وقد أسدل النهار ستاره ، واستأذن الليل أن يقوم بمهمته وسرى يطبق بظلمته في جنبات قرية الصفة وأرجائها .
اقترب الليل من منتصفه ، والنوم لم يزرني بعد !! لكأن موعداً ينتظرني في الخارج ، أرقني انتظار النوم طويلاً وعيناني لا ترتضى أن تغفو ، فالجفن لم تزل فيه بقايا يقظة والفكر يعتمل في نشاط مستمر .
وإذا ما يئست من مجيء النوم أخذت بتلابيب ثيابي وارتديت زيّ الخروج ، أطلق لقدماي عنانها وأرفع عن عيني لجامها ، أنتشي بعض هواء وأتنفس الصعداء .
حينها أخذت في السير حول قريتنا الوادعة الصغيرة وفي الشارع المضاء خلف حارة القهر ، لم أكن أرغب غير الترويح عن نفسي وارتياض البدن قليلاً ، علّ شيئاً مما كدر النوم أن يزول ويأذن للراحة بالحلول .
غير أنني في طريقي بدأت أقلب ناظري في بيوت عامرة قد تطاولت ، وأخرى وضيعة قصرت ، ومنازل بنيت على خير طراز وأحسن عمار ، وأخرى تبدّى البؤس في كل لبنة من لبناتها .
فأثار ذلك في نفسي حديثاً ذو شجون في نفسي : هل كانت النفوس التي تسكن هذه المنازل بمثل بيوتها من حسن وجمال أو فاقة وعوار ، أم أن الظواهر قد دثرت الحقيقة وغيبت الواقع .
وقتئذ شاقني الحديث عن أناس بمثل هذه المنازل قد عمرت قلوبهم وعظمت نفوسهم إلى قدر يطاول به البنيان ويرقى لأعلى مما كان ، وأخرى أقعدها الكسل وأقنطها اليأس وأحبطها التثاقل عن العمل والتشاغل عن النجاح .
عمر البدوي
الأحد 23 / شعبان / 1429 هـ
تعليقات
إرسال تعليق