جدة – عمر البدوي
الجمعة ١٠ مايو ٢٠١٣
لم تكن مفردة الديموقراطية حديثة عهد على الإسلاميين، إذ كانت حاضرة في السابق لكن من دون قبول كبير، إلا أن حضورها في الثورات العربية التي امتدت في أطراف الوطن العربي أعادها إلى الواجهة، حتى ثارت حفيظة عدد من الإسلاميين فتمسكوا بـ«الشورى».
واضح أن الإسلاميين تجاوزوا أزمة المصطلح إلى «المضمون»، ومدى انسجامه وتحققه في المجتمعات الإسلامية وخصوصاً العربية في شكل لا يتنافى مع مرجعية الشريعة الإسلامية، فضلاً عن أن صعود الإسلاميين على ركائب الثورات العربية والاستقطابات الحادة بينهم، عرّض المفاهيم الفكرية السياسية إلى كثير من التمحيص. الديموقراطية واحدة منها.
«الحياة» استطلعت طيف فكري متعدد الألوان، مهتم بتفكيك الارتباط وتحرير مواطن الخلاف والاتفاق، خصوصاً أن مصطلحي «الشورى والديموقراطية» يملكان زخماً تاريخياً متبايناً على أساس منطلقاتها الهوياتية والجغرافية. الباحث الدكتور محمد شاكر الشريف يرى أن الشورى والديموقراطية مصطلحان يتشابهان في المدلول، وربما يتماثلان عند طائفة من الناس، وعند آخرين يتعارضان بل ويتناقضان.
يقول: «الشورى مفردة عربية وردت في الكتاب والسنة يتمسك بها الإسلاميون، ويرجع تمسكهم بها وعزوفهم عن الديموقراطية كون الشورى نابعة من شريعتهم والديموقراطية مستجلبة من خارج بيئتهم، في حين أن الديموقراطية، مفردة إغريقية ونتيجة فكر إنساني يتمسك بها العلمانيون والليبراليون وطوائف أخرى، ويرجع تمسكهم بالديموقراطية كونها في نظر الآخذين بها تعلي من قيمة حرية الفرد.
وأضاف: «من خلال منشأ المفردتين يتبين أن هناك اختلافاً بيّناً بين الأمرين، فالشورى تعني تداول الرأي والبحث من أهل الشورى للوصول في القضايا المعروضة لما يحقق مصلحة الناس والمجتمع، من خلال النظر في الواقع في ضوء أدلة الشريعة والتقيد بها».
وأوضح أن الديموقراطية تعني استقلال الإنسان في اختياراته الفردية والمجتمعية من غير تدخل من أية أطراف خارج الإنسان سواء أكانت أعرافاً أم آيديولوجيات بما يعني حاكمية الشعب في ضوء المبدأ المشهور الذي مضمونه أن السيادة للشعب.
يختلف معه أستاذ أصول الفقه الدكتور محمد العبد الكريم الذي يرى أن الشورى تؤسس للمساواة بين الأفراد في اختيار الحاكم، وتخلق الإرادة الجماعية من العدم، وتواجه الملك الجبري والعضوض بالحاكم الشوري المنتخب، وتضع حداً لمصير الحاكم في حال تجبره أو قهره أو محاولات استفراده بالحكم تحت مشورة الأمة لاستبداله. وأكد أن الشورى بهذا المعنى السابق لا تختلف عن الديموقراطية إلا في الاسم فقط، فالجانب السياسي في الشورى المتعلق باختيار الحاكم يتطابق مع الديموقراطية، فلا إمارة إلا بشورى كما جاء عن عمر في وصيته لابن عباس قالها ثلاثاً، وجاء عند ابن أبي شيبة في المصنّف : «إنه لا خلافة إلا عن مشورة»، مؤكداً أن الديموقراطية تعني ألا ينتصب الحاكم رئيساً على الدولة إلا بالانتخابات الملزمة، والانتخاب هو بيعة الناس للحاكم الصالح للحكم.
يرى الأكاديمي في قسم الدراسات الإسلامية في جامعة الملك سعود فهد العجلان أن المقارنة بين الشورى والديموقراطية وإن كان شائعاً في الفكر المعاصر كما يقول إلا أن فيه قصوراً، وعلل ذلك بأن «الشورى لا تقابل الديموقراطية حتى يتم المقارنة بينهما، فالشورى ليست مقتصرة على الشأن السياسي، بل هي أشمل وأعمق، وأحد المواضع الثلاثة التي ذكرت فيها الشورى في القرآن كان في شأن أُسري، (فإن أرادا فصالاً عن تشاور منهم وتراض فلا جناح عليهما). وأوضح أن النظام السياسي ليس قائماً على الشورى فقط، ولهذا فالأدق أن تكون المقارنة بين النظام السياسي الإسلامي والديموقراطية، وهذا هو مقصد من يقارن بين الشورى والديموقراطية، إذ صاروا يعبرون بالشورى عن التصور الإسلامي للسياسة ونظام الحكم».
وأضاف: «إذا تقرر هذا فإن الخيار أمامنا هو النظام السياسي الإسلامي، وهذا أصل متفق عليه عند عامة المسلمين، ولا ينازع فيه إلا من تأثر بفكر علماني يقيم النظام السياسي بمعزل عن الوحي، وحضورهم فكرياً وشعبياً يعيش هذه الأيام في أضعف مراحله»، مشدداً على أن قيام النظام السياسي في شكل لا يعارض الإسلام هو ضرورة لا محيص عنها، وكل الحلول الأخرى ستفشل كما فشل غيرها، ولا خيار عن الحل الذي ينسجم مع هوية المجتمع المسلم، وهو النظام الذي يجعل الإسلام مرجعية الحكم فيه، وهو ما كان سائداً في تاريخ بلاد الإسلام كلها قبل عهود الاستعمار».
ولكن الكاتب منصور بن تركي الهجلة استغرب من استخدام مصطلح الشورى في العصور المتأخرة وكأنه يمثل النظام السياسي الإسلامي في مقابل مصطلح الديموقراطية، واعتبر هذا خطأً، لأن مصطلح الشورى - برأيه - استخدم في عهد الخلفاء الراشدين بمفهومه البسيط الذي يعرفه العرب، لذا من المبالغ فيه الزعم بمطابقته لمفهوم الديموقراطية حتى في المجال السياسي، ولا يرى الهجلة إلزامنا بهذا المصطلح أبداً، إذا علمنا أساساً بأمرين هما: عدم إطلاقية القيم بزعم مطابقة إدراكاتنا وإراداتنا لها، والثاني: أن مفهوم الشورى يصدق عليه أقل الممكن حتى في نظام استبدادي، لذا يعتقد أن مفهوم الشورى مفهوم خاضع للاجتهاد والتاريخ أي من ناحية مضمون الشورى وشكلها ومجالاتها.
أوضح الباحث الشرعي منصور الهجلة أن «هناك مفاهيم عدة تتجاوز مفهوم الشورى وتؤسس لشروط الدولة العادلة التي تتجاوز خصوصية ما يسمى بالنظام الإسلامي السياسي، لأن الإسلام دين كوني يفرض من الشروط ما يتجاوز الخصوصية، وبتتبع لآيات الكتاب نجد أن في القرآن مصطلحات عدة في المجال السياسي لم تأخذ حقها كشروط في مقام السلب تنفي الاستبداد، ومنها مصطلح الطغيان أو الطاغوت، ومصطلح الأرباب أو الاسترباب، ومصطلح الاستضعاف والاستكبار، والاستعباد ثم أخيراً الاستخفاف».
في حين لفت الأكاديمي فهد العجلان إلى أن المضمون المتعلق بجعل السيادة والتشريع حقاً مطلقاً لأحد ما، سواء أكان حاكماً أم شعباً أم مجلساً، بما يجعل له أحقية التشريع حتى وإن خالف الوحي، يعد مضموناً مناقضاً للتصور الإسلامي في نظام الحكم الذي يقوم على أن التشريع لله، وأن طاعة أي أحد مقيدة بألا تعارض الشريعة، فالقاعدة الشرعية أن لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فأية فلسفة تصادم هذا المبدأ مرفوضة».
وأضاف: «أما السلطة ومن يكون هو المستحق لها فهذا حق من حقوق الأمة تختار لها أصلح من تراه، ولا يجوز الافتئات عليها واغتصاب حقها في ذلك، وما عدا ذلك من تفصيلات إجرائية في كيفية اختيار الحكومة وآليات إدارة شؤون الدولة، فهو من مساغات الاجتهاد التي يختار منها خير ما يحقق مصالح الناس».
ونبه إلى أن الديموقراطية، إذا كانت متعلقة بأدوات حديثة تضمن انتقال السلطة في شكل سلمي، وتراقب أداء السلطة، وتفتح مجال المشاركة السياسية في سن الأنظمة والرقابة، ونحو هذه الأدوات والمجالات فهذا مقبول شرعاً بل منه ما يكون واجباً، أما إن كان لها صلاحية التشريع ولو بما يخالف الشريعة فهذه صورة نظام يقوم على فلسفة تناقض فلسفة الإسلام في النظام والحكم».
الدكتور العبدالكريم يقول بخصوص الفارق بين الديموقراطية والشورى: «ما عدا أحكام الوحي الثابتة القطعية، فالشورى أمام معطى بشري في فهم النص أو في تطبيقه، أو في استنتاج أحكام من القواعد العامة، إذ يمكنها التحرّك تحت سقف السياسة الشرعية ومعادلات المصالح والمفاسد المتغيرة بحسب الظرف والواقع، وهي تماثل الديموقراطية التي تتعامل مع المعطى البشري تحت سلطة الأغلبية».
وأكد أن إدخال الشورى في المعطى البشري ثبت عملياً، إذ روى البخاري أن النبي عليه السلام قال يوم الحديبية: «أشيروا علي أيها الناس». وجاء عن أنس «أن رسول الله شاور الناس يوم بدر»، والناس في زمنهم كما كانوا في زمن النبي عليه السلام لهم عرفاء ونقباء وهم نوّاب وممثلون كما في النظام الديموقراطي». وبوّب البخاري باباً عنوانه: «باب العرفاء للناس»، فالحاكم يستشير من اختارهم الناس، فليسوا أهل حل وعقد يختارهم حاكم جاء بالتغلب!
الدكتور الشريف يرى أن الفرق بين الديموقراطية والشورى واضح، إذ إن كل منهما ينتمي لمجال فكري مفاهيمي متباين تماماً، مع إمكان وجود اتفاق في بعض القضايا الإجرائية من ناحية الشكل، لأن هذه الإجراءات يتأثر مضمونها بالقاعدة المنطلقة منها، ومن ثم فالموافقة شكلية وليست حقيقية.
ويشير إلى أن الديموقراطية في الفهم العامي هي اختيار الشعب حكامهم بإرادتهم من غير أن يفرض عليهم من خارجهم، وأن يحاسبوا حكامهم إذا تجاوزوا الحدود، وفي الفهم التأصيلي عزل الدنيا عن الدين وهي بذلك تمثل الوجه السياسي للعلمانية، وفي الإسلام يتشاور المسلمون لاختيار حكامهم وفق الشروط والضوابط التي بينتها أحكام الشريعة، ولهم تقويمهم ومحاسبتهم ومن ثم عزلهم إذا خرجوا على الشريعة، مفيداً بأن الصورتين متشابهتين عند النظرة السطحية لاعتماد كليهما على آلية الاختيار، لكن عند النظرة المتعمقة التي تتجاوز المظهر أو الشكل إلى المخبر أو المضمون فالصورتان جد مختلفتان، نظراً لاختلاف الجذور التي يرجع إليها كل منهما، لافتاً إلى أن الديموقراطية تجعل التنافس والصراع من أجل امتلاك السلطة مشروعاً بل وهو مضمونها، وفي الإسلام التنافس في خدمة المجتمع وإيصال الخير للناس مطلوب من غير سعي لامتلاك السلطة بل إن ذلك السعي مذموم.
ويرى الدكتور محمد العبدالكريم أنه وفي ظل ضغط معطيات الفقه الاستبدادي الحديث الذي شرّع قبول الدولة «الشمولية» وفق منظومة تقنيات تشريعية تبدأ من القرآن والسنة والتأصيل العقدي ثم الإجماع واستثمار القواعد الفقهية، وتنتهي بمقولات الفقه الساساني ومرويات السلف، يصعب الحديث عن الشورى كمبدأ وكقيمة عليا، أو اعتبارها من عزائم الأحكام كما يرى ابن عطية، فضجيج الاستبداد بمنظومته التشريعية حاصر القيم التي تتناقض كلياً مع تفرد الحاكم ومن أهم القيم التي حوصرت مــبدأ الشــورى.
وأوضح أن أوجه الاتفاق بين الشورى والديموقراطية تتمثل في الشق السياسي المتعلق باختيار الحاكم والثاني في المعطى البشري المتعلق بالتشريعات، بشرط ألا تخضع الشورى لحاكمية فرد متغلب يختار أهل حله وعقده بنفسه، ويسلط مذهباً على الناس باسم الشرع، فهو تسلط وإن جاء في قوالب شكلية تتسمى بالشورى، في حين أن أوجه الاختلاف تتمثل فقط في توقف الشورى عن التدخل في إقصاء الأحكام التي مصدرها تشريع سماوي، إذ يلزم فيها التسليم المطلق، بخلاف الديموقراطية التي منشأ الاعتبار فيها للأغلبية باعتبار مركزية الإنسان على الكون.
أوضح الدكتور محمد شاكر الشريف أن بلدان الثورات العربية تسعى في شكل حثيث لنقل المجتمع من التخلف إلى التقدم ومن الاستبداد إلى الحرية ومن الفساد إلى الصلاح، ويقوم بهذا السعي كل محب لبلده، ونظراً للفوارق القوية بين الديموقراطية وبين الشورى، فإن أتباع كل اتجاه يسعون لإزاحة الآخرين - من الناحية النظرية - في محاولة الاستئثار لظنهن أنهم الأحق بالتصدر، ومن الناحية العملية ومن خلال خبرة الأشهر الماضية بعد قيام الثورات، فإن الديموقراطيين يسعون لإزاحة الإسلاميين ولو عن طريق استعمال وسائل مناقضة للديموقراطية كدعوتهم العسكر للاستيلاء على السلطة، على رغم وصولها للرئيس المنتخب عن طريق ديموقراطي (مصر نموذجاً) وهو دليل واضح على عدم إيمانهم بالديمقراطية واستعدادهم للانقضاض عليها إذا لزم الأمر ، والذي يظهر من تصرفات تيار عريض من الإسلاميين رغبتهم في التوافق والترافق وسعيهم لذلك ومن أمثلة ذلك إقامة تحالفات انتخابية بينهم وبين أحزاب ديموقراطية، وإن كنت أرى من وجهة نظري أن على الإسلاميين السعي لإزاحة غيرهم لكن عبر المسلك السلمي لأنه لا ينقصهم شيء وما عند غيرهم من الخير لا يحتاجون له لأن ما عندهم أفضل وأكمل.
الأكاديمي فهد العجلان يقول وبحسب المعطيات السياسية إن المستقبل هو لنظام لا يصادم التدين العام للشعوب المسلمة، فالخيار العلماني منبوذ تماماً، فالخيار الوحيد هو لنظام لا يعادي الإسلام ولا يرفض أحكامه، وهذا ما دفع بتقديم نماذج تلفيقية تسعى للمواءمة بين النظام السياسي الإسلامي والعلماني، فتقدم نماذج ليبرالية منسجمة مع التصور الغربي للنظام السياسي وتبحث في الوقت نفسه عن أصول تراثية وقواعد فقهية وأدلة شرعية لهذا النموذج الليبرالي، وقد يكون هذا النموذج هو البديل عن النماذج العلمانية الفاشلة في العالم العربي والإسلامي، والفارق الذي يفصل بين النموذج التلفيقي والنموذج السياسي الإسلامي هو مرجعية الشريعة وعلوها في النظام السياسي.
الرابط :
http://www.alhayat.com/OpinionsDetails/511950
واضح أن الإسلاميين تجاوزوا أزمة المصطلح إلى «المضمون»، ومدى انسجامه وتحققه في المجتمعات الإسلامية وخصوصاً العربية في شكل لا يتنافى مع مرجعية الشريعة الإسلامية، فضلاً عن أن صعود الإسلاميين على ركائب الثورات العربية والاستقطابات الحادة بينهم، عرّض المفاهيم الفكرية السياسية إلى كثير من التمحيص. الديموقراطية واحدة منها.
«الحياة» استطلعت طيف فكري متعدد الألوان، مهتم بتفكيك الارتباط وتحرير مواطن الخلاف والاتفاق، خصوصاً أن مصطلحي «الشورى والديموقراطية» يملكان زخماً تاريخياً متبايناً على أساس منطلقاتها الهوياتية والجغرافية. الباحث الدكتور محمد شاكر الشريف يرى أن الشورى والديموقراطية مصطلحان يتشابهان في المدلول، وربما يتماثلان عند طائفة من الناس، وعند آخرين يتعارضان بل ويتناقضان.
يقول: «الشورى مفردة عربية وردت في الكتاب والسنة يتمسك بها الإسلاميون، ويرجع تمسكهم بها وعزوفهم عن الديموقراطية كون الشورى نابعة من شريعتهم والديموقراطية مستجلبة من خارج بيئتهم، في حين أن الديموقراطية، مفردة إغريقية ونتيجة فكر إنساني يتمسك بها العلمانيون والليبراليون وطوائف أخرى، ويرجع تمسكهم بالديموقراطية كونها في نظر الآخذين بها تعلي من قيمة حرية الفرد.
وأضاف: «من خلال منشأ المفردتين يتبين أن هناك اختلافاً بيّناً بين الأمرين، فالشورى تعني تداول الرأي والبحث من أهل الشورى للوصول في القضايا المعروضة لما يحقق مصلحة الناس والمجتمع، من خلال النظر في الواقع في ضوء أدلة الشريعة والتقيد بها».
وأوضح أن الديموقراطية تعني استقلال الإنسان في اختياراته الفردية والمجتمعية من غير تدخل من أية أطراف خارج الإنسان سواء أكانت أعرافاً أم آيديولوجيات بما يعني حاكمية الشعب في ضوء المبدأ المشهور الذي مضمونه أن السيادة للشعب.
يختلف معه أستاذ أصول الفقه الدكتور محمد العبد الكريم الذي يرى أن الشورى تؤسس للمساواة بين الأفراد في اختيار الحاكم، وتخلق الإرادة الجماعية من العدم، وتواجه الملك الجبري والعضوض بالحاكم الشوري المنتخب، وتضع حداً لمصير الحاكم في حال تجبره أو قهره أو محاولات استفراده بالحكم تحت مشورة الأمة لاستبداله. وأكد أن الشورى بهذا المعنى السابق لا تختلف عن الديموقراطية إلا في الاسم فقط، فالجانب السياسي في الشورى المتعلق باختيار الحاكم يتطابق مع الديموقراطية، فلا إمارة إلا بشورى كما جاء عن عمر في وصيته لابن عباس قالها ثلاثاً، وجاء عند ابن أبي شيبة في المصنّف : «إنه لا خلافة إلا عن مشورة»، مؤكداً أن الديموقراطية تعني ألا ينتصب الحاكم رئيساً على الدولة إلا بالانتخابات الملزمة، والانتخاب هو بيعة الناس للحاكم الصالح للحكم.
يرى الأكاديمي في قسم الدراسات الإسلامية في جامعة الملك سعود فهد العجلان أن المقارنة بين الشورى والديموقراطية وإن كان شائعاً في الفكر المعاصر كما يقول إلا أن فيه قصوراً، وعلل ذلك بأن «الشورى لا تقابل الديموقراطية حتى يتم المقارنة بينهما، فالشورى ليست مقتصرة على الشأن السياسي، بل هي أشمل وأعمق، وأحد المواضع الثلاثة التي ذكرت فيها الشورى في القرآن كان في شأن أُسري، (فإن أرادا فصالاً عن تشاور منهم وتراض فلا جناح عليهما). وأوضح أن النظام السياسي ليس قائماً على الشورى فقط، ولهذا فالأدق أن تكون المقارنة بين النظام السياسي الإسلامي والديموقراطية، وهذا هو مقصد من يقارن بين الشورى والديموقراطية، إذ صاروا يعبرون بالشورى عن التصور الإسلامي للسياسة ونظام الحكم».
وأضاف: «إذا تقرر هذا فإن الخيار أمامنا هو النظام السياسي الإسلامي، وهذا أصل متفق عليه عند عامة المسلمين، ولا ينازع فيه إلا من تأثر بفكر علماني يقيم النظام السياسي بمعزل عن الوحي، وحضورهم فكرياً وشعبياً يعيش هذه الأيام في أضعف مراحله»، مشدداً على أن قيام النظام السياسي في شكل لا يعارض الإسلام هو ضرورة لا محيص عنها، وكل الحلول الأخرى ستفشل كما فشل غيرها، ولا خيار عن الحل الذي ينسجم مع هوية المجتمع المسلم، وهو النظام الذي يجعل الإسلام مرجعية الحكم فيه، وهو ما كان سائداً في تاريخ بلاد الإسلام كلها قبل عهود الاستعمار».
ولكن الكاتب منصور بن تركي الهجلة استغرب من استخدام مصطلح الشورى في العصور المتأخرة وكأنه يمثل النظام السياسي الإسلامي في مقابل مصطلح الديموقراطية، واعتبر هذا خطأً، لأن مصطلح الشورى - برأيه - استخدم في عهد الخلفاء الراشدين بمفهومه البسيط الذي يعرفه العرب، لذا من المبالغ فيه الزعم بمطابقته لمفهوم الديموقراطية حتى في المجال السياسي، ولا يرى الهجلة إلزامنا بهذا المصطلح أبداً، إذا علمنا أساساً بأمرين هما: عدم إطلاقية القيم بزعم مطابقة إدراكاتنا وإراداتنا لها، والثاني: أن مفهوم الشورى يصدق عليه أقل الممكن حتى في نظام استبدادي، لذا يعتقد أن مفهوم الشورى مفهوم خاضع للاجتهاد والتاريخ أي من ناحية مضمون الشورى وشكلها ومجالاتها.
هناك مفاهيم تتجاوز «الشورى» وتؤسس «الدولة العادلة»
جدة – عمر البدوي
الجمعة ١٠ مايو ٢٠١٣
في حين لفت الأكاديمي فهد العجلان إلى أن المضمون المتعلق بجعل السيادة والتشريع حقاً مطلقاً لأحد ما، سواء أكان حاكماً أم شعباً أم مجلساً، بما يجعل له أحقية التشريع حتى وإن خالف الوحي، يعد مضموناً مناقضاً للتصور الإسلامي في نظام الحكم الذي يقوم على أن التشريع لله، وأن طاعة أي أحد مقيدة بألا تعارض الشريعة، فالقاعدة الشرعية أن لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فأية فلسفة تصادم هذا المبدأ مرفوضة».
وأضاف: «أما السلطة ومن يكون هو المستحق لها فهذا حق من حقوق الأمة تختار لها أصلح من تراه، ولا يجوز الافتئات عليها واغتصاب حقها في ذلك، وما عدا ذلك من تفصيلات إجرائية في كيفية اختيار الحكومة وآليات إدارة شؤون الدولة، فهو من مساغات الاجتهاد التي يختار منها خير ما يحقق مصالح الناس».
ونبه إلى أن الديموقراطية، إذا كانت متعلقة بأدوات حديثة تضمن انتقال السلطة في شكل سلمي، وتراقب أداء السلطة، وتفتح مجال المشاركة السياسية في سن الأنظمة والرقابة، ونحو هذه الأدوات والمجالات فهذا مقبول شرعاً بل منه ما يكون واجباً، أما إن كان لها صلاحية التشريع ولو بما يخالف الشريعة فهذه صورة نظام يقوم على فلسفة تناقض فلسفة الإسلام في النظام والحكم».
الدكتور العبدالكريم يقول بخصوص الفارق بين الديموقراطية والشورى: «ما عدا أحكام الوحي الثابتة القطعية، فالشورى أمام معطى بشري في فهم النص أو في تطبيقه، أو في استنتاج أحكام من القواعد العامة، إذ يمكنها التحرّك تحت سقف السياسة الشرعية ومعادلات المصالح والمفاسد المتغيرة بحسب الظرف والواقع، وهي تماثل الديموقراطية التي تتعامل مع المعطى البشري تحت سلطة الأغلبية».
وأكد أن إدخال الشورى في المعطى البشري ثبت عملياً، إذ روى البخاري أن النبي عليه السلام قال يوم الحديبية: «أشيروا علي أيها الناس». وجاء عن أنس «أن رسول الله شاور الناس يوم بدر»، والناس في زمنهم كما كانوا في زمن النبي عليه السلام لهم عرفاء ونقباء وهم نوّاب وممثلون كما في النظام الديموقراطي». وبوّب البخاري باباً عنوانه: «باب العرفاء للناس»، فالحاكم يستشير من اختارهم الناس، فليسوا أهل حل وعقد يختارهم حاكم جاء بالتغلب!
الدكتور الشريف يرى أن الفرق بين الديموقراطية والشورى واضح، إذ إن كل منهما ينتمي لمجال فكري مفاهيمي متباين تماماً، مع إمكان وجود اتفاق في بعض القضايا الإجرائية من ناحية الشكل، لأن هذه الإجراءات يتأثر مضمونها بالقاعدة المنطلقة منها، ومن ثم فالموافقة شكلية وليست حقيقية.
ويشير إلى أن الديموقراطية في الفهم العامي هي اختيار الشعب حكامهم بإرادتهم من غير أن يفرض عليهم من خارجهم، وأن يحاسبوا حكامهم إذا تجاوزوا الحدود، وفي الفهم التأصيلي عزل الدنيا عن الدين وهي بذلك تمثل الوجه السياسي للعلمانية، وفي الإسلام يتشاور المسلمون لاختيار حكامهم وفق الشروط والضوابط التي بينتها أحكام الشريعة، ولهم تقويمهم ومحاسبتهم ومن ثم عزلهم إذا خرجوا على الشريعة، مفيداً بأن الصورتين متشابهتين عند النظرة السطحية لاعتماد كليهما على آلية الاختيار، لكن عند النظرة المتعمقة التي تتجاوز المظهر أو الشكل إلى المخبر أو المضمون فالصورتان جد مختلفتان، نظراً لاختلاف الجذور التي يرجع إليها كل منهما، لافتاً إلى أن الديموقراطية تجعل التنافس والصراع من أجل امتلاك السلطة مشروعاً بل وهو مضمونها، وفي الإسلام التنافس في خدمة المجتمع وإيصال الخير للناس مطلوب من غير سعي لامتلاك السلطة بل إن ذلك السعي مذموم.
ضجيج الاستبداد حاصر القيم
جدة – عمر البدوي
الجمعة ١٠ مايو ٢٠١٣
وأوضح أن أوجه الاتفاق بين الشورى والديموقراطية تتمثل في الشق السياسي المتعلق باختيار الحاكم والثاني في المعطى البشري المتعلق بالتشريعات، بشرط ألا تخضع الشورى لحاكمية فرد متغلب يختار أهل حله وعقده بنفسه، ويسلط مذهباً على الناس باسم الشرع، فهو تسلط وإن جاء في قوالب شكلية تتسمى بالشورى، في حين أن أوجه الاختلاف تتمثل فقط في توقف الشورى عن التدخل في إقصاء الأحكام التي مصدرها تشريع سماوي، إذ يلزم فيها التسليم المطلق، بخلاف الديموقراطية التي منشأ الاعتبار فيها للأغلبية باعتبار مركزية الإنسان على الكون.
الديموقراطيون ينقلبون على مبادئهم ويسعون إلى زاحة الإسلاميين!
جدة – عمر البدوي
الجمعة ١٠ مايو ٢٠١٣
الأكاديمي فهد العجلان يقول وبحسب المعطيات السياسية إن المستقبل هو لنظام لا يصادم التدين العام للشعوب المسلمة، فالخيار العلماني منبوذ تماماً، فالخيار الوحيد هو لنظام لا يعادي الإسلام ولا يرفض أحكامه، وهذا ما دفع بتقديم نماذج تلفيقية تسعى للمواءمة بين النظام السياسي الإسلامي والعلماني، فتقدم نماذج ليبرالية منسجمة مع التصور الغربي للنظام السياسي وتبحث في الوقت نفسه عن أصول تراثية وقواعد فقهية وأدلة شرعية لهذا النموذج الليبرالي، وقد يكون هذا النموذج هو البديل عن النماذج العلمانية الفاشلة في العالم العربي والإسلامي، والفارق الذي يفصل بين النموذج التلفيقي والنموذج السياسي الإسلامي هو مرجعية الشريعة وعلوها في النظام السياسي.
الرابط :
http://www.alhayat.com/OpinionsDetails/511950
تعليقات
إرسال تعليق