جدة - عمر البدوي
الجمعة ١٤ يونيو ٢٠١٣
في الوقت الذي تنشئ فيه المؤسسات الغربية مراكز للأبحاث والدراسات تُعنى بواقع العالم العربي والإسلامي، تتخلف المؤسسات المحلية عن إنشاء هذا النوع من المراكز، إذ لا ترى مؤسسات تستشرف المستقبل، وتراجع حسابات الواقع لمصلحة تطوير آليات النهوض والتنمية، ومعالجة الإشكالات الحضارية والثقافية والفكرية المزمنة، التي تعطل مسيرة الأمة العربية والمسلمة.
في عدد من الأحيان تعود الحكومات والأجهزة السياسية الغربية إلى مراكز الأبحاث للاستنارة بخدماتها ودراساتها، فالولايات المتحدة الأميركية مثلاً ومع انطلاق ملامح الصحوة الإسلامية في العالم العربي والإسلامي، أولت مراكز الأبحاث والدراسات مزيداً من الاهتمام، وجمعت الكفاءات والقدرات الفكرية والسياسية للاستفادة منها في هذا المجال، للوصول إلى تصور واضح واستراتيجي عن هذه الظاهرة ومن أشهر مخرجاتها حتى الآن، تقرير مؤسسة راند التي يعمل فيها أكثر من 800 باحث، بموازنة لا تقل عن 150 مليون دولار.
منذ ظاهرة الاستشراق والمؤسسات الغربية تنتج مشاريع نقد ومراجعات مجتزأة وغير محايدة لمصلحة تغليب المركزية الأوروبية وتصفير قيمة المخزون الحضاري وتعتيم الرؤية المستقبلية للعالم العربي والإسلامي، وبقي الإسلاميون متجاهلين الدور الفاعل لمؤسسات ومراكز البحث والدراسات حتى وقت قريب، إذ بدأت تظهر بوادر خجولة في هذا الاتجاه.
في السعودية التي أصبحت تشكل ثقلاً علمياً ومالياً للتوجهات الإسلامية، انطلقت مراكز بحثية حديثة تلونت في تمثيلها لرؤى فكرية وعلمية تختلف في درجة اقترابها من السلفية كهوية صلبة للسعودية، وتبتعد باتجاه رؤى إصلاحية وتنموية متخففة من ثقل المحددات السلفية المتينة.
ومن جهة الإنتاج البحثي والدراسي للمراكز الجديدة، لم تتجاوز المحاولات المتواضعة في هذا الإطار واعتمدت غالباً على إنتاج مثقفين ومفكرين مغاربيين واستطاعت في القليل النادر أن تزفّ كفاءات محلية إلى ساحة البحث العلمي المحكم أو تقديم دراسات مميزة وثرية، ويبدو أن طراوة التجربة وحداثة الانطلاق تلعبان دوراً في ذلك.
يعتقد المشرف على مركز نماء ياسر المطرفي، أن الإسلاميين تأخروا في إنشاء مراكز بحثية تهتم بالتأصيل العلمي للقضايا الراهنة، وأكد أن ثمة تأخراً في عموم الوطن العربي في خصوص مراكز الأبحاث، فالتأخر يشكل جميع المكونات الفكرية، والبيئة العربية لا تزال لا تحتفي بأهمية البحث العلمي ولا تقدر أهميته الاستراتيجية، ولكن ثمة بدايات واضحة للعمل البحثي نلاحظها اليوم.
ويقر المشرف على موقع ومركز المحتسب المهتم بالدراسات المتعلقة بالحسبة وهيئات الأمر بالمعروف في السعودية الدكتور عبدالله الوطبان بأن الإسلاميين تأخروا في إنشاء مراكز بحثية مقارنة بالحاجة الملحة وحجم المراكز البحثية عند الغرب والأمم الأخرى.
وأرجع ذلك إلى ضعف نشاط المجتمع المدني، إذ «هناك اعتماد على المؤسسات الرسمية؛ فالجهود المستقلة قليلة ومتأخرة».
وحول السؤال عن كون المراكز البحثية ذات التوجه الإسلامي تقوم على ردات الفعل تجاه الأطروحات المقابلة ولا تقدم مشاريع نهضوية مستقلة يقول الوطبان: «هذا الكلام له رصيد من الواقع، والسبب مبني على الجواب الأول، إذ لم تتكامل الرؤى بما فيه الكفاية بعد، وينتج من هذا قلة أو ضعف المشاريع المستقبلية التي تأخذ بزمام المبادرة، أضف إلى ذلك ضعف الدعم المادي لهذه المراكز».
ولكن المطرفي لا يعتبر الاستجابة لرد الفعل سلوكاً سلبياً، فكثير من التحولات التي حصلت على الصعيد العلمي أو الفكري أو السياسي كانت قائمة على رد الفعل بحسب قوله، واعتبر الإشكال الحقيقي هو الارتهان لرد الفعل والانخراط الكامل فيه والذي يؤدي إلى فقدان الرؤية المتوازنة والمتكاملة للمشاريع.
وهذا الإشكال واقع في عدد من مراكز الأبحاث الإسلامية، التي غلبت جانب النقد على جانب البناء والتكوين، وهذا الإشكال ستظهر آثاره بعد زمن عندما نجد أنفسنا نعرف على وجه التفصيل حقيقة الخطأ لكننا لا نعرف حقيقة الصواب.
وحول ما تقدمه المراكز البحثية ذات التوجه الإسلامي هل هو جديد أم تتبنى الطرح القديم بأساليب محدثة؟ قال المطرفي: «إن ثنائية القديم والجديد لا تحيل إلى أساس علمي وموضوعي، وإنما تحيل إلى أساس زمني مجرد، والزمن وحده ليس المعيار وإنما هو أحد المعايير، ولذلك فلست أرى جدوى من تحديد تموضع المراكز بين الجديد والقديم، وإنما الثنائية التي نحتاج إلى معرفة موقع المراكز منها هي ثنائية التجديد والتقليد»، مؤكداً أن المراكز البحثية الإسلامية تحتاج إلى كثير من التقدم في رؤيتها التجديدية على مستوى الأدوات، والخيارات، وأنماط البحث، وآليات الخطاب.
المطالبة بتوحيد ألوان الطيف الإسلامي مثالية وغير ممكنة
وعن مدى قدرة الإسلاميين على التخلص من تلوناتهم الداخلية وإنشاء مراكز بحثية تتبنى التوجهات العريضة داخل الخط الإسلامي، أكد ياسر المطرفي أن المطالبة بتوحيد ألوان الطيف الإسلامي هي مطالبة مثالية وغير ممكنة، وأن كل لون يحتاج أن يعبر عن نفسه بكل وضوح، ولكن الإشكال ألا يحاول لون إلغاء اللون الآخر، فالتعدد مطلوب ولكن هذا لا يعني عدم التعاون بين هذه الأطياف، وهذا أمر مهم للغاية وسيسهم في نقل الخبرات والكفاءات الجادة في عموم هذه المراكز.
واتفق الوطبان مع المطرفي بقوله: «هدف الجميع واحد وهو النهوض بالأمة الإسلامية وتحقيق مشروعها الذي اختارها الله للقيام به، والهدف وإن كان مشتركاً فإن طرق الوصول تتنوع بتعدد الاهتمامات والتخصصات وما يتقنه كل إنسان، لذا تتعدد الواجهات والوسائل لتحقيق هذا الهدف، فلعله اختلاف تنوع لا تضاد».
وأضاف المطرفي عن قراءته للتجربة في شكل عام وعن أهم التحديات التي تواجهها المراكز البحثية: «التجربة لا تزال حديثة، وهي محاولات جديرة بالتشجيع والتحفيز، وأهم التحديات التي تواجهها، سياسات الإنتاج، وأن تكون ضمن رؤية علمية ومنهجية واضحة وألا يكيفها المزاج الخاص، وسياسات التمويل، فهناك أزمة حقيقية في عملية تمويل العمل البحثي، ما يجعله يتعثر في كثير من الأحيان، وسياسات التسهيل لعمل المراكز، فالواقع الإداري كثيراً من يعقد سير مجموعة من سير مراكز الأبحاث».
والأمر نفسه بالنسبة للوطبان، إذ اعتبر أن التجربة وليدة وتحتاج عناية من حيث توافر الطاقات، وقناعة الجهات المانحة لدعم المراكز، واعتراف المؤسسات الرسمية المرتبطة بالشأن الدعوي الإسلامي بها، والتواصل معها وطلب التعاون والخدمة المقدمة، أما التحديات فأهمها عدم توافر الدعم الكافي، وعدم توافر الطاقات المتمكنة في الرؤى الاستراتيجية .
تعليقات
إرسال تعليق