التخطي إلى المحتوى الرئيسي

وانْقضَى العَامْ !!

شاب قادم من المجهول يبدو في مظهر جميل ويكتسي حلة أنيقة فاخرة ، النظارة والبشاشة تنطلق من وجهه المشرق بالحياة والوضاءة مسكوبة في ملامحه الدقيقة يمشي في طريق محفوف ببساط أخضر مد البصر تتخلله زهراوات مائسات وأسراب النحل تداعب أوراقها الملونة ، الشمس على الجانب الشرقي تتواطئ مع وقع قدمي هذا الشاب الذي يمشي في تبختر وجموح ويمضي في عنفوان وانطلاقة والصحة تظهر في متانة منكبية وضخامة جسمه .
وشيئاً فشيئاً ..! حتى يبدو له أحدهم قادم يغطي جسمه برداء متسخ مهترأ والطريق تضيق والبساط الأخضر يتبدل إلى صحراء مقفرة والأزهار إلى أشواك كادات وغصون يابسات وأسراب النحل المختالة إلى لفحات رياح ملتهبة .
ذلك القادم يقترب ..! إذ به شيخ وقور ملئ الشيب وجهه وانحنى ظهره من طول العمر والأوهان تكبل أطرافه وتثقل حركته وتبدو خلفه منازل مهدمة ومبانٍ خربة والدخان يملئ السماء والدماء تعصف بالمكان والجثث ملقاة في كل مكان ، يستوقفه الشاب والغرابة تعتريه :
- ما بالك يا شيخ ؟
- هيه .. لا تسألني يا فتى عندما كنت في مبتدأ العمر وعلى هذه الطريق مرّ بي هذا الموقف كأنني به اللحظة ، واليوم كما تراني انتهت مهمتي وحان أجلي وآن لي أن أصفد بكفن النهاية وأبقى حبيس الذكريات .
- وما هذا الدم الذي ينزف من كتفك الأيمن ؟
- إنه جرح غائر في جسد الأمة يربو عمره على الخمسين عاماً وأكثر ولم يندمل بعد !! لقد عاث العدو في أرضها فساداً وأنزل بأهلها نكالاً ولم تتحرك اليد اليسرى لتجفف الدماء وتوقف النزيف وتطبب الجرح .
- وما خبر تيك الديار التي تبدو خلفك ؟
إنها بغداد خبرها مثير وفزعها كبير ، ألم تسمع ببغداد منذ قبل ؟ إنها حاضرة الرشيد وحاضنة التاريخ وأرض الخلافات وموطن الحضارات بلد عتيق وإرث تاريخي عظيم لم يبق منه شيء ، تعاقب على حكمها الجبابرة والطغاة فجاءهم من أطغى منهم وأكبر من جبروتهم فحولها إلى بئر فساد وبرك دماء وهي تنتظر فرج الجبار العظيم .
انزعج الشيخ من الشاب فأعرض عنه وهمّ بمواصلة طريقه وهو يمشي على ثقل وقدميه لا تكاد تقوى على حمل ذلك الجسد المجهد ، بينما الشاب يقلب ناظريه في تقاسيم وجه الشيخ وهو يتمتم بكلمات غير مفهومة ليستوقفه الشاب لحظة ليسأله بماذا يتمتم :
- إني أقول يا هذا : إلا رسول الله !!
- وماذا تعني بهذا ؟
إنه محمد – صلى الله عليه وسلم – رسول الله الكريم أخطأ في حقه الكفار ونال من عرضه الفجّار واكتفى العرب بالمقاطعة رداً للثأر ، وما لبثت أن هدأت تلك الغضبة وسكنت تلك الحركة وكأن شيئاً لم يكن .
- أيها الشيخ المسكين أعرني هذا الرداء لعله يكون لي كساءً عندما أغدو بمثل سنك هذا .
- تعال يا فتى ، انزعه من على جسدي .
يأخذ الشاب الرداء ويضعه على كتفه وتحجب عنه سحب الدخان السوداء بينما الشيخ يواصل طريقه ليقف لحظة فيمسح دموعه ولحظة يمضي إلى ...... المجهول .


عمر علي البدوي
4 / 1 / 1428 هـ

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

السعوديون يحتفون بالذكرى السابعة لبيعة الملك سلمان

خادم الحرمين رافق مراحل التنمية على مدى 60 عاماً   الاثنين - 3 شهر ربيع الثاني 1443 هـ - 08 نوفمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15686] الرياض: عمر البدوي وبندر مسلم يحتفي السعوديون اليوم بالذكرى السابعة لتولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في 23 يناير (كانون الثاني) الموافق (3 ربيع الثاني 1436هــ) ومبايعته ملكاً للبلاد، ورائداً لمرحلة جديدة تخوضها السعودية منذ وصوله قبل ٧ سنوات، كسابع ملوك المملكة بعد إعلان توحيدها عام 1932. الملك سلمان بن عبد العزيز الذي رافق مراحل مفصلية من عمر البلاد، اختبر خلالها المفاصل التاريخية التي آلت بالسعودية إلى ما هي عليه اليوم من تنمية وازدهار، ومن موقعه سابقاً، حيث كان أميراً لمنطقة الرياض لأكثر من خمسة عقود وتسميته أميراً لها عام 1955 وهو في عقده الثاني من العمر، راقب البلاد وهي تنمو. حتى أصبح قائداً للبلاد، وشاهداً على نهضتها الجديدة، في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية والتنظيمية، والأعمال والمشاريع والمبادرات السريعة والمتلاحقة على المستويين التنموي والاجتماعي، والتي أضحت بفضلها السعودية منافساً تلقائي...

«تتبع الحجارة» عنوان 100 يوم من الفن المعاصر في بينالي الدرعية

السعودية تشهد اليوم واحدة من أكبر المناسبات الفنية العالمية   السبت - 7 جمادى الأولى 1443 هـ - 11 ديسمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15719] الرياض: عمر البدوي أصبح حي جاكس جاهزاً لانطلاق الدورة الأولى من بينالي الدرعية للفن المعاصر، واستقبال المتطلعين لزيارة واحدة من أكبر المناسبات الفنّية العالمية، ابتداءً من اليوم (السبت)، حتى 11 مارس (آذار) المقبل، وهو أول بينالي دولي يتطرق لموضوعات وأشكال الفن المعاصر في السعودية، ويعرض أعمالاً لفنانين عالميين ومحليين، مع مجموعة من الورش الثقافية والتجارب الممتعة. يأتي بينالي الدرعية، كتجربة استثنائية، ومنصة إبداعية تمتد لمائة يوم، تكشف جوهر الفنون السعودية بمختلف أنماطها، وتُفسح للفنانين مساحات للحوار وإثراء تجاربهم، لتعزيز المشهد الثقافي والفني، وتمكين المواهب المحلية، واستقطاب مجموعات الفنانين الدوليين لإغناء الحدث الفني المهم. وقال راكان الطوق، المشرف على الشـــؤون الثقافية والعلاقات الدولية في وزارة الثقافــــة الســـــعودية، إن استضافة المملكة لأول بينالي للفن المعاصر، يعدّ إنجازاً استثنائياً، وإن أهميته تأتي من كونــــه نقطة التقــــــاء للعالم،...

ماذا يخطر في بالك ( 5 ) ؟

هنا أنقل بعضاً من منشوراتي على صفحتي في ( الفيس بوك ) . راجياً لكم النفع والفائدة  . ضعف التقدير يقود إلى سوء التقرير . .................. كلما كان واقعك ثرياً وغنياً ، بارت بضاعة خيالك الواهم . …………… إذا أحببت شيئاً ثم التقيت به بعد غياب فكأن الروح ردت إليك بعد غيبة الموت ، أو العقل عاد بعد جنون ، أو الذاكرة استفاقت بعد غيبة . كل الأشياء الرمادية تسترجع ألوانها الزاهية ، والروائح الزاكية تستجرّ عنفوانها ، والمشاعر اللذيذة تستعيد عافيتها . ما يفعله الشوق بك من ذهاب العقل وغيبة الذاكرة وموات الروح ، يفعل بك الوصل أضعافه من الفرح والطرب والنشوة . لقد جُبل هذا القلب على الإلف بما يحبه والتعلق به حتى يكون بمثابة الطاقة الموصولة بألياف الكهرباء ، أو الزيت الذي يقدح النور ، والجمر الذي يستفز أعواد البخور . وإذا غاب المحبوب واستبد بك الشوق انطفأ نور الوجه وضاقت النفس وذهب الفرح حتى يعرف ذلك في حدة طبعك وانغلاق عقلك وعبوس وجهك ، فإذا التقى المحبوبان والتأم القلب عادت المياه لمجاريها وشعشع الوجه واتسع الثغر وانفرجت الأسارير . سبحان من خلق . ……………… إذا كنت...