شيوخ يحاولون بلا هوادة غرس النبت الإخواني في التربة الخليجية
عمر علي البدوي
نشطت الخلايا الإخوانية النائمة في الخليج بعد الهبات الشعبية وسارعت إلى استغلال فرصة الثورات المواتية لرفع سقف المطالبات السياسية، واختلفت استجابات الحكومات الخليجية لتلك البيانات الإصلاحية من إعلان القبض على خلية سرية تنوي قلب نظام الحكم في الإمارات، إلى تعميق العلاقة بين الحكومة والشعب في السعودية عبر أوامر ملكية معيشية لتفويت الفرصة على الإخوانيين .
سرعان ما خمدت آثار الانتفاضات العربية وما لبثت تهدأ العلاقة بعض الشيء حتى عاد التوتر مجدداً بعد قطف الإخوان لثمرات الربيع العربي في غير بلد ثائر مما نفخ في نار علاقة الشك والريبة مزيداً من الهواء .
اختار الرئيس المصري مرسي زيارة السعودية في أول سفر له خارج حدود البلاد لتأكيد العلاقات الإستراتيجية التي تربط البلدين، ولكن تلك الحقنة الباردة لم تبدد الشكوك التي تساور حكام الخليج، إذ ألقت العلاقات المصرية-الإيرانية المنتعشة بظلالها على التوتر، فضلاً عن خروج قطر بمسحتها الخارجية الإخوانية عن إجماع مجلس التعاون الخليجي في كيفية التعامل مع عدد من الملفات والقضايا الراهنة.
الخارطة الإخوانية في الخليج
في ظل أنظمة حكم خليجية متحفظة تجاه الأحزاب السياسية والتنظيمات المدنية، ما زالت جماعة الإخوان تحاول اختراق هذه المناعة منذ تأسيسها، ولذا تباينت أشكال تنظيماتها داخل الدول الخليجية على أساس البنى السياسية المختلفة والظروف التي تحيط بكل بلد خليجي على حدة. تعتبر جماعة الإصلاح الأكثر تنظيماً في الإمارات وهي الواجهة الإخوانية هناك، يشارك المنتسبون إليها في إطلاق دعاوى الإصلاح السياسي رغم تحفظ الحكومة على منح المنظمات السياسية مظلة الحماية القانونية للعمل السياسي، وتواجه الجماعة انخفاض التأييد الشعبي بالنظر إلى ارتفاع مستوى المعيشة الذي ينعم به المواطنون هناك.
كما تعتبر جمعية المنبر الإسلامي في البحرين- الذراع السياسية لـجماعة الإصلاح المحلية- واحدة من هذه المنظمات القليلة المسموح لها بالعمل، وتلقى ضيقاً شعبياً إزاء خلفيتها السنية في مقابل نسبة مرتفعة من المواطنين الشيعة.
في قطر حل فرع جماعة الإخوان نفسه منذ ما يزيد عن عشر سنوات، وكان من بين الأسباب تلافي توتر العلاقة مع حكام البلاد في وقت كانت فيه حكومات خليجية أخرى تعتقل مؤيدي الإخوان، وتطور ذلك إلى احتضان الدولة لتوجه الإخوان بعد قيام الثورات العربية.
كما تمثّل جماعة الإخوان المسلمين في الكويت كتلة على أعلى درجات التنظيم والثراء الفاحش وقد عملت مع الحكومة وضدها في أوقات مختلفة، وشهدت تذبذباً سياسياً عقب قيام العراق باحتلال الكويت، وفي الآونة الأخيرة انضم الذراع السياسي لـلإخوان»الحركة الدستورية الإسلامية»، المعروفة بــ» حدس» إلى بقية جماعات المعارضة أواخر العام الماضي وذلك في احتجاجات كبرى ضد حكم صادر من قبل الحكومة بشأن الإجراءات الانتخابية .
في المملكة السعودية، كانت علاقة الحكومة مع الإخوان مزيجاً من الدعم والاستيعاب، هذا إلى جانب القلق والنفور من الأجندة السياسية لهذه الجماعة، ولا تحظى معظم الرموز الإخوانية السعودية بظهور بارز فهي تتحاشى توجيه النقد للحكم أو الدعوة للتغيير بشكل علني باستثناء تصعيد ظهر بعد الثورات العربية
الثورة… موعد إخواني خالص
رغم تردد الإخوان في دعم الثورة خلال الأيام الأولى من ثورة 25 يناير المصرية، إلا أنها فازت بنصيب الأسد من النتائج السياسية لها وحصلت على الاستحقاق الانتخابي لإدارة البلاد والتحكم في مصيرها، وعملت التنظيمات الإخوانية على تسويق مشاريع الثورة والانقضاض على كل ما يمت إلى الأنظمة القائمة بصلة.
رميت الأنظمة الخليجية بتهمة دعم الثورة المضادة والالتفاف على مطالب الشعب، وكان التلميح يصل إلى حد التشهير والتلويح المباشر بدعم جماعات الشغب والبلطجة لتشويه أهداف الثورة والانقلاب عليها، واعتبرت الأنظمة الخليجية وكأنها تقف بخزائنها النفطية وآلاتها الإعلامية الضخمة في وجه الشعوب العربية المطحونة، وصبّ كل ذلك الزيت على نار التوتر القائم بين الإخوان ودول الخليج.
ومع إمعان النظام الأسدي في قتل شعبه تحولت الثورة العفوية إلى صراع مسلح، وزاد التدخل السافر لإيران وحزب الله الشيعي في تصعيد الموقف، واضطرت الدول الخليجية ذات الغالبية السنية للتخندق في مواجهة ذلك، بينما بقيت مصر الإخوانية مترددة في حسم موقفها إلى أي الجانبين، قبل أن تعلن أميركا السماح بتسليح المعارضة مما أرغم الرئيس المصري ببراغماتية واضحة قطع علاقاته الدبلوماسية مع بشار الأسد.
الأمة خارج سياق الوطن
واحدة من أبرز أدبيات الإخوان المسلمين منذ نشوئها، التعويل على الأمة الإسلامية وتبني قضاياها وتجاوز فكرة الدول القائمة بحدودها المرسومة وجذورها المعلومة، الوطن في ذهن الإخوان لا قيمة له أمام المشروع الأممي الذي يتجاوز الحاجات الآنية للشعوب إلى المطالب العامة للأمة المسلمة، حتى لو كلف ذلك الخروج عن مصلحة الوطن والتضحية بعلاقاته وعهوده والتزاماته المحلية.
هذا ما يزعج الحكومات الخليجية، رغم أن دول الخليج معروفة بتضامنها الإغاثي للدول المنكوبة مسلمة كانت أو غير ذلك، ولكن هذا لا يرضي طموح الإخوان المسلمين الذي يذهب إلى أبعد من ذلك بإلغاء الحدود وتجاوز الوطن إلى فكرة الأمة الواحدة واللحمة الجامعة دون برنامج سياسي واضح ومشروع استراتيجي تراكمي يهيئ لتحقيق هذا الطموح ، إنما بقيت المسألة حبيسة الشعارات والنداءات المنبرية.
الشرعية الدينية للحكم
تحاول جماعة الإخوان أن تقدم رؤية جديدة لنظام الحكم الإسلامي وتعلن أنه الصورة الحقيقية لما يريده الإسلام في حكم العباد وتسيير البلاد، وهذا يتصادم مع بعض الدول الخليجية التي قامت على حفظ الشريعة وتحكيم كتاب الله ويأتي هذا في مقدمة دواعي الشرعية لقيام حكمها.
عندما كانت الجماعة تتموقع في خانة المعارضة، بقيت ترافع عن الحقوق الدينية المسلوبة وعن الشروط الشرعية لمبدأ الولاء والبراء، وعن عمالة الأنظمة العربية لليهود والنصارى، واستخدمت كل الخزانة اللفظية للفقه الإسلامي. وبمجرد الحصول على بطاقة الدخول إلى غمرة القيادة السياسية تبدل الموقف تماماً، وخضعت للظروف السياسية الضاغطة متجاهلة تماماً كل الاعتبارات الدينية والتحفظات الشرعية في مواقفها.
تعليقات
إرسال تعليق