياً وغنياً ، بارت بضاعة خيالك الواهم . …………… إذا أحببت شيئاً ثم التقيت به بعد غياب فكأن الروح ردت إليك بعد غيبة الموت ، أو العقل عاد بعد جنون ، أو الذاكرة استفاقت بعد غيبة . كل الأشياء الرمادية تسترجع ألوانها الزاهية ، والروائح الزاكية تستجرّ عنفوانها ، والمشاعر اللذيذة تستعيد عافيتها . ما يفعله الشوق بك من ذهاب العقل وغيبة الذاكرة وموات الروح ، يفعل بك الوصل أضعافه من الفرح والطرب والنشوة . لقد جُبل هذا القلب على الإلف بما يحبه والتعلق به حتى يكون بمثابة الطاقة الموصولة بألياف الكهرباء ، أو الزيت الذي يقدح النور ، والجمر الذي يستفز أعواد البخور . وإذا غاب المحبوب واستبد بك الشوق انطفأ نور الوجه وضاقت النفس وذهب الفرح حتى يعرف ذلك في حدة طبعك وانغلاق عقلك وعبوس وجهك ، فإذا التقى المحبوبان والتأم القلب عادت المياه لمجاريها وشعشع الوجه واتسع الثغر وانفرجت الأسارير . سبحان من خلق . ……………… إذا كنت تسم