التخطي إلى المحتوى الرئيسي

دع أعمالك تتحدث

لا يعبأ الناس بنجاحاتك ولا يحفلون إلى أي مستوى صرت إليه فكل مشغول بأمله منكب على عمله ، سرقت طموحاته كل وقته وأتت أحلامه على جل دهره ، يعيش نجاحاته مع نفسه ويحتفل مع ذاته ويأنس بها .
فهل لك من عمل لا تنتظر فيه مدح فلان أو ثناء علاّن ، فلا تأمل بشيء من هذا ولا تتمناه ، فهم عن ذلك مشغولون وعن الاهتمام بك مقطوعون ، إن عملاً رجوت به وجه فلان أو القرب من علاّن لن تنتفع به ولن يعود عليك بخير .
" إذا كان يوم القيامة جيء بالدنيا فيميّز منها ما كان لله ، وما كان لغير الله رمي به في نار جهنم " البيهقي .
كثير من الناس يعمل على أن يحقق ذاته ويكتب اسمه بحبر الخلود على صفحة الحياة التي لا تتسع للقانعين بالدون ، ويحفرون إنجازاتهم على صخر التصميم والإصرار ، لكن البعض الآخر يبقى يحفر ويحفر وإذا به قد أتم حفر قبره ليجهز على نجاحاته في مقبرة النجاح الزائف ويلحد أفكاره التي لم يعمل بها إلا رياء الناس .
قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : " إذا جمع الله الأولين والآخرين ليوم القيامة ، ليوم لا ريب فيه ، نادى منادٍ : من كان أشرك في عمله لله أحداً ، فليطلب ثوابه من عنده ، فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك " الترمذي .
ألم تسمع بأمر النية ؟!
فلربما قدّم الإنسان عملاً يسيراً غير ملفت لكن ناله من الأجر بأمثال الجبال وجبّت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر ، وآخر أجهد نفسه وأرهق بدنه وكد جسمه وجاد بماله ووقته وراحته في سبيل مشروعه الذي أراد به نفع الإسلام والمسلمين ثم لا ينال منه غير الجهد والمشقة والتعب .
ولا تأخذك الغرابة كثيراً فالأول صاحَب عمله إخلاص لله ونية صافية مقبلة إليه لا يشرك به أحداً ، والآخر أراد مدح فلان ومراءاة علاّن وسمعة تجلجل باسمه في الآفاق ثم أجراً يظله يوم القيامة ، فما نال هذه ولا تلك .
عن المقداد بن الأسود قال سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول : " تدنو الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل ، فيكون الناس على قدر أعمالهم ... الحديث " مسلم .
وهكذا الدنيا وإن حفظ للمرء ذكره وطبّق اسمه في البلاد والآفاق ، فإنما تحفل بعمله وأثره الذي أبقاه محفوراً في ذاكرة البشرية لأن العبرة بحجم المشروع الذي قدمه للأمة وانتفع به الناس أما الاسم والقبيلة والنسب لا تغني بقدر الثمن الباهض للعمل والقيمة الرفيعة للمشروع الفعلي ، { وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُم مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً } مريم 98 .
ولعله مما يستملح نقله هنا حديث أديب المشايخ وشيخ الأدباء / علي الطنطاوي – رحمه الله – يقول : " ولطالما كنت أخطب في الحشد الكبير ، أو أتكلم في الإذاعة أو الرائي ، وأحاديثي فيهما كلها ارتجال ، ليس أمامي ورقة مكتوبة أقرأ فيها ، فأستطرد وأخرج عن الخط ، فإذا انتهى الاستطراد ، وقفت كما وقف حمار الشيخ في العقبة ، فلا أذكر من أين خرجت ، ولا إلى أين أعود .
ولا تسألوني من هو هذا الشيخ ، فإن المثل خلّد ذكر الحمار ، ونسي اسم الشيخ ، ليعلمنا أن خلود الأسماء ليس الدليل على عظمة أصحابها " .
تقول الصوفية : " ادفن وجودك في أرض الخمول ، فما نبت مما لم يدفن لا يتم نتاجه " ، وكم من مرء لم نسمع حتى باسمه فضلاً عن إنجازه إلا عند موته .
صديقي .. اصمت ودع أعمالك تتحدث !

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

تمجيد صدام حسين المجيد

كان يمكن للقصة الشهيرة التي تداولها عامة العرب عن صورة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين مطبوعة في كبد القمر أن تكون مجرد مزحة عابرة تذوب مثل قطعة ثلج أو تتبخر مثل بؤرة ماء، ولكن القصة المختلقة التي شاعت عشية تنفيذ حكم الإعدام في حقه من قبل الحكومة العراقية بعد إسقاط نظامه وتفكيك الدولة العراقية نتيجة حرب خاضها حلف دولي تقوده الولايات المتحدة، تمكنت في أذهان جيل بأكمله وتطورت إلى أشكال متجذرة لترميز الرئيس العراقي المخلوع. أصبح صدام ذا شعبية أكبر لدى قطاعات واسعة من الشباب العربي، فبإمكانك أن تلاحظ حجم الصور التي تنتشر له والأقوال المختلقة في محاولة لاستنطاقه بما يتمناه الشاب العربي من خطاب مشبع بالأنفة والاعتزاز ضد غطرسة الجانب الغربي من العالم أو الطائفة الشقيقة للغالبية السنية في الشرق الأوسط. لا تبدو سيرة صدام حسين مثيرة للإعجاب في التاريخ، فهو مجرد حاكم عربي عسكري يشبه أترابه ممن يقبض على سدة حكم الجمهوريات العربية المرتبكة في تقديم هوية سياسية ونظام حكم متماسك، يضاف إليه بطش أهوج وديكتاتورية مطبوعة بنزقه الشخصي وجنون العظمة الذي أودى بمستقبل العراق وشعبه في جملة من المغا...

«بيت الرشايدة».. «وقف» تحول «أكاديمية» تحتفظ بأسرار جدة

جدة – عمر البدوي   تسجل حارات وأزقة جدة القديمة، التي لا تزال تحتفظ بروحها وعبق تاريخها في الأبنية الشاهقة، وهي تقف في قلب المنطقة التاريخية، شهادة على النواة الأولى التي انبثقت منها واحدة من أهم المدن التجارية في تاريخ المملكة والشرق الأوسط. في حارة الشام، وتحديداً في شارع أبو عنبة، يقف معمار أخضر شامخاً بين أبنية المنطقة، على باب المبنى لوحة نُحتت عليها آية قرآنية، وأرّخت اللوحة في العام 1301 للهجرة. ويُسمى هذا المعمار «بيت الرشايدة»، نسبة إلى بانيه محمد عبدالرشيد، ويتكوّن من أدوار عدة، وأوقفه الرشيد علي العثماني في العام 1333هـ، بيت الرشايدة أو البيت الأخضر من أجمل البيوت التراثية وسط جدة القديمة، ويعود عمره إلى أكثر من 150 سنة. وتعود تسمية البيت إلى قبيلة الرشايدة التي ينتمي إليها بانيه وموقفه، وهي من القبائل المهاجرة من الحجاز وإليه. إلا أن ملكية البيت الآن تعود إلى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية. ولأن البيت خلال الستينات الميلادية من القرن الماضي، احتضن نشاطاً أكاديمياً، تحول الآن وبفضل أحد فنّاني جدة إلى «أكاديمية حديثة»، بعدما استأجر...