القاعدة” وجدت ملاذا في سوريا ولوثت ثورتها”
عمر علي البدوي
كان إعلان وفاة قائد القاعدة إيذاناً بالقضاء على الشخصية الكاريزماتية التي كان لها دور كبير في قدرة التنظيم على التجنيد وبث الأفكار وانتشارها في عقول الشباب المسلم، كان بن لادن يمثل صورة رومانسية بطولية بانتقاله من حياة الرفاهية والبذخ إلى جبال أفغانستان الوعرة في سبيل نصرة قضايا الأمة المسلمة، واختار عداء الولايات المتحدة الأميركية واستباحة ممثلياتها الدبلوماسية والاقتصادية كأهداف عسكرية في تاريخ صراعهما.
تزامن إعلان قتل لادن مع الثورات العربية التي انتشرت كالنار في هشيم الأنظمة العربية الجافة من قحط الحرية وجدب التنمية، رفعت الجموع العربية الثائرة شعارات تنادي بالحرية والديمقراطية والعدالة والمساواة بنفس الدلالات التي عرفتها الحضارة الغربية والقيم الأميركية التي اصطدم جموحها بتمنع التيار القاعدي، اعتبر المحللون تلك الشعارات تجاوزاً ثقافياً لفكر القاعدة وأفولاً لنجم هذا التنظيم الذي عاش عقداً وأكثر في مواجهة الأنظمة التي اعتبرها عميلة للإمبريالية الغربية.
كانت الثورات العربية تستهدف إسقاط الأنظمة العربية وإزاحة الحكام العرب في خمس دول قضى أقلهم عمراً أكثر من عشرين عاماً في منصب الحاكم المطلق دون نتيجة تنموية أو شرعية كافية، يشبه هذا بعض أدبيات تنظيم القاعدة التي عملت في جانب من أهدافها ومساعيها إلى إسقاط الأنظمة العربية الحاكمة لأنها في نظرها تختطف أمر هذه الأمة وتحتكم إلى القوانين الوضعية والأنظمة البشرية. سارع أيمن الظواهري وريث القيادة القاعدية وفي تسجيلاته المتعاقبة إلى محايثة الحلم العربي الذي انفجر عبر الانتفاضات الشعبية، وأدلى برأيه في مسألة الثورات ونادى الشعوب إلى تحكيم شرع الله وعدم الارتماء في أحضان المتربصين من أعداء الأمة الخارجيين، والزهد في أنظمة الحكم الغربية من الديمقراطية والحرية وبقية المصطلحات المشبوهة، تجاهلت الشعوب تلك النداءات المسجلة ولم تتجاوب معها بما يكفي من الاهتمام والعناية وانشغلت بفعلها الثوري وانغمست في أحلامها المستقبلية، فضلاً عن متلاحقات سقوط بعض الأنظمة العربية من وضع الدساتير وانتخاب الرؤساء وتنظيم شؤون الدولة والمراحل الانتقالية الملتبسة.
السلفية الجهادية
يمثل تنظيم القاعدة أقصى أفكار السلفية الجهادية وهو مصطلح أطلق منذ نهاية الثمانينيات على بعض جماعات الإسلام السياسي والتي تتبنى الجهاد منهجاً للتغيير، برز كتيار فكري مميز في عهد السادات. ويعلن هذا التيار أنه يتبع منهج سلف المسلمين، وأن الجهاد واجب عيني على المسلمين يتم تطبيقه ضد العدو المحتل وضد النظام الحاكم المبدل للشريعة الإسلامية ويحكم بالقوانين الوضعية أو النظام المبالغ في الظلم والقهر.
يعتبر تيار السلفية الجهادية نفسه تياراً مطبقاً للمنطق الإسلامي الصحيح المستقى من القرآن والسنة والإجماع متمثلاً في العقيدة وفقه الجهاد وفقه السياسة الشرعية في الحكم، فهو يرى أن التغيير بالقوة هو أنسب وأصح الوسائل للتحرر وتحكيم الشريعة وتصحيح البنية الأساسية الدينية والاجتماعية والسياسية.
التنظيم المبدد
لم تكن الثورات العربية بشعاراتها الحداثية وحدها إعلانا لتجاوز الفكر القاعدي، بل قبل هذا بكثير عندما انخفضت فاعلية التنظيم بفعل الضربات الأمنية والأخطاء الدموية للقاعدة في الداخل مما عجّل بتنازل الحاضنة الاجتماعية عن الرهان على القاعدة وعلى فكرها. اشتعال الثورات وقتل أسامة بن لادن لن يكونا إيذانا بانمحاء الفكر القاعدي أو تنظيماته المسلحة ولكنها كانت ضربات موجعة في جسدها المنهك، إذ ما زالت القاعدة تنشط في البلاد التي تنخفض فيها سيطرة الدولة (اليمن والصومال ومالي) فضلاً عن بقاء القاعدة كفكر خلاصي يستنجد به المطحونون في البلاد الغربية والعربية، كما حدث مؤخراً في بوسطن الأميركية.
شنت القوات الفرنسية حملة عسكرية واسعة على مجموعات مسلحة تنتمي إلى تنظيم الجهاد العالمي سواء بطريق الفكر أو بارتباط هيكلي بقيادة التنظيم، بالإضافة إلى حملات الطائرات الأميركية بدون طيار على الأراضي اليمنية والباكستانية لاقتناص القيادات المتشددة كأيمن العولقي وقائدة تنظيم الجزيرة العربية السعودي سعيد الشهري.
اشتعلت الثورات العربية من جسد البوعزيزي لتنتشر في أطراف تونس الخضراء لتنتهي بهروب زين العابدين بن علي، وامتد فتيل الثورة إلى العمق المصري المكتظ بالخيبات واختتمت بتنحي حسني مبارك من مقعد الحكم، توقف الامتداد الرومانسي للثورة على أعتاب ليبيا بعد أن اجتذبها معمر القذافي إلى وحل العسكرة، والتحمت تشكيلات سلفية جهادية مع ثوار ليبيا للإطاحة بالقذافي ونظامه، ولكن الحال لم يدم طويلاً بما يكفي لاكتمال الحضور القاعدي على الأراضي الليبية إذ حسمت مشاركة الناتو إلى جانب الثوار المخاض الصعب للثورة وذهبت النتائج إلى بر الأمان المدني.
القاعدة في سوريا… الكذبة الصادقة
الوضع مختلف بالنسبة للثورة السورية التي أخذت منعطفات حادة أسهمت في تشكيل كتائب أعلنت صراحة انتمائها إلى تنظيم القاعدة العالمي ومبايعة قائدها الحالي أيمن الظواهري، وأعلنت براءتها على لسان أميرها أبو محمد الجولاني من دولة العراق الإسلامية التي سبقتها بتصريح أشارت فيه إلى إشرافها على ما يسمى بجبهة النصرة لأهل الشام.
في البداية حاول النظام السوري بخبرته في توظيف أوراق الضغط واللعب على وتر المخاوف الغربية أن يشير إلى حضور تشكيلات قاعدية وتكفيرية على الأراضي السورية تقف وراء الهبة الشعبية، وكان الأسد دائما ما يذكر الغرب أن البديل له سيكون حكماً إسلامياً متشدداً من قبيل الأفغنة الطالبانية بعد دحر السوفيات.
لم يكن يخطر ببال الأسد حينها أن ذلك سيكون صحيحاً ولو بعد حين، حيث يواجه جبهة عسكرية محترفة وقادرة على الوصول إلى مناطق حساسة من ثكناته العسكرية والاستخباراتية بأساليبها القاعدية المعروفة.
جبهة النصرة لأهل الشام هي منظمة سلفية جهادية تم تشكيلها أواخر سنة 2011، وسرعان ما نمت قدراتها لتصبح في غضون أشهر من أبرز قوى الثورة وأقساها على جيش نظام بشار الأسد لخبرة رجالها وتمرسهم على القتال. تبنت المنظمة عدة هجمات انتحارية في حلب ودمشق.
قامت الجبهة بعدة عمليات كبرى ضد نظام بشار الأسد أبرزها تفجير واقتحام مبنى قيادة الأركان في العاصمة دمشق في أوائل تشرين الأول 2012، وكذلك تفجير مبنى المخابرات الجوية سيء الصيت في «حرستا» وأيضا نسف مبنى نادي الضباط في»حلب».
تعليقات
إرسال تعليق