جدة - عمر البدوي
الجمعة ٣ مايو ٢٠١٣
ثمة شرعيون قبلوا والتزموا القرار، ولكنهم سرعان ما استجابوا لضغط الاستفتاء الجماهيري، فبدا واضحاً الانسحاب من الالتزام. القرار يسعى إلى الحد من فوضى الفتوى، من خلال تخصيص علماء ترى فيهم هيئة كبار العلماء القدرة على الاضطلاع بالفتوى.
استثنى القرار الفتاوى الخاصة الفردية غير المعلنة في أمور العبادات والمعاملات والأحوال الشخصية، بشرط أن تكون خاصة بين السائل والمسؤول، على أن يمنع منعاً باتاً التطرق لأي موضوع يدخل في مشمول شواذ الآراء، ومفردات أهل العلم المرجوحة، وأقوالهم المهجورة، وكل من يتجاوز هذا الترتيب فسيعرض نفسه للمحاسبة والجزاء الشرعي الرادع، كائناً من كان.
«الحياة» تستطلع آراء المتخصصين حول واقع الفتوى بعد مضي وقت طويل على القرار.
فأوضح عضو هيئة التدريس في كلية الدعوة وأصول الدين بجامعة أم القرى حاتم العوني أن الفتوى العامة قصرت على هيئة كبار العلماء حفظاً للدين من تطاول الجهلة وأدعياء العلم والفقه.
وهو ما أيده عضو مجلس الشورى عيسى الغيث بقوله: «قصر الفتوى في الشأن العام على العلماء دفع لمفاسد فوضى الفتاوى وجلب المصلحة العامة للبلاد والعباد، وأما في الشأن الخاص فمتاح لكل المجتهدين من الفقهاء، بشرط أن يكون غير علني، وهذا هو المفترض أصالةً وعليه العمل عند السلف لأن الإفتاء العلني غير مناسب، لأنه ينتهك خصوصية السائل وكذلك يضلل الآخرين بتقليد الفتوى في حال قد تختلف عن حالتهم، ولكن للأسف لم يتم التقيد بالأمر إلا لفترة وجيزة ثم انتهك بعد ذلك وبشكل صارخ في القنوات الفضائية والمساجد والإنترنت.
وفي سياق متصل، ناقش خالد المزيني المهتم بالفقه والفتوى وعضو هيئة التدريس بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن الفارق بين قصر الفتوى وتنظيم الفتوى وقال: «قصر الفتوى على بعض الناس خطأ شرعاً وسياسةً، فكل مؤهل للفتوى هو مؤتمن على بذل العلم وقول كلمة الحق بشروطها المعروفة عند العلماء، ولا يمكن أن يحول أحد بين الناس وبين من يثقون بعلمه ودينه».
وأضاف: «أما تنظيم الفتوى بما يلم شعث القول، ويقي النظر العلمي من مثارات الغلط، ويمنع الجهول من القول بغير علم، بوضع ضوابط لمن يتصدر للإفتاء في وسائل الإعلام العامة فهذا من السياسة الشرعية المطلوبة، لأنها تحقق مقصود الشريعة من منصب الإفتاء، وهو بيان العلم وعدم كتمانه والتوافق على الخير وعدم التفرق، لكن يجب أن تكون الضوابط ملائمة لهذا القصد، لا أن تكون غايتها محاصرة القول المخالف أو إقصاء التنوع الفقهي الذي يثري حركة الاجتهاد في الأمة»، معتبراً أن «قصر الفتوى والتضييق على الكلمة المعتبرة وإن لم تكن صائبة في نظرنا من كل وجه فهذا تحجير لما وسعه الله تعالى، وتقييد لحرية الاجتهاد والاحتساب العلمي».
رأى بعض المؤيدين للقرار أن هذا الأمر الملكي ينطوي على معالجة لإشكالية فوضى الفتاوى التي شاعت في الأوساط الفقهية والإعلامية، في هذا الإطار قال خالد المزيني إن الإعلام لاعب رئيس في سوق الفتوى اليوم، واعتبر الترويج الإعلامي جسراً لمعرفة الناس بأكثر الفتاوى المثيرة للجدل، إضافة إلى خلل في بعض من يتصدر للفتوى من حيث التأهيل الفقهي المعرفي ومن حيث الوعي بالواقع والكياسة في التعامل معه، فالمسؤولية كما يقول مشتركة بين إعلام لا يراعي الشروط الأخلاقية وبين بعض المفتين الذين لا يراعون قواعد العلم وأصوله، وعلى الجميع أن يتقي الله في هذه الأمة ويحفظ للفتوى مكانتها ويقدم المصالح العليا على المكاسب الشخصية.
العوني أعاد أسباب فوضى الفتاوى إلى التضخيم الإعلامي والاضطراب الفقهي كذلك وأضاف إليهما: غياب أدب الاختلاف، بالتشنيع والإنكار على الاختلاف المعتبر بين أهل العلم، ومحاولة إظهاره في صورة القول الشاذ أو الباطل.
ولكن الهذلول يعتقد بأن ظاهرة انتشار الفتاوى إيجابية وضرورية لإثراء العلم والمعرفة بتنوّع الرؤية الشرعية للمستجدات للوصول للحق، ويرى أنه مطلوب من عموم الناس التعلّم ورفع الجهل، وحينئذ سيميزون بين من هو جدير بالإفتاء ومن يتطفّل عليها، على حد قوله.
عدم تفسير القرار.. أدى إلى استمرار الوضع من دون تغيير
جدة - عمر البدوي
الجمعة ٣ مايو ٢٠١٣
اتفق معه حاتم العوني إذ قال: «الحقيقة أن القرار لم يُفسر، كما كان منتظراً، وهو ما أتاح استمرار الوضع قريباً مما كان عليه. فما زالت كثير من برامج الإفتاء في الفضائيات لا تقتصر على هيئة كبار العلماء.
وهذا يجعل القرار في حاجة إلى لائحة تفسيرية، تبين شروط من يحق له الإفتاء. الذي ينبغي أن يكون كل من يحمل شهادة عليا كالدكتوراه، من جامعة معتبرة في الشريعة الإسلامية، ما لم تُثبت أخطاؤه عدم أهليته؛ أسوةً ببقية التخصصات، كالطب والهندسة وغيرها.
وعن الآثار التي يمكن أن تترتب على هذا القرار، ولا سيما بعد مضي أعوام على إصداره وعدم وضوح آثاره قال العوني: «إلى أن تصدر لائحته التفسيرية سيتبين أثره في الواقع العلمي، فإن كان تفسيره يُضيق على الاجتهادات المعتبرة، وعلى المذاهب الفقهية المتعددة فسيؤثر سلباً، ولا شك. وإن كانت لائحته التفسيرية توسع آفاق الاجتهاد، لتشمل الاجتهاد المعتبر، فستكون له آثار إيجابية».
وكذلك قال المزيني إنه لا يمكن القول بأن القرار أحدث أثراً يذكر، لأنه لم يتم تفعيله بشكل واسع يسمح بالحكم عليه، ولكنه يرى أن كل تقييد لحرية الرأي والتفكير سوف ينجم عنه آثار، والغالب أن تكون الآثار سلبية، فالأصل أن الناس أحرار ولا عبودية لأحد عليهم سوى الله تعالى، والتقييد النظامي يجب أن يبقى في حده الأدنى، بحيث لا يقيد إلا في الأمور الضرورية، وأن يدفع المجتمع في اتجاه تحمل الأفراد مسؤولية أفعالهم وأقوالهم، وتكون المرجعية للجميع هي ثوابت الدين والمصالح العليا للوطن، وأن يتم توعية الناس بالثقافة العدلية التي توضح حدود كل واحد. عيسى الغيث يرى رأياً مختلفاً، إذ يعتبر القرار حقق الانضباط في حينه، ولكنه الآن منتهك بشكل كبير، وتأسف من تساهل أجهزة الدولة المتخصصة في التعامل مع الخروقات التي تطاول هذا القرار.
العوني: «كبار العلماء» جهة استشارية رأيها غير ملزم للدولة
جدة - عمر البدوي
الجمعة ٣ مايو ٢٠١٣
وعن مدى التزام الدولة بالرأي الشرعي للمرجعية الدينية الوحيدة المقرّة بنص الأمر الملكي قال عضو هيئة التدريس في جامعة أم القرى حاتم العوني إن هيئة كبار العلماء عندنا جهة استشارية شرعية، ورأيها غير ملزم لا للدولة ولا لغيرها، إلا إذا كان في قطعيات الدين التي لا يسوغ الاختلاف فيها.
وأضاف: «ربما أخذت الدولة رأيها من الهيئة أو من علماء خارج الهيئة، أو من بعض علماء الهيئة ومن خارجها، كما صرح بذلك خادم الحرمين الشريفين في قراره التاريخي بتعيين نساء أعضاء في مجلس الشورى، حيث صرح بأنه استشار بعضاً من علماء «الهيئة» ومن خارجها، وكما حصل ذلك في أكثر من قضية»، واعتبر «هذا هو الصحيح شرعاً، لأن الإلزام بقرار الهيئة في غير قطعيات الدين لا يجوز شرعاً بالإجماع، لأن اجتهادهم في غير القطعيات ليس حجة ملزمة».
يشبه ذلك ما قاله القاضي عضو مجلس الشورى عيسى الغيث بأن الفتوى غير ملزمة للأفراد وكذلك الدولة من باب أولى، وولي الأمر يقرر ما يرى فيه تحقيق المصلحة العامة للعباد والبلاد ما دام قولاً سائغاً ما لم يخالف إجماعاً حقيقياً.
أسهب خالد المزيني في حديثه بشكل مختلف وقال: «هذه إشكالية تحتاج إلى معالجة حكيمة، فهناك خلل في هذه الحيثية من الموضوع، فالتقاليد السعودية المعروفة منذ تأسيس الدولة السعودية الأولى، هي المحافظة على هيبة مؤسسة الفتوى الرسمية، والتعامل معها بقدر كبير من الاحترام وتحاشي مخالفتها، وتسوية الخلاف معها بطريقة ديبلوماسية، بحيث تبقى لسان الميزان الذي يقتدر على إقناع الكافة وإحداث التوازن بين السياسي والشعبي في القضايا الحرجة».
وضرب أمثلة «من الشواهد التاريخية المعروفة في تعامل مؤسسة الحكم السعودي مع مواقف جريئة لعلماء كبار من طراز مفتي الديار السعودية في وقته محمد بن إبراهيم آل الشيخ وعبدالله بن حميد وعبدالعزيز بن باز وغيرهم. إلا أن الأعوام الأخيرة شهدت تغيراً في هذا الجانب، وتجاوزت السلطة التنفيذية الرأي المعلن لهيئة كبار العلماء في قضايا عامة، وهو ما أظهر هذه الهيئة بموضع الحرج، وهو ما فسح المجال للمفتي المستقل أن يصدع بقوله المخالف ومن ثم يكتسب المزيد من الشعبية والقبول، وربما فتح الباب لغير المتأهل ليتصدر ويخوض فيما لا يحسن، ولأجل تحاشي حصول التضارب والاضطراب فالرأي في ذلك أن تسترجع للعلماء هيبتهم وتعاد هيكلة القرارات الكبيرة ذات الحساسية الدينية بحيث يرجع إلى العلماء فيها ويؤخذ بقولها وتوجيهها في القضايا التي تحتاج إلى فتوى وتوجيه شرعي» .
وأضاف: «ربما أخذت الدولة رأيها من الهيئة أو من علماء خارج الهيئة، أو من بعض علماء الهيئة ومن خارجها، كما صرح بذلك خادم الحرمين الشريفين في قراره التاريخي بتعيين نساء أعضاء في مجلس الشورى، حيث صرح بأنه استشار بعضاً من علماء «الهيئة» ومن خارجها، وكما حصل ذلك في أكثر من قضية»، واعتبر «هذا هو الصحيح شرعاً، لأن الإلزام بقرار الهيئة في غير قطعيات الدين لا يجوز شرعاً بالإجماع، لأن اجتهادهم في غير القطعيات ليس حجة ملزمة».
يشبه ذلك ما قاله القاضي عضو مجلس الشورى عيسى الغيث بأن الفتوى غير ملزمة للأفراد وكذلك الدولة من باب أولى، وولي الأمر يقرر ما يرى فيه تحقيق المصلحة العامة للعباد والبلاد ما دام قولاً سائغاً ما لم يخالف إجماعاً حقيقياً.
أسهب خالد المزيني في حديثه بشكل مختلف وقال: «هذه إشكالية تحتاج إلى معالجة حكيمة، فهناك خلل في هذه الحيثية من الموضوع، فالتقاليد السعودية المعروفة منذ تأسيس الدولة السعودية الأولى، هي المحافظة على هيبة مؤسسة الفتوى الرسمية، والتعامل معها بقدر كبير من الاحترام وتحاشي مخالفتها، وتسوية الخلاف معها بطريقة ديبلوماسية، بحيث تبقى لسان الميزان الذي يقتدر على إقناع الكافة وإحداث التوازن بين السياسي والشعبي في القضايا الحرجة».
وضرب أمثلة «من الشواهد التاريخية المعروفة في تعامل مؤسسة الحكم السعودي مع مواقف جريئة لعلماء كبار من طراز مفتي الديار السعودية في وقته محمد بن إبراهيم آل الشيخ وعبدالله بن حميد وعبدالعزيز بن باز وغيرهم. إلا أن الأعوام الأخيرة شهدت تغيراً في هذا الجانب، وتجاوزت السلطة التنفيذية الرأي المعلن لهيئة كبار العلماء في قضايا عامة، وهو ما أظهر هذه الهيئة بموضع الحرج، وهو ما فسح المجال للمفتي المستقل أن يصدع بقوله المخالف ومن ثم يكتسب المزيد من الشعبية والقبول، وربما فتح الباب لغير المتأهل ليتصدر ويخوض فيما لا يحسن، ولأجل تحاشي حصول التضارب والاضطراب فالرأي في ذلك أن تسترجع للعلماء هيبتهم وتعاد هيكلة القرارات الكبيرة ذات الحساسية الدينية بحيث يرجع إلى العلماء فيها ويؤخذ بقولها وتوجيهها في القضايا التي تحتاج إلى فتوى وتوجيه شرعي» .
تعليقات
إرسال تعليق